«جيوبوليتكال فيوتشرز»: مقتل «صالح» يعيد اختبار توازن القوى في اليمن

الأربعاء 6 ديسمبر 2017 04:12 ص

من منظور إنساني، تعد الحرب الأهلية اليمنية مأساة أزهقت آلاف الأرواح. ومن وجهة نظر جيوسياسية، فإنها مكان آخر حيث يتنافس اثنان من القوى الرئيسية في الشرق الأوسط، السعودية وإيران، على النفوذ.

وعلى مدى الأيام القليلة الماضية، يبدو أن الأزمة قد اتخذت منعطفا آخر. وكان الرئيس اليمني السابق «علي عبدالله صالح» قد انفصل عن شركائه في تلك الحرب، المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران، بعد اشتباكات وقعت في العاصمة صنعاء، التي كان يسيطر عليها تحالف «الحوثي-صالح». ثم، في 4 ديسمبر/كانون الأول، تم قتل «صالح» في خضم قتال بين موالين له وشركائه السابقين. ويخضع الحوثيون الآن لاختبار حقيقي، وستؤثر نتيجة هذا الاختبار تأثيرا كبيرا على مسار الحرب في اليمن.

كيف وصلنا إلى هنا؟

بدأت آخر مرحلة من النزاع في اليمن عام 2014، وشملت تحالفين رئيسيين. تحالف «الحوثي - صالح» من جانب، والذي تفكك الآن. ومن جهة أخرى، التحالف بين المملكة العربية السعودية وحكومة الرئيس «عبدربه منصور هادي»، الذي جاء إلى السلطة بعد تنازل «صالح» عام 2011، في أعقاب انتفاضات الربيع العربي. ويعيش «هادي» حاليا في المنفى بالرياض، التي تدخلت في الحرب لمنع التحالف المدعوم من إيران من الاستيلاء على البلاد.

وحكم «صالح» اليمن لأكثر من 30 عاما، وكان مؤيدا قويا للسعودية. فلماذا، بعد ذلك، شارك في تحالف مع مجموعة تدعمها إيران، المنافس الإقليمي للمملكة؟ لقد تم إجباره على التخلي عن منصبه، ولم يتمكن راعيه السابق - المملكة العربية السعودية - من منع ذلك المصير.

وبعد محاولة اغتياله، أدرك أن السعودية لا تستطيع ضمان سلامته، وأن العمل مع الحوثيين هو السبيل الوحيد لاستعادة السلطة. وعندما انضمت قوات «صالح» إلى الحوثيين، سرعان ما استولوا على صنعاء عام 2014. وتدخلت السعودية - نيابة عن الحكومة المعترف بها دوليا بقيادة هادي- لمنع تحالف «الحوثي - صالح» من إسقاط الحكومة وتحويل البلاد إلى وكيل إيراني.

ولكن في الأسبوع الماضي، كسر «صالح» تحالفه مع الحوثيين، وأعلن ​​يوم 2 ديسمبر/كانون الأول أنه مستعد للدخول في مناقشات مع السعوديين. وعلى الرغم من أن ذلك لم يكن مفاجئا تماما، نظرا لعلاقات «صالح» السابقة بالمملكة، إلا أن التخلي عن تحالف المتمردين كان سيترك الحوثيين في عزلة. وبعد أيام فقط، اغتال الحوثيون «صالح»، مما يثير التساؤل حول نوع الصفقة التي كان يفكر صالح في إبرامها مع القادة السعوديين. (الصورة: خط زمني لتطورات الأحداث في اليمن)

وفي صنعاء، اندلع الاقتتال بين مؤيدي «صالح» والحوثيين. واستغلالا لتلك الفرصة، أمر «هادي» قواته في 4 ديسمبر/كانون الأول بالتوجه إلى العاصمة. وبما أن «صالح» كان له دور أساسي في تمكين الحوثيين من أخذ صنعاء بسرعة من الحكومة، فقد أدى انهيار التحالف ووفاة «صالح» إلى انقسام داخل تحالف المتمردين السابق، ويأمل «هادي» في استغلاله قبل أن يتمكن الحوثيون من التعافي.

ولم يكن «صالح» مجرد زعيم سياسي ماهر، بل كان أيضا من كبار المسؤولين في الجيش اليمني. وحاول الهروب بلا شك مع حراسة أمنية. لكن قدرة الحوثيين على تحديد مكانه بسرعة، واختراق أمنه وقتله، تعد علامة على أن الحوثيين - وبالتالي الإيرانيين - يسيطرون بشكل كبير على السلطة، مع قدرات استخباراتية قوية، في جزء من البلاد. ولكن مع انقسام تحالف المتمردين الآن، يواجه الوكيل الإيراني تهديدا خطيرا لموقفه في صنعاء.

رد إيران

وردا على الاضطرابات، قال الرئيس الإيراني «حسن روحاني» إن المشاكل الداخلية في اليمن «ينبغي حلها من خلال الحوار، لمنع الأعداء الأجانب من الإساءة إلى الدولة اليمنية». وهناك طريقتان لتفسير تعليق «روحاني».

أولا، قد يكون قد شعر بالقلق من أن موقف الحوثيين - وبالتالي إيران - في اليمن أصبح تحديا خطيرا، لدرجة أنه قد يكون على استعداد للدخول في حوار.

والتفسير الثاني، هو أن «روحاني» يريد ببساطة بدء المفاوضات، ولكنه يعتزم إبقاء القتال لكسب أكبر قدر ممكن من النفوذ في المفاوضات. ومن شأن استمرار القتال والمفاوضات أن تمكن إيران من تحقيق أهدافها في اليمن، في المجالين الدبلوماسي والعسكري في نفس الوقت.

ومن الأسهل تحقيق أهداف إيران في اليمن عن أهداف السعودية. وتريد المملكة التخلص من النفوذ الإيراني في شبه الجزيرة العربية، الأمر الذي يتطلب القضاء على الوكلاء الإيرانيين في اليمن، وهي مهمة أصعب بكثير من مجرد إبقاء الحرب مستعرة لإجبار السعودية على تحويل مواردها وقواها البشرية إلى اليمن. وسوف تكون النتيجة المثالية لإيران خروج قرار بدمج الحوثيين في شكل من أشكال الحكومة الشرعية، على غرار وضع حزب الله في لبنان. وإذا لم يحدث ذلك، فإن إيران ستكون سعيدة بإبقاء المملكة مشتتة، عن طريق إشعال نار الحرب على حدودها الجنوبية.

ومع انقسام المعارضة الآن، لا يزال هناك سؤالان حاسمان فيما يتعلق بموقف إيران في اليمن. الأول، هل قوات صالح قوية بما فيه الكفاية لمواصلة تشكل تهديد للحوثيين في صنعاء؟ والثاني، هل قوات «هادي» قوية بما فيه الكفاية لاستعادة العاصمة؟ لكن تندر تقديرات مستويات القوات في كلا الطرفين، وبعضها أكثر موثوقية من غيرها.

وفي عام 2011، ادعى الزعيم الحوثي «عبدالملك الحوثي» أن المجموعة تضم 100 ألف مقاتل. لكن تقديرات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أقل بكثير.

وفي عام 2017، قدر المعهد أن هناك ما يقرب من 20 ألف فقط من المتمردين في اليمن، بما في ذلك الحوثيون والحرس الجمهوري اليمني، الذي كان يسيطر عليه الموالون لـ«صالح». (من غير الواضح ما إذا كانت القوات الأخرى الموالية لصالح قد أدرجت في هذه الأرقام). 

ويقدر المعهد حجم الجيش اليمني، بما في ذلك ميليشياته، ما بين 10 آلاف و20 ألف. وتقدم السعودية الدعم الجوي والمستشارين العسكريين للجيش اليمني. لكن الحوثيين أظهروا أيضا درجة من التطور عندما أطلقوا صاروخا باليستيا استهدف الرياض الشهر الماضي. ومع تشابه حجم القوات في كل من تحالف الحوثيين والجيش، يتضح كيف يمكن للقوات الموالية لـ«صالح» تغيير التوازن بين الجانبين.

وإذا تمكن «هادي» وائتلافه من استعادة صنعاء، فإن ذلك سيكون علامة على أن انهيار تحالف صالح والحوثي قد أضعف - بشكل خطير - موقف إيران في اليمن.

ومع ذلك، فإنه لن ينهي الحرب بأي شكل من الأشكال. ولا تحتاج إيران إلى السيطرة على صنعاء لإبقاء السعودية مقيدة في اليمن. فإنها تحتاج فقط للإبقاء على نار الحرب مشتعلة.

ومن ناحية أخرى، إذا تمكن الحوثيون من القضاء على الموالين لـ«صالح» وطردهم من صنعاء وصد هجوم قوات «هادي»، فإنها ستكون علامة واضحة على أن قوة إيران في اليمن قد تعززت بشكل كبير، وأن السعودية لن تكون قادرة على اقتلاعها من هناك بسهولة.

المصدر | زاندر سنايدر - جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

اليمن مقتلل علي صالح الحوثيين السعودية