نهاية الجمهورية اليمنية.. الحسابات القاتلة لـ«علي صالح»

السبت 9 ديسمبر 2017 08:12 ص

أكدت مقاطع الفيديو الحية ومئات التقارير الإخبارية وفاة الرئيس اليمني السابق «علي عبد الله صالح»، لكن العديد من اليمنيين يرفضون الاعتقاد بأنه قد اختفى بالفعل من المشهد السياسي في البلاد. وكان «صالح» قد نجا سابقا من محاولات اغتيال وانقلابات وحروب أهلية، فضلا عن الضغط الدولي الواسع لإجباره على التنحي، لكنه دأب دائما على العودة إلى مركز القيادة اليمنية بتحويل تحالفاته. وقد فعل ذلك بشكل متكرر جعل كل كيان سياسي تقريبا في المنطقة يمكن أن يقال إنه كان عدوه أو حليفه في مرحلة ما من حياته الرئاسية التي استمرت 34 عاما.

وعندما تصاعدت الحرب الأهلية في اليمن عام 2015، فاجأ «صالح» حتى المراقبين الأكثر اطلاعا من خلال دعمه للحوثيين المدعومين من إيران، وهم نفس رجال القبائل الذين كان ينظر إليهم سابقا على أنهم أعداؤه، والذين تستهدفهم حاليا حملة القصف السعودية. وفي الشهر الماضي، في خطوة أخرى لا تصدق، أعلن «صالح» أنه مستعد للتحاور مع السعوديين والعمل كوسيط بين الحوثيين والرياض. وكان حلفاؤه القبليون السابقون يرفضون هذا الاحتمال. وفي الوقت نفسه، رأى الحوثيون أن مبادرات «صالح» هي محاولة لاستقطاب الثورة وتمهيد الطريق لعودته بمفرده، باعتباره صانع السلام في نهاية المطاف. ومع ذلك، كان «صالح» أكثر بكثير من مجرد رئيس سابق طموح يشعر بالحنين للسلطة. فقد تمكن من خلال المناورات السياسية من السيطرة على العشرات من الفصائل المتباينة في اليمن.

رحلة «صالح»

وعندما أصبح «صالح» رئيسا للجمهورية العربية اليمنية (أو اليمن الشمالي) عام 1978، كان عدد قليل يتوقع بقاءه على قيد الحياة لبقية هذا العام. وكان أسلافه قد اغتيلوا، وكان «صالح» يبلغ من العمر 36 عاما فقط، وكان يفتقر إلى الدعم القبلي والعسكري الممنوح للزعيمين السابقين، إلا أنه نجح في إنهاء حالة الحرب المشتعلة بين اليمن الشمالي والجنوبي.

ثم وحد اليمن رسميا عام 1990، تحت مسمى الجمهورية اليمنية، في دولة جديدة مع سيطرة على كامل جنوب غرب شبه الجزيرة العربية، ووجود «صالح» في مركز السلطة. واستطاع «صالح» بتوحيد البلاد والسيطرة على حقول النفط في الجنوب بإغراق حساباته البنكية الخاصة بمليارات الدولارات، وتمويل شبكة من المحسوبية التي ساعدته على تعزيز سيطرته على اليمن الجديد. لكن قيادة جنوب اليمن انضمت إلى قائمة طويلة من حلفاء صالح الذين تحولوا إلى خصوم له عندما اشتبكوا مع حكومته بشأن الاعتمادات السياسية والمالية. وتوجت هذه الاختلافات بحرب أهلية عام 1994. وخلال هذا الصراع، تدخلت السعودية في دعم الحركة الانفصالية في جنوب اليمن، أملا في عملية تقويض دولة «صالح» الموحدة، التي كان ينظر إليها أفراد العائلة المالكة على أنها تهديد للهيمنة الإقليمية السعودية. وانتهت الحرب الأهلية قصيرة الأمد بغزو «صالح» لمدينة عدن الساحلية الجنوبية.

ويعود انتصار «صالح» على حلفائه السابقين الجنوبيين - جزئيا - إلى التحالف الاستراتيجي بين حزب المؤتمر الشعبي العام - حزب «صالح» - وحزب الإصلاح الذي يمثل مصالح الفصائل الإسلامية والإخوان المسلمين. وكان تعيين الشيخ «الزنداني» و«عبد الله الأحمر»، وهما عضوان بارزان في حزب الإصلاح، في أدوار قيادية في حكومة «صالح» رغبة في الحصول على دعم إسلامي خلال الحرب الأهلية عام 1994. وبعد ظهور ضعيف في انتخابات عام 1997، تخلى «صالح» عن حزب الإصلاح، وردا على ذلك، شكل الإسلاميون في نهاية المطاف ائتلافا جديدا. لكن استمرار «صالح» السياسي والتنافس بين الإسلاميين أحبط هذه المعارضة غير الفعالة.

إلا أن أعظم اختبارلـ«صالح» جاء من نفس رجال القبائل الشماليين الذين اتحدوا خلف قيادة عائلة «الحوثي»، وحمل هؤلاء الرجال السلاح للاحتجاج على التهميش السياسي والعزلة في المناطق الشمالية من اليمن منذ إنشاء الجمهورية الحديثة خلال الستينات. وعلى مدى 6 فترات من القتال بين عامي 2004 و2011، تمكن «صالح» من إخماد ثورة الحوثي من خلال الاعتماد على المملكة العربية السعودية، الخصم السابق له خلال الحرب الأهلية عام 1994.

وكان «صالح» قد خرج بالكاد من آخر مواجهاته مع الحوثيين عندما اجتاح الربيع العربي المنطقة. وخرج الآلاف من اليمنيين إلى الشوارع عام 2011 للاحتجاج على الفساد والمحسوبية التي اتسم بها نظام الرئيس «صالح». وعندما أصيب «صالح» بجروح خطيرة أثناء هجوم صاروخي على قصره في العام نفسه، عرضت عليه السعودية ملاذا آمنا، وتدخل مجلس التعاون الخليجي لتنظيم تنازله ونقل السلطة إلى نائبه «عبد ربه منصور هادي».

لكن الاحتفالات بالإطاحة بـ«صالح» كانت سابقة لأوانها. فقد  فتح رحيله الباب أمام أعدائه القدامى لملء الفراغ. وكانت الفرصة متاحة أمام الحركة الحوثية - على وجه الخصوص - كونها القوة العسكرية الأكثر تنظيما للاستيلاء على السلطة. وبعد أقل من 3 أعوام من أخذه مكان «صالح»، فر «هادي» من صنعاء بعد أن استولى الحوثيون على العاصمة. وقد مكن ذلك الأحزاب الإسلامية والحركة الانفصالية الجنوبية من أن يستعيدوا تدريجيا الملاءمة السياسية ويعلنون مطالبهم الخاصة في الحرب الأهلية الناشئة.

العودة

وعاد «صالح» مرة أخرى إلى مركز المشهد السياسي اليمني عام 2015، عندما تحالف مع الحوثيين، وحول نفسه من حليف سعودي إلى خصم رئيسي للمملكة. ورغم استقالته من الرئاسة، حافظ «صالح» على ولاء 75% من الجيش اليمني. وكان نجاح المقاومة الحوثية منذ عام 2014 - أو بمعنى آخر - عجز المملكة العربية السعودية عن تحقيق انتصار عسكري على الجماعة المتمردة، يعتمد إلى حد كبير على القوات العسكرية الموالية لـ«صالح». ومع اغتياله، أصبحت الحركة الحوثية الآن قوة لا مثيل لها على الأرض في اليمن. ومن المؤكد أن السعودية ستواصل تدخلها العسكري باستغلال موت الزعيم السابق لتبرير إطالة أمد حربها ضد إيران، تلك الحرب التي لا ترحم السكان المدنيين الذين لا علاقة لهم بطهران.

وقد يكون «صالح» قد استخدم القوة العسكرية والفساد لتعزيز مركزية السلطة، وقد يعتبر المحللون والخبراء تحالفاته المتحولة فعلا خبيثا، لكنه كان أكثر من مجرد زعيم يمارس فنون سياسية المنفعة. وكان يمثل آخر صلة تاريخية مع أصول مؤسسة الجمهورية اليمنية. وحتى متظاهرو عام 2011 والمعارضون لـ«صالح» في حزب الإصلاح قد أعربوا عن غضبهم إزاء أحداث الأسبوع الماضي. فمن وجهة نظرهم، فقد قوض الحوثيون ثورتهم وضربوا العدالة القبلية وأشعلوا نارا جديدة قد لا تنطفئ.

وأعلن «أحمد»، الابن الأكبر لـ«علي عبد الله صالح»، عزمه الانتقام لمقتل والده، وملء مكان والده في قيادة الجيش اليمني ضد الحوثيين. ولكن في النهاية، فإن رحيل «صالح» ترك بلاده مفتوحة - على نطاق واسع - على فراغ سياسي لا يمكن ملؤه من قبل أي سياسي يمني آخر. لقد انتهت الجمهورية اليمنية الحديثة، والآن، يجب في أي حل للنزاع أن التعامل مباشرة مع قادة الحوثيين، الذين لم تصبح لهم هذه القوة إلا بعد وفاة «صالح».

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

اليمن علي صالح مقتل علي صالح الحوثيين