«فورين بوليسي»: نهج «السيسي» الغاشم لمكافحة الإرهاب ليس فعالا في سيناء

الأحد 10 ديسمبر 2017 07:12 ص

إن المجزرة المروعة التي تعرض لها أكثر من 300 من المدنيين المصريين، والتي يكاد يكون من المؤكد أنها نفذت من قبل «الدولة الإسلامية»، كانت بمثابة تذكير صارخ بالأخطار التي يشكلها النشاط الجهادي في محافظة شمال سيناء المصرية، وبجهود الحكومة المصرية القاصرة لاستعادة السيطرة.

وكما كان الحال في اللحظات السابقة من الصدمة والحزن الوطني، وعد الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» بعد الهجوم بأن ينتقم للشهداء عبر «القوة الغاشمة»، وتلقى «السيسي» دعما من الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، الذي كتب أنه يجب هزيمة هذا الشر «عسكريا».

ولن تؤدي هذه الاستراتيجية إلى إحلال السلام في سيناء، ولن تحجب المزيد من الهجمات الإرهابية في أماكن أخرى من البلاد.

وقد خلصت دراسة أجراها الكونغرس إلى أن الجهود العسكرية لن تقضي على الجماعات الجهادية مثل الجماعة التابعة لـ«الدولة الإسلامية» في سيناء.

غير فعال

ولن تؤدي إستراتيجية «السيسي» إلا إلى تفاقم وضع شمال سيناء كمنطقة خصبة لتنظيمي «القاعدة» و«الدولة الإسلامية» والجيل القادم من الجهاديين العالميين.

لدى مصر مشكلة طويلة الأمد مع الجهاديين في شمال سيناء، ويعود نهجها في استخدام القوة الغاشمة إلى عام 2013، عندما أعلن وزير الدفاع آنذاك «عبدالفتاح السيسي» حربا على الإرهاب.

وفي السنوات الأربع منذ ذلك الحين، ادعت الحكومة المصرية أنها قتلت ما يقرب من 2500 إرهابي في شمال سيناء، ووفقا للأرقام التي جمعها معهد التحرير فقد أظهرت الإحصاءات غير الرسمية أن هذا الرقم أعلى من ذلك، وقد أغلق الجيش مدنا بأكملها خلال عمليات متعددة، وكان يقيس النجاح بعدد الأكواخ التي أحرقت في المنطقة.

وقد حققت مصر بعض النجاح في تعطيل تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء، لكن الجماعة لا تزال قادرة على شن هجمات شبه يومية ضد الجنود والشرطة والمدنيين.

وكانت تقديرات أعداد المقاتلين الجهاديين في شمال سيناء مستقرة نسبيا لعدد من السنوات، بين عدة مئات و1500، وإذا كانت الأرقام الرسمية دقيقة، فإن أعداد تنظيم «ولاية سيناء» التابع لـ«الدولة الإسلامية» آخذة في الازدياد.

وتؤكد نقاط الضعف الأمنية في سيناء السبب في أن الحل العسكري الوحيد سيظل غير فعال في إخماد الحالة الجهادية في شبه الجزيرة.

وفي دراستنا، حددنا سبع نقاط ضعف أمنية مشتركة بين البلدان أو المناطق التي تنشط فيها القاعدة والجماعات التابعة لها؛ وهي: صراع داخلي، تاريخ من الجهادية العنيفة، انهيار أو انهيار جزئي للحكومة المركزية، تصور عدم شرعية الحكومة، عدم استقرار ديموغرافي، عدم فعالية القطاع الأمني، مجاورة دولة أزمة.

وقد عانت معظم المناطق التي درسناها من ست من هذه الثغرات الأمنية، كما هو الحال في شمال سيناء.

إن الضعف الوحيد الذي لا نلمسه في سيناء هو انهيار الدولة، على الرغم من أنه كان هناك انهيار جزئي للحكومة المركزية في مصر في أعقاب انتفاضة الربيع العربي عام 2011 والتي وفرت الفرصة الرئيسية للتمرد الحالي في شمال سيناء، وسبب سقوط وزارة الداخلية، في سيناء خلال الثورة خيبة كبيرة لها، كما فر أكثر من 23 ألفا من المجرمين، وهرب العديد من الجهاديين إلى ملاذ آمن شمال سيناء.

كان انهيار قوات الأمن الداخلي مدفوعا بعدم شرعيتها وإساءة استخدام السلطة في سيناء وفي جميع أنحاء مصر، وكما وثق الصحفي «مهند صبري» بشكل واضح في كتابه عن المنطقة، سعى سكان سيناء إلى الانتقام من قوات الأمن الداخلي بسبب انتهاكاتها المتفشية التي تكررت منذ عهد «نظام مبارك».

في يناير/كانون الثاني 2011، كان معظم المتظاهرين في القاهرة سلميين، وفي مدينة الشيخ زويد في شمال سيناء، «لم يكن احتجاجا بل تحول إلى معركة كاملة، وأصوات الكلاشينكوفات والقناصات كانت ملحوظة».

بلا تغيير

بعد سقوط «مبارك»، اعترف القادة العسكريون المصريون في محادثات خاصة بأن الشرطة في البلاد قد سحقت، وكان الجيش مصمما على إقامة علاقة أفضل مع شعب سيناء، لكنه لم يكن على دراية بكيفية التعامل بشكل مثمر مع المنطقة.

وقد أمضى الجيش عقودا من التدريب على الحرب التقليدية ولم يكن مستعدا لمهمة الحفاظ على الأمن الداخلي، وعلى الرغم من الخطابات البلاغية، ظلت استراتيجية مصر الغاشمة في شمال سيناء هي نفسها منذ قدوم حكم الأمر الواقع في عام 2013.

تتأثر سيناء أيضا بتاريخها الجهادي العنيف، حيث هناك سوابق بالهجمات على المدن السياحية في جنوب سيناء من عام 2004 إلى عام 2006.

والواقع أن الأساطير المؤسسة لولاية سيناء التابعة لـ«الدولة الإسلامية» تربط زعيم تلك الهجمات بـ«أبي مصعب الزرقاوي»، مؤسس تنظيم القاعدة في العراق، ومثلما أصبح تنظيم القاعدة في العراق الدولة الإسلامية، فمن المنطقي فقط أن يتبع الجهاديون في سيناء خلفاء «الزرقاوي» وينضمون إلى الخلافة العالمية للدولة الإسلامية.

تستفيد الحالة الجهادية في سيناء أيضا من عدم الاستقرار على حدود مصر، ومنذ الإطاحة بـ«معمر القذافي»، اشتكى المسؤولون المصريون من أن القوى الأجنبية تركت ليبيا في حالة فوضى، حيث تجمعت الجماعات الجهادية وسرق مهربو الأسلحة أسلحة متقدمة تم شحنها عبر مصر إلى غزة.

ويلقي المسؤولون المصريون الكثير من اللوم في عدم قدرتهم على قمع تمرد شمال سيناء على قطاع غزة المتاخم، الذي تحكمه حركة «حماس» الإسلامية، وعلى الرغم من أن «حماس» تعارض أيديولوجيا الجماعات الجهادية المتشددة، فإن حاجتها إلى وصول السلاح إلى أراضيها المعزولة أدت إلى تعاون عملي مع الجماعات الجهادية على الجانب المصري من الحدود، وتفيد التقارير أن حماس قدمت ملاذا آمنا ورعاية طبية لقادة جهاديين من سيناء.

وقد بدأت مصر في القضاء على أنفاق التهريب التي تربط سيناء بغزة في فبراير/شباط 2013، وتصاعدت الجهود كثيرا منذ ذلك الحين، وأنشأت الحكومة المصرية منطقة عازلة.

وعلى الرغم من هذه التدابير، والوعود بالتعاون من «حماس»، فإن عمليات التهريب والتسلل عبر الحدود تستمر.

وقد اتخذت مصر مؤخرا موقفا مختلفا من خلال الإشراف على اتفاق المصالحة الذي سيعيد السلطة الفلسطينية إلى غزة على حساب حكم «حماس»، ويحدوها الأمل في أن تؤدي المصالحة الحقيقية إلى وضع قوات السلطة الفلسطينية على الحدود بين غزة ومصر كشريك أفضل لمكافحة التهريب من الجناح العسكري لـ«حماس».

وعلى الرغم من أن الانقسامات الطائفية في مصر أقل أهمية مما هي عليه في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، فإن عدم الاستقرار الديمغرافي يساهم أيضا في الحالة الجهادية في سيناء.

فقد أدت هجمات الدولة الإسلامية ضد المسيحيين الأقباط في سيناء وأماكن أخرى في مصر إلى تفاقم التوترات الدينية القديمة، في السياق الحالي، ينظر إلى الأقلية القبطية على أنها متحدة خلف «السيسي» وإطاحته العسكرية في عام 2013 بالرئيس الإسلامي المنتخب في مصر.

ومع أن هجوم الأسبوع الماضي على المصريين كان على مسجد صوفي فمعظم الضحايا ليسوا على الأرجح من الصوفية، كما أنهم لا يعارضون الصوفية، لكن الديناميات السياسية الأوسع تستمر في تزويد الجماعات الجهادية بمجموعة من المجندين الجدد.

وعلى الرغم من أنه لا يمكن مقارنة الحرب في سيناء بالحروب الأهلية في سوريا أو اليمن بأي حال من الأحوال، لكن مصر لا تزال تشهد صراعا سياسيا يدفع التجنيد الجهادي في سيناء وأماكن أخرى.

الحكومة و«الإخوان المسلمون» يرفضون التوافق مع بعضهم البعض وإطالة أمد هذا الجمود يزيد من حدة العنف في سيناء.

وكما اكتشفت الولايات المتحدة خلال معركتها ضد تنظيم القاعدة في العراق، فإن استراتيجية مكافحة التمرد تستغرق وقتا طويلا لكي تؤتي ثمارها، ويمكن للمجموعات التي هزمت تقريبا أن تعود بطرق غير متوقعة.

وقد يكون التمرد من السكان المحليين قادرا على تفكيك تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء بسرعة أكبر مما يمكن لمصر أن تقوم به.

ومع ذلك، قد تكون مصر في نهاية المطاف قادرة على إعلان النصر في حرب سيناء نتيجة للقوة الغاشمة كما فعلت بعد الهجمات الإرهابية في الألفينات، ولكن كما تعلمت مصر في عام 2011، وكما علمت الولايات المتحدة بعد حربها ضد تنظيم القاعدة في العراق، فإن هذا النصر سيكون مؤقتا فقط، وبدون معالجة نقاط الضعف الأوسع نطاقا في جذور المشكلة، ستبقى سيناء مثابة أرض خصبة للتجنيد الجهادي المحلي والدولي.

وكما هو الحال في العراق، فإن التكرار التالي للتمرد الجهادي في سيناء قد يكون أسوأ.

المصدر | زاك غولد - فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

السيسي قمع السيسي سيناء ولاية سيناء