منظومة أعداء «الدولة الإسلامية» تجتمع في لندن لوضع استراتيجية موحدة للقضاء عليها

الجمعة 23 يناير 2015 05:01 ص

عقد وزراء خارجية ما يقرب من العشرين دولة اجتماعا مغلقا في لندن برئاسة جون كيري وزير الخارجية الامريكي ونظيره البريطاني فيليب هاموند لبحث كيفية القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية» من خلال منع تمويلها ماليا وقطع الطريق امام الراغبين بالانضمام اليها، اضافة الى تقديم دعم عسكري وانساني اكبر للمجموعات والفصائل التي تقاتل التنظيم في المعارضة السورية المسلحة.

اجتماع لندن الذي بدأ اليوم الخميس، يذكرنا باجتماعات مماثلة لمنظومتي اصدقاء ليبيا وسورية، اللتين انتهيا بتحويل الاولى، اي ليبيا، الى دولة فاشلة تعمها فوضى السلاح والميليشيات، وتحويل الثانية الى مركز رئيسي للجماعات الاسلامية المتشددة، وتوفير الحاضنة الدافئة للدولة الاسلامية خصوصا التي تجمع وزراء الخارجية للدول العشرين المشاركة للقضاء على خطرها.

“الدولة الاسلامية” التي تسيطر على مساحة توازي تقريبا مساحة فرنسا، ويبلغ تعداد مواطنيها تسعة ملايين مواطن على جانبي الحدود السورية العراقية، وعلى عكس كل التنظيمات الاسلامية وغير الاسلامية الاخرى، لا تعتمد على الدعم المالي الخارجي حتى يتم قطعه او تجفيفه، مثلما كان هو الحال مع تنظيمات اخرى مثل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، او الميليشيات المسلحة في ليبيا، او حتى تنظيم القاعدة مع الفارق الكبير في الايديولوجيات العقائدية والاهداف، والبنى التنظيمية، فـ«الدولة الإسلامية» هي الاقوى ماليا وتسليحيا بين جميع التنظيمات الاخرى، وتقدر ثروتها بحدود سبعة مليارات دولار، جمعتها من بيع نفط وغاز على مدى ثلاث سنوات وبدخل منتظم في حدود ثلاثة ملايين دولار يوميا تراجعت الى النصف في الاشهر الاخيرة، ومن الاستيلاء على نصف مليار دولار من بنوك الموصل، علاوة على مئات الملايين العائدة من جباية الضرائب (المكوش) في المناطق التي تسيطر عليها.

اما بالنسبة الى الهدف الثاني اي وقف تدفق المقاتلين الى صفوف الدولة، فان الدولة التي سمحت بمرور هؤلاء عبر اراضيها طوال الاعوام الثلاثة، اي تركيا، يشارك وزير خارجيتها السيد جاويش اوغلو في اجتماع لندن، وحتى لو اقدمت بلاده على اغلاق الحدود ومنع تدفق “الجهاديين” الى سورية والعراق استجابة لضغوط المجتمعين، ونحن نشك في ذلك، فان «الدولة الإسلامية» ربما اكتفت بما لديها من مقاتلين اجانب وعرب، وبات تعداد جيشها يزيد عن مئة الف مقاتل، والنسبة الاكبر، وربما الاهم، للمتطوعين في صفوفها تأتي، من العراقيين والسوريين، اي من ابناء البيئتين الحاضنتين لها.

نشرح اكثر ونقول ان «الدولة الإسلامية» باتت نقطة جذب لآلاف الشباب الجهادي المحبط لانها تقدم لهم البديل السياسي والعقائدي اولا، والرواتب المالية المجزية ثانيا (500 دولار للمقاتل)، والانتصار العسكري والمعنوي ثالثا، فصمودها حتى الآن (امام 800 طلعة جوية امريكية استهدفتها حتى الآن)، وانتصاراتها التي حققتها في سورية والعراق على جيشي البلدين النظاميين يدغدان الانفة والغرور الذاتي (ُEago) لدى هؤلاء الشباب المهزوم داخليا بفعل الاحتلالات والتوحش الغربي (احتلال العراق) وسياسات الاجتثاث والاقصاء الطائفي (خاصة في العراق)، وتفشي الفساد المالي والاخلاقي، وتفاقم البطالة، وانهيار التعليم.

لا شك ان الدول المجتمعة في لندن تملك امكانيات عسكرية ومالية ضخمة، فمن بينها دول عظمى مثل امريكا وفرنسا وبريطانيا، الى جانب دول اقليمية رئيسية مثل المملكة العربية السعودية والعراق (مثله رئيس الوزراء حيدر العبادي) تجلس فوق ثلث الاحتياطي العالمي من النفط، وفائض مالي يزيد عن 750 مليار دولار، ولكن “الدولة الاسلامية” التي يراد القضاء عليها “متمكنة” في الارض، وتملك اسلحة فتاكة استولت عليها من مخازن الجيش العراقي، وهي الاحدث امريكيا.

مضافا الى كل ذلك ان نقطة ضعف هذه الدول التي لا يجب التقليل من شأنها، كونها تتردد كليا في ارسال قوات برية لقتال “الدولة الاسلامية” خوفا من الخسائر وردود فعل رأيها العام الغاضبة المتوقعة عليها.

مشكلة اجتماع لندن والمشاركين فيه، هي مشكلة كل المنظومات السابقة المماثلة واجتماعاتها، ونحن نشير هنا الى منظومتي اصدقاء سورية وليبيا، اي تغييب قوى رئيسية لها مصلحة في محاربة «الدولة الإسلامية» وتنظر اليها من زاوية العداء نفسها، لانها تشكل اي «الدولة الإسلامية» خطرا كبيرا عليها، ونقصد بذلك كل من ايران وسورية الرسمية، فتغييب هاتين القوتين حتى ولو تعاونتا من تحت الطاولة وهذا مؤكد عملياتيا، يظل عامل ضعف، او ثغرة، من الصعب التقليل من اهميتها.

لا نجادل مطلقا في اهمية القرارات التي بلورها اجتماع لندن، العلنية منها والسرية، ولكن صدور القرارات شيء والتطبيق على الارض شيء آخر.

«الدولة الإسلامية» اختلف معها البعض او اتفق ما زالت تشكل الظاهرة الاخطر والاهم في منطقة الشرق الاوسط، ولن يكون القضاء عليها من السهولة بمكان في المستقبل المنظور على الاقل، ليس بقوتها وتمددها فقط، وانما ايضا لضعف خصومها واخطائهم وارتباكهم وسياساتهم التي ساهمت بدور كبير في قيامها بصورة مباشرة او غير مباشرة.

الامر المؤكد ان هذا الاجتماع سيتلوه اجتماعات اخرى مماثلة، تتناسل وتكرر الكلام نفسه، حتى تنكمش وتتلاشى مثل اجتماعات اصدقاء سورية وليبيا واليمن، الا اذا حصلت معجزة تجعل هذه المنظومة الجديدة المتبلورة استثناء.

المصدر | رأي اليوم

  كلمات مفتاحية

الدولة الاسلامية اجتماع لندن التحالف الدولي