فيلم «السجناء».. وحشية أن نرضى للآخرين ما لا نطيقه لأنفسنا!

الأربعاء 13 ديسمبر 2017 12:12 م

فيلم اليوم «Prisoners» أو «السجناء» للمخرج الكندي «دينيس فيلينوف» تم إنتاجه عام 2013 ليُعد واحدًا من أفضل الأفلام الأمريكية المعاصرة باتفاق الجماهير والنقاد، ولولا أخطاء صغرى في الصياغة، وقليل من العجرفة المُعتادة في السينما الأمريكية، ومحبة تصوير البطل على أنه الخارق للعادة المقارب للكمال البشري، خاصة إذا ما أتى كل هذا من مخرج كندي هذه تجربته الأولى في هوليود، لولا ذلك لقلنا إن فيلم اليوم قطعة أدبية في حد ذاته يجعل المشاهد أكثر نبلًا ومحبة للحياة بعد مشاهدته عن ذي قبل.

لكنه في مقابل عيب الفيلم الأبرز السابق الذكر تجنب الفيلم عيوب أفلام كثيرة سبقته بل أُنتجتْ بعده، ويكفي أن أحداثه التي تقع في 153 دقيقة أي زيادة على الساعتين ونصف الساعة لا تدع المشاهد يتملل في مقعده.

على أن من أجمل معاني فيلم اليوم انفتاح أفقه على عدد كبير من المداخل لفهمه، وكل مدخل يقود إلى عالم رائع من التحليل النفسي والفهم الرائق للنفس البشرية، فنحن لسنا في «السجناء» أمام فيلم تشويق وغموض أو حركة وإثارة، على رغم أن الفيلم يزخر بكل هذه التفاصيل المؤدية إلى هذين التصنيفين وزيادة.

الأطفال ملوك الولايات المتحدة

أُمُّ مصرية التقتها مقدمة برنامج إذاعي أشهر فسألتها المذيعة المتقدمة العمر سؤالًا بسيطًا ظهر بالغ العفوية:

ـ ما مكانة الطفل في المجتمع الأمريكي؟

وكانت الضيفة مقيمة بالولايات المتحدة، وظلت معاني ردها تغزو الذهن بشدة خلال دقائق مشاهدة أحداث الفيلم على كثرتها:

ـ تعرفين أن الولايات المتحدة يحكمها رئيس.. لكن الأطفال، باختصار، هم ملوك ذلك البلد!

تروي أحداث الفيلم عن الأب «كيلر دوفر» أو «هيو جاكمان»، المتظاهر بالتمسك بالمسيحية، القاسي النفس الذي لا يتقبل الهزيمة حتى لو جاءته من جانب الأقدار، ومع لقطات الفيلم الأولى يجيء أول هدف ـ بلغة الرياضة ـ في شباك المُشاهد غير اليقظ، فيقول «دوفر» لابنه الفتي:

ـ «علمني أبي أن أكون مستعدًا مثل الطلقة للأحداث المقبلة فقد تحدث مصيبة في الحياة تكون قدراتي وحدها هي الحل للخروج منها!».

جملة دالة على الأثرة والأنانية وحب الذات، نافية للمشهد السابق عليها تمامًا، والأب نفسه يردد جملًا من الإنجيل لتصيب طلقة ابنه الغزال الشارد في الغابة.

وفي ضواحي فيرمونت تجتمع أسرتا «دوفر» مع أسرة صديقة من الزنوج للاحتفال بعيد الشكر على توقيع لحم الغزال أو التهامه، وهنا يدخلنا الفيلم في عالم تقبل المجتمع الأمريكي للسمر البشرة بسلاسة وبلا عنصرية، لكن لأن كلتا الأسرتين ببساطة وباختصار تحمل جينات عنصرية أشد تعقيدًا من لون البشرة؛ جينات حب الخير للنفس فحسب.

بعد دقائق من بدء الاحتفال تصر ابنة «دوفر» «آنا» على استرداد صافرتها الضائعة منذ أسابيع، فتخرج مع «جوي» السمراء للطريق، وبعد قليل يخرج «دوفر» بصحبة الأب الأسمر «بيرش فرنكلين»، لكن الابنتين اختفتا.. فإلى أين ذهبتا أو ذُهِبَ بهما؟ 

الأغلبية الكاذبة والمنحازة

في المقابل فإن شرطي التحري البريء المظهر الواثق من نفسه الذي لم يفشل في حل سر من قبل كان يتناول طعامه وحيدًا على إحدى الطرق السريعة؛ إذ إن «لوكي» أو «جيك جيلنهال» يعاني الوحدة؛ وفي نفس الوقت يشاغب العاملة في المطعم بسؤالها عن برجها إذ يعرف إنها شرقية الأصول، في إشارة إلى تفاهة حديث الأبراج.

وحينما يصل الضابط إلى مكان اختفاء الطفلتين تكون نصف شرطة فيرمونت تمشط الغابة بحثًا عنهما، ويقودنا الفيلم إلى متاهة أكثر مرارة في قراءة النفس البشرية.. فالوحيد الشاهد على غياب الطفلتين هو «أليكس جونز» أو الممثل الشاب «بول دانو»، وهو كان متوقفًا بشاحنته التي يقيم فيها أحيانًا قريبًا من البيت.

وبعد مطاردة صغرى وتحقيق مطول مع «أليكس» يكتشف الضابط «لوكي» أنه مصاب بمرض نفسي يجعل عمره العقلي 10 سنوات لكن ولاية بنسلفانيا تملكه رخصة قيادة شاحنة في أحد أحاجي عالم العم سام المتناقض.

ومع إخراج «أليكس» من قائمة المشتبه فيهم من جانب «لوكي»؛ والذهاب بعيدًا إلى 9 رجال في حدود نصف ميل من دائرة ارتكاب الجريمة، وهم متهمون باغتصاب القاصرات بما فيهم قس (!)، ولدى الأخير يكتشف «لوكي» جثة لرجل ملقاة ببدرومه منذ سنوات، ويصر القس على أن المقتول مجرم قتل 16 طفلًا وكان يحارب الذات الإلهية.

وتتعقد الأحاجي الخاصة بنفسيات الأبطال فـ«دوفر» ـوالد إحدى البنتين المُختطفتين ـ مصر على أن «أليكس» الأقرب للمعتوه اختطف ابنته وابنة الجار الأسمر البشرة، وطالما أن الضابط «لوكي» لا يطيعه ويقبض عليه لمدة أكثر من يومين يقرر خطف «أليكس»  لبيت أبيه المهجور، وهناك يتفنن في إيذائه بحضور «فرانكين» الأسمر وزوجته الطبيبة البيطرية، ومن أقسى مشاهد الفيلم طلبهما الرحمة منه والكشف عن مكان الابنتين، وهو متورم الوجه لا تظهر ملامحه بوضوح ليطلب منهما الرحمة هو الآخر(!).

إن كاتب السيناريو «آرون غوزكوسكي» في هذه اللحظة، وبعد قرابة ساعة من الفيلم يُفرج عن سر الفيلم ولغزه النفسي، ويستدل عليه فيما بعد بالمتاهات الورقية  التي يُغرم الجميع بها أو حلها، إذ إن «دوفر»، و«فرانكين»، وزوجة الأخير يتحالفون من أجل إيجاد «آنا» البيضاء، و«جوي» السمراء، يتحالفون مع الشيطان ـفي صورة عنصرية بغيضة مقيتة يستبعدون الشرطة فيها من حساباتهم ـ ويستمرون في تعذيب «أليكس» حتى الموت.

والسمر البشرة من الزوجين حين يملان ويتعبان من اللعبة يتركان «أليكس» لـ«دوفر» ليقضي عليه، منتهى القسوة البشرية المغلفة في ورق سوليفان حضاري مزيف، فهم يريدون السلامة لابنتيهما على حساب الشاب الأقرب إلى الجنون.. وهذا الدرس النفسي القاسي هو أهم ما يميز الفيلم برأينا.

يصل «لوكي» إلى حل للغز الاختفاء، رغم عدم مساعدة أحد له، باكتشاف لشاب آخر مصاب بالذهانية سكب دماء على ملابس الطفلتين ثم انتحر رغم وجوده في مخفر الشرطة، ويتبين أن الدماء لخنزير.

هنا بالتحديد تظهر «جوي» نجلة الأسرة السمراء، فقد تم عقاب «دوفر» على فعلته من مهندس الكون، ثم تتوالى حلول الأحاجي عبر وقت مناسب طويل فالقس قتل في بدرومه زوج امرأة معقدة نفسيًا «هولي جونز» أو (ماريا بيلو)، والأخيرة كانت تقوم وزوجها بخطف الأطفال انتقامًا من الرب لوفاة طفليهما، ثم يحقنون الصغار بمواد كيمياوية تجعلهم معتوهين ويخرجونهما للمجتمع لخطف أطفال آخرين، وذلك سر «أليكس» الذي لم يستطع التعبير عنه والشاب الآخر المُنتحر في المخفر.

تنجو الطفلتان لكن يموت «أليكس» ورفيقه وتسجن القاتلة المتسلسلة أو المتعددة الجرائم المُميتة «جونز».. الأب قاتل «أليكس» «دوفر» في بدروم جديد.. وينتهي الفيلم على صوت صراخه البعيد وتعمد ضابط الشرطة عدم سماعه (!) في نهاية ليست مفتوحة بل دالة على أن القاتل يُقتل ولو بعد حين.

برع مدير التصوير السينمائي للفيلم «روجر ديكنز»، وكذلك جاء المكياج أكثر من مناسب والموسيقى التصويرية، وعاب الفيلم المبالغة في إبراز شخصية وقدرات «لوكي» فرغم إصابته برصاصة في مقدمة الرأس يستطيع قيادة السيارة إلى المستشفى لإنقاذ الطفلة البيضاء ونفسه بدلا من طلب الإسعاف أو حتى زملائه ليتصرفوا.

أجاد الثنائي «هيو جاكمان»، و«جاك جلينهال» في تصوير شخصيتي الضحية المكابر حتى يصل إلى الإجرام والضابط لكن نافسهما بقوة «أليكس» أو الممثل الشاب «بول دانو».

فيلم «السجناء».. إبداع في تصوير أن المجتمعات الراقية إن أهملت الأخلاق صارت محبوسة في إطار منظومة الشر والإجرام النفسي؛ لولا مبالغة المخرج في تصوير قدرات الأمريكي ضابط الشرطة الذي جاء تعبيرًا على قدرة المجتمع الأمريكي على تطهير ذاته بنفسه.. وهو الدور الذي طالما تزلف به المخرجون الوافدون للسينما الأمريكية.

المصدر | الخلــيــج الجـــديــد

  كلمات مفتاحية

فيلم أمريكي السجناء Prisoners حبكة نفسية غموض وتشويق حركة وإثارة تفضيل النفس مادية جرائم قتل متسلسلة