استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

فك "الشيفرة الإيرانية"!

الجمعة 15 ديسمبر 2017 07:12 ص

أعاد موضوع القدس فتح ملف العلاقة مع إيران بصورة كبيرة، بخاصة أنّ القيادات الإيرانية ومن يدور في فلكها مثل حسن نصرالله، زعيم حزب الله اللبناني، يتقنون جيداً العزف على أوتار القضية الفلسطينية وتوظيف العداء الشعبي لإسرائيل في صالحهم.

أظن، وأكاد أجزم، أنّنا لو أجرينا استطلاعاً جديداً لموقف الشارع الأردني من إيران، سنجد تحولاً آخر جديدا، بعدما وصل الموقف منها إلى الحضيض خلال الفترة الماضية، والحال نفسها من حسن نصرالله، لكن القضية الفلسطينية وانهيار النظام الرسمي العربي والتواطؤ الأميركي، كل هذه المدخلات كفيلة بتوفير أرض خصبة لإيران للاستثمار في إعادة بناء رصيدها في الشارع الأردني، وجزء من الشارع العربي.

الموقف من إيران، عموماً، يقع اليوم في بؤرة الاستقطاب الطائفي والأيديولوجي والسياسي في العالم العربي وفي الأردن، فهنالك تيار لا يرى في إيران إلاّ قوة طائفية ممجوجة، مسؤولة عن كوارث كبيرة في سورية والعراق واليمن ولبنان، ويزيد البعض جرعة أخرى على هذا التوصيف بربط إيران بنظرية المؤامرة الدولية، حتى في موقفها من القضية الفلسطينية.

على الجانب المقابل، هنالك طرف آخر يقفز عن كل تلك الحيثيات الكبرى، ويتجاوز سياساتها الطائفية والدموية في سورية والعراق، ودورها في الداخل اللبناني، وتشكيلها لميليشيات على هذا الأساس عابرة للحدود تهدم السلم الاجتماعي والأهلي، وينظر فقط إلى "خطابها" تجاه القضية الفلسطينية، بوصفها الحليف الاستراتيجي في مواجهة "الخطر الصهيوني"، ومركز "محور الممانعة"، ومعها – بالطبع- نظام الأسد، وربما الحكومة العراقية (المدعومة إيرانياً وأميركياً)!

وهكذا نجد أنفسنا أمام نخب عربية محكومة سلفاً باعتبارات أيديولوجية أو طائفية أو عاطفية تجاه إيران، في حين يغيب العقل السياسي- الواقعي، والرؤية النسبية للأمور، عن هذه الاعتبارات، سواء بالنظر إلى إيران نفسها، أو في سياساتها تجاه المنطقة العربية.

إيران – على صعيد الدولة نفسها- ليست دولة ديمقراطية، بالصورة التي يراها البعض، فهي ديمقراطية مقيدة بولاية الفقيه، وبمؤسسات عميقة، وكلّنا يذكر ما حدث قبل أعوام في الانتخابات قبل الأخيرة مع حسين مير موسوي، ومع أنصار الثورة الخضراء هناك، وما يزال التيار الإصلاحي يعاني الأمرّين هناك.

لكن في المقابل، مقارنةً بالعالم العربي، إيران دولة مؤسسات قوية وفاعلة، ودولة تخطط لمصالحها القومية بإخلاص، بينما العالم العربي، مفكك، والنخب السياسية محكومة في كثير من الأحيان بمصالح شخصية، وحتى الهامش الديمقراطي المتاح، فهو وهمي، والفساد يعشعش في أغلب الدول العربية.

إذاً عندما نقارن أنفسنا في أوضاعنا الداخلية وسياساتنا مع إيران، فإنّ الكفة ترجح لصالح إيران تماماً، بالرغم من كل سلبياتها. ولولا أنّ العرب محطّمون من الداخل ويفتقدون للشرعيات السياسية والتوافقات الداخلية والروح الجامعة في أغلب دولنا، لما أصبحت النسبة العظمى من "الشيعة العرب" تبحث عن العمق الإيراني في مواجهة المحيط العربي، ولما أصبح ولاؤها الإقليمي أعلى من الوطني الداخلي، لأنّها وجدت الداخل عدائياً!

أمّا على الصعيد الإقليمي والسياسات الإيرانية، فإيران ساهمت – بالتوازي مع أجندات عربية معادية لها- في تفكيك المنطقة والأوطان طائفياً، وفي تمزيق الوحدة الوطنية في العديد من الدول، وهنالك تدشين لميليشيات عابرة للأوطان وولاءات فرعية على حساب الولاء للأوطان.

لكن في الوقت نفسه، فإنّ إيران ما تزال عدوا لإسرائيل، وتدعم القوى المناوئة لها، وكان لها دور كبير في انتصارات حزب الله العسكرية، وكانت داعماً لحماس، قبل أن تفجّر الثورة السورية كل التحالفات الإقليمية وتقلبها تماماً.

ضمن المعطيات (التي ذكرناها أعلاه)؛ تزاوج السياسات الإيرانية الخارجية بالأبعاد الطائفية، والدور الإيراني المدمّر في سورية والعراق ولبنان، وبناء الميليشيات الطائفية عابرة للحدود من جهة، وموقف إيران من إسرائيل، والنفوذ الإقليمي الكبير الذي تتمتع به اليوم، وقدرتها على استقطاب الشيعة العرب في كثير من الدول والمجتمعات من جهة أخرى، كيف يمكن أن نرسّم علاقاتنا مع إيران؟

الجواب على ذلك، أنّنا أمام طرفي معادلة، إيران كقوة إقليمية نافذة، لها أدواتها الداخلية، حليف محتمل، ومن الطرف الآخر إيران كعدو خطير، يهدد الأمن والاستقرار الإقليمي.

من وجهة نظري الجانبان يمكن تفعيلهما، ضمن شروط وديناميكيات معينة، بمعنى أنّنا العرب يمكن أن نجلس مع إيران على الطاولة ونتفاوض ونتوصّل إلى تسويات سياسية للسياسات الإقليمية وحتى الداخلية. أو يمكن أن نذهب نحو تحالفات دولية في مواجهة إيران، لكنّ ذلك سيعزز من حالة الضعف الراهن، بخاصة أنّ أول من استثمر في هذا التوجه (أولوية الخطر الفارسي) هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي فضح النظام العربي وأحرجه!

إقليمياً لم يعد ممكناً تجاهل أنّ إيران وتركيا أصبحتا قوتين إقليميتين شريكتين في أي نظام إقليمي قيد التشكل في المنطقة، لذلك فإنّ محاولة كسبهما إلى جوار العالم العربي أفضل من الدخول في صراع معهما، بخاصة إذا ارتبط ذلك بأبعاد طائفية تولّد حروباً أهلية داخلية.

ومثل هذا الحوار لا يعني التخلي عن العراق وسورية، عربياً وسنيّاً، بل تحسين شروط التفاوض مع الطرف الآخر، عبر وجود "صفقة تاريخية" عربية معروضة مرتبطة بالحوار السني- الشيعي، وبمستقبل هذه البلاد، وبالحريات الدينية والطائفية، وبأنظمة سياسية مبنية على القبول بالتعدديات.

فإذا كان العرب يعرضون صفقة على إسرائيل (من أجل القضية الفلسطينية)، والإدارة الأميركية تتحدث عن "صفقة القرن"، فإنّ صفقة التاريخ والمستقبل تتمثّل بإيجاد فضاء جديد عربي- إسلامي- إقليمي، يجمع الدول العربية والإسلامية، ويتم فيه تحييد المسائل الطائفية عن المصالح السياسية، والتوافق على قواسم مشتركة لمستقبل المنطقة وأمنها ومصالحها.

ما هو البديل من ذلك؟! هو باختصار حروب داخلية وأهلية وصراعات إقليمية، ومزيد من التشظي والتمزّق العربي الداخلي، وهو استثمار من قبل القوى الدولية والإقليمية في هذا الفراغ الاستراتيجي، وتعزيز وتجذير الجماعات الراديكالية العنيفة، التي تعتمد في معجمها الأيديولوجي (كما يفكك الصديق والزميل حسن أبو هنية) على مثل هذه الظروف المثالية والتربة الخصبة للتجنيد والدعاية!

 إلى الآن لم نتقدّم عربياً بخطاب استراتيجي وحضاري تجاه إيران، وحتى الشيعة المواطنين العرب الذين التحقوا عاطفياً وشعورياً بها، مع غربتهم في أوطانهم. بعد ذلك ننظر فيما إذا كانت طهران ستقبل بمثل هذا العرض التاريخي أم ترفضه؟ ونقرر.

عملياً نحن تخلينا عن العراق وسورية لصالح إيران وسياساتها الطائفية، وبدرجة كبيرة لبنان، ونسير باتجاه الفشل في اليمن، ولا نعرف على من سيأتي الدور لاحقاً، فالمشكلة تكمن في العرب ولا عقلانيتهم وإدمانهم الفشل والرسوب، والتخبط السياسي، أكثر مما هو بوجود إيران المسكونة بالصراع الطائفي والتاريخي، وباستعادة الحلم الفارسي في المنطقة!

وجودنا على الطاولة، حتى ولو سياسياً، وإعادة بناء المقاربة تجاه تركيا وإيران، ربما يقلب الكثير من المدخلات والمتغيرات، طالما أنّ نسق الصراع الذي ولجنا إليه لا يؤدي بنا إلا إلى عقلية "المباطحة" القديمة البائسة، وكأنّنا في صراع ديوك، لا في ترسيم مستقبل منطقة وأجيال ومجتمعات تعاني من سياسات فاشلة خرقاء!

* د. محمد أبورمان باحث بـ«مركز الدراسات الاستراتيجية» بالجامعة الأردنية. 

 

المصدر | الغد الأردنية

  كلمات مفتاحية

القضية الفلسطينية النظام العربي إيران العراق سوريا لبنان اليمن تركيا (إسرائيل) القدس