قرار المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية سبب للقلق لا الذعر

السبت 24 يناير 2015 06:01 ص

في 16 كانون الثاني 2015 أعلنت المدعية العامة في محكمة الجنايات الدولية، السيدة باتو بنسودا، عن قرارها بفتح تحقيق أولي عن الوضع في "فلسطين". هذا استمرارا لانضمام فلسطين لميثاق روما (الميثاق الذي مهد لاقامة المحكمة ولعملها)، واعلان فلسطين عن قبولها لصلاحيات المحكمة  عن الجرائم التي نُفذت كما يبدو في  "المناطق الفلسطينية المحتلة، بما فيها شرقي القدس" منذ 13 حزيران 2014.

في عام 2009 ومع انتهاء عملية "الرصاص المصبوب"، توجهت السلطة الفلسطينية بطلب للتحقيق في جرائم الحرب في اراضي "فلسطين" التي ارتكبت ابتداءً من تموز 2002. هذا الطلب رُفض من قبل النائب العام السابق للمحكمة في عام 2012، بحجة أن "فلسطين" ليست دولة، لهذا ليس للمحكمة صلاحية بحث أحداث وقعت على اراضيها. وحسب اقواله، فان صلاحية تحديد تعريف "الدولة" من أجل ميثاق روما، مخولة بها "الأوساط ذات العلاقة" في الأمم المتحدة، أو الجمعية العمومية للدول الاعضاء الموقعة على الميثاق.

مع ذلك، قررت المدعية العامة أنه في أعقاب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 برفع مستوى فلسطين في الامم المتحدة الى "دولة مراقبة ليست عضو"، أنه بالامكان اعتبار "فلسطين" دولة من اجل الانضمام الى الميثاق ومن اجل الموافقة الفورية على الاحتكام. وبناءً على ذلك توجد للمحكمة الصلاحية على الجرائم التي حدثت في اراضيها. المدعية العامة لا تقدم تحليلا عميقا لهذه النقطة، رغم أن وضع القرار بشأن هل الكيان هو دولة من اجل الميثاق في أيدي جهة سياسية مثل الجمعية العمومية للامم المتحدة لا يعتريه الشك من الناحية القانونية.

حسب السياسات المتبعة في المحكمة، اذا تم قبول اعلان دولة تعطي المحكمة صلاحية التحقيق في جرائم الحرب، التي تثير لديها شكا أوليا لحدوث جرائم كهذه، يتم اجراء فحص أولي، إلا اذا كان الحديث يدور عن حالة واضحة ليست من صلاحية المحكمة. وبناءً على ذلك فان البدء بالفحص الأولي بحد ذاته لا يشير بحد ذاته الى اعتبار أن المدعية العامة تعتقد بأنه فعليا تم تنفيذ جرائم حرب. وحسب تقرير رسمي من مكتب المدعية العامة فانه حتى نهاية عام 2014 يتم اجراء 10 فحوصات أولية تشمل القوات البريطانية في العراق وقوات الولايات المتحدة في افغانستان والقوات الروسية وقوات جورجيا في الحرب بينهما، وعمليات تتعلق بالمواجهة الدائرة حول اوكرانيا وكذلك الوضع في نيجيريا وغينيا والهندوراس وكولومبيا. خلال عام 2014 تم ايضا اجراء فحص أولي  في موضوع القافلة البحرية الى غزة في 2010، وذلك في أعقاب طلب دولة جزر القمر، حيث أن سفينة "مرمرة" كانت تبحر تحت علمها. وفي نهاية الفحص تقرر ألا يتم نقل الحادثة الى التحقيق، على ضوء غياب الخطورة الكافية للحادث.

في اطار عملية الفحص الأولي يفحص الادعاء العام في اسئلة حول صلاحيات القضاء والأهلية ومصالح العدالة. في موضوعنا يبدو أن موقف المدعية العامة هو أن لها صلاحية على الاحداث، على ضوء اعتبار أنها وقعت على اراضي دولة عضو، "فلسطين". في اطار فحص الأهلية يُفحص هل الاعمال تشكل خطرا تبرر التحقيق. في الحالة التي أمامنا يمكن الافتراض أن هذا المطلب سيتحقق، وخصوصا ازاء الملاحظات التي ذُكرت في القرار المذكور بشأن القافلة البحرية، حيث تمت الاشارة الى أن هذا المطلب كان يكون متوفرا لو أمكن فحص مجمل الاحداث التي وقعت في المواجهة بين اسرائيل والفلسطينيين. إن فحص الأهلية يناقش ايضا مبدأ الكمال، الذي على أساسه يجب أن تُعطى الافضلية للتحقيق الذي يتم اجراؤه من قبل سلطات الدولة، بشرط أن يكون الحديث يدور عن تحقيق جدي. فيما يتعلق بمصالح العدالة يتم فحص هل يوجد اعتبارات هامة التي على أساسها فان التحقيق لا يساعد في تحقيق مصالح العدالة. مثلا، اذا كان التحقيق بذاته سيسيء لوضع الضحايا. ايضا الاعتبار الذي على أساسه من شأن التحقيق أن يشكل عنصرا يعيق تقدم عملية سلام يمكنها أن تلعب دورا معينا.

الفحص الاولي لا يشمل التحقيق المستقل لمكتب المدعية العامة، ولكنه قائم على جمع المعلومات من مصادر مختلفة، تشمل مصادر رسمية، منظمات غير حكومية وأي شخص آخر. يمكن الافتراض بأن تقرير لجنة "شباس" للتحقيق في أحداث الحرب في قطاع غزة، التي تم تعيينها من قبل لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة، ستحظى باهتمام خاص خلال عملية الفحص هذه.

ليس هناك اطار زمني يكون لزاما على اللجنة خلاله انهاء تحقيقها الأولي. يمكن أن تستمر عملية الفحص لفترة طويلة، يدور خلالها حوار بين مكتب المدعية العامة وبين الجهات ذات الصلة، بما فيها سلطات الدول التي يمسها الامر، وهكذا. على سبيل المثال، لدى فحص ما يتعلق بالوضع في جورجيا، فانه تعامل مع الاحداث التي وقعت في سنة 2008 ومن ضمنها تم فحص عمليات التحقيق الجارية في الدول ذات الصلة، وصورة تقدمها. في نهاية الفحص فان على المدعية أن تقرر ما اذا كان هناك "أساس معقول" بأنه تم ارتكاب جرائم وأن الشروط الاخرى مكتملة، وطبقا لذلك تقرر هل سيتم فتح تحقيق. ويواكب التحقيق محاكمة أولية تسبق المثول أمام المحكمة.

في مرحلة التحقيق فان المحاكمة الأولية السابقة للمحاكمة مخولة باصدار أوامر اعتقال واستدعاء. وكل دولة عضو في ميثاق روما ملزمة باحترام هذه الأوامر، واعتقال وتسليم المتهمين الموجودين ضمن حدودها. هناك 123 دولة عضو (اذا أضفنا لها فلسطين)، ومن بينها كل الدول الاوروبية ودول امريكا اللاتينية وغيرها. اسرائيل والولايات المتحدة وكذلك روسيا، الصين، تركيا، الهند ومعظم دول الشرق الاوسط، ليست اعضاء في هذه المحكمة. في هذه الايام تُجرى تحقيقات بشأن 21 حالة في اطار 8 حوادث: اوغندا، الكونغو، السودان، جمهورية افريقيا الوسطى، كينيا، ليبيا، ساحل العاج ومالي. (هناك انتقادات على كون كل التحقيقات الجارية هي ضد دول من القارة الافريقية).

 

الدلائل والتوصيات:

1- يجب التعامل مع قرار فتح تحقيق باحترام، ومع ذلك ليس هناك مجال للضغط الزائد. الطريق ما زالت طويلة الى أن يتم فتح تحقيق، وليس من المؤكد أن يتم تقديم لوائح اتهام ضد اسرائيليين.

2- المحكمة هي جسم مهني مثل كل جسم في الساحة الدولية، يوجد له ارتباطات سياسية، وهو بالتأكيد يتأثر جدا من مواقف مؤسسات الامم المتحدة، ولكن ليس صحيحا أن يتم التعامل معه كجسم سياسي صرف. يدور الحديث هنا عن مؤسسة تضم رجال قضاء مهنيين، ويتم النظر اليها كذلك. لهذا فان التهجمات اللاذعة، والدعوى قصيرة النظر لحلها، ليس فيها ما يفيد. هي فقط تُظهر اسرائيل كدولة غير جدية في أحسن الاحوال، والاقسى من ذلك، أنها تعتقد أنها ارتكبت جرائم وتخشى من أن تُضبط بجريمتها. كما يقول المثل "من على رأسه بطحة فليُحسس عليها".

3- يجب أن تستمر اسرائيل في الادعاء بأنه يجب عدم اعتبار فلسطين دولة بخصوص ميثاق روما. وهناك لاسرائيل حجج جيدة في هذا الموضوع. مع ذلك، يجب الاعتراف بأن احتمالات قبول هذه الحجة ليست كبيرة، ازاء موقف القسم القانوني للامم المتحدة وحقيقة أن المدعية العامة عبرت عن موقف حاسم في هذا الموضوع.

4- في موازاة ذلك، يجب الاستعداد لأن يستمر الفحص. إن التحقيقات الجدية من قبل اسرائيل حول الادعاءات بشأن جرائم الحرب التي تم اجراؤها من قبلها تشكل حاجزا فعالا ومهما لفتح تحقيق ضد هذه الافعال.

5- يجب تحضير حجج قانونية حول عدد من المواضيع الاساسية، تشمل مكانة المناطق كمناطق محتلة،  وخصوصا فيما يتعلق بمنطقة قطاع غزة. وكذلك موضوع الاطار القانوني ذو العلاقة، الذي يسري على المواجهة مع حماس (هل هي مواجهة دولية أو غير دولية)، التي تؤثر في سريان جزء من بنود المخالفة.

6- هناك امكانية لأن نفحص جيدا التعاون مع عملية الفحص الأولي. وذلك من اجل زيادة احتمال اقتناع المحكمة بأن اسرائيل تفحص نفسها، ومن اجل كسب الوقت. هكذا تتصرف باقي الدول، بما فيها على سبيل المثال روسيا – رغم أنها ليست عضوة في المحكمة. إن التعاون لا يعني بالضرورة قبول صلاحية أو خضوعا لاملاءات المحكمة، لكنه يُمكن أيضا من أن نعرض بصورة رسمية ومنظمة كل جرائم الفلسطينيين، وخصوصا تلك التي تم تنفيذها على أيدي حماس.

7- يجب تنسيق المواقف مع دول اخرى لها قوات مشاركة في الحرب – الولايات المتحدة، بريطانيا، كندا ودول الناتو (بصورة سرية مع دول اخرى). إن الدوام الاشكالي بالنسبة للعمليات العسكرية للجيش سيؤثر على هذه المواقف، لهذا فان لديها مصلحة مباشرة لمنع وصول التحقيق الى هذه العمليات، طالما وجدت هناك مصلحة مشتركة لمنع تقديم لوائح اتهام في حالات كهذه.

يجب عدم الاستخفاف بأهمية قرار المدعي العام بفتح تحقيق أولي. ومع ذلك لا يدور الحديث عن مفاجأة. على ضوء طلبها اجراء تحقيق بشأن الاحداث كان واضحا جدا بأنه سيتم فتح تحقيق كهذا.

يجب على اسرائيل أن ترد بهدوء وأن تفحص بصورة متوازنة اسلوب العمل الصحيح من اجل تقليص خسائر فحص كهذا، ومن اجل زيادة احتمالات منع فتح تحقيق جدي. إن الردود الغاضبة التي نعزوها لفترة الانتخابات الحالية، ليست هي الطريق الصحيحة للعمل.

المصدر | بنينا شربيت باروخ | "نظرة عليا" العبرية - ترجمة المصدر السياسي

  كلمات مفتاحية

إسرائيل المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق أولي فلسطين الجرف الصامد القلق الذعر