فيلم «هاكسو ريدج»: هل يخوض الغرب الحروب بروحه أم سلاحه؟

الجمعة 15 ديسمبر 2017 10:12 ص

فيلم اليوم «هاكسو ريدج أو Hacksaw ridge» أمريكي بدأ طرحه في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وهو يجسد بصورة مباشرة وضمنية عدة إشكاليات حربية واجتماعية غربية، لعلها جميعًا تلخص مفاهيم السيادة في الحرب .. والفنية في السلم؛ والاعتذار المُقنع في الحالين؛ أو إذا شئنا الدقة كيف تسير الأمور في عالمنا لصالح الأقوياء .. بخاصة في صراعهم مع الأقل قوة منهم؟

ومنظومة القوة بدرجاتها في فيلم اليوم يتم الانطلاق منها، مباشرة عبر القوة الحربية ، أما كواليس الفيلم غير المُعلنة فتخص قوة معارك الوجود الصفرية، عبر اللوبي الصهيوني في المجتمعات الغربية بخاصة الأمريكية، بخاصة في عالم هوليود الغريب المالي والفني .. وكيفية إدارة الصراعات فيه.

 ويتطلب الأمر في عالم الذهب والجمال أو السينما الأمريكية تحطيم عظام المعارضين في الواقع، بأشد ضراوة مما تجسده الأعمال السينمائية الهوليودية، حتى لو كان الأمر يخص ممثلين كبارًا، وتلك المنظومة المجهدة المضنية من الانتصار للمال والنفوذ وجعلهما المُتحكمين في إخراج أفلام .. هي بالفعل قوية .. سينمائيًا من تصوير ومونتاج وغرافيك وموسيقى تصويرية .. ثم قصة وحبكة درامية هو أبرز ما نتناوله في فيلم «هاكسو ريدج».

«غيبسون» وحرب تكسير العظام

الممثل الأمريكي «ميل غيبسون» مخرج فيلم اليوم، مشهور بدوره كممثل في الفيلم المعروف «قلب شجاع» في عام 1995، ثم ببطولة الفيلم الحربي «أبوكاليبتو أو Apocalypto» والذي قدمه في عام 2006 .

مر مخرج فيلم «هاكسو ريدج» بتجربة قاسية بعد فيلمه الأخير استغرقت تكاليفها عشر سنوات من حياته كانت كافية من وجهة نظر اللوبي الصهيوني المتحكم في الولايات المتحدة بتأديبه.

صرح «غيبسون» أن «اليهود هم أصل الحروب التي شهدها العالم بخاصة حديثًا»، فما كان من اللوبي التابع لهم في هوليود إلا أن أوقف عمله كنجم سينمائي؛ فصار عاطلًا رغم محاولته الاعتذار بأنه كان مخمورًا مما أضاف تهمة جديدة إلى سجله .. دوام السُّكر، فما كان من الأخير إلا أن فكر في فكرة فيلم يطرحه يُعتبر اعتذارًا عما صدر عنه من قبل .. لكن بصورة أقوى من الاعتذار المباشر الذي قدمه ولم يُتقبل منه.

من هنا جاءت فكرة فيلم «هاكسو ريدج» إذ إنه كان محبوسًا في الأدراج لمدة 12 عامًا؛ وكان من المفترض أن يُعهد به إلى مخرج آخر .. لكن يبدو أن رغبة مخرج فيلم اليوم في التراجع ظهرت بشكل كاف كي يتم إسناد الفيلم إليه.

اعتذار ضمني

تدور أحداث فيلم «هاكسو ريدج» حول «دوس ديزموند» أو (أندرو غارفيلد) المولود بين الحربين العالميتين لـ«توم دوس» أو «هوغو ويفنغ» الذي كان محاربًا في الحرب العالمية الأولى وكوفئ لشجاعته مرتين، إلا أنه خسر جميع أصدقائه في الحرب مما أثر على قواه العقلية وجعله يميل إلى إدمان الخمر والقسوة في معاملة زوجته.

وفي إحدى نوبات هياج الأب يشهر سلاحه ضد زوجته «برثا» أو (راشيل غريفيث)  مما يدفع الابن الشاب «دوس»، بطل الفيلم، إلى سرعة التدخل فيكاد يقتل أبيه ؛ وهي الحادثة التي تطورت لديه حتى لتجعله يتوغل في المذهب «الأدفنتستي» أو السبتي؛ والأخير تجسيد لطائفة بروتستانتية أسسها «وليم ميلر» في القرن التاسع عشر الميلادي، تؤمن بقرب عودة المسيح، أو مجيئه الثاني؛ وإلى ذلك يشير اسمهم «Adventist أو مجيء»، ومن أهم عقائدهم حفظ يوم السبت وتقديسه (كيوم لراحة الرب بدلًا من يوم الأحد !) مع التشديد على حرفية الكتاب المقدس (بجزئيه القديم والجديد)، مع الامتناع عن تناول اللحوم والمواد المخدرة والمنبهة.

الأمور السابقة كلها تحلى بها «ديزموند» بطل الفيلم، وفي سياق درامي مناسب قدم الفيلم سببًا وجيهًا فنيًا لرفضه حمل السلاح بالإضافة لعقيدته السبتية أو تم تبرير العقيدة الأقرب إلى اليهودية دراميًا وزجها في سياق محكم داخل الفيلم الذي يستمر لمدة قرابة 140 دقيقة وهو الاعتذار الكافي لعودة «غيبسون» لممارسة الإخراج في السينما الأمريكية، وأيضًا لإدخال ابنه في دور صغير في الفيلم.

رؤية إخراجية شاملة

لكن ما سبق كله لم يمنع أن «غيبسون» حاول ولو ظاهريًا الانتصار لنفسه في الفيلم مقابل حرب تكسير العظام التي أدت إلى إبعاده لعشر سنوات كاملة إذ يدس في أحد مشاهد الفيلم موقفًا لجندي يتدرب وهو عار تماما في وحدة أمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية أما اسم الجندي فـ«هوليود» (!).

ينقسم فيلم «هاكسو ريدج» أو «مرتفع المُنشار»، إشارة إلى المكان الذي دارت فيه معركة حربية أمريكية ـ  يابانية في عام 1945، ينقسم الفيلم إلى جزئين واضحين حتى من خلال زمن الفيلم، تمامًا كما مضمون جملة من الكتاب المقدس: «أحبب جارك، ولاتقتل عدوك»، أما النصف الأول فتصوره قصة حب خلابة بين البطل و«دورثي» الممرضة أو (تيريزا بالمر)، من خلال عملها في مستشفى مجاور في فرجينيا لورشة ميكانيكية يعمل أبوه بها أحيانًا .. وذلك مع بوادر تطوع «ديزموند» للجيش؛ ورفضه الاكتفاء بعمله كموظف مدني في وزارة الدفاع .. وقصة الحب لم تخلُ من مناظر طبيعية .. ولقاءات عاطفية كما هو معتاد في الأفلام العاطفية.

لكن مع دخول «ديزموند» الجيش متطوعًا، مصداقًا لنصف الجملة الخاصة بالكتاب المقدس، ينقلب الفيلم إلى حربي من الدرجة الأولى .. ويبدأ الجزء الأول من القسم الثاني من الفيلم برفض «ديزموند» حمل السلاح في الجيش؛ فتعاليم السبتية لديه تقول: «لا تقتل»، ويحاول قائده «دان غلوفر» أو «سام ورثينغتون» معه بجميع الطرق لكن «ديزموند» لا يستجيب حتى لجأ القائد للمحاكمة العسكرية التي يذكرنا مشهد «والد ديزموند» وهو يجادل القاضي بالمشهد الأشهر لـ«آل باتشينو» في فيلم «عطر امرأة» وهو يسخر من القوانين والأعراف الأمريكية العسكرية.

ومع دخول «ديزموند» إلى الخدمة بلا سلاح كمُسعف تتصاعد أحداث الفيلم، ويبدأ «غيبسون» في إظهار ملكاته الإخراجية بالتوابل المعروفة من مشاهد العنف المستخدمة بالغرافيك أحيانًا لبيان تفجر الدماء وخروج الأحشاء وتعفن الجثث واجتماع الفئران والحشرات عليها .. مشاهد مبالغ فيها حينما تتضافر مع الرغبة في إظهار التفوق الأمريكي في القتال والبطولات ضد الأعداء فتجيء يشكل بالغ الفجاجة .. وهو ما تعمده «غيبسون» في المعارك التي دارت فوق مرتفع هاكسو مع اليابانيين .. كما تعمد إبراز الأخيرين بوحشية وكثرة كالجرذان؛ مع التعاطف الأمريكي معهم بل علاج أسراهم .. وهو ما أضر بالفيلم كثيرًا وأدخله في دائرة الانحياز للذات والسادية.

مجد الفيلم «ديزموند» المتوفى منذ قرابة 10 سنوات تاركًا قصة الفيلم للكنيسة السبتية، بخاصة إنقاذه 75 فردًا من وحدته العسكرية بما فيهم قائده «غلوفر» الذي اضطهده من قبل.

برزت في الفيلم رؤية المخرج للأحداث فأدار فريق التمثيل كما يحب أن يُمثل أو يبدو «غيبسون» نفسه على الشاشة من إفراط في العنف حتى في الحياة الاجتماعية والمفارقات المضحكة؛ مع وضوح نبرة الاعتذار السينمائي عما ذكره المخرج في حق اليهود، ولو على نحو مستتر قليلًا .. فالمعركة الأخيرة التي جاءت بالنصر لا تدور رحاها في الفيلم قبل أن يصلي «ديزموند» المسيحي الأقرب إلى اليهودي إلى الرب مؤخرًا الجيش لأكثر من ربع الساعة (!).

على أن هذا لا يمنع الجهد المبذول في الفيلم سينمائيًا وروعة الحوار أحيانًا بخاصة فيما يتعلق بالعقيدة والحرب .. وأن الجندي في المعركة لا يدافع عن بلاده بسلاحه بل بروحه .. وهو الأمر الذي أضر به الانتصار لعقيدة السبتيين .. كما أضر الجزء الخاص بكلام «ديزموند» الحقيقي وقائده بالفيلم في نهايته وقربه من التسجيلي.

فيلم «هاكسو ريدج» صورة سينمائية لرؤية إخراجية مع جودتها إلا أنها تُخضع الجميع بداية من السيناريو حتى المُمثلين لرأي واحد هو المخرج الذي يدير العمل وكأنه يمثل دور جميع أطرافه .. وتنتصر (الرؤية) للنجاة من الحروب العسكرية بجميع الطرق المُمكنة .. وأيضًا للنجاة من الحروب السينمائية الصهيونية بخاصة في هوليود بالأفلام المُتنازلة عن مبادئ أصحابها إلا قليلًا.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيلم أمريكي غيبسون هاكسو ريدج Hacksaw ridge الحرب العالمية الثانية روح سلاح