إصلاحات مصر.. تعاف اقتصادي يزيد عجز المواطنين

الأحد 17 ديسمبر 2017 08:12 ص

لجأ الكثير من المصريين إلى أعمال حرة بجانب وظيفتهم الرئيسية، للتغلب على تراجع قيمة العملة مع استقرار معدل الأجور في البلاد، وبدا الكل منهكاً لتوفير القوت اليومي، باستثناء شريحة صغيرة تبدي ارتياحاً للإجراءات الإصلاحية التي وصفها الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» في أكثر من مناسبة بـ«القاسية».

الجنيهات الخمسة في مصر (280 سنت)، كانت تكفي لإفطار شخص أو اثنين، قبل الإصلاحات الاقتصادية التي بدأت في البلاد منذ أواخر عام 2014، خاصة بعد تحرير سعر الصرف في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ما خفّض قيمة العملة بنحو 60%، فأضحت الـ5 جنيهات لا تكفي لإفطار شخص واحد، إلا إذا كان لا يعمل أو ذا مجهود قليل، وليس لديه أمراض، وبها يستطيع أكل رغيف خبز وقرص فلافل.

ورغم تراجع قيمة الـ5 جنيهات بالنسبة إلى المصريين، لكن «عم فوزي» السايس يبقى راضيا بها، لكنه يقول: «بنشتغل شغلانتين ومش مكفّي... هي الحكومة بتستفاد إيه لما بتضيق علينا؟!».

والسايس في مصر مسؤول عن ركن السيارات بطريقة يستطيع من خلالها وضع أكبر عدد من المركبات بجانب الرصيف، لأنها تمثل له أموالاً مرصوصة بعضها بجانب بعض، وليس له رخصة عمل في البلاد، رغم المكاسب التي يحققها، وهو ما يزيد عدد حالات التشابك بالأيدي بين مريدي هذا العمل في المناطق الراقية.

رغم أن سؤال «عم فوزي» يبدو اعتراضياً وناتجاً عن سوء الأحوال المادية، فإن مقارنةً بين موازنة الحكومة وموازنة المواطن «عم فوزي» على سبيل المثال، من شأنها توضيح ما آلت إليه الأحوال الاقتصادية في البلاد وما ستؤول إليه أحوال المصريين مستقبلاً، بالمؤشرات الحالية.

الشغل مش عيب

بدأت قصة «عم فوزي»، بحسب صحيفة «الشرق الأوسط»، عندما ترك بلده في أسوان (جنوبي البلاد)، وجاء إلى القاهرة بحجة زيادة فرص العمل في العاصمة، وتمركز الشركات بها، لكن مؤهلاته في الأمانة والنظافة، فقط أهّلته للعمل «ساعياً» بإحدى الشركات في منطقة المهندسين.

«الشغل مش عيب... العيب إني أقعد في البيت وأمد إيدي»، جاوب «عم فوزي» بذلك على رضاه من عدمه عن العمل بهذا المجال بعد ترك أرضه وزراعته، وعلا صوته مستنكراً: «صعيدنا مهمش والفرص قليلة... ولو قعدت لحد دلوقتي وبالأسعار دي ماكنتش هلاقي أأكل ولادي».

ويعول «عم فوزي»، 3 أولاد وبنتاً، جميعهم في التعليم الابتدائي، فيما عدا «الشاذلي» في الصف الثالث الإعدادي، الذي يتردد على والده في إجازة الصيف، لمساعدته في ركن وتنظيف السيارات.

يضيف: «لما لقيت الأسعار نار رجّعت ولادي البلد يتعلموا هناك... مش عايزهم يطلعوا زيي خاصة في الظروف دي».

والهجرة إلى المدينة، أفقدت مصر زراعتها التي اشتهرت بها منذ عقود، فزاد الاعتماد على الاستيراد من مواد غذائية، مروراً بمستلزمات الإنتاج والماكينات والآلات، حتى التكنولوجيا، ومصر حالياً أكبر دولة في العالم استيراداً للقمح، فزادت فاتورة الواردات مقابل الصادرات، وارتفع العجز في الميزان التجاري المصري إلى نحو 35.435 مليار دولار في العام المالي الجاري 2016 – 2017، من 27.103 مليار دولار في العام 2010 - 2011.

وتراجعت الصادرات إلى 21.687 مليار دولار العام المالي 2016 - 2017، من 26.993 مليار دولار في العام المالي 2010 - 2011، بينما ارتفعت الواردات إلى 57.122 مليار دولار في العام المالي الجاري، من 54.096 مليار دولار في العام المالي 2010 - 2011.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن «السيسي»، عن زراعة مليون ونصف المليون فدان لتقليل فاتورة استيراد المواد الغذائية، فضلاً عن التطلعات لعودة الكثيرين من أبناء الريف والقرى للزراعة من جديد، لكن هذه التجربة تحتاج إلى مزيد من الوقت لاختبار نجاحها من عدمه.

لكن الحكومة المصرية كانت قد أعلنت عن بدء المرحلة الثانية من المشروع.

ولا يوجد إحصاء رسمي يوضح حجم الهجرة الداخلية، لمقارنته بما قبل وما بعد إعلان زراعة المليون ونصف المليون فدان، ومدى تأثيره على الفلاحين والمزارعين.

إيرادات متباينة

الإيراد الشهري لـ«عم فوزي» ليس بقليل، رغم امتناعه عن التحدث في الأمور المادية، لكن راتبه (1200 جنيه، الحد الأدنى للأجور في القطاع الحكومي بمصر) بجانب الـ5 جنيهات عن كل سيارة، في عدد نحو 25 مركبة يومياً في المتوسط، قد يصل إجمالي الدخل إلى 5000 جنيه (283 دولاراً) شهرياً.

لكنه قال بامتعاض: «أي مكسب حالياً لا يكفي حتى آخر الشهر... كل حاجة غليت الضعف إلا المرتبات».

ويسهم «عم فوزي» في تمويل الموازنة العامة للدولة من خلال ضريبة الدخل، لكنه غير معنيّ بالإيرادات الثلاثة الأخرى للدولة: إيرادات قناة السويس، وتحويلات المصريين في الخارج، والسياحة.

ووفقاً لوزارة المالية، ارتفعت حصيلة الإيرادات الضريبية خلال العام المالي الماضي 2016 - 2017، بنسبة 31.8% وبلغت قيمتها 464.4 مليار جنيه، مقارنةً بالعام المالي 2015 - 2016.

وخلال الربع الأول من العام المالي الجاري 2017 – 2018، ارتفعت الإيرادات الضريبية بنسبة 6 .47% بنحو 18 مليار جنيه خلال الفترة (يوليو/ تموز – أغسطس/آب 2017) لتسجل 56 مليار جنيه مقابل 38 مليار جنيه خلال نفس الفترة من العام المالي السابق.

يعلق «عم فوزي»: «الإيرادات الحكومية زادت، واحنا إيراداتنا قلّت، ودا طبيعي لأن الإيرادات اللي كانت هتدخل جيوبنا راحت للحكومة».

وأرجعت وزارة المالية، تحسن أداء الحصيلة الضريبية إلى الإصلاحات الضريبية التي طُبِّقت منذ بداية العام المالي الماضي واستمرت في العام المالي الحالي.

وارتفعت حصيلة الضرائب على السلع والخدمات بنحو 7. 62% لتبلغ 1. 32 مليار جنيه خلال شهرين، حيث زادت الضرائب على المبيعات بنسبة 92% لتحقق 17 مليار جنيه، وصعدت الضرائب العامة على الخدمات بنسبة 7. 65% لتبلغ 7. 3 مليار جنيه.

والحصيلة من الضرائب على الممتلكات ارتفعت بنحو 8% لتصل إلى 6 مليارات جنيه، وذلك في ضوء زيادة حصيلة الضرائب على عوائد أذون وسندات الخزانة بنسبة 4% لتصل إلى 1. 5 مليار جنيه خلال الفترة (يوليو/تموز – أغسطس/آب 2017).

وزادت الضرائب على التجارة الدولية (الجمارك) بنسبة 1. 67% لتسجل 6.4 مليار جنيه.

وارتفعت عائدات قناة السويس خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى 455.8 مليون دولار، بزيادة 17.1% عن نفس الشهر من العام الماضي، والتي بلغت 389.2 مليون دولار، وذلك طبقاً للتقديرات والإحصائيات الأولية حتى الآن، بينما بلغت الحمولات خلال نوفمبر/تشرين الثاني 89.3 مليون طن، مقابل 77.8 مليون طن خلال نفس الفترة من العام الماضي، بزيادة بلغت 14.8%.

مؤشرات اقتصادية

كما قفزت إيرادات البلاد من قطاع السياحة 211.8% إلى نحو 5.3 مليار دولار في أول 9 أشهر من العام الجاري، في حين زادت أعداد السياح الوافدين إلى البلاد 55.3%، وسط توقعات بإيرادات تبلغ 7 مليارات دولار من قطاع السياحة بنهاية العام الجاري.

وزار مصر ما يزيد على 14.7 مليون سائح في 2010، وهوى هذا العدد إلى 9.8 مليون سائح في 2011، وإلى نحو 4.5 مليون سائح في 2016.

ويمثل قطاع السياحة ركيزة أساسية لاقتصاد مصر، ومصدر رزق لملايين المواطنين، ومورداً رئيسياً للعملة الصعبة لكن السياحة تضررت بشدة جراء سنوات الاضطراب السياسي منذ عام 2011، وبعض العمليات الإرهابية التي استهدفت القطاع.

وتلقت السياحة المصرية ضربة قاصمة عند تحطم طائرة ركاب روسية في سيناء في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2015، ومقتل جميع من كانوا على متنها، ومنعت روسيا طائراتها طوال عامين، قبل أن توقع مع مصر بروتوكولا أمنيا الجمعة، يمهد لعودة الطيران مجددا فبراير/شباط المقبل.

وارتفعت تحويلات المصريين في الخارج لـ5.9 مليار دولار خلال الـ3 أشهر الأولى من العام المالي الحالي 2017 - 2018، مقارنةً بـ4.3 مليار دولار خلال الفترة المقابلة من السنة المالية السابقة.

وأسفرت معاملات الاقتصاد المصري مع العالم الخارجي خلال الربع الأول من العام المالي الحالي عن ارتفاع الفائض الكلى في ميزان المدفوعات المصري ليبلغ نحو 5.1 مليار دولار، مقابل نحو 1.9 مليار دولار خلال الفترة المقبلة من السنة المالية السابقة.

خدمات حكومية

يقول «عم فوزي»، إن الحكومة تتحصّل على إيراداتها منه في صورة ضرائب وكهرباء وغاز ومياه، ضرائب خدمات، لكنه لا يتحصّل على شيء في المقابل؛ لكنه قال ضاحكاً: «بس الحمد لله على كدا.. لأن لو عملت اللي عليها (يقصد توفير أماكن انتظار للسيارات) مش هنلاقي ناكل إحنا عيش».

أظهر ميزان المعاملات الجارية الحكومي المبدئي للسنة المالية 2016 - 2017 في مصر، أن الحكومة صرفت 6.811 مليار جنيه على بند الخدمات، مقارنة بـ13.928 مليار دولار في العام 2010 - 2011، أي قلّ الإنفاق الحكومي على بند الخدمات بنحو النصف تقريباً.

عجز أمام تعاف

من كل تلك المؤشرات، يظهر أن عجز الموازنة خلال الربع الأول من العام المالي 2017 - 2018، انخفض إلى 2% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 2.2% في الربع المقابل من العام المالي الماضي.

وأوضح التقرير الشهري لوزارة المالية، أن العجز الكلي سجل خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في سبتمبر/أيلول الماضي، نحو 85.3 مليار جنيه مقابل 76.8 مليار جنيه في الربع المقارن من العام المالي السابق.

وقال وزير المالية «عمرو الجارحي»، أكتوبر/تشرين الأول الماضي: «إننا نستهدف خفض عجز الموازنة سنوياً بنسبة تتراوح بين (1% - 1.5%) للوصول بنسبة العجز إلى (4% - 5%) بحلول عام 2022».

وأظهرت بيانات وزارة المالية ارتفاع الإيرادات خلال الربع الأول من العام المالي 2017 - 2018، بنحو 32.2 مليار جنيه، بزيادة قدرها 33% على أساس سنوي، لتسجل 129 مليار جنيه بنحو 3% من الناتج المحلي، مقابل إيرادات بلغت 96.8 مليار جنيه في الربع المقارن من العام المالي السابق، بما يمثل 2.8% من الناتج.

وأشار التقرير، إلى أن قفزة الإيرادات خلال الربع الأول من العام المالي الجاري، ترجع إلى ارتفاع الإيرادات الضريبية بنحو 33 مليار جنيه؛ وسجلت الإيرادات الضريبية نحو 97.2 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول 2017 (تمثل 75.3% من إجمالي الإيرادات)، مقابل 64 مليار جنيه في الفترة المقارنة من العام المالي السابق.

بينما تراجعت الإيرادات غير الضريبية خلال الفترة هامشياً إلى 31.8 مليار جنيه، مقابل 32.7 مليار جنيه في الفترة المقارنة من العام السابق. وبلغت المصروفات خلال الربع الأول من العام المالي الجاري نحو 214.1 مليار جنيه، مقابل 172.2 مليار جنيه في الربع المقارن من العام المالي الماضي.

يقول «عم فوزي»: «الحكومة دخلها كبير وكتير، لكن إدارة مصروفاتها هيا اللي فيها المشكلة».

ويبدو من مقارنة موازنة الحكومة وموازنة المواطن «عم فوزي»، أن هناك شيئاً مشتركاً وهي الديون، لكن الأخير يدفعها شهرياً من دون فوائد عن طريق ما يسمى «الجمعية»، حتى لا يُثقل أبناءه بهذا الهم.

و«الجمعية» عبارة عن اتفاق مجموعة من الجيران أو المعارف على تجميع مبلغ شهري فيما بينهم، يتحصل عليه شخص تلو الآخر، دون دفع فوائد، حتى يستفيد الجميع.

ويختتم «عم فوزي» حديثه للحاق بصلاة الظهر، قائلاً: «كل ما الحكومة تقلل عجزها (المالي) هيزيد عجزنا إحنا الغلابة».

المصدر | الخليج الجديد + الشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية

مصر اقتصاد إيرادات صادرات السياحة معدل الدخل الإنتاج أعمال حرة خدمات حكومية سعر الصرف التعويم