جزار مصري «رحيم» يحول منزله لدار استضافة «مجاني» لأطفال السرطان

الأحد 17 ديسمبر 2017 01:12 ص

«يوجد سكن واستراحة مجانية بدون تبرعات لأطفال المستشفى».. لافتة معلقة ببناية مواجهة لأشهر مستشفيات علاج سرطان الأطفال في القاهرة.

المصري «صيام عبده» (52 عاما)، الذي اعتاد الجلوس على مقعده الخشبي العتيق، أمام محله الذي يبيع به أمعاء الماشية بمنطقة «المدبح» بمصر القديمة، هو صاحب البيت والفكرة.

يلقبه رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بـ«الرحيم» فيما يكنى بين أبناء منطقته بـ«ظاظا».

يرجع «الجزار» (القصاب)، سبب إنشائه دار الإيواء المجانية إلى مشهد ذوي الأطفال المرضي، الذين كان يضطرون للنوم على الأرصفة، وكم كان قاسيًا عليه.

كما أنهم غالبا ما يقعون فريسة لاستغلال مالكي الوحدات السكنية المخصصة للإيجار بسعر غال، وفق قوله.

«عبده»، الذي بدا متأثرا في حديثه عن الأطفال المصابين بالسرطان، يقول، للأناضول، إنه بدأ هذا العمل منذ سنتين، حيث جهّز الطابق العلوى بأدوات منزلية كاملة تسمح للنزلاء بالمعيشة قرب مستشفى «57357» الشهيرة.

في الطابق المكون من 3 غرف، نصب «القصاب» 7 أسرّة وثلاجة وجهاز «ميكرويف (جهاز كهربائي لتسخين الطعام)»، ويقوم بتزويد النزلاء أسبوعيا بما يحتاجونه من مؤن (سكر- زيت- أرز- صابون) وفي بعض الأيام يحضر لهم أطعمة جاهزة.

وفي الداخل، علق «بائع أمعاء الحيوانات» صورتين لسيدتين قال إنهما «أمه ووالدة زوجته»، وأنه أعد الدار كصدقة جارية على روحيهما؛ لذا فهو يرفض أن يقبل أي تبرعات، ويطالب من يعرضون عليه ذلك أن يذهبوا بهباتهم لمكان أكثر احتياجا.

أكثر المضافين في استراحة «ظاظا» من الأقاليم البعيدة والذين لا يستطيعون التردد على المستشفى يوميا، كما أن تكلفة إيجار الوحدات السكنية القريبة من المستشفى قد تصل لـ 3000 جنيه شهريا (170 دولار تقريبا) وهو مبلغ لا يستطيع غالبية المصريين تحمله.

وازداد وضع المصريين سوءًا مؤخرًا بسبب الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، فوفق تقرير صادر عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء (حكومي) يدخل أكثر من 27% من المصريين تحت خط الفقر.

يصمت «صيام عبده» برهة، ثم يتابع حديثه قائلا: «أنا وحدي من يتكفل بإحضار متطلبات الدار، حتى أقاربي لا يتدخلون في ذلك، لأني عملتها (لوجه) لله».

ويكمل: «لا يمكن أن أفصح عن تكاليف هذا العمل، فإني أخرجته كزكاة لكن ما يمكن قوله، إن مالي لا ينقص جراء هذا العمل، بل يزيد أضعافًا كثيرة»، ويتبع مقسما: «والله لو أنفقت جنيها على الدار أربح يومها ألف جنيه (55 دولارًا)».

«عبده»، الذي يعمل قصاياً، بالوراثة، يقول إنه يمتلك 3 محلات أخرى مخصصة لبيع اللحوم بمناطق متفرقة من القاهرة، إلا أن المحل المجاور لدار الإيواء خصصه لبيع الأمعاء، تماشيا مع ما عليه سكان حي «المدبح» الذين يعملون جميعهم في مهنتي الجزارة وبيع وتربية الماشية، وتكثر به محلات بيع الأمعاء ورؤوس وأرجل المواشي.

يستعين الرجل الخمسيني 3 مرات أسبوعيا بسيدة لتنظيف الأسرة والدار بشكل كامل، مشير إلى أنه أحضر أيضا لعبا للأطفال حتى تتمكن أمهاتهم من تخفيف آلام المرض عنهم.

«لا يوجد حالة صعبة وأخرى سهلة».. يشير «عبده» إلى أن «الجميع مسموح له بالمبيت في الدار طالما أنه مريض سرطان، فهؤلاء الأطفال مصابون بمرض لعين لا يمكن الشفاء منه بسهولة، وبالتالي مساعدتهم واجبة».

وبحسب تقارير إعلامية مصرية فإن أكثر من 10 آلاف طفل مصابين بالسرطان، من بين قرابة 300 ألف مصاب بشكل عام.

وتتوقع منظمة الصحة العالمية، وفق تقرير في فبراير/ شباط 2017، زيادات كبيرة للإصابات بالمرض خلال السنوات المقبلة لاسيما في دول شمال أفريقيا، ومنها مصر، عبر سرطان الدم والمخ ويليهما الأورام الليمفاوية.

في دار إيواء «المعلم ظاظا» يوجد نظام للإقامة، فقبل أن تحظى أسرة المريض بالدخول يجب تقديم صورة لبطاقة الرقم القومي (الهوية)، وصورة من ورقة الكشف التي تعطيها لهم المستشفى.

يقول «عبده» إنه استقبل، خلال ما يقرب من سنتين، ما يزيد عن ألف حالة مرضية يتم دخولهم، بحسب الأسبقية، ومن ينهى مرحلة علاجه يغادر ويحل محله مريض غيره.

لا يقتصر الدخول لدار إيواء أطفال السرطان أن يكون النزلاء فقراء، فصيام يقبل من أتاه فقيرا أو غنيا، «المكان متاح لكل مريض يرغب في الاستراحة بجوار المستشفى، كما أن الأطفال يتعرضون لمضاعفات ليلية ويضطر ذووهم للعودة بهم للمستشفى».

يروي «صيام» موقفا حدث مع إحدى السيدات، مبرهنا على فتح داره للجميع، بالقول إنه قبل شهور حضرت سيدة مسيحية من محافظة المنيا (وسط) تدعى «أم ناريمان» وعند دخولها للمكان قالت لها إحدى السيدات أن تذهب لدار إيواء أعدتها الكنيسة بالقرب من المستشفى.

وقتها غضب «صيام»، الذي لم يحظ إلا على قسط بسيط من تعليمه، وقال للسيدة إن المرض لا يفرق بين أصحاب الديانات، وإن الجميع مسموح له بالمبيت بمكانه بصرف النظر عن ديانته.

ويستطرد الجزار حديثه، متطرقا لمهنته التي ورثها عن والده ويعمل فيها كل أقاربه، مشيراً إلى أن بعضهم حاول أن يشاركه في مشروعه الخيري إلا أنه رفض معللاً ذلك بأنه «يريد أن يجازى عن ذلك في الدار الآخرة».

ويقول إن أسرته المكونة من 4 فتيات جميعهن في المراحل التعليمية الأزهرية وأمهن يفخرن بمشروعه».

وعلى باب الدار، التقت «الأناضول» إحدى السيدات، التي فضلت عدم الإفصاح عن اسمها مكتفية بالتعريف بها بـ«أم إسلام»، لتقول إن هناك شرطًا أساسيًا وضعه صاحب الدار وهو أن مرافقي الأطفال لابد أن يكونوا نساءً وغير مسموح بدخول الرجال للمنزل.

وتقول، لـ«الأناضول»، إنه يوجد دور إيواء كثيرة تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي المصرية إلا أنها بعيدة عن المستشفى لذا يفضل الجميع الحضور لدار «المعلم ظاظا» لقلة التعقيدات بها.

وتضيف أن الدار توفر كثيرًا من النفقات لنزلائها، متمنية أن يتم تأسيس غيرها بالمكان حتى لا يعاني ذوو الأطفال الذين أرهقهم مرض فلذات أكبادهم.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

ظاظا. سرطان أطفال مصر 57357 جزار قصاب