2017 بلون الدم.. عام الاغتيالات والتصفية الجسدية في مصر

الاثنين 18 ديسمبر 2017 09:12 ص

يبدو أن ضوءا أخضر تم منحه من قبل الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، لقطاع الأمن الوطني (جهاز استخباراتي داخلي)، خلال الزيارة المشؤومة للجهاز في مارس/آذار الماضي، أعقبه تزايد وتسارع كبير في وتيرة عمليات التصفية التي ينفذها الجهاز ضد المعارضين السياسيين والمختفين قسريا.

العشرات من عمليات التصفية تم تنفيذها عام 2017، موقعة مئات الضحايا بدم بارد، دون انتظار تحقيقات النيابة المصرية، أو أحكام القضاء، وسط صمت مريب من قبل وسائل الإعلام، التي تتغنى بهذا النوع من العمليات وتصفه بـ«الثأر»، وتعتبره من بطولات الأمن المصري.

«دماء مهدرة» (تقرير حقوقي صادر عن التنسيقية المصرية للحقوق والحريات)، سجل نحو 135 حالة قتل خارج إطار القانون، نفذتها وزارة الداخلية المصرية، خلال النصف الأول من العام الجاري.

ووثق «العام الرابع» (تقرير حقوقي صادر عن منظمتي الشهاب لحقوق الإنسان، والعدالة لحقوق الإنسان)، «ألفين و441 حالة قتل خارج نطاق القانون»، منذ الانقلاب العسكري يوليو/تموز 2013، وحتى الشهر ذاته من 2017.

«الخليج الجديد» يرصد في هذا التقرير، حصاد عام من الدم والاغتيالات في مصر.

تسريب سيناء

سجل مطلع العام يناير/كانون الثاني، بداية مأساوية، بتصفية 10 شباب على يد قوات الأمن، في محافظة شمال سيناء (شمال شرقي البلاد)، وسط مطالبات من قبل منظمة «العفو الدولية» للتحقيق في الجريمة، إثر توثيق شهادات أهالي الضحايا، التي أفادت أن «6 على الأقل من القتلى كانوا معتقلين لدى قطاع الأمن الوطني، قبل أسابيع من قتلهم».

الشهر التالي (فبراير/شباط)، أعلنت السلطات تصفية شخصين، وذلك خلال مداهمة بمدينة بدر (شرقي القاهرة)، وهما «أحمد عبدالعزيز خلف محمد» (مواليد 1993)، و«محمود عنتبلى محمد أحمد» (مواليد 1986).

في مارس/آذار الماضي، تبنى الأمن المصري تصفية «سامح محمد فرحات عبدالمجيد» (مواليد 1987)، و3 من مرافقيه، داخل منزل بمحافظة الجيزة، قرب العاصمة القاهرة، بدعوى اعتناقهم الأفكار التكفيرية.

في الشهر ذاته، أعلنت الشرطة المصرية، تصفية طالب بجامعة الأزهر إحدى معاقل التيار الإسلامي، وأكثر الجامعات تظاهرا ضد الانقلاب العسكري، ويُدعى «حسن محمد مصطفى»، قالت إنه ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين.

لكن شهر أبريل/نيسان 2017، شهد مفاجأة صادمة للمصريين، بعد بث قناة «مكملين»، تسريبا يُظهر قيام الجيش المصري بتنفيذ عمليات قذرة بحق سيناويين تمت تصفيتهم بدم بارد بعد القبض عليهم وهم معصوبي الأعين. 

وأظهر «تسريب سيناء» فيديو لجندي مصري مع عدد من زملائه في سيناء يطلقون النار بشكل مباشر على رأس اثنين من شباب سيناء العزل فيما يشبه الإعدام الميداني بدون محاكمة أو تحقيقات، ثم إلقاء أسلحة آلية بجوار جثث الضحايا، والتقاط صور لهم، لإظهار مصرعهم وكأنه حدث إثر اشتباكات، لم تحدث من الأساس. (طالع المزيد)

مختفون قسريا

في مايو/آيار الماضي، أفادت معلومات حصرية حصل عليها «الخليج الجديد»، بتعمد السلطات المصرية تصفية 8 من المعتقلين لديها، في محافظة «سوهاج»، جنوبي مصر، وأن «الأشخاص الذين تمت تصفيتهم كانوا محتجزين داخل أحد السجون في القاهرة، ومن بينهم ٣ مبلغ باختفائهم قسريا». (طالع المزيد)

الشهر التالي (يونيو/حزيران)، أعلنت الداخلية المصرية، تصفية 3 من المطلوبين، ببرج العرب بـ«الإسكندرية»، شمالي البلاد، وهم: «عبدالظاهر سعيد ياسين مطاوع، وصبرى محمد سعيد صباح خليل، وأحمد أحمد محمد محمد أبو راشد»، بدعوى تبعيتهم لحركة «حسم» المناوئة للانقلاب العسكري.

في ذات الشهر، زادت جرائم التصفية بإعلان السلطات، مقتل 7 وصفتهم بـ«المتشددين» بمحافظة أسيوط، جنوبي البلاد، قالت إنهم على صلة بـ«هجمات على مسيحيين» وقعت في محافظات الإسكندرية (شمال)، والغربية (دلتا النيل)، والمنيا (جنوب)، دون القبض على أحد منهم للتوصل إلى خيط يقود إلى تفاصيل مخطط استهداف المسيحيين.

شهر دموي

في يوليو/تموز الماضي، تم الإعلان عن تصفية شخص، بمحافظة «الفيوم»، غربي البلاد، قالت «الداخلية المصرية» إنه ينتمي لحركة «حسم»، التي تصنفها السلطات «إرهابية».

وبعد مرور أيام، تباهت السلطات بتصفية تصفية مواطن، يدعى «أحمد محمد عمر سويلم» بمنطقة «المرج»، محافظة القليوبية، شمال القاهرة، بدعوى تورطه في ارتكاب جرائم مسلحة. 

وأُعلن أيضا في الشهر ذاته، عن تصفية اثنين، هما «سلامة سعيد كامل عطا»، و«محمد كمال مبروك عبدالله»، في مدينة «البدرشين» جنوب غربي العاصمة.

وحملت تصفية «أحمد عبدالناصر البهنساوي» (مواليد 1993)، و«عماد الدين سامى فهيم الفار» (مواليد 1996)، مفاجأة جديدة، بإعلان أسرة «عبدالناصر» القبض عليه 12 يوليو/تموز، وتقديم بلاغ باعتقاله وإخفائه، كما نقلت قناة «مكملين»، بلاغا على الهواء من شقيقه يحذر من تصفيته وهو ما حدث لاحقا.

وقال مركز «الشهاب لحقوق الإنسان»(مستقل)، إنه وثق الإخفاء القسري بحق «عماد الدين»، منذ القبض التعسفي عليه يوم 22 يونيو/حزيران الماضي، واقتياده لجهة مجهولة، ثم الإعلان عن تصفيته هو وشقيقه «علي» الذي كان قيد الإخفاء القسري هو الآخر منذ 22 أبريل/نيسان الماضي.

على نفس المنوال، تم تصفية الصيدلي «فريد زكريا» برصاص قوات الأمن، بعد إعتقاله من منزله بمحافظة «القليوبية»، شمال القاهرة، فجر الجمعة 14 يوليو/تموز، على الرغم من إرسال أسرته استغاثات للنائب العام المصري، تفيد باختفائه قسريا، إلى أن تلقت نبأ العثور على جثته في مستشفى «قصر العيني»، وسط القاهرة.

وفي رد انتقامي على هجوم رفح بشمال سيناء، الذي أودى بحياة 23 جنديا مصريا بينهم قائد كتيبة، أعلنت الشرطة المصرية عن تصفية «14 مسلحا في اشتباك معهم بمحافظة الإسماعيلية»، لكن مصادر خاصة تحدثت لـ«الخليج الجديد»، مؤكدة أن «الضحايا الـ14 لم يقتلوا في اشتباكات»، وأنهم من «المختفين قسريا»، بسجن «العزولي» الحربي، بمحافظة «الإسماعيلية»، شمال شرقي البلاد. (طالع المزيد)

واختتمت السلطات الشهر ذاته، بعملية تصفية طالت أربعة أشخاص، هم (حسن محمد أبوسريع عطا الله، عماد صلاح عبدالعزيز محمد جمعة، عز عيد محمد مليجى)، ورابع مجهول، وذلك أثناء مداهمة شقة في مدينة 6 أكتوبر (جنوب غربي القاهرة)، بدعوى انتمائهم لحركة «حسم»، وصلتهم بمقتل 5 من رجال الشرطة المصرية، في هجوم البدرشين.

فرق تصفية

في أغسطس/آب الماضي، عثر أهالي محافظة الفيوم (وسط مصر)، على جثة ملقاة في الصحراء عليها آثار تعذيب وحشي، تبين لاحقا أنها لمعتقل في مطلع العشرينات من عمره، عليها آثار حرق وضرب وتعذيب، وبعد ساعات، أعلن ذوو الجثة، أنها لابنهم ويدعى «ثروت سامح»، ويبلغ من العمر 19 عاما.

وأعادت صور «سامح» الملقب إعلاميا بـ«ريجيني الفيوم»، للأذهان، واقعة الشاب الإيطالي «جوليو ريجيني»، الذي عثر على جثته الأهالي في منطقة صحراوية بمدينة 6 أكتوبر في فبراير/شباط 2016، وعليها آثار تعذيب، بعد اختفاء دام لأكثر من عشرة أيام.

وحصل «الخليج الجديد» على معلومات تفيد بأن اللواء «خالد شلبي» مدير أمن محافظة «الفيوم»، وهو أحد أبرز الضباط المصريين المتهمين بالتورط في قتل «ريجيني»، يقود فرقا لتصفية المختفين قسريا في المحافظة، التي تزايدت بها عمليات التصفية. (طالع المزيد)

وفي الشهر ذاته، أعلنت السلطات تصفية 3 أشخاص خلال حملة أمنية بمدينة «أبو تشت» محافظة قنا، جنوبي البلاد، أحدهم يدعى «عيد حسين عيد سليمان»، اتهمتم بتفجير دور عبادة كنسية.

بعدها بأيام أعلنت السلطات تصفية شخصين هما الطالب «عبد المنعم شحات عبد المنعم محمد» (مواليد 1984)، والطالب «عمر علاء الدين الحسينى جبر» (مواليد 1993)، بدعوى صلتهما بمقتل ضابط الأمن الوطني «إبراهيم العزازي».

لحق بضحايا التصفية، خلال أغسطس/آب، «محمد يونس إبراهيم يونس» (32 سنة)، و«السيد ماهر السيد مصطفى» (36 سنة)، أثناء القبض عليهما بوادي النطرون شمال القاهرة، بدعوى انتمائهما لحركة «حسم».

«أرض اللواء»

الخلية المزعومة، التي احتفى الإعلام المصري بنبأ تصفيتها، والإجهاز عليها، في شقتين كائنتين بمنطقة «أرض اللواء»، بمحافظة الجيزة، جنوب القاهرة، 10 سبتمبر/ آيلول الماضي، وراح ضحية العملية 10 أشخاص تبين لاحقا أن من بينهم عدد من المختفين قسريا. (طالع المزيد)

زاد من تأزم موقف الأمن المصري، إعلان الأكاديمي «إبراهيم الديب» الأمين العام لمؤسسة «قرآني»، في ماليزيا، أن نجله «عمر»، الذي عاد لقضاء الإجازة في مصر، كان معتقلا لدى أجهزة الأمن في محافظة الجيزة، وقد يكون تعرض للقتل في أحد المقار الأمنية، وتم نقل جثته لشقة «أرض اللواء».

وتجاهلت السلطات في تصريح الدفن (مستند رسمي) ذكر سبب مقتل «عمر»، وذكرت بدلا من سبب الوفاة، عبارة «قرار نيابة أمن الدولة رقم 79 لسنة 2017 أمن دولة، قيد البحث».

في نوفمبر/تشرين الأول، انضم 3 ضحايا جدد لقائمة التصفية الجسدية، قالت الوزارة إنهم من عناصر جماعة «الإخوان»، ومتورطون في الإعداد لعمليات عدائية، وتم تصفيتهم أثناء استهداف شقة سكنية بمركز وادي النطرون بمحافظة البحيرة (شمال).

وقبل أن يلملم الشهر أوراقه، تم الإعلان عن تصفية 11 شخصا، بمحافظة الإسماعيلية (شمال)، التي تخضع أساسا لسيطرة الجيش الثاني الميداني، كما تضم مقر الاستخبارات الحربية، ما يشكك في رواية الداخلية عن مقتلهم خلال اشتباكات.

وفي ديسمبر/كانون الأول الجاري، تم تصفية 5 أشخاص، بمحافظة الشرقية (دلتا النيل)، بدعوى تورطهم في عمليات مسلحة «خلال تبادل إطلاق النيران».

وفي 18 من الشهر ذاته، تبنت «الداخلية المصرية»، تصفية 5 أشخاص، واعتقال 10 آخرين في نطاق محافظات الإسكندرية والشرقية والوادي الجديد، دون الإعلان عن هوية الضحايا.

قبل نهاية ديسمبر/ كانون الأول الجاري بأيام، تبنى الأمن المصري تصفية جديدة طالت 9 عناصر بمزرعة كائنة بمنطقة الصالحية الجديدة بمحافظة الشرقية (دلتا النيل)، دون الإعلان عن هوياتهم.

خيوط ودلالات

قواسم مشتركة تجمع بين مختلف عمليات التصفية، أبرزها البيان الموحد الصادر عن السلطات الرسمية، ويفيد دائما بمصرع المطلوبين في (اشتباكات)، دون سقوط أي قتلى أو جرحى في صفوف الأمن المصري.

القاسم الثاني، إخفاء تقارير الطب الشرعي بشأن جثث الضحايا، والتي يقول مراقبون للشأن المصري، إنها قد تكشف مقتل المستهدف تصفيتهم من مسافة صفر، ودون مقاومة للسلطات.

القاسم الثالث والغريب أيضا، انتهاء مداهمات الأمن المصري بقتل المطلوبين جميعا، دون التمكن أو الحرص على القبض على أحدهم، للكشف عن مصير باقي الخلايا المسلحة.

القاسم الرابع، والملفت، أن أغلب الضحايا طلاب جامعيون، وشباب من حملة المؤهلات العليا، والمهن رفيعة المستوى، فضلا عن عدم وجود سوابق جنائية لهم.

والأخطر من ذلك، ظهور روايات مغايرة تكذب بيانات السلطات الأمنية في مصر، وتقارير حقوقية توثق أن من تمت تصفيتهم على يد «الداخلية» أو المقبوض عليهم مختفون قسريا منذ أشهر، وتم تلفيق تهم لهم بالضلوع في أعمال عنف وانتزاع اعترافات منهم بارتكابها تحت وطأة التعذيب.

2017 هو أكثر الأعوام دموية على صعيد الاغتيالات وعمليات التصفية بدم بارد، وسط دعم رئاسي كبير لوزير الداخلية الحالي، «مجدي عبد الغفار»، (تولى مهام منصبه في مارس/آذار 2015)، الذي يعرف في تاريخ الوزارة بأنه أحد رواد سياسة الدم في البلاد.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السيسي وزارة الداخلية مصر الأمن الوطني عمليات تصفية الإخفاء القسري تصفية