سيناء 2017 مدينة نعوش.. و«الدولة الإسلامية» يتحدى الجيش والقبائل

الثلاثاء 19 ديسمبر 2017 10:12 ص

لا صوت يعلو فوق صوت البندقية، والدانة، في أرض الفيروز، التي باتت بقعة دامية على الخريطة المصرية، تنقل إلى الدار الآخرة بشكل دوري المئات من الضحايا في صفوف العسكريين والمدنيين، جراء هجمات انتحارية، وتفجيرات عنيفة، ومجازر بشعة، تضع الكثير من علامات الاستفهام حول مستقبل شبه جزيرة سيناء، شمال شرقي البلاد.

عام ملتهب بالأحداث، تحولت معه المنطقة بالفعل إلى مستنقع دام، كبد الجيش المصري خسائر فادحة، وسط تمدد واضح لنفوذ تنظيمات مسلحة، وتورط قبلي في المواجهات الدائرة، وتهجير قبطي قسري من مدن شمال سيناء، وفجوة تتسع كل يوم بين السلطات والمواطنين جراء سياسات أمنية «غاشمة»، وحالة «طوارئ» ترضخ تحتها مدن المحافظة منذ سنوات.

بداية انتحارية

البداية دامية وعنيفة، بهجوم انتحاري، نفذه مسلح قاد سيارة قمامة مسروقة بعد أن تم تلغيمها، واقتحم بها نفطة تفتيش المطافئ بحي المساعيد، بالعريش، ما أسفر عن تدميرها بالكامل ومقتل 8 شرطيين، بالإضافة إلى مدني، وإصابة ما لا يقل عن 15 آخرين، بينهم 6 مدنيين، يناير/كانون الثاني.

بعدها بأيام، أنزل مسلحون يشتبه بأنهم موالون لتنظيم «الدولة الإسلامية»، 5 مجندين مصريين، من حافلة قادمة من مدينة الإسماعيلية، إحدى مدن قناة السويس، وأمطروهم بالرصاص.

وجراء سقوط قذيفة مجهولة المصدر على منزل في مدينة فح، شمال سيناء، لقي سبعة رجال وطفلاً  مصرعهم، خلال الشهر ذاته.

«الداخلية المصرية»، ردت على هجوم المطافئ، لكن يبدو أن الرد جاء في المكان الخطأ، عبر تصفية 10 من شباب عائلات العريش، بعد اتهامهم بالضلوع في الهجوم، لكن أهالي الشباب الذين تم تصفيتهم، أكدوا أن ذويهم كانوا ضمن المعتقلين في سجون وزارة الداخلية منذ أكثر من 3 أشهر، مهددين بإعلان العصيان المدني، ومطالبين بمعاقبة وإقالة القيادات الأمنية المتورطة في الجريمة. (طالع المزيد)

نزوح قبطي

تواصلت خلال 2017 حركة نزوح الأسر المسيحية عن محافظة «شمال سيناء»، إلى محافظات أخرى، وبلغ عدد النازحين نحو 155 أسرة، بإجمالي 546 فردا، خشية تهديدات «الدولة الإسلامية»، باستهداف المسيحيين، والتي وجدت صداها على أرض الواقع بذبح وتصفية عدد من الأقباط على يد مجهولين.

وعلى الرغم من الوضع الأمني المتدهور، زعم اللواء «ممدوح شاهين»، مساعد وزير الدفاع، في كلمة أمام مجلس النواب المصري، أن «القوات المسلحة على وشك القضاء على الإرهاب بالكامل فى سيناء».

وخلال مارس/آذار الماضي، تفقد وزير الدفاع المصري الفريق أول «صدقي صبحي» ووزير الداخلية اللواء «مجدي عبدالغفار» العريش (كبرى مدن شمال سيناء)، وشددا على تطهير أرض سيناء من كافة أشكال التطرف والإرهاب.

بعدها بأيام، جاء الرد مدويا، بمقتل 12 بينهم قيادات عسكرية بارزة، خلال اشتباكات وقعت مع مسلحين في مناطق مختلفة بسيناء، فيما قتل مدني واحد، وأصيب 5 آخرون في انفجار عبوة ناسفة جنوب غرب مدينة «العريش».

أعقب ذلك في أبريل/نيسان، إزاحة الستار عن فيلم وثائقي لفرع تنظيم «الدولة الإسلامية» في مصر المعروف باسم «ولاية سيناء»، يُظهر قنص 79 عسكريا خلال 100 يوم، حمل اسم «صاعقات القلوب»، وتضمن عمليات قنص عناصر التنظيم للعشرات من جنود الجيش والشرطة المصريين. (شاهد الفيديو)

وفي هجوم نوعي، خلال الشهر ذاته، استهدف محافظة «جنوب سيناء»، البعيدة عن حزام العمليات الإرهابية، مقارنة بمحافظة «شمال سيناء» الحدودية، شهد محيط دير «سانت كاترين» هجوما بالأسلحة النارية، أسفر عن مقتل شرطيين وإصابة 4 آخرين.

وبينما كان المصريون ينتظرون ردا عسكريا قويا ضد تلك التنظيمات، جاء التسريب المروع، الذي بثته قناة «مكملين»، وحمل اتهامات خطيرة للجيش المصري بتنفيذ عمليات قذرة في سيناء بحق سيناويين تمت تصفيتهم بدم بارد بعد القبض عليهم وهم معصوبي الأعين، ومكبلي الأيدي. (طالع التسريب)

وأفادت «منظمة سيناء لحقوق الإنسان» (حقوقية مستقلة)، بأن ما لا يقل عن 30 مدنيا بينهم 7 أطفال و3 نساء قتلوا، وأصيب نحو 28 آخرين، جراء انتهاكات واعتداءات نفذتها قوات الجيش والشرطة المصرية والجماعات المسلحة في سيناء في أبريل/نيسان الماضي فقط، في حين قتل إجمالا خلال النصف الأول من العام الجاري 203 مدنيين، وأصيب 195 آخرين، ووقع ما لا يقل عن 435 انتهاكا.

«صحوات سيناء»

مايو/آيار، شهد تحولا لافتا في المعركة، جراء تصاعد التوتر بين «ولاية سيناء» وقبيلة «الترابين» المعروفة بقربها من الأجهزة الأمنية، ظهر جليا في هجوم شنه التنظيم جنوب «رفح» أسفر عن مقتل 10 من أفراد القبيلة.

وتبنى التنظيم أيضا، مقتل 15 من عناصر الجيش المصري، والقبائل الموالية له فيما يعرف بـ«صحوات سيناء»، عبر تفخيخ دراجة نارية جنوب منطقة «الجورة» في مدينة الشيخ زويد.

و«صحوات سيناء» يطلق عليهم اسم المجموعة 103 أو «مجموعة الموت»، وهم تنظيم يضم مسلحين ينتمون إلى قبائل سيناوية، ويحملون أسلحة زودهم بها الجيش المصري، ويقيمون نقاطا للتفتيش، وأكمنة لاصطياد المسلحين، ويتصدرهم «الترابين» التي فقدت خلال هذا الشهر، 23 من أبنائها في حربها مع خلايا التنظيم. (طالع المزيد)

وفي يوليو/تموز الماضي، أحدث التنظيم اختراقا نوعيا، مكنه من الوصول إلى مقر الكتيبة «103» صاعقة، في هجوم دموي بمنطقة «البرث» برفح، قُتل فيه 26 ضابطا وجنديا، وأصيب نحو 33 آخرين.

وحسب مصادر أمنية وقبلية، فإن الكتيبة «103 صاعقة» تحت قيادة العقيد «أحمد منسي» (قبل مصرعه)، كانت المسؤولة عن ضبط وتصفية عدد كبير من قيادات «ولاية سيناء»، وعلى رأسهم «حسين محرب الشهير باسم أبو منير، وكريم أبو ركبة، وأبوحمزة المهاجر، وكمال علام، وأحمد فياض» وغيرهم. (طالع المزيد)

وخلال الشهر ذاته، قتل 5 شرطيين مصريين، بينهم ضابط، وأصيب 5 آخرين، في هجوم مسلح لمجهولين على مدرعتين على الطريق الساحلي بمدينة العريش، كما قتل 8 مدنيين، وضابط، في تفجير استهدف مدرعة شرطية بسيناء، وتصادف مرور الضحايا بسياراتهم خلال الواقعة.

وفي محاولة لوقف التدهور الأمني، رد الجيش المصري، بعمليات قصف جوي، أسفرت عن مقتل  12 مسلحا، تلا ذلك إعلان العميد «تامر الرفاعي»، المتحدث باسم الجيش، أن «قوات إنفاذ القانون بالجيش الثاني الميداني بالتعاون مع القوات الجوية تمكنت على مدى أسبوع من القضاء على 40 (تكفيريا) والقبض على 5 آخرين».

تصعيد لافت

خلال أغسطس/آب، استمر التدهور الأمني، وبلغت الخسائر في الأرواح 25 حالة، توزعت بين 16 فرد عسكري، و6 صف ضابط، و3 ضباط، بينما أصيب 34 من قوات الجيش والشرطة، وذلك جراء وقوع ما لا يقل عن 8 اشتباكات مسلحة وزرع 17 عبوة ناسفة، فضلا عن نصب 4 كمائن مسلحة، أدت للاستيلاء على سيارة وإعطاب وتدمير 7 مدرعات وآليات عسكرية، بحسب تقديرات «المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية».

خلال سبتمبر/آيلول، قتل 4 من رجال الشرطة، وأصيب 3 آخرين، جراء انفجار عبوة ناسفة شديدة الانفجار، استهدفت قوة أمنية في مدينة العريش.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، قتل 6 جنود مصريين، وأصيب 5 آخرين، في هجوم مسلح على كمين للجيش المصري، جنوب مدينة العريش.

وتداولت مواقع إخبارية تابعة لـ«الدولة الإسلامية» مقتل 14 عسكريا بالجيش المصري في هجوم انتحاري لعناصرها بسترتين ناسفتين على مقر الكتيبة 101 شرق العريش.

بعدها بأيام، استهدف التنظيم، 3 كمائن، وقوة تأمين كنيسة ماري جرجس في العريش، وفرع «البنك الأهلي» (حكومي) في المدينة، وتمكن المهاجمون من الفرار بعد الاستيلاء على أموال من خزينة البنك.

وأفادت البيانات والتصريحات الرسمية الصادرة وقتها عن الجانب المصري، بسقوط قرابة 50 قتيلا وجريجا في صفوف قوات الجيش والشرطة.

وخلال الشهر ذاته، وفي انفجار ناقلة جنود بعبوة ناسفة، أثناء سيرها على مدخل مدينة العريش، قتل 3 مجندين من قوات الأمن المركزي، وأصيب 11 آخرين .

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، قتل ضابط برتية مقدم وذلك بعد إطلاق نار عليه من قبل قناص مجهول، كما أصيب مجند وقتل 4 مسلحين، خلال اشتباكات في عدة قرى بمحيط مدينة «الشيخ زويد».

بعدها فتح مسلحون النار على شاحنات تنقل الفحم إلى مصنع أسمنت تابع للجيش، ما أسفر عن مقتل تسعة سائقين في مدينة العريش.

وشهد الشهر الماضي أكبر مجزرة دموية تشهدها البلاد من هذا النوع، استهدفت «مسجد الروضة» بمدينة بئر العبد، بشمال سيناء، مخلفة أكثر من 310 قتلى، و128 جريحا، في حادث لم تتبناه أي جهة حتى الآن، كما لم يتسبب في إقالة اي مسؤول أمني في البلاد. (طالع المزيد)

لكن الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» هدد بـ«الثأر» واستخدام «القوة الغاشمة» للرد على الهجوم، وأعلن الجيش المصري، إطلاق عملية عسكرية وأمنية في وسط وشمال سيناء، لتعقب منفذي الهجوم.

خطوط دامية

الوضع في سيناء خلال عام 2017 بات خارج السيطرة، خاصة مع تفاقم الأوضاع الأمنية، وتكبد الجيش والشرطة خسائر فادحة، في مواجهة تنظيمات مسلحة لا تتوافر تقارير رسمية عن مصادر تسليحها، أو مناطق نفوذها، بخلاف تقديرات لمحللين أمنيين تشير إلى أن تعدادهم يتراوح ما بين الـ1000 و2000 مسلح.

إزاء ذلك، يحاول الجيش المصري، تقاسم الأدوار مع قبائل سيناوية، فيما يعرف بـ«صحوات سيناء»، لوقف تنامي نفود تنظيم «الدولة الإسلامية»، وصولا إلى تسليح القبائل، وربما الاستعانة بأطراف دولية في المعركة، على غرار الدعم الإسرائيلي الذي تقدمه تل أبيب للسلطات المصرية، في معارك سيناء.

وتعاني قوات الجيش والشرطة، أزمة كبيرة لجهة نقص المعلومات المتوفرة لديها عن التنظيمات المسلحة، ويؤزم موقفها، فقدان الظهير الشعبي لسياساتها الأمنية، جراء سياسات «السيسي» التي نجحت في «صناعة العدو»، وباتت لغة «الثأر» و«القوة الغاشمة» هي مفردات الخطاب السياسي والتعامل الحكومي للتعامل مع الملف السيناوي.

النتيجة المنطقية إذن، نجاح «ولاية سيناء» في أن تكون له الكلمة العليا خلال 2017، فهو يهاجم بقوة أكثر من 170 ارتكازا للجيش المصري، ونظم استعراضات عسكرية لقدراته في سيناء، ونفذ عدة عمليات كبرى في الشهور الأخيرة، وفرض ضرائب على السكان المحليين، ونشر مجموعات «الحسبة» التابعة له، والتي تعمل على حجب التصرفات «غير المقبولة» من وجهة نظر التنظيم، أهمها منع التدخين والتجارة فيه، وتكسير القبور، ومنع الصوفية، وقتل الكهنة.

تقديرات غير رسمية تؤكد «وقوع هجوم إرهابي واحد على الأقل كل يوم في سيناء»، ما بين هجمات بعبوات ناسفة، وأحزمة انتحارية، وسيارات ملغومة، وصواريخ متطورة، وتفجير مقار سكنية، وكمائن أمنية، وعمليات قنص، واستهداف الأقباط والمسلمين، على السواء، في مقابل تهميش سياسي، وغياب تنموي، وانتهاكات أمنية، تعزز في المجمل خروج سيناء من دائرة الشعور الوطني، إلى بؤرة مصدرة للعنف، من المقبول، وفق النظام الحاكم، تعريض سكانها للمزيد من عمليات التهجير، والإخلاء االقسري، وسط مخاوف من نوايا مبيتة للتنازل عن الجزء الملتهب منها وتوطين الفلسطينيين بها ضمن ما يعرف بـ«صفقة القرن». 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سيناء العريش رفح ولاية سيناء مجزرة الروضة الجيش المصري الترابين الدولة الإسلامية