الخطة القطرية.. كيف نجت الدوحة من الحصار؟

الأربعاء 20 ديسمبر 2017 09:12 ص

قبل 6 أشهر، قطع مجلس التعاون الخليجي -الذي تحكمه السعودية بحكم الأمر الواقع- علاقاته الدبلوماسية مع قطر (عدا الكويت وعمان)، ويبدو أن هذا التحرك كان بغرض معاقبة الدوحة على دعمها المتصور للإرهاب، وأعلنت الرياض إغلاق حدودها البرية المشتركة مع قطر. ورفض بقية دول مجلس التعاون الخليجي استخدام قطر لمجالها الجوي وموانئها، وكان الهدف من هذه التدابير تركيع الاقتصاد القطري وعزل الحكومة في الدوحة.

فشل الإجراءات

وفي البداية، بدا أن هذه التدابير في طريقها للنجاح، وسرعان ما أرسلت التدابير صدمة عبر الاقتصاد، ولا سيما بين المصارف والمجالات التجارية.

ومنذ الإعلان السعودي، غادر نحو 30 مليار دولار البنوك القطرية، وارتفعت أسعار الفائدة، وانخفضت الودائع. وقد سحب العملاء الأجانب -الذين كان لديهم ودائع لدى البنوك القطرية- ودائعهم، ونقلوا أموالهم خارج البلاد. وبلغت الودائع 184.6 مليارات ريال (50.7 مليار دولار) في بداية يونيو/حزيران، وانخفضت منذ ذلك الحين إلى 137.7 مليارات ريال.

وعانت التجارة في البداية أيضا. حيث لا تستطيع سفن الحاويات الكبيرة الرسو في المياه الضحلة في قطر، لذا تعين على خطوط الشحن استخدام محاور وسيطة في أعماق البحار -تعرف بموانئ التغذية- لتسلم وتسليم البضائع والخدمات. وقبل الخلاف الدبلوماسي، كان ميناء جبل علي الإماراتي بمثابة ميناء التغذية القطري. وبعد بدء الأزمة، لم يعد باستطاعة قطر الاستيراد أو التصدير من خلال جبل علي، وهي مشكلة شديدة -بشكل خاص- بالنسبة لبلد يستورد الغالبية العظمى من سلعه الاستهلاكية.

لكن في نهاية المطاف، فشلت خطة شل حركة قطر، وقد مكنت الأموال والاحتياطيات الحكومية الكبيرة الحكومة في الدوحة من دعم اقتصادها، في الوقت الذي استوعبت فيه الصدمة الأولية. وفي الواقع، أنفقت الحكومة القطرية نحو 38.5 مليار دولار لدعم الاقتصاد. وبلغت احتياطيات وسيولة البنك المركزي 45.8 مليارات دولار في مايو/أيار، وتراجعت بشكل حاد في شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز. وقد بدأت منذ ذلك الحين في التعافي، وأصبحت الآن 36.1 مليار دولار.

ومن الأمور الحيوية أيضا لقدرة الدوحة على البقاء الاقتصادي، هو صندوق الثروة السيادية الوطني، الذي تبلغ قيمته 300 مليار دولار (منها 180 مليار دولار سائلة). وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت الحكومة أيضا أنه تم إعادة 20 مليار دولار إضافية إلى البلاد من الاستثمارات الأجنبية في صندوق الثروة السيادية.

وتحسنت الأزمة المصرفية في قطر. وفي نهاية المطاف، تباطأ معدل صرف الأموال من البنوك القطرية. كما انخفض طلب نقل الأموال إلى المصارف الأجنبية. وساعدت ودائع القطاع العام والأموال التي ضخها البنك المركزي على التخفيف من حدة مشاكل السيولة، كما واصلت البنوك إعطاء الأولوية لتأمين التمويل الإضافي طويل الأجل للعمليات.

وعادت التجارة بسرعة. حيث استخدمت قطر ميناء صحار العماني كميناء تغذية جديد، وبدأت في إنشاء خدمات التخزين والخدمات اللوجستية هناك. كما أرسلت تركيا وإيران -سريعا- طائراتها إلى الدوحة محملة بالإمدادات الغذائية. وعلى مدى الأشهر الستة الماضية، أقامت قطر خطوط شحن مباشرة مع موانئ في الهند وإيران وتركيا وعمان والكويت وباكستان وماليزيا وتايوان. ومن المتوقع أن يتم قريبا توجيه المسارات إلى دول شمال أفريقيا مثل تونس والمغرب.

وبصفة خاصة، تمكنت البلاد من الحفاظ على صادراتها من الغاز الطبيعي المسال، لأن مضيق هرمز وقناة السويس ظلا مفتوحين أمام الناقلات، وهذا أمر مهم لقطر، فهي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وهو مصدر هام للدخل بالنسبة للحكومة.

سبب التفاؤل

وعلى الرغم من أن الإجراءات المتخذة ضد قطر ربما لم تحقق ما كان يأمله القائمون عليها، فإن المؤسسات المالية -مثل صندوق النقد الدولي- حذرت من أن استمرار النزاع قد يقوض ثقة المستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي. وكان اقتصاد قطر يتباطأ حتى قبل أن تقطع السعودية العلاقات الدبلوماسية، ويرجع ذلك -جزئيا- إلى انخفاض أسعار الطاقة. لكن القطاعات غير النفطية في اقتصاد قطر -مثل البناء والتصنيع والزراعة والخدمات- من المتوقع أن تنمو بنسبة 5% تقريبا في عام 2017. ومع توقع ارتفاع أسعار النفط في عام 2018، يزداد تفاؤل الدوحة.

وتشير الاتفاقات الأخيرة -التي أبرمت الأسبوع الماضي- إلى أن بعض البلدان لا تزال تضع ثقتها في الأعمال التجارية في قطر. وحصل وزير الاقتصاد في البلاد على 5.8 مليارات دولار من الاستثمارات البريطانية، بينما كان في رحلة رسمية إلى لندن. وقد أبرم صفقة أخرى تشتري قطر بموجبها طائرات قتالية من طراز تايفون -بقيمة 6.7 مليارات دولار- من المملكة المتحدة. ويعتزم البلدان أيضا استخدام اللجنة الاقتصادية والتجارية المشتركة -التي أنشئت مؤخرا- لتحسين التعاون في قطاع الخدمات المصرفية، فضلا عن التنسيق بين البنوك المركزية. ومن المتوقع أن تشارك الشركات البريطانية في المزيد من تطوير البنية التحتية والشراكة بين القطاعين العام والخاص.

وفي مكان آخر، وقع أمير قطر «تميم بن حمد آل ثاني» والرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» صفقات تجارية بقيمة 12 مليار دولار. وشملت الاتفاقات شراء قطر لـ 12 طائرة مقاتلة من طراز داسو رافال، و50 طائرة من طراز إيرباص إيه 321، و490 مركبة مصفحة من طراز في بي سي آي. وكانت قطر قد اشترت -أيضا- طائرات عسكرية أمريكية وسفن بحرية إيطالية بعد 5 يونيو/حزيران. وستساعد السلطة الوطنية الفرنسية للسكك الحديدية الدوحة على تشغيل وصيانة نظام السكك الحديدية الخفيفة والمترو في المستقبل.

لقد تمكنت قطر من مقاومة تكتيكات السعودية. وكان لديها ما يكفي من المال للإبقاء على الاقتصاد واقفا على قدميه. ويبدو أيضا أنها قد نجحت في إعادة أقلمة نفسها مع الواقع الجديد، كما يتضح من علاقاتها مع تركيا وإيران، واللذان اكتسبا حصة في سوق الأغذية والبناء داخل قطر. ومن ثم، فإن تعليقات آل ثاني الأخيرة -بشأن الأوضاع في قطر- ليست مفاجأة، حيث صرح وزير خارجيتها: «إن سيادة قطر فوق كل اعتبار. ونعم نريد حل الخلاف، ولكن ليس على حساب سيادتنا وكرامتنا». وفي الحقيقة، لم تتراجع الدوحة في مواقفها لأنها لم تكن مضطرة لذلك.

المصدر | أليسون فيدريكا - جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

جصار قطر الإمارات السعودية