«فخر الدين باشا».. المدافع عن المدينة المنورة الذي هاجمه «بن زايد»

الأربعاء 20 ديسمبر 2017 03:12 ص

«فخر الدين باشا»، اسم عاد إلى الأذهان خلال اليومين الماضيين، إثر قيام وزير الخارجية الإماراتي «عبدالله بن زايد»، إعادة تغريدة على «تويتر»، تزعم ارتكابه جريمة ضد سكان المدينة المنورة وسرقة أموالهم، الأمر الذي أثار انتقادات تركية وعربية واسعة، كون الحقائق التاريخية تتحدث عكس ذلك.

هو «عمر فخر الدين بن محمد ناهد بن عمر»، المشهور بـ«فخري باشا»، ولد في مدينة روسجوك العثمانية «روسة» سنة 1869، انتقلت عائلته إلى الأستانة بسبب الحرب الروسية العثمانية عام 1878.

والتحق بالمدرسة الحربية في الأستانة، وتخرج منها عام 1888، وكان الأول على زملائه والتحق بدورات ملازمي الفرسان وأركان حرب.

وعمل في الجيش الرابع في أرزينجان، وكان متميزاً في عمله، ورقي عام 1908 إلى رتبة وكيل رئيس أركان الجيش الرابع.

شارك في حرب البلقان، وفي مطلع الحرب العالمية الأولى عين وكيلاً لقائد الجيش الرابع المرابط في سوريا، ثمّ كُلِّف بالسفر إلى المدينة للوقوف على أحوالها، فوصل إليها و«الشريف حسين» يُعد لثورته على الخلافة العثمانية، ورفع تقريراً لقيادته بذلك، فثبت في المدينة المنورة قائداً لحملة الحجاز في 17 يوليو/تموز 1916.

أضيف إليه منصب محافظ المدينة المنورة في 28 أبريل/نيسان 1917، وأدار العمليات العسكرية التي قاومت قوات الشريف حسين وحلفائه حتى سقوط تركيا بيد الحلفاء، وتوقيع هدنة «رودس» في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1918م.

إخلاء المدينة

وبحسب تقرير للمؤرخ العراقي «أورخان محمد علي»، في موقع «التاريخ»، فإن «فخر الدين باشا»، اشتهر بحبه الشديد للنبي «محمد» صلى الله عليه وسلم، ويطلق عليه «نمر الصحراء» أو «النمر التركي».

عندما قررت الحكومة العثمانية إخلاء قسم من المدينة المنورة، وأبلغوا «فخر الدين باشا» بهذا القرار، أرسل رسالة إلى رئيس الحكومة «أنور باشا»، يتوسل فيها ويقول: «لماذا نخلي المدينة؟، أمن أجل أنهم فجّروا خط الحجاز؟، ألا تستطيعون إمدادي بفوج واحد فقط مع بطارية مدفعية؟»، وطالبه أن يمهله للتفاهم مع القبائل العربية.

وأضاف: «لن أنزل العلم الأحمر بيديّ من على حصن المدينة، وإن كنتم مخليها حقًا فأرسلوا قائدًا آخر مكاني».

وكان «فخر الدين باشا»، يردد دائما: «الدفاع عن المدينة المنورة قائم حتى يحل علينا القضاء الإلهي والرضا النبوي والإرادة السلطانية قرناء الشرف»، وفق ما أوردت جريدة «المصري اليوم».

كما اقترح «فخر الدين باشا» عليها نقل 30 غرضًا هي الأمانات النبوية الشريفة إلى الأستانة خوفًا من تعرض المدينة المنورة لأعمال سلب ونهب فوافقت الحكومة على طلبه شريطة تحمله المسؤولية كاملة للأمر، فقام الباشا بإرسالها إلى إسطنبول تحت حماية 2000 جندي.

رفض التسليم

ويسرد الأديب العراقي من أصل تركماني «أورخان محمد»، تفاصيل تسليم المدينة للشريف «حسين»، قائلًا: «انتهت الحرب، وصدرت إلى (فخر الدين) الأوامر من قبل الحكومة العثمانية بالانسحاب من المدينة، وتسليمها إلى قوات الحلفاء، ولكنه رفض تنفيذ أوامر قيادته وأوامر حكومته، أي أصبح عاصيًا لها».

وكانت الفقرة رقم 16 من معاهدة «موندروس» الاستسلاميَّة، تنص صراحة على «وجوب قيام جميع الوحدات العثمانية العسكرية الموجودة في الحجاز وسوريا واليمن والعراق بالاستسلام لأقرب قائد من قواد الحلفاء»، واتصل به الإنجليز باللاسلكي من بارجة حربية في البحر الأحمر يخبرونه بضرورة الاستسلام بعد أن انتهت الحرب، وتم التوقيع على معاهدة الاستسلام، فكان جوابه الرفض.

كتب إليه الصدر الأعظم «أحمد عزت باشا»، وهو يبكي، رسالة يأمره بتسليم المدينة تطبيقًا للمعاهدة، وأرسل رسالته مع ضابط برتبة نقيب.

ولكن «فخر الدين باشا»، حبس هذا الضابط، وأرسل رسالة إلى الصدر الأعظم قال فيها إن «مدينة رسول الله لا تشبه أي مدينة أخرى؛ لذا فلا تكفي أوامر الصدر الأعظم في هذا الشأن، بل عليه أن يستلم أمرًا من الخليفة نفسه».

وصدر أمر من الخليفة نفسه إلى «فخر الدين باشا» بتسليم المدينة، وأرسل الأمر السلطاني بواسطة وزير العدل حينها «حيدر ملا»، ولكن «فخر الدين» أرسل الجواب مع وزير العدل، قال فيه: «إن الخليفة يُعَدُّ الآن أسيرًا في يد الحلفاء؛ لذا فلا توجد له إرادة مستقلة، فهو يرفض تطبيق أوامره ويرفض الاستسلام».

ويقول «أورخان»: «وبدأ الطعام يقل في المدينة، كما شحت الأدوية، وتفشت الأمراض بين جنود الحامية، وجمع فخر الدين باشا ضباطه للاستشارة حول هذا الظرف العصيب، كان يريد أن يعرف ماذا يقترحون، ومعرفة مدى إصرارهم في الاستمرار في الدفاع عن المدينة، اجتمعوا في الصحن الشريف، في الروضة المطهرة في صلاة الظهر».

أدى الجميع الصلاة في خشوع يتخلله بكاء صامت ونشيج، ثم ارتقى «فخر الدين باشا» المنبر وهو ملتف بالعلم العثماني، وخطب في الضباط خطبة كانت قطرات دموعه أكثر من عدد كلماته، وبكى الضباط حتى علا نحيبهم، وقال: «لن نستسلم أبدًا ولن نسلم مدينة الرسول لا للإنجليز ولا لحلفائهم».

ويكمل: «نزل من المنبر فاحتضنه الضباط، هم يبكون، اقترب من القائد العثماني أحد سكان المدينة الأصليين واحتضنه وقبَّله، وقال له: أنت مدنيّ من الآن فصاعدًا.. أنت من أهل المدينة يا سيدي القائد».

خروج قسري

ويواصل «أورخان»: «عندما يئست القوات المحاصرة للمدينة من فخر الدين باشا زادوا اتصالهم مع ضباطه، كلمه ضباطه شارحين له الوضع المأساوي للحامية ولأهل المدينة، فوافق أخيرًا على قيام ضباطه بالتفاوض على شروط وبنود الاستسلام.

 

 

 

 

وعلى رأس بنود الاتفاقية، بند يقول: «سيحل فخر الدين باشا ضيفًا على قائد القوات السيارة الهاشمية في ظرف 24 ساعة»، وأنه تم تهيئة خيمة كبيرة لاستراحته، وفي المدينة كانت ترتيبات الرحيل تجري على قدم وساق، وكانت سيارة القائد «فخر الدين» مهيأة وقد نقلت إليها أغراض القائد.

بقي الضباط في انتظار خروجه، ولكن الساعات مضت ولم يخرج إليهم، بل جاء أمر منه بتفريغ السيارة من أغراضه الشخصية ونقلها إلى بناية صغيرة ملحقة بالمسجد النبوي، كان «فخر الدين» هيأ هذا المكان لنفسه، لم يكن يريد الابتعاد عن مسجد رسول الله.

وذهب إليه نائبه «نجيب بك» ومعه ضباط آخرون فوجدوه متهالكًا على فراش بسيط في تلك البناية، ولم يرد أن يخرج، بل قال لهم: «اذهبوا أنتم أما أنا فسأبقى هنا».

ويستطرد «أورخان»: «احتار نائبه والضباط، ولم يدروا كيف يتصرفون، تشاوروا فيما بينهم ثم قرروا أن يأخذوه قسرًا، اقتربوا من فراشه وأحاطوا به وحملوه قسرًا إلى الخيمة المعدة له وهم يبكون، كانوا يعرفون مدى حب قائدهم للرسول، ولماذا يعاند كل هذا العناد رافضًا الابتعاد من عند رسول الله، لكنهم لم يكونوا يستطيعون ترك قائدهم هكذا وحيدًا هناك، وقد حدث هذا في يوم 10 يناير/كانون الثاني 1919.

في اليوم الثاني، بحسب «أورخان»، اصطف الجنود العثمانيون صفوفًا أمام المسجد النبوي، وكان كل جندي يدخل ويزور ضريح رسول الله ويبكي ثم يخرج، وكذلك الضباط، ولم يبق أحد لم يسكب دموعًا حارة في لحظة الوداع المؤثرة هذه حتى سكان المدينة وقوات البدو بكوا من هذا المنظر.

ويتابع: «عندما نقل فخر الدين باشا إلى الخيمة المعدة له كان هناك الآلاف من قوات البدو يحيطون بالخيمة ويشتاقون إلى رؤية هذا البطل الذي أصبح أسطورة، وما أن ظهر حتى ارتجت الصحراء بنداء: فخر الدين باشا.. فخر الدين باشا».

لم يكن هناك من لم تبهره بطولته وحبه لرسول الله.

 

 

 

 

وفي 13 يناير/كانون الثاني 1919، دخلت قوات البدو حسب الاتفاقية إلى المدينة، واستسلمت الحامية العثمانية في المدينة المنورة بعد 72 يومًا من توقيع معاهدة «موندروس».

اعتُقِل «فخر الدين باشا» كأسير حرب من قبل الإنجليز، وأُرسِل إلى مالطا لمدة ثلاث سنوات، وبفضل الجهود من حكومة أنقرة نجا من مالطا في عام 1921.

وتم تعيينه لاحقًا في سفارة كابول من قبل البرلمان التركي، حيث لعب دورا هاما في تطوير العلاقات بين تركيا وأفغانستان.

توفي عام 1948، ودُفِن في مقبرة «اشييان» في منطقة «حصار روم إلي» بإسطنبول.

  كلمات مفتاحية

فخر الدين باشا المدينة المنورة الحلفاء العثمانيين بن زايد تركيا

«أردوغان» يفتح النار على «بن زايد»: الزم حدودك أيها البائس