مصر و «سد النهضة».. الحل العسكري «محظور» والعودة للمفاوضات «حتمية»

الخميس 21 ديسمبر 2017 07:12 ص

اعتبر تحليل نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأمريكي «ستراتفور» أن عودة مصر إلى طاولة المفاوضات مع إثيوبيا والسودان حول «سد النهضة» أمر لا مفر منه، خاصة أن السد أصبح واقعا، وحجج القاهرة بشأنه لا تجد أذانا صاغية على الصعيد العالمي، فيما لن تسمح القوى الكبرى بأي محاولة من الأخيرة للجوء للحل العسكري.

وفيما يلي نص التحليل، الذي ترجمه «الخليج الجديد»:

لا يخفى على أحد أن نهر النيل هو شريان الحياة في مصر. ومنذ العصور القديمة، كان النيل أصل ازدهار الحضارة المصرية على طول ضفافه وعلى أرض دلتاه. لذلك، ليس من المفاجئ أن يتصاعد نزاع مصر مع إثيوبيا حول سد النهضة الذي تبنيه أديس أبابا على النيل الأزرق، أهم الروافد المائية لنهر النيل، بعد أن استنفدت القاهرة جميع السبل الدبلوماسية لضمان بقاء إمدادات المياه آمنة.

ومن المقرر مبدئيا الانتهاء من بناء السد الإثيوبي أواخر 2018. وبمجرد الانتهاء من البناء، ستشرع إثيوبيا في ملء خزان السد الضخم، الذي قد يحتجز ما يصل إلى 74 مليار متر مكعب من الماء.

إلا أن المفاوضات بين إثيوبيا وجيرانها حول مجرى النهر وصلت إلى طريق مسدود في نوفمبر/تشرين الثاني، عندما دفعت الخلافات حول نتائج الدراسات الفنية لتأثيرات السد والطرق الممكنة لتنسيق تعبئة الخزان القاهرة إلى الانسحاب من المحادثات. ويأمل رئيس الوزراء الإثيوبي «هايلي ماريام ديسالين» -في زيارة القاهرة هذا الشهر- محاولة إعادة المحادثات إلى مسارها.

مصر تتعرض للعطش

ومع تزايد عدد سكان مصر-البالغ عددهم 96 مليون نسمة-، فإن تحديات إدارة إمدادات المياه لن تكون أسهل في العقود القادمة. ونظرا لوجود نهر النيل، فإن مستوى الإجهاد المائي في مصر أقل مما هو في العديد من جيرانها في الشرق الأوسط، لكن أي انخفاض في حصة المياه من النهر -حتى لفترة قصيرة- من شأنه أن يزيد بسرعة من التوتر.

وقد سمحت الحقوق والمعاهدات التاريخية لمصر بالتأثير على المفاوضات بين دول حوض النيل الأخرى، وبالتالي الحفاظ على سيطرة كبيرة على سياسات النهر. ومع ذلك، فقد أبرزت التطورات التي طرأت على هذا المؤشر مدى تأثر النفوذ التاريخي لمصر.

وقد اعتمدت مصر والسودان منذ وقت طويل على اتفاقيات قديمة، وكثير منها تم التفاوض حوله عندما كانت العديد من الدول الأفريقية مستعمرات أوروبية، لتبرير حقوقهما في مياه النيل. وفي نزاعهما مع إثيوبيا حول السد، تقول مصر والسودان -المستعمرتان البريطانيتان السابقتان- أن معاهدة عام 1902 بين بريطانيا العظمى وإثيوبيا تمنحهما سلطة الفيتو على أي مشاريع -من شأنها أن تهدد إمدادات المياه- في المراحل الأولى.

وتقول الحكومة الإثيوبية إن المعاهدة لم تتم الموافقة عليها على النحو الواجب محليا، وبالتالي فهي باطلة. وتشير مصر والسودان أيضا إلى اتفاق عام 1959 بينهما، الذي يخصص 55.5 مليار متر مكعب مياه لمصر و18.5 مليار متر مكعب من المياه للسودان.

ويبلغ إجمالي التدفق السنوي حوالي 74 مليار متر مكعب، وكان أعلى رقم قد حققه 84 مليار متر مكعب، وهو رقم لا يتم اعتباره بالكامل بسبب معدلات التسرب والتبخر.

وفي معظم حالات الأنهار العابرة للحدود، تحتفظ بلدان المنبع بنفوذ أكبر من ذلك الذي تتمتع به دول المصب، لكن العديد من بلدان منبع نهر النيل -مثل أوغندا وإثيوبيا ورواندا- لم تكن متطورة بما فيه الكفاية، أو لم تكن موجودة في شكلها الحالي، عندما تم التفاوض على التدفقات. ونادرا ما كان يتعرض موقف مصر كدولة مصب قوية تتمتع بمزيد من السيطرة على نهر النيل للاهتزاز، بسبب المعاهدات القائمة. ومع ذلك، بدأت العوامل الجيوسياسية الأخرى تتصاعد في إثيوبيا ودول أخرى في المنبع، وبدأت دول حوض النيل تتحول إلى النظام الطبيعي المعتاد حول العالم.

وفي عام 1993، وصلت مصر وإثيوبيا إلى طريق للاتفاق، من خلال الموافقة على الالتزام بالممارسات والأطر الدولية في مفاوضات النيل المقبلة، التي تُحكم بمبدأين، التوزيع العادل للمياه وعدم الإضرار بالآخرين. وأكدت مصر أن هذا الاتفاق يعطيها رأيا في المشاريع التمهيدية. ويمكن أن تؤثر المشاريع النهائية على التوزيع العادل للمياه.

وقد عززت بلدان المنبع نفوذها بشكل أكبر على مدى الأعوام الـ25 الماضية، واستخدمت مبادرة حوض النيل لتعزيز موقفها التفاوضي تجاه مصر والسودان، وكلاهما من أعضاء المبادرة. ودفعت تلك البلدان أيضا إلى الاتفاق الإطاري التعاوني عام 2010، الذي لم توقع عليه مصر والسودان. وتهدف الاتفاقية إلى إعادة توزيع بعض الحقوق التاريخية لمياه النيل، والأهم من ذلك، تقليل نفوذ القاهرة على خطط الري المحتملة لدى تلك البلدان. وقد اتهمت مصر إثيوبيا بالاستفادة من الاضطرابات خلال الربيع العربي، وانهيار المفاوضات حول اتفاقية إطار التعاون، من أجل الإعلان عن خطة سد النهضة الإثيوبي عام 2011.

إثيوبيا: برج المياه في شرق أفريقيا

تم تصميم سد النهضة الإثيوبي لإنتاج ما يصل إلى 6450 ميغاواط من الكهرباء، مما قد يزيد عن ضعف قدرة إثيوبيا في مجال الطاقة. ويعد النيل الأزرق الذي يقع عليه السد، مصدر ما يقدر بنحو 84% من إمدادات مياه النيل. ولملء الخزان، سيؤثر ذلك على الحد الأدنى من متطلبات مصر، ويتطلب بروتوكولا جيدا بين البلدين، وتنسيق العمليات في مختلف السدود على المصب، والتنسيق بين إدارة السد العالي في مصر مع إدارة العمليات في السد الإثيوبي.

وقد نظرت العشرات من الدراسات في الأثر المحتمل لاستراتيجيات مختلفة لملء الخزان. وتريد مصر أن تستغرق العملية 15 عاما، وفق ظروف الأمطار، بينما ترغب إثيوبيا في ملئها بسرعة أكبر، حتى تتمكن من البدء في جني فوائد إنتاج الكهرباء وتصديرها. وقالت مصر إن إثيوبيا يجب أن تتوقف عن بناء السد حتى تنتهي الدراسات. وقالت إثيوبيا إنها غير مضطرة إلى الاستجابة لمطالب مصر؛ لأن المصريين لا يخطرون إثيوبيا دائما بمشاريعهم المتعلقة بالمياه على النيل.

وتشير بعض الدراسات إلى أن السد قد يحسن أمن المياه في مصر على المدى الطويل. وعلى سبيل المثال، سيخسر خزان السد العالي في جنوب مصر مياه أقل من التبخر. وقد يكون من شأن وجود اتفاق التنسيق مع إثيوبيا والسودان أن يفيد مصر -على الأقل بشكل قليل-؛ لأن السد سيسمح للحكومات بالتحكم بشكل أفضل في تدفق النيل.

ومن شأن هذه السيطرة أن تقلل من توليد الكهرباء من السد العالي في أسوان، لكن الكهرباء عن طريق الطاقة الكهرومائية أصبحت أقل فعالية لمصر. وفي الوقت نفسه، فإن إمدادات المياه التي تنتج عن السد من المقرر أن تعود بالنفع على السودان، من خلال جعل الري أكثر كفاءة، من خلال زيادة عدد مواسم الزراعة في البلاد.

لكن بالنسبة لمصر، فإن مشروع التنمية الريفية -وهو مجرد واحد من العديد من مشاريع نهر النيل الكبيرة التي تخطط لها إثيوبيا- يأتي في سياق تراجع نفوذها على تدفقات النيل. وترى إثيوبيا أن سلسلة من السدود ذات أهمية حاسمة بالنسبة للفوائد المحتملة على المدى الطويل؛ ما يعزز مركزها كمصدر رخيص للعمالة، واستغلال ذلك في التصنيع الموجه بهدف التصدير. ورغم أن السد الإثيوبي لا يهدف إلى تخزين المياه للري، فإن مصر قلقة من أن تستخدم إثيوبيا سدودا أخرى لري المحاصيل. ويفسر هذا التهديد المحتمل لتوافر المياه في مصر لماذا تخشى القاهرة مثل هذا الموقف الصعب، رغم أن الخطر سيكون فقط أثناء ملء خزان السد. وتحاول مصر إجبار إثيوبيا على قبول موافقتها من أجل الإلزام بموافقتها السابقة على المشاريع المستقبلية، من أجل الحفاظ على نفوذها في النزاعات الأكبر.

نزاع السدود

وفي الوقت الذي دفعت فيه مصر إلى مواجهة إثيوبيا بالتحرك من جانب واحد في هذا المجال، فإن من مصلحتها مواصلة المشاركة في المحادثات. وفي الواقع، يدل اتفاق الخرطوم لعام 2015 -بين السودان ومصر وإثيوبيا- الذي وضع خارطة طريق للمحادثات حول السد، على رغبة مصر في استنفاد الخيارات الدبلوماسية. وشملت خارطة الطريق اختيار أطراف خارجية لدراسة أثر السد.

ففي سبتمبر/أيلول 2016، اختارت الحكومات الثلاث شركتين أوروبيتين لدراسة آثار السد، لكن بمجرد عودة نتائج الدراسات في أغسطس/آب 2017، ظهر الخلاف حول كيفية تفسير هذه النتائج. ودفعت مصر باتجاه تقديم تقارير تسلط الضوء على المخاطر المحتملة التي تواجهها، في محاولة الحصول على المزيد من التنازلات من إثيوبيا بشأن ممارسات التشغيل وبروتوكولات ملء الخزان. بينما دفعت السودان وإثيوبيا باتجاه التفسيرات التي تسلط الضوء على الممارسات والبروتوكولات التي تؤثر على مصالحهما. وكانت مصر قد انسحبت من المحادثات في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وقد أصبح موضوع السد الإثيوبي حاضرا بشكل يومي في وسائل الإعلام والحياة اليومية المصرية. ونادرا ما يمر يوم دون وجود مسؤول أو عضو في البرلمان أو مقالة تعبر عن قلقها إزاء السد. ويذكرنا رد الفعل هذا -إلى حد ما- بالطريقة التي انتقدت بها وسائل الإعلام المصرية اتفاقية جزيرتي «تيران» و«صنافير» في البحر الأحمر، اللتين تنازلت عنهما القاهرة للرياض في وقت سابق من هذا العام.

وقد قطع السد الإثيوبي ما يقارب 70% من مرحلة البناء. ويستمر البناء بغض النظر عن رغبة مصر في إيقافه -إما بشكل دائم أو مؤقت- وسيبدأ ملء الخزان في نهاية المطاف. وقد أصدرت مصر تهديدات عسكرية من حين لآخر، لكن المجتمع الدولي، الذي يدعم السد إلى حد كبير، سيمنع تحقق أي تهديدات بالقوة العسكرية لمنع إكمال السد.

ومع الوجود الحتمي للسد، تجد القاهرة نفسها في زاوية لا مفر منها من المفاوضات، وتقل قدرتها على دفع إثيوبيا إلى تقديم التنازلات بشكل متزايد. وقد تقدمت مصر بشكوى إلى شركائها في الجامعة العربية وإلى البنك الدولي، لكن دون جدوى. ومع إصرار إثيوبيا -إلى حد كبير- في رسالتها بأن الري ليس جزءا رئيسيا من خطة السد، وجدت مصر دعواتها الدبلوماسية تقع على آذان صماء. ومن المرجح أن يتم إجبار مصر على العودة إلى طاولة المفاوضات عاجلا وليس آجلا، ومن الممكن أن تأذن زيارة «ديسالين» بعودة مصر. وعلى أي حال، فإن نقص الخيارات لدى القاهرة، وانخفاض قدرتها على التوحد مع السودان ضد دول المنبع، واستمرار بناء السد، أظهر أن تكتيكات مصر القديمة لم تعد ذات جدوى، وأن دول المنبع تكتسب النفوذ في سياسات مياه حوض النيل أكثر فأكثر.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

مصر إثيوبيا سد النهضة نهر النيل