العلاج في مصر حق للجميع.. لكن الكلفة تستثني الفقراء

الخميس 21 ديسمبر 2017 09:12 ص

صباحا يعمل موظفا بمؤسسة حكومية في العاصة المصرية القاهرة، ومساءً سائقا على سيارة أخرى؛ ما يجعله يدور في حلقة مفرغة من العمل المضني في محاولة لتوفير الحد الأدنى من العلاج لبناته الثلاث اللواتي يعانين من أمراض وراثية عدة، فضلا مع مصاريف تعليمهن، وحاجات البيت الذي باع أكثر من نصف محتوياته.

عمل مضنى يجنى من وراءه 4500 جنيها شهريا (نحو ​252 دولارا)، وهو مبلغ لا يكفي حتى لتلبية متطلبات علاج بناته (أعمارهن بين 12 و18 سنة)؛ ما يدفعه، رغم الحرج، إلى الحديث عن ظروفة الصعبة مع ركاب السيارة الأجرة، التي يعمل عليها، عله يحظى بتعاطف الراكب فيترك له 10 أو 20 أو 30 جنيهاً إضافية (الدولار يعادل 18 جنيها تقريبا).

مضمون التقرير الصادر أخيراً عن منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي في مناسبة «يوم التغطية الصحية الشاملة» تتطابق وما يعانيه الأب المصري الذي وقع من منتصف الهرم الاقتصادي قبل عقد من الزمن إلى قاعدته، حسب تقرير لصحيفة «الحياة» اللندنية.

السائق، الذي تدرج إلى منصب مهم في الهيئة الحكومية التي يعمل فيها، وقع في براثن الفقر نتيجة عدم القدرة على الحصول على الخدمات الصحية اللازمة لبناته، وبات عليه أن يدفع كلفة الرعاية الصحية لهن من أمواله الخاصة.

صحيح أن نظام التأمين الصحي يتكفل بجانب من العلاج، لكنه جانب ضئيل لا يفي بحاجاتهن المرضية ناهيك عن التعقيدات البيروقراطية، ومستوى تقديم الخدمة المجانية المتدنّي.

أمل.. نكسة

وبينما تنعقد آمال هذا السائق وزملائه على آمال قانون التأمين الصحي الشامل الذي أقره البرلمان المصري، هذا الأسبوع، وفقا للوعود التي أطلقتها الحكومة والبرلمان، فإن عددًا من الأحزاب السياسية أعلنت رفضها للقانون الجديد، معتبرين أنه يحرم ملايين المصريين من الحق فى العلاج، وينحاز للقطاع الخاص على حساب القطاع الحكومى، ويُحمِّل المواطن المصرى تكلفة العلاج الفعلية.

وأكدت الأحزاب أنه كان من المفترض تأجيل الموافقة على القانون المذكور لحين الانتهاء من مناقشة جميع وجهات النظر حوله، خاصة الواردة من قبل النقابات الطبية، واصفين إياه بأنه «نكسة للصحة والفقراء فى مصر»، حسب صحيفة «المصري اليوم» (مصرية خاصة).

سائق الأجرة والموظف الحكومي يقول إنه توقف عن التفكير للمدى الطويل أو حتى المتوسط.

ويعلّق: «نحن نعيش اليوم بيومه؛ فإذا توافرت كلفة الدواء للبنات اليوم، أكون سعيداً ممتناً على أن أبدأ القلق في صباح اليوم التالي، وهكذا. وبالطبع إن توافر نظام يضمن لي علاج البنات من دون أن أستكمل بيع أثاث البيت، فسأكون أول المشاركين».

وتستنزف كلفة العلاج والرعاية الصحية جيوب ملايين المصريين، ويظهر ذلك جليا في شكل كم هائل من إعلانات تملأ الجدران في الشوارع، أو حتى في وسائل الإعلام، والتي تدعو إلى التبرع لمصلحة مرضى مصابين بأمراض بعينها مثل السرطان والسكري والقلب، إضافة إلى مصابي الحروق والحوادث وغيرها.

كما تظهر واضحة في الازدحام الرهيب على المستشفيات الحكومية والجامعية، والتي بدأ بعضها ينتهج نهج فتح باب التبرعات للنهوض بالخدمة الطبية المقدمة، فضلاً عن تقديم الدعم لغير القادرين على تحمل كلفة العلاج.

وقد بلغت نسبة إنفاق المصريين على الصحة من جيوبهم الخاصة نسبة نحو 9.2% من مدخولهم، وهي النسبة التي تصفها منظمة الصحة العالمية في أي دولة بـ«الكارثية».

وبينما بلغ معدل الإنفاق الحكومي على الصحة نحو 30%، يتحمل المصريون النسبة الأكبر وهي الـ70%، ويعني ذلك أن ملايين يضطرون إلى المفاضلة بين الإنفاق على الصحة وحاجات المعيشة الأخرى مثل التعليم والطعام؛ ما يعني اتساع دائرة الفقر.

ويعتمد تمويل نظام التأمين الصحي الجديد، وفق القانون الذي أقره البرلمان، مؤخرا، على الأسر المشتركة فيه عبر رسوم تقتطع من الدخل الشهري، وجزء من الخزينة العامة للفئات غير القادرة، ومصادر أخرى من القادرين. وتبقى العبرة في التنفيذ فضلاً عن نوعية الخدمة المقدمة.

رفض حزبي

لكن آمال السائق والموظف الحكومي، التي وضعها على هذا النظام، تتصادم مع توضيحات الأحزاب السياسية التي لفتت إلى أن كل الجهات الطبية كانت معترضة على القانون، سواء نقابة الأطباء أو الصيادلة، خاصة أن القانون يُحمِّل المستفيد تكاليف العلاج بالفعل.

وفي هذا الصدد، قال القيادى بحزب «التجمع» (يساري)، «حسين عبدالرازق»،إن العديد من الأحزاب كانت معترضة على القانون، لكن الدولة مصرة على ألا تأخذ رأي أحد.

وموضحا سبب رفضه للنظام التأمين الصحي الجديد، أضاف أن فلسفته قائمة على تحميل المريض أعباء العلاج، وتتكلم عن إعفاء الفقراء دون معيار واضح لمن هم هؤلاء الفقراء.

وتابع: «الحزب طالب بمزيد من الحوار حول هذا القانون الذي يمس حياة ملايين المصريين، لكن ما حدث هو سرعة إقراره دون سماع آراء المواطنين كالعادة».

كذلك استنكر حزب «التحالف الشعبي» (ليبرالي) المسارعة بتمرير قانون التأمين الصحي الجديد عبر البرلمان، وعد القانون بصيغته الحالية «نكسة» للصحة والفقراء فى مصر.

وفي بيان أوضح التحالف، أسباب اعتراضة على القانون، أهمها أنه يطبق بشكل تدريجي خلال 15 سنة، وهى فترة طويلة تميز بين المصريين على أساس سكنهم، ويرفع مشاركة المنتفع لتصل إلى 11% من دخله الشهري، وهو ما يفوق قدرات الغالبية الساحقة من المصريين.

من جانبه، قال رئيس حزب المحافظين (يمين وسط)، «أكمل قرطام»، إن قانون التأمين الصحي الجديد ينقصه بعض البنود ليكون قانوناً متكاملاً يلبي جميع احتياجات المواطنين.

وأضاف فى بيان: «القانون لم يشمل مصابي الحروق وإمكانية علاجهم من خلال منظومة التأمين الصحي، رغم أن عدد مصابي الحروق فى مصر كبير للغاية، وكان من الضروري أن يشملهم قانون التأمين الصحي الجديد».

وانتقد «قرطام» البند الخاص فى القانون بترك قرار تحديد غير القادرين المستحقين للتأمين الصحى بيد اللجنة المختصة، خاصة أنه لم يتم تحديد تعريف محدد حتى الآن لـ«غير القادرين».

لكن مساعد رئيس حزب «الوفد» (ليبرالي)، «حسام الخولي»، رأى أن العبرة ليست بالقانون؛ لأن مثل هذه القوانين التى تمس حياة المواطن بشكل مباشر تكون العبرة فيها بالتطبيق على الأرض.

وأضاف: «علينا الانتظار على الأقل عاماً لنرى الجدوى من تنفيذ هذا القانون، وبالتأكيد ستكون هناك مافيا مصالح سيكون لها يد فى عرقلة تطبيقه لو تعارض مع مصالحهم».

خلاف برلماني

برلمانياً، استمرت حالة الجدل بين أعضاء مجلس النواب، خاصة داخل لجنة الصحة، رغم إقرار القانون؛ ففى الوقت الذى يراه البعض فيه «جيداً» قال آخرون إنه «يحمِّل المواطنين المزيد من الأعباء، وليس عادلاً فى تحصيل الرسوم والاشتراكات والمساهمات».

وفي هذا الصدد، قال «مصطفى أبوزيد»، وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب، إن القانون فى مجمله جيد؛ حيث سيلغى طوابير انتظار العلاج على نفقة الدولة.

وأضاف: «سننتظر النتائج على الأرض»، فيما أبدى تحفظه على مدة التطبيق ونسب المساهمات والاشتراكات خاصة لأصحاب المعاشات.

وقال عضو تكتل «25- 30» النائب «هيثم الحريري»، عضو لجنة الصحة، إن «التكتل» أعلن رفضه القانون.

وأضاف «الحريرى»: «القانون سيحمِّل المواطنين المزيد من الأعباء المالية، وفيه تمييز لصالح الأغنياء».

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر التأمين الصحي وزارة الصحة المصرية البرلمان المصري العلاج