استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

ما الذي تريده السعودية من الأردن؟

الخميس 21 ديسمبر 2017 05:12 ص

الإشارة الأولى ضدَّ الأردنيين وُلِدت عند انعقاد ما سمّي قمة ترامب الإسلامية في الرياض، حيث رقصت الصقور السعودية على أكتاف ميلانيا وشرب الجميع القهوة البدوية المُرّة وتقرّر الكثير من المعطيات.

.. يُلقي الملك عبدالله الثاني كلمته القصيرة الهادفة، وينهيها بالعبارة التقليدية لآل هاشم.. «والصلاة والسلام على النبي العربي الهاشمي».

يلاحظ أعضاء الوفد الأردني أن الأمير الشاب محمد بن سلمان يتحرك من مكانه خلف والده الملك، ويطرح بين يديه همسة ما.. فورا يتقدم الملك سلمان بن عبد العزيز بإشارة مُلغَّزة أثارت الكثير من الضجّة، يُفهَمُ منها أنه يسعى لـ«تصليح» العبارة الخاتمة لجلالة الملك عبدالله الثاني..

الرسالة أوضح من أية إمكانية لإنكارها فـ«الشقيقة الكبرى» لا تريد عبارة «النبي الهاشمي» وتكتفي بـ «العربي الأمين».

كما يفعل «الكبار» يَمتنع الأردنيون طبعًا عن التعليق بسبب إدراكهم المسبق للحساسية المفرطة عند الشقيق السعودي.

لاحقًا؛ في اجتماع مُغلق يستفسر رئيس وزراء سابق عن المشهد ودلالاته وما إذا كان يعكس خللا ما في العلاقة مع الشقيق السعودي، فيأتي الجواب باللسان المرجعي، بصورة مُغرِقة في «اللياقة والحرص» على الأساس التالي:

لا توجد مشكلة.. الملك سلمان بالنسبة لنا بمثابة الأب الحقيقي، وحرصنا كبير على الشقيقة السعودية، ولا نريد ولا نرغب التوقف عند هذا الموضوع وبالتأكيد نفترض حُسن النوايا.

الأردني بطبيعته وأتحدث هنا عن أيٍ وكل أردني لا يريد أن يسمع أو ينقل أو حتى يتصور بأية لحظة إلّا «حُسن النية» عند الشقيق السعودي والمؤسسات الأردنية تربّت واعتادت طوال 40 عاما على التعامل الفعلي مع الرياض باعتبارها «الشقيقة الكبرى»، وطوال الوقت يسأل الأردنيون مؤسستهم عن ذلك الهامش الفارق بين الاحترام والتقدير، مقابل الخضوع والتبعية.

لم يتحسّس أي مسؤول أردني يومًا من أي رأي جارح أو متشدد ينتقد التبعية السياسية للموقف السعودي.

طوال الوقت وعلى مدار سنوات طوال كانت الإساءة للسعودية في وسائل الإعلام من الخطوط الحُمْر. حتى انتقاد السعودية سياسيًا او من باب حرّية الرأي، لم يكن متاحا، وكان الجميع يقدرون الأمر.

ففي الأردن تستطيع انتقاد المؤسسات الوطنية ورموزها بشراسة لكنك لا تستطيع انتقاد الشقيق الأكبر، لأن موجات اللوم وأحيانا العقاب يأتيك من كل صوب وحدب، ولأنك لن تجد من حيث المبدأ منبرًا يمكنك عبره انتقاد السعودية تحديدًا وتحت أي ظرف.

تلك «ثقافة مستقرة» في وجدان الأردنيين يتعثر بها أي سياسي أو ناشط أو إعلامي، وتُعتبر من قوانين اللعبة السياسية عندما يتعلق الأمر بتحالفات البلد ومصالحها وتقاليدها.

والأردنيون استقبلوا قبل أشهر قليلة الملك سلمان بن عبد العزيز بحفاوة، وخرجوا بالآلاف للشوارع لتحيته واستقبل بالخيل والليل والبيداء والشِّعر، من دون بهرجة أو تزلّف، لأن «العلاقة مع السعودية» كانت دومًا محط إجماع وطني في ثنايا الوطن الأردني كلها.

لا يضير الأردنيين وهم يسهرون على أواصر العلاقة مع الشقيق السعودي الأكبر أن نفرًا محدودًا منهم خرج في يوم انفعال وهتف ضد الأمير محمد بن سلمان ضمن هتافات طالت زعامات الوطن العربي جميعهم.

ذلك لم يكن هتافا ضد السعودية بكل حال، ولا ضدَّ شخوص رموزها، بل هتافا ضدّ موقف سياسي محدد، لأن الأردني عندما يتعلق الأمر بالقدس تحديدًا، لا مجال للتعقّل عنده، فالهتافات طالت الأردنيين أنفسهم والقيادات العربية جميعهم.

تلك الهتافات لا تعكس صورة المواطن الأردني وهي شاذة ومحدودة، وتعبّر عن الغضب، وفوق ذلك والأهم، لم تتكرر، واستنكرها الجميع، فمن غير المعقول ولا المقبول أن ينقلب الشقيق الكبير بكل هذا العنف الذي نقرأ عنه أو نسمعه، لأن مجموعة ما انفعلت في إطار تعبير سياسي، وهتفت بلا لياقة بصورة لا تمثل الأردنيين في قضية محورية يعرف الجميع أن الموقف السعودي الرسمي منها «غريب ومريب» ولا يتماهى مع وجدان الشارع العربي.

الأردنيون لا يستحقون من الشقيق السعودي مثل هذه المعاملة، حيث سفير يهددهم ويضعهم في سلة واحدة، ويسيء لبرلمانهم، وينسى أنه هو نفسه كتب شعرا يقول فيه «ليتني أردني» عندما شاهد الخيول والهجن تخرج في الصحراء احتفاء بالملك سلمان الضيف الكبير.

وحيث قائمة تولدت فجأة لنحو 20 رجل أعمال اردنيا يديرون دفة الاقتصاد عمليًا مطلوبون للعدالة السعودية الكوميدية، بلا وثائق ولا محاكمات ولا حتى محاضر قانونية.

وحيث جيش إلكتروني مراهق يهرف بكل إساءة وشتيمة ضد شعبين طالما أسهما في بناء السعودية التي نراها اليوم، هما الفلسطيني والأردني.

وحيث إعلاميون سعوديون يتحدثون بكل صفاقة عن استبدال الدور الأمني الأردني في حماية الحدود الطويلة بشركة أمن من المرتزِقة كتلك الشركات التي تعمل في اليمن وسوريا.

الدُّول لا تقيم علاقاتها الاستراتيجية بإطار من الثأر والانتقام والرعونة، والأردني اليوم من حقه أن يسأل نفسه، وهو يصبر مثل «أيوب»: ما الذي تريده السعودية من الأردن؟.

العهد السعودي الجديد أخفق في مسرحية رفيق الحريري مع لبنان، وها هو «يستدير» مستفزًا ومتسرعًا لافتعال معركة مع الأردن بلا مبرر أو مسوغ، مع أن القرار الأردني الوطني السيادي واضح: شكرا للأشقاء.. سنعتمد على أنفسنا ولن نقايض موقفنا من القدس بالمساعدات.

نأمل مع بقية الأردنيين خصوصًا في صفوف القرار، أن يدرك الشقيق الكبير أن الفشل في اليمن ولبنان وسوريا، لا يعني بأية حال الاستدارة ضدَّ الأردن، لأن الفشل المتراكم هنا تحديدا أعمق بكثير، ولأن المغامرة غير منتجة، وستكون مكلفة جدًا، عندما يتعلق الأمر بتحدّي شعب يهجس باسم الشقيق الأكبر ويحترمه ويقدّره، مثل الشعب الأردني.

٭ بسام البدارين كاتب وإعلامي أردني

  كلمات مفتاحية

الأردن السعودية العهد السعودي الجديد الحملة الإعلامية السعودية