«أردوغان».. بطل إسلامي.. أم سياسي براغماتي؟

الجمعة 22 ديسمبر 2017 10:12 ص

في ليلة شتاء باردة في يناير/كانون الثاني عام 2009، في منتجع سويسري فخم في مدينة دافوس، أحرز «رجب طيب أردوغان» - رئيس تركيا - هدفا سياسيا ذهبيا، وأصبح بين عشية وضحاها بطلا في العالم الإسلامي والعربي.

وأثناء تعرض غزة للقصف، في الوقت الذي خاضت فيه (إسرائيل) حربا مريرة وغير متكافئة ضد حماس، انتقد أردوغان الرئيس الإسرائيلي - آنذاك - «شيمون بيريز»، الذي أمضى الوقت المخصص له في الدفاع عن تصرف (إسرائيل).

وقال «أردوغان»: «سيد بيريز، أنت أكبر مني سنا. لكنك تتحدث بصوت عال جدا، وينم الصوت العالي عن شعور بالذنب».

وأكمل حديثه قائلا: «أنت تقتل الناس، أتذكر الأطفال الذين لقوا مصرعهم على الشاطئ، وأتذكر رئيسين سابقين في بلدك قالا إنهما شعرا بسعادة بالغة لدخول فلسطين على الدبابات».

وكانت تلك نقطة تحول لأردوغان - الذي كان حينها رئيس وزراء تركيا - وبلاده. ومن خلال الدعم والتشجيع الذي تلقاه من الشارع الإسلامي والعربي - مثل إطلاق أهل غزة اسم «رجب» على أطفالهم - فقد اتخذ «أردوغان» توجها واضحا، ألا وهو الدفاع عن العالم الإسلامي في كل فرصة

وبعد 8 أعوام تقريبا، يعود الرئيس «أردوغان» الآن إلى القضية الفلسطينية، في محاولة لقيادة رد فعل العالم الإسلامي على قرار «دونالد ترامب» بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل).

وكانت مبادرته الرئيسية تدعو إلى عقد اجتماع طارىء في اسطنبول الأسبوع الماضي  لمنظمة التعاون الإسلامي، التي تضم 57 عضوا، والتى تتولى تركيا حاليا رئاستها الدورية.

ولم يذكر «أردوغان» توقعاته من قمة منظمة التعاون الإسلامي، إلا أن «بكير بوزداغ» - نائب رئيس الوزراء التركي - قال نهاية الأسبوع إن مجرد الإدانة لن تكون كافية، وأن هناك حاجة إلى المزيد.

إلا أن وزير خارجيته «مولود تشاويش أوغلو» قال - الثلاثاء - إنهم يعارضون الدعوة إلى فرض عقوبات، وأنهم سيطالبون بالاعتراف بفلسطين.

رمز شعبي

ويتواءم الدفاع عن القضايا الإسلامية والعربية مع معتقدات «أردوغان» الدينية الشخصية، وأيضا مع رغبته في عودة أيام المجد للإمبراطورية العثمانية، واستعادة موقف تركيا كزعيم للعالم الإسلامي.

ولم يشهد العالم الإسلامي والعربي - الذي يعاني منذ عشرات السنين من الحكام الذين هم إما طغاة علمانيين أو ملوك ديكتاتوريين - أكثر من مجرد أقوال وخطابات حول تعزيز أوضاع المسلمين. لذا فإنه يسرع في تشجيع وتعظيم أي شخص مستعد للتحدث علنا نيابة عنه، حتى لو لم يؤد هذا الحديث إلى اتخاذ إجراءات حازمة.

وقد سارعت حكومة «أردوغان» منذ دافوس إلى تعبئة الموارد التركية وإرسال المساعدات الإنسانية إلى أماكن مختلفة يتعرض فيها المسلمون للخطر، سواء كان ذلك إلى الصومال أو إلى الروهينجا في بورما.

ويقول منتقدو «أردوغان» إنها مجرد كمية قليلة من المساعدات كاستثمار بسيط في مقابل عوائد سياسية مجزية.

وخلال فترة عضويتها كعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة - في الفترة من 1 يناير/كانون الثاني عام 2009 إلى 31 ديسمبر/كانون الأول عام 2010، عززت تركيا وجهة نظر العالم الإسلامي في جلسات مختلفة شملت المنطقة.

ولعل الأهم من ذلك، أن دعم قضية المسلمين في العالم ساعد أيضا «أردوغان» على تعزيز سمعته محليا بين قواعده الرئيسية (الإسلاميين المحافظين).

ويظهر الاستطلاع الأخير الذي أجراه مركز بيو للأبحاث في الولايات المتحدة أنه حتى مع ما يواجه «أردوغان» في الداخل والخارج تبقى شعبية «أردوغان» أفضل بكثير في المنطقة من القادة الآخرين.

ومع ذلك، فإن تلك النتيجة تثير أيضا مسألة ما إذا كان «أردوغان» صادقا أو مجرد سياسي محترف يستطيع اللعب مع «الشارع العربي» لأجل المجد الشخصي والمكاسب السياسية المحلية المحتملة.

استغلال عاطفي؟

وقال «ليفنت غولتكين»، وهو مؤلف وصحفي وإسلامي سابق إن الحكم على الصدق مهمة مستحيلة، غير أن «العالم الإسلامي بأسره - إذا كان هذا المفهوم قائما - ينخرط في الاستغلال العاطفي للشعوب، ويشمل هذا تركيا أيضا».

فيما تعتقد «يلدز رمضان أوغلو»، وهي إعلامية ومؤلفة محافظة، أن «أردوغان» صادق في غضبه لأجل فلسطين والتطورات في العالم الإسلامي، ولكن هذه التصريحات المتناقضة مع وضع المصالح السياسية وغيرها في الاعتبار تؤدي إلى الشكوك.

وقالت «رمضان أوغلو» لـ «ميدل إيست آي»: «أعتقد أن الرئيس صادق، لكن التصريحات المتناقضة تثير الشك». وأضافت «إن محنة الفلسطينيين منذ عام 1917 واضحة، ويجب أن تنحي الحكومة المصالح والاعتبارات الأخرى جانبا وأن تتخذ موقفا حازما مهما كان الثمن».

تصويبات وإيضاحات

وكانت التطورات التي أعقبت حادثة مافي مرمرة لعام 2010 مؤشرا واضحا على هذه المواقف المتناقضة.

وكانت الحكومة التركية قد خفضت العلاقات مع (إسرائيل)، بعد أن اقتحمت قواتها السفينة التركية في المياه الدولية وقتلت 10 مواطنين أتراك.

وكانت «مافي مرمرة» هي السفينة الرئيسية في أسطول دولي مؤلف من 6 سفن تتطلع إلى خرق الحصار الإسرائيلي على غزة وتقديم المساعدات التي تشتد الحاجة إليها هناك.

وتم تنظيم الجزء التركي من الحملة تحت مظلة «آي إتش إتش» الخيرية الإسلامية، التي يعتقد على نطاق واسع أنها تعمل بمباركة «أردوغان» وحكومته.

وكانت أسر الضحايا والإداريين في المنظمة في صدمة عام 2016، بعد أن أصلحت تركيا العلاقات مع (إسرائيل).

وفي مقابل تعويض مالي بمبلغ إجمالي قدره 20 مليون دولار، وافقت الحكومة التركية على عدم توجيه أي اتهامات ضد (إسرائيل) ومواطنيها المتورطين في الحادث في أي مكان. ورفضت القضايا في المحاكم التركية.

التنافس على الشعبية

ومن الشروط الأخرى التي وضعتها تركيا لاستعادة العلاقات مع (إسرائيل) كان رفع الحصار المفروض على غزة، وهو ما لم يحدث قط.

ولم يُسمح لتركيا سوى بإرسال المساعدات الخاضعة للرقابة   عبر ميناء أشدود الإسرائيلي، وهو نفس الوضع الذي كان قائما قبل هجوم مافي مرمرة.

ويرى «غولتكين» عدم واقعية المطالب كسبب لهذه التناقضات.

ومع ذلك، قالت «رمضان أوغلو»، إنه يجب أن يُنظر إلى أعمال أردوغان على أنها ذات نية حسنة وصادقة.

وأضافت: «إننا كمسلمين، يجب أن نكون صوت الأبرياء (في كل العالم) وليس المسلمين فقط. وقد لا نملك القوة المالية والعسكرية اللازمة، لكن علينا أن نؤكد السلطة الأخلاقية، وهذا ما يفعله أردوغان».

وأضافت: «إذا كان يمثل (في هذه المواقف)، لكان الناس في تركيا وخارجها قد اكتشفوا ذلك بسرعة».

المصدر | سراج شارما - ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية

أردوغان تركيا القدس القضية الفلسطينية