«السيسي» وتحالفات المنطقة في 2017 .. ربح من وخسر من؟!

الجمعة 22 ديسمبر 2017 01:12 ص

عام يلملم أوراقه، أبرم خلاله الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» صفقات بمليارات الدولارت، لشراء تحالفات وولاء قوى دولية لدعم شرعية نظامه، في الوقت ذاته، ضحى بحلفاء من ذوي القربى، في اختلال واضح لبوصلة السياسة الخارجية لمصر.

صفقات تاريخية، ومعارك دبلوماسية، وقمم ثنائية وثلاثية، صنعت لـ«السيسي» تحالفات يراها البعض مؤثرة، ويقلل آخرون من تأثيراتها، في ظل خسائر فادحة تكبدتها القاهرة في محافل إفريقية وعربية ودولية، وقرارات باتت رهينة برضا البيت الأبيض والكرملين من جانب، وعلى هوى أبوظبي والرياض من جانب.

ثمة تحسن نسبي في وضع مصر إقليميا ودوليا، نتيجة عودة مصر كطرف فاعل في ملفات إقليمية أهمها ملف المصالحة الفلسطينية، وتبلور دور مصري على الساحة السورية، فضلا عن تنامي العلاقات مع اليونان وقبرص و(إسرائيل) لبناء تحالف اقتصادي أمني في البحر المتوسط، واستعادة القاهرة بعضا من دورها في القارة السمراء.

حصاد عام، تقربت خلاله مصر من روسيا والولايات المتحدة، وابتعدت عن السودان وإثيوبيا، وقدمت الكثير لنيل رضا السعودية والإمارات، وواصلت عداءها لقطر، وعززت تحالفها مع رئيس النظام السوري «بشار الأسد»، وواصلت دعمها للجنرال الليبي «خليفة حفتر».

بوصلة الخليج

«الموضوع انتهى».. بهذه الجملة أنهى «السيسي»، الجدل المثار في الشارع المصري حول اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والمعروفة إعلاميا بـ«تيران وصنافير»، والتي تم توقيعها بين البلدين، في أبريل/نيسان 2016، وأقرها البرلمان المصري في يونيو/حزيران 2017، وصدق عليها الرئيس المصري لتدخل حيز التنفيذ.

وكان التأخر في إقرار الاتفاقية من جانب البرلمان المصري والدعاوى القضائية التي تطالب ببطلانها، تسبب في توتر العلاقات بين مصر والسعودية لشهور قبل أن تتحسن العلاقات في الآونة الأخيرة، ويحظى الرئيس المصري من جديد بدعم سخي من المملكة. (طالع المزيد)

ويزخر 2017 بلقاءات عديدة جمعت «السيسي»، وولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد»، تمحورت حول تشديد الحصار على قطر، بعد فرض حصار رباعي عليها منذ 5 يونيو/حزيران الماضي، لتنفيذ اشتراطات (سعودية إماراتية بحرينية مصرية) بوقف قناة «الجزيرة» وإغلاق القاعدة العسكرية التركية على الأراضي القطرية.

وأشعلت القاهرة في أكتوبر/تشرين الأول معركة شرسة ضد المرشح القطري لرئاسة «اليونسكو»، الوزير «حمد الكواري»، رغم خسارة مرشحتها «فايزة أبوالنجا»، ودعت للتصويت لصالح مرشحة فرنسا «أودري أزولاي» لمنصب مدير عام منظمة «اليونسكو»، والتي فازت بالمنصب الدولي، ومعها هتف أحد أفراد البعثة المصرية الرسمية بـ«اليونسكو»، في مقطع فيديو متداول: «تسقط قطر وتحيا فرنسا». (طالع المزيد)

الملف الرئاسي كان حاضرا على الطاولة المصرية الإماراتية، والشهر الماضي، أجهضت «أبوظبي» جولة انتخابية للمرشح الرئاسي المحتمل الفريق «أحمد شفيق» وأعادته قسرا إلى مصر، وسط ضغوط عليه لمنعه من الترشح في مواجهة «السيسي»، خلال رئاسيات مصر 2018.

مركز عمليات

نجح «السيسي» في أن يقدم خدمات جليلة لقوى كبرى، عبر تدشين «قاعدة محمد نجيب» العسكرية، غربي مصر، بحضور «بن زايد»، واللواء الليبي «خليفة حفتر»، وسط تقارير تؤكد استغلال القاعدة كمركز عمليات دولي لدعم العمليات العمليات العسكرية في ليبيا، ومكافحة الهجرة غير الشرعية لأوروبا، وقاعدة انطلاق لطائرات إماراتية وروسية. (طالع المزيد)

وإثر الكشف عن تسريبات، تؤكد قيام موسكو بنشر قوة عسكرية في أحد القواعد العسكرية غربي مصر، وبالتحديد في قاعدة «سيدي براني» الجوية الواقعة على بعد نحو 100 كلم شرق الحدود الليبية، أقدم الجانب الروسي وفق مصادر تحدثت وقتها لـ«الخليج الجديد»، على سحب قواته بمجرد الكشف الأمريكي عنها، وكانت عبارة عن منظومة استطلاع روسية قوامها 22 فرداً ومزودة بعدد من الطائرات بدون طيار. (حصري: روسيا سحبت قوات من قاعدة غربي مصر إثر اكتشاف أمريكا تواجدها)

وتلعب مصر دورا مؤثرا في إعادة تشكيل الخارطة الليبية، وتوظف «حفتر» لتحقيق هدفها لإبعاد الإسلاميين عن الحكم في البلاد، ومن آن لآخر تقوم بضربات جوية ضد أهداف لمعارضيه، ما أفقدها دورا نزيها على الساحة الليبية كان من الممكن أن يمنحها حصة الأسد من كعكة إعمار ليبيا التي تقدر بأكثر من 100 مليار دولار، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي.

خلال 2017 زاد أيضا حجم التورط المصري في الأزمة السورية، بعد الكشف عن تسريبات تؤكد مشاركة طيارين مصريين في عمليات القصف الجوي التي تستهدف مناطق في سوريا تحت سيطرة المعارضة السورية، أعقب ذلك زيارات من قبل وفود مصرية لدعم «الأسد» وتهنئته بالسيطرة على «حلب».

الكرملين والبيت الأبيض

منذ توليه السلطة في يونيو/حزيران 2014، سعى «السيسي» لإقامة تحالف استراتيجي مع الدب الروسي، تعزز بقوة خلال 2017، الذي شهد دفئا في العلاقات أثمر عن صفقات بمليارات الدولارات مع موسكو لشراء أسلحة بينها مقاتلات «ميغ 29» و«ميغ 35» ومروحيات «كي-52»، وأنظمة صواريخ «إس 300»، بالإضافة إلى إجراء مناورات عسكرية مشتركة، وتوقيع عقود بناء وتنفيذ محطة «الضبعة» النووية، شمال غربي البلاد، بقرض روسي بقيمة 25 مليار دولار، دون أن تحظى مصر بالمقابل الذي كانت تتمناه باسئنتاف عودة الرحلات الروسية الى المنتجعات المصرية، المتوقفة منذ أكثر من عامين، جراء تفجير طائرة ركاب روسية فوق سيناء ومقتل جميع من كانوا على متنها أكتوبر/تشرين الأول 2015.

ومن الشرق إلى الغرب، قدم الرئيس المصري «عربون محبة» للإدارة الأمريكية الجديدة، بالإفراج في أبريل/ نيسان الماضي، عن الناشطة المصرية الأصل الأمريكية الجنسية «آية حجازي»، بعد ثلاث سنوات قضتها في السجون المصرية، ليمنح الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» أحد انجازاته خلال الـ100 يوم الأولى لحكمه. (طالع المزيد)

وكان «ترامب» طلب بنفسه من «السيسي»، تلبية مطلبه حين زار الأخير البيت الأبيض في 3 أبريل/ نيسان الجاري، وهو ما نفذه الرئيس المصري، لكن بعد أشهر وتحت ضغط من الكونجرس الأمريكي، ومنظمات دولية حقوقية، قررت الولايات المتحدة عدم منح مصر 95.7 ملايين دولار كمساعدات، وتأجيل 195 مليون دولار، بدعوى عدم إحراز نظام «السيسي»، تقدما في مجال احترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية.

لكن إشارات من الخارجية الأمريكية، كشفت لاحقا عن أن قرار حجب المساعدات السنوية إلى مصر جاء بسبب العلاقات الاقتصادية والأمنية الوثيقة بين مصر وكوريا الشمالية، وتعاون «السيسي» مع نظام بيونغ يانغ، وتزويده بمكونات صاروخية بشكل غير مشروع، وهو ما سارعت القاهرة إلى إحتوائه بإعلان قطع العلاقات العسكرية مع الدولة النووية المزعجة لواشنطن.

أوروبيا، تجاهلت دول أخرى انتهاكات النظام المصري لحقوق الإنسان، أبرزها فرنسا وألمانيا وبريطانيا التي أبرمت اتفاقيات عسكرية بمليارات الدولارات مع نظام «السيسي»، وتبادلت معه الزيارات الرسمية واتفاقيات التعاون الاقتصادي.

(إسرائيل) و«حماس»

عززت مصر و(إسرائيل) العلاقات الأمنية بينهما، والتقى «السيسي» قيادات يهودية بارزة في واشنطن، وصولا إلى الكشف عن لقاء سري جمعه ورئيس الوزراء (الإسرائيلي) «بنيامين نتنياهو»، العام الماضي، للتفاهم حول اتفاقية «تيران وصنافير»، لكن سبتمبر/أيلول الماضي، شهد أول لقاء علني بين الطرفين، على هامش اجتماعات الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وفي أغسطس/آب حملت عودة السفير الإسرائيلي لدى مصر «ديفيد غوفرين»، إلى القاهرة، بعد غياب استمر أكثر من 9 أشهر، بدعوى «الأوضاع الأمنية»، ملفات هامة أبرزها التقارب بين مصر و«حماس» وعقد الحركة أول اجتماع لمكتبها السياسي الجديد، في القاهرة، مرورا بقبول «حماس» حل لجنتها الإدارية في غزة، وتسليم إدارة القطاع للسلطة الفلسطينية، في مقدمة لإتمام المصالحة الفلسطينية، برعاية المخابرات المصرية، وسط ألغام تعرقل نجاح الخطوة.

وتحذر «حماس» من محاولات إبرام ما يعرف بـ«صفقة القرن» التي ترعاها مصر والسعودية بالتعاون مع (إسرائيل) والولايات المتحدة، وتهدف لاقتطاع جزء من سيناء لتوطين الفلسطينيين فيه، وهو مخطط اكتسب زخما كبيرا بعد استخدام «السيسي» لهذا المصطلح عقب مباحثاته في أبريل/نيسان الماضي بالبيت الأبيض مع نظيره الأمريكي «دونالد ترامب».

قبرص واليونان

خلال نوفمبر/تشرين الثاني، أبرمت القمة التى جمعت زعماء مصر واليونان وقبرص، العديد من الاتفاقيات الاقتصادية، بما يعزز العلاقات بين البلدان الثلاثة التي تحاول أن تكون محورا مؤثرا في قضايا البحر المتوسط.

وقمة قبرص، كانت الخامسة التي تجمع بين البلدان الثلاث منذ 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، بحضور «السيسى»، والرئيس القبرصى «نيكوس أناستاسيادس»، ورئيس وزراء اليونان «ألكسيس تسيبراس».

وجاءت القمة في سياق تحالفات «السيسي» الخارجية مع اليونان وقبرص؛ لمواجهة النفوذ التركي في المنطقة، وترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان، والتوافق فيما يرتبط بالتنقيب عن حقول الغاز في البحر المتوسط، والتعاون فى مجال الطاقة لنقل الغاز وربط الشبكة الكهربائية بين الدول الثلاث.

وتعزز الدول الثلاث فيما بينها التعاون في أعمال الاعتراض البحري مثل اعتراض المهربين، والقرصنة البحرية، وحق زيارة وتفتيش السفن المشتبه بها، ومكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات، وخطط تأمين نطاق البحر المتوسط.

انفراجة مصرية تركية

من بوابة البيزنس، هبت رياح التقارب بين القاهرة وأنقرة، وعلى مدار أيام، انعقد الشهر الماضي، في مدينتي قونيا وإسطنبول مؤتمر «هيا نصنع معاً»، لتعزيز الروابط الاقتصادية بين مصر وتركيا، وسط توقعات بزيادة التبادل التجاري بين البلدين، في ظل ضغوط من قبل الشركات ورجال الأعمال المصريين والأتراك.

وتدلل لغة الأرقام على التقارب القائم، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا نحو 4.176 مليارات دولار خلال 2016، مقابل 4.341 مليارات خلال 2015، وفق إحصاءات رسمية.

ومطلع العام الجاري، استضافت القاهرة، اجتماعاً لمنتدى الأعمال المصري التركي، الذي نظمه الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية (مستقل وتشرف عليه وزارة التجارة والصناعة).

وبالتزامن مع التقارب الاقتصادي، أبرقت أنقرة رسالة تضامن وتهدئة سياسية، مع إعلانها الحداد رسمياً وتنكيس أعلامها تضامناً مع مصر عقب الهجوم الدموي على مسجد الروضة في سيناء (شمال شرق مصر)، الذي راح ضحيته أكثر من 300 قتيل وعشرات الجرحى.

وغازل وزير الخارجية المصري، «سامح شكري»، أنقرة، بالقول إن هناك علاقات تجارية مع تركيا نحرص عليها ويجب أن تستمر، معربا عن أمله أن تعود العلاقات المصرية التركية لمستوى يحقق مصالح شعبي البلدين، وملمحا إلى إمكانية زيارته أنقرة، دون أن يحدد موعدا لذلك.

السودان وإثيوبيا

التلاسن بين القاهرة والخرطوم، كان سيد الموقف خلال 2017 على خلفية النزاع الحدودي على مثلث «حلايب وشلاتين»، وسط تهديدات سودانية باللجوء إلى مجلس الأمن، والمطالبة بالتحكيم الدولي لحسم النزاع، فضلا عن تبني الخرطوم مؤخراً تسمية الوجود المصري في حلايب وشلاتين بـ«سلطات الاحتلال المصري».

القاهرة ردت بفرض قيود على دخول السودانيين من غير أهل المنطقة إليها، سواء من داخل مصر أو الحدود السودانية، واعتقلت عشرات السودانيين داخل المثلث، وأقرت حزمة مشروعات لتنمية المنطقة، ودفعت بتعزيزات عسكرية هناك، وشنت حملة إعلامية ضد الرئيس السوداني «عمر البشير»، الذي رد هو الآخر بإلغاء زيارته لمصر أكثر من مرة.

لكن النزاع المصري السوداني على «حلايب» تبعته منغصات أخرى للعلاقات بين البلدين، أبرزها مساندة السودان لإثيوبيا في مشروع بناء «سد النهضة» الذي تخشى القاهرة أن يؤثر على حصتها من مياه نهر النيل، وإعلان الخرطوم أن السد ليس له أضرار، بالإضافة إلى مشاركتها في قوة لتأمينه، ما اعتبر ردا سودانيا قويا على مصر لرد الصاع صاعين إزاء مماطلة القاهرة في حسم ملف «حلايب». (طالع المزيد)

سعت مصر لاستعادة التواجد في القارة السمراء، وتأليف قلوب دول حوض النيل بزيارات رئاسية ودبلوماسية إلى جنوب السودان وأوغندا وكينيا وتشاد والصومال في محاولة لتعزيز نفوذها إفريقيا، لكن نهاية العام حملت رياح تأزم الخلاف بين القاهرة وأديس أبابا، وإعلان تأجيل زيارة رئيس الوزراء «هايلي ماريام ديسالين» لمصر، عقب إعلان الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فشل جولة المفاوضات حول سد النهضة، والرد الإثيوبي بأن «أعمال البناء لن تتوقف في السد ولو دقيقة واحدة»، ما عقد موقف مصر التي تدخل العام الجديد 2018 مثقلة بطموحات إقليمية ودولية، وتركة ضخمة من الأزمات الدبلوماسية، أخطرها أزمة «سد النهضة» التي تمس بشكل خطير شريان الحياة (نهر النيل) في «أم الدنيا».

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر الأزمة الخليجية سد النهضة عبدالفتاح السيسي روسيا تركيا تيران وصنافير المصالحة الفلسطينية