استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

لماذا زار وفد «بحريني» القدس المحتلة؟

الأحد 24 ديسمبر 2017 05:12 ص

بعد أيام من إعلان «ترامب» اعترافه بالقدس المحتلة عاصمة لـ(إسرائيل)، أعلن عن وصول «وفد من البحرين إلى (إسرائيل) في زيارة رسمية وعلنية، تستمر أربعة أيام، يلتقي خلالها مسؤولين بالحكومة الإسرائيلية». 

سبّب خبر الزيارة صدمة لكثيرين وأثار غضباً شعبياً في البحرين وخارجها، لكن السلطات البحرينية قابلت بالصمت تلك المشاعر واكتفت ببيان أصدرته وكالة أنباء البحرين يعلن إن الزيارة تمت «بمبادرة ذاتية»، وأنها لا تحظى برعاية رسمية. 

لم يهتم من صاغ ذلك البيان بقدرته على إقناع الناس، خاصة أن جمعية «هذه هي البحرين» التي نظّمت الزيارة هي جمعية ملكية معروفة وتحظى أنشطتها برعاية الملك شخصياً، كما يتولى الديوان الملكي مباشرة تمويل الأنشطة والمهرجانات التي تعقدها في البحرين وفي الخارج.

من القدس المحتلة إلى إستاد البحرين الرياضي

فيما عدا البيان المقتضب لوكالة أنباء البحرين، التزمت السلطات البحرينية الصمت حول زيارة القدس المحتلة ولم تعد الصحف المحلية إلى الإشارة إليها إلا عبر التلميح إلى إن إيران تقف وراء حملات «التشكيك في الموقف الرسمي البحريني».

لم يفلح البيان الرسمي ولا الأسطر المعدودة التي تجرأ بعض الصحفيين على نشرها في الصحف المحلية في تهدئة الغضب الشعبي.

فشهدت شوارع البحرين تظاهرات متفرقة قمعتها بسرعة قوات الأمن كما انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي رسائل الناشطين على اختلاف انتماءاتهم اعتبروا «محاولات التطبيع مع العدو الغاصب، بما فيها الزيارة التي قام بها وفد جمعية هذه هي البحرين للقدس المحتلة خيانة للشعب الفلسطيني». 

على الرغم من الصدمة، لكن زيارة الجمعية الملكية إلى القدس المحتلة ليست مفاجئة بل تأتي في سياق علاقات قديمة تربط ملك البحرين الحالي قبل وصوله إلى سدة الحكم بقادة إسرائيليين.

وقد انعكست منذ الربيع العربي آثار تلك العلاقات في أساليب تعاطي الأجهزة الأمنية في البحرين، بما فيها فرض الحصار على أحياء وقرى وشق الطرق الدائرية حول «مناطق الاشتباكات» لضمان عزلها. 

لم تؤد حملات الاستنكار ولا إنكار وكالة أنباء البحرين وجود علاقة رسمية بالجمعية المذكورة إلى محاسبة الجمعية ومساءلة أعضاء وفدها إلى القدس المحتلة،  بل هي ظلت تمارس «مهماتها» كأن شيئاً لم يكن.

فبعد أقل من أسبوع من عودة وفدها من زيارة القدس المحتلة وقفت رئيستها الأسكتلندية الأصل «بيتسي ماثيسون» بجانب عدد من كبار المسؤولين الحكوميين لتفتتح في إستاد البحرين الرياضي مهرجان «العيد الوطني» الذي قامت الجمعية بتنظيمه تحت رعاية الملك وبتمويل الديوان الملكي. 

لا يهتم ملك البحرين بشعبه حين يبتعث وفداً لزيارة القدس المحتلة، وهو لا يهتم بالفلسطينيين ولا ببقية العرب، فهو مهتم بإشعار واشنطن عبر القدس المحتلة أنه ملتزم بخطة طريق تقوده إلى إعلان إقامة علاقات طبيعية مع (إسرائيل) دون انتظار التوصل إلى توافق عربي يضمن للفلسطينيين حقوقهم الوطنية ضمن تسوية إقليمية عادلة. 

ثمة احتمال أن ملك البحرين ربما ينتظر أن تمنحه زيارة الوفد البحريني إلى القدس المحتلة مسافة يسبق بها أشقاءه حكام الخليج ممن يسيرون مثله، ومنذ سنوات، بخطوات مترددة على طريق التطبيع مع (إسرائيل).

فلا أحد يمكنه تجاهل السباق الخفيّ بين البلدان الخليجية التي تزايدت في السنوات الأخيرة أخبار اللقاءات والزيارات المتبادلة بين مسؤوليها والمسؤولين الإسرائيليين.

بعض تلك اللقاءات والزيارات تتم في سرية شديدة فلا تشير إليها إلا التسريبات غير المقصودة، لكن أغلبها صار معلناً ولا يحاول المشاركون فيه إخفاءه بعدما راج بقوة منذ اعتلاء «سلمان» وولده حكم السعودية شعار «عدونا الرئيسي هو إيران وليس إسرائيل».

البحرين غنيمة غزوة 1783

بالإضافة إلى سياقها الخليجي، لا بد من النظر إلى زيارة الوفد البحريني لمعرفة ما تعكسه من علامات خصوصية وضع البحرين والنظام السياسي فيها.

فالعائلة الحاكمة في البحرين هي الوحيدة بين 12 عائلة حاكمة في بلدان الخليج التي تفاخر كل يوم بأنها غزت البحرين قبل قرنين، وأنها أسست في البحرين منذ 1783 «دولة عربية مسلمة مستقلة ذات سيادة»، حسبما يردد الملك في خطاباته.

وهي العائلة الحاكمة الوحيدة التي تحتفل سنوياً بذكرى «الفتح» في عيدها الوطني، لتذكير الناس بأن شرعيتها لا تستند إلى إرادتهم  بل إلى اعتبار البلاد من غنائم تلك الغزوة.

يكره المسؤولون في البحرين حتى أصدقاؤهم في الخارج الإشارة إلى أوجه الشبه بين ممارسات الأجهزة الأمنية في البحرين تجاه مواطنيها مع ممارسات قوى الاحتلال الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، فكيف يقارن أحدٌ حاكماً عربياً بصهيوني؟

لكن من المهم مناقشة تشابه طبيعة وتبريرات ممارسات سلطتي الأمر الواقع في البلدين. نعم، يختلف حجم القمع وتاريخه لكن من يتابع التغيرات التي أدخلها ملك البحرين في السنوات الأخيرة على أساليب أجهزته الأمنية قد يجد تفسيراً لمفاخرة «حمد بن عيسى» بالعلاقات القائمة بين أجهزته الأمنية ونظيرتها الإسرائيلية. 

ولا غرابة أن يرى ملك البحرين في (إسرائيل) نموذجاً يمكن أن يتعلم منه أو على الأقل أن يستفيد من خبراتها وأساليب تعاملها مع الفلسطينيين قمعاً واستيطاناً وتغييراً ديموغرافياً.

طريق الملك المسدود

لا يمكن اعتبار إرسال وفد الجمعية الملكية إلى القدس المحتلة نزوة، كما لا يمكن تفسير الزيارة بأنها خطوة لاختبار ردّات فعل الشعوب العربية تمهيداً لخطوات تصالحية مع (إسرائيل) يقوم بها حكام البلدان الخليجية وفي مقدمتها السعودية.

قد يكون لهذيْن السببين ما يسندهما، لكن الزيارة تعبر قبل كل شيء عن خصوصية علاقة العائلة الحاكمة في البحرين بشعبها.

حين تولى «حمد» الحكم في 1999 بدا مقتنعاً بقدرته على أن يقنع المعارضة أو على الأقل قسماً كبيراً منها بخطته لتحديث سلطة عائلته، وتمثلت تلك الخطة بإعلان دستور وإقامة مؤسسات دستورية حديثة ولكنها تشرعن موروثات الفتح وحق العائلة الحاكمة في غنائمه.

وكانت أمام «حمد» مؤشرات كثيرة تؤكد تلك القناعة، فلقد توصل إلى تسويات أرضت أقساماً رئيسية في المعارضة الإسلامية واليسارية رغم أنها لم تمس أيا من امتيازات العائلة الحاكمة.

بل إن تلك التسويات، بما فيها تلك التي جرى التوصل إليها في ظل ثلاث دورات برلمانية بين 2002 و2010  أضافت معيقات لمساعي بناء مؤسسات الدولة وكرّست سلطة الأمر الواقع، ومثالين على هذه المعيقات المضافة: 

يتعلق الأول بالتغيير الديموغرافي الذي شهدته البلاد منذ حكم «حمد بن عيسى» البحرين، كانت إحدى مميزات البحرين في محيطها الخليجي هي أن البحرينيين يشكلون أكثرية السكان.

وكان هذا أحد مصادر قوة الحركة الوطنية والحركة العمالية فيها، فعلى الرغم من التغييرات الديموغرافية التي شهدتها بلدان المنطقة، بما فيها البحرين، خاصة بعد الطفرة النفطية في سبعينات القرن الماضي، بقي المواطنون في البحرين يشكلون أغلبية سكانها وأغلبية قوة العمل فيها.

وبعد 18 عاماً من تولي الملك الحالي الحكم، تحول المواطنون إلى أقلية بين السكان وفي سوق العمل،  يبيِّن التعداد الأخير للسكان (2001) أن عدد سكان البحرين يزيد قليلاً على 650 ألف نسمة يشكل المواطنون أكثر من 62% منهم، في عام 2016 زاد عدد السكان على ضعف ما كان عليه قبل 15 سنة، ليصل حسب التقديرات الرسمية إلى 1.424 مليون نسمة يشكل المواطنون نسبة 46.6% منهم.

يربط بعض الدارسين الزيادة المضطردة في استيراد العمال الأجانب بنمو سوق العمل، كما يربطها آخرون بعوامل أخرى من قبيل أن العمال المحليين لا يقبلون العمل في المهن التي يتولاها العمال الأجانب، لكن هذين التفسيرين لا يستندان إلى دراسات جادة لسوق العمل ولا إلى معرفة عملية.

فبينما ترتفع نسبة العمالة الأجنبية ترتفع أيضاً نسبة العاطلين بين العمال البحرينيين، كما تنتشر نسبة العاطلين وشبه العاطلين بين العمال الأجانب أنفسهم، ولهذا يجب النظر إلى مؤشرات أن الزيادة الملحوظة في أعداد العمال الأجانب هي إحدى نتائج سياسة إغراق سوق العمل المحلية بهدف ضغط الأجور واحتواء الدور السياسي الذي كان يلعبه العمال في الحياة السياسية في البحرين.

أما المثال الثاني فهو ما يُعرف في البحرين بـ«التجنيس السياسي» الذي تصاعد منذ تولي «حمد» الحكم قبل 18 سنة، فرغم صرامة الشروط التي تفرضها القوانين والأنظمة المتعلقة لكن «حمد» تجاوزها لتجنيس أعدادٍ غير معلنة ممن لا تنطبق عليهم الشروط المنصوص عليها.

رحبت بعض القوى السياسية بعمليات التجنيس الجماعي لاقتناعها بأنها ستؤدي إلى إيجاد توازن ديمغرافي لصالح «المكوِّن السني» في مقابل «المكوِّن الشيعي» الغالب عددياً،  تلّقف إعلام المعارضة هذا التفسير رغم تهافته. 

فلم يمض وقتٌ طويل قبل أن يتبين أن أول الخاسرين من ذلك التجنيس غير القانوني هم فقراء السنة الذين أخذت أهميتهم السياسية في الانخفاض وبدأ تقليص الخدمات الأساسية لهم، فوجد هؤلاء أنفسهم يخسرون أجزاءً من حصتهم من المكرمات بينما الحكومة تسعى لتوفير السكن والعمل والخدمات للبحرينيين «الجدد».

بل أدى تزايد أعداد المجنسين إلى خسارة أبناء وبنات الشرائح الفقيرة السنية «الأفضلية» التي كانت تُعطى لهم للالتحاق بعدد من المؤسسات الحكومية بما فيها قوى الأمن والقوات المسلحة.

لا تستند عمليات التجنيس الجماعي إلى الفزعة المذهبية أو حتى إلى رغبة العائلة الحاكمة في خلق توازن ديموغرافي بين السنة والشيعة،  فتبعات الاحتقان جراء التجنيس السياسي، كما يشير الباحث البحريني «عمر الشهابي» تشمل أغلب عناصر المجتمع البحريني.

ففي حادثة شهيرة قبل عامَين، وقعت صدامات بين أفراد عائلة سنّية وبعض المجنّسين سياسياً، وأثارت القضية سجالاً واسعاً في أوساط الرأي العام في الجزيرة.

في الواقع، غالباً ما يشتكي السنّة من أن تداعيات التجنيس تطالهم أكثر من سواهم، لأن المجنَّسين سياسياً يشغلون عادةً وظائف (في القوى الأمنية) يسيطر عليها السنّة تاريخياً، ويعيشون في مناطق ذات غالبية سنّية.

شيئاً فشيئاً بدأت تتضح لهذا المكون وذاك وغيرهما أن الهدف الحقيقي من عمليات التجنيس الجماعي ليس «تسنين» البحرين بل «هو حاجة العائلة الحاكمة إلى استيراد الولاء والموالين»، حسب تعبير أحد القادة اليساريين في البحرين، وهو استنتاج تسنده المعلومات المتوفرة حول عمليات التجنيس الجماعي قبل الربيع العربي وبعده. 

كانت الأرقام المتداولة عشية انتفاضة اللؤلؤة في فبراير/شباط 2011 تتراوح بين 70 ألف و90 ألف شخص تم تجنيسهم بمراسيم أميرية غير معلنة، أي بمعدل 7 الى 9 آلاف في كل سنة من العشر سنوات الأولى من العهد.

أغلب المستفيدين من هذه المراسيم في تلك الفترة هم من العرب السوريين واليمنيين والأردنيين والسودانيين، خاصة العاملين منهم في أجهزة الأمن والقوات المسلحة وعوائلهم.

أما ما حدث مع قمع المعارضة منذ 2011 فيحتاج إلى دراسة خاصة بالنظر إلى أن عمليات التجنيس الجماعي تتم إما بمراسيم ملكية غير معلنة أو بقرارات سرية يتخذها وزير الداخلية.

لكنه يمكن الإشارة إلى أن صعود الهواجس الأمنية ضد المواطنين العرب القادمين من بلدان الربيع العربي مثل سوريا واليمن أدت إلى زيادة التوجه نحو تجنيس وافدين من الباكستان والهند وبلدان شرقي آسيا.

في هذا الصدد، يمكن استعادة تصريح للسفير الباكستاني لدى البحرين في 2014 يشير إلى أن عدد من تم تجنيسهم من مواطنيه في البحرين يتراوح بين 25 ألفا و30 ألفا بالإضافة إلى 5 آلاف على قائمة الانتظار.

الزيارة واصطفافات ما بعد انتفاضة اللؤلؤة

إن حراك الربيع العربي في البحرين في فبراير/شباط 2011 إعلان بفشل مشروع ملك البحرين الطامح لإدامة سلطة الأمر الواقع المستندة إلى موروث الفتح عن طريق تغطيتها بأردية الدولة الدستورية.

فحين تجرأ أول ناشطة أو ناشط على ترديد شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، كانا يعلنان نهاية حقبة مؤلمة من تاريخ البلاد، كما كان مرددو الشعار يعلنون عن بداية فصل جديد في العلاقة بين العائلة الحاكمة وبين من كانت تعتبرهم رعايا، يعيشون على أرض فتحها أجداد العائلة في 1783.

لم تعد التسويات التي عقدها الملك مع بعض النخب السياسية كافية ولم يعد يجدي تكرار الوعود بمكرمات قادمة، من جهتهم فقد الوجهاء والأعيان مصداقيتهم وسلطتهم على الناس فلم تعد جهودهم قادرة على إعادة الأمور إلى نصابها.

لذلك يسعى ملك البحرين في أن يجد في تطوير علاقاته بـ(إسرائيل) مصدر قوة يستند إليها رغم مخاطرها، فهو اختبر فوائد هذه العلاقات في تفعيل أساليب تعامل أجهزة الأمنية مع المعارضة والأنشطة الاحتجاجية.

* د. عبد الهادي خلف أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة لوند ـ السويد، من البحرين

  كلمات مفتاحية

البحرين الخليج العربي التطبيع الخليجي الانتفاضة البحرينية التجنيس الملك حمد إسرائيل جمعية غزوة 1783 الأجهزة الأمنية البحرينية الربيع العربي