القضاء المصري 2017.. صدام مع «السيسي» وبراءة لـ«مبارك» والسجن لـ«مرسي»

الاثنين 25 ديسمبر 2017 05:12 ص

منصة القضاء المصري خلال العام 2017 كانت مسرحا لأحداث جسام، وأحكام صادمة، وتطورات دراماتيكية، دفعت بالمؤسسة القضائية في البلاد إلى بؤرة الأحداث، وإلى صدام عنيف مع مؤسسة الرئاسة، يتعلق باتفاقيات سيادية، ونصوص دستورية.

دار القضاء العالي، وسط القاهرة، التي كانت محط أنظار المصريين، طالها من القال والقيل الكثير، بشكل نال من هيبة المؤسسة التي كانت تتغنى باستقلالها، بعد تعرضها لاتهامات بالفساد، والرشى من ناحية، وإصدار قوانين تغير من تركيبة تنظيمها الداخلي ونظام ترقيات أعضائها، على الناحية الأخرى، وسط تشكيك حقوقي محلي ودولي طال العديد من الأحكام الصادرة ضد معارضين لنظام الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي».

إعدام أم انتحار؟!

البداية كانت خارج التوقعات، صاحبها جدل واسع حول واقعة انتحار الأمين العام لمجلس الدولة السابق، المستشار «وائل شلبي»، المتهم بالرشوة، يناير/كانون الثاني الماضي، وسط تأكيدات حصل عليها «الخليج الجديد»، حينها، بتورط جهة سيادية في إنهاء حياته بشكل لا يثير الشكوك. (طالع المزيد)

«شلبي» الذي كان يحمل أختام مناقصات مشروعات مجلس الدولة التي تم ترسيتها على جهاز الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، هدد بالكشف عن أسماء جنرالات في الجيش المصري ضالعين في القضية 1150 لسنة 2016 حصر أمن دولة المعروفة بـ«رشوة مجلس الدولة»، قبل أن تقول السلطات إنه تم العثور عليه مشنوقا بـ«كوفية» كان يرتديها داخل مقر الاحتجاز بهيئة الرقابة الإدارية (جهاز استخباراتي داخلي).

سرعان ما تم فرض حظر النشر في القضية، ومنع الصحف الحكومية من نشر نعي له، كذلك منع أسرته من إقامة عزاء له بمسجد «عمر مكرم»، وسط القاهرة، في الوقت الذي شهدت جنازته حضورا قضائيا لافتا، وسط هتافات من مشيعيه «الشهيد حبيب الله»، واتهامات من والده، تشير إلى مقتله وليس انتحاره. (فيديو)

«أبوتريكة» و«جنينة»

حظي نجم منتخب مصر والنادي الأهلي السابق، «محمد أبو تريكة»، بحضور في المشهد القضائي خلال يناير/كانون الثاني الماضي، بحصوله على حكم من محكمة القضاء الإداري، يقضي ببطلان التحفظ على أمواله، وشركته السياحية، بموجب قرار صدر عن لجنة حصر أموال «الإخوان» في أبريل/نيسان 2015.

واللجنة الحكومية التي يرأسها المستشار «محمد ياسر أبو الفتوح»، قررت الشهر الجاري، التحفظ على 20 شركة، وأموال 14 شخصا، بعد قرار سابق في سبتمبر/أيلول، بالتحفظ على 150 شركة، بزعم تبعيتها لجماعة «الإخوان المسلمون»، وذلك على الرغم من صدور 274 حكما قضائيا تقضى ببطلان قرارات التحفظ، على أموال وممتلكات أفراد الجماعة، دون أن يتم تنفيذها.

مطلع العام الجاري، أودعت محكمة جنح مستأنف القاهرة الجديدة، حيثيات حكمها بتأييد حبس المستشار «هشام جنينة»، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المقال (أعلى جهاز رقابي في مصر)، سنة مع إيقاف التنفيذ لمدة 3 سنوات، وغرامة 20 ألف جنيه، وكفالة 10 آلاف جنيه، بتهمة الإضرار بالاقتصاد المصري إثر إعلانه تقديرات بأن حجم الفساد في البلاد يتجاوز الـ 600 مليار جنيه.

وأعفي «جنينة» من منصبه نهاية مارس/آذار 2016، وتم تقديمه للمحاكمة، وشن حملة إعلاميه ضده، ووضعه قيد الإقامة الجبرية، وفق المتداول وقتها، لكنه رد برفع دعوى قضائية ضد «السيسي»؛ لوقف قرار عزله من منصبه، بشكل غير قانوني، لكن محكمة القضاء الإداري، قضت بعدم قبول الدعوى.

وعاد المرشح الرئاسي السابق، والداعية المعروف «حازم صلاح أبو إسماعيل»، للمشهد إثر إصدار محكمة «جنايات القاهرة» حكما بمعاقبته وآخرين حضوريا بالسجن لمدة 5 سنوات، ومعاقبة 11 متهما آخرين غيابيا بالسجن لمدة 10 سنوات، لإدانتهم بحصار «محكمة مدينة نصر»، شرق القاهرة، في ديسمبر/كانون الأول عام 2012.

في مارس/آذار الماضي، قضت محكمة مصرية، بالحبس عاما مع الإيقاف المشروط بحق نقيب الصحفيين السابق «يحيى قلاش»، وزميليه «جمال عبدالرحيم» عضو مجلس النقابة الحالي، و«خالد البلشي» عضو المجلس السابق، على خلفية الأزمة التي نشبت بين النقابة ووزارة الداخلية إثر إلقاء قوات الأمن القبض على الصحفيين «عمرو بدر»، و«محمود السقا»، من مقر النقابة، لاتهامهما بخرق قانون التظاهر في الاحتجاجات المتعلقة برفض التنازل عن جزيرتي «تيران وصنافير» للسعودية.

إعدامات بالجملة

سجل العام 2017 رقما كبيرا في الأحكام الصادرة خلاله بالإعدام ضد معارضين سياسيين، في قضايا رفضت محكمة النقض (أعلى محكمة للطعون في البلاد)، أغلب الأحكام الصادرة بشأنها، وقررت إعادة النظر فيها من جديد.

في يوليو/تموز، قضت محكمة جنايات القاهرة، إعدام 28 متهما في قضية اغتيال النائب العام الراحل المستشار «هشام بركات»، الذي اغتيل يونيو/حزيران 2015.

كما قضت ذات المحكمة، بالإعدام شنقا لـ20 متهما في إعادة محاكمتهم في القضية المعروفة إعلاميا بـ«مذبحة كرداسة».

كذلك قضت محكمة جنايات القاهرة، بالإعدام شنقا غيابيا، على الداعية المصري المعروف والمقيم بالخارج «وجدي غنيم» وآخرين، في القضية المعروفة إعلاميا بـ«اللجان النوعية».

حكم آخر، عن ذات المحكمة، بالإعدام لـ8 متهمين والمؤبد لـ50 شخصا والسجن المشدد لـ7 آخرين، وكذلك معاقبة 3 أفراد بالسجن 5 سنوات، في قضية «اقتحام قسم شرطة حلوان».

في سبتمبر/آيلول، قضت محكمة جنايات الجيزة (غرب القاهرة)، بإعدام 9 متهمين (7 حضوريا وإثنين غيابيا)؛ إثر إدانتهم بقتل حارس محافظ البنك المركزي السابق، «هشام رامز»، منتصف فبراير/شباط 2013.

حكم ثان عن ذات المحكمة، بإعدام 11 متهما (7 حضوريا، 4 غيابيا)، والمؤبد لـ14 متهما حضوريا، في قضية «خلية الجيزة».

وقررت محكمة النقض، في يوليو/تموز، تأييد حكم الإعدام لمتهمين اثنين، وبراءة 3 آخرين، لإدانتهم في «أحداث مسجد القائد إبراهيم»، بالإسكندرية، شمالي البلاد.

وفي ديسمبر/كانون الأول، أيدت «النقض»، إعدام 3 أشخاص إثر إدانتهم بقتل نجل رئيس محكمة استئناف المنصورة السابق، المستشار «محمود السيد المورلي»، سبتمبر/أيلول 2014.

كما أيدت محكمة النقض (أحكامها غير قابلة للطعن)، حكما نهائيا بإعدام 10 شخصا في قضية «مذبحة إستاد بورسعيد»، التي قتل فيها أكثر من 70 مشجعا لكرة القدم في 2012.

وفي أول حكم نهائي بات بحقه، قضت محكمة النقض، الشهر الماضي، بحبس الناشط اليساري والمدون «علاء عبدالفتاح»، 5 سنوات؛ وتأييد المراقبة 5 سنوات والغرامة 100 ألف جنيه (5.6 آلاف دولار)، لإدانته وآخر بـ«التجمهر وخرق قانون التظاهر».

التنكيل بـ«مرسي»

2017 يزخر بعدة أحكام استهدفت التنكيل بالرئيس المصري الأسبق «محمد مرسي»، الذي يعاني من تدهور حاد في صحته، منها تأييد محكمة «النقض» حكم السجن المؤبد (25 عاما)، الصادر بحقه بالإضافة إلى «أحمد عبدالعاطى» مدير مكتبه، و«أمين الصيرفي» سكرتيره، في القضية المعروفة إعلاميا بـ«التخابر مع قطر»، بينما قضت المحكمة، وهي أعلى سلطة قضائية تصدر أحكاما، بتأييد حكم الإعدام بحق 3 متهمين آخرين في ذات القضية.

وأيدت المحكمة إدراج «مرسي» والمرشد العام لجماعة «الإخوان المسلمون»، «محمد بديع»، و24 من قيادات الجماعة، على قوائم الشخصيات الإرهابية، كما قضت بتأييد عقوبة المؤبد بحق «بديع»، على خلفية أحداث عنف بمحافظة الإسماعيلية، في يوليو/تموز 2013. لكن ذات المحكمة ألغت حكما بالسجن المؤبد بحق «بديع»، و49 آخرين في قضية استهداف قسم شرطة العرب بمدينة بورسعيد، شمال شرقي مصر، 16 أغسطس/آب 2013.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، قضت محكمة مصرية، بحبس نجل «مرسي» 3 سنوات، بدعوى حيازة سلاح أبيض، وهو ما نفاه «أسامة محمد مرسي»، ويعمل محاميا، وتولى الدفاع عن والده في القضايا التي اتهم فيها عقب الانقلاب العسكري في العام 2013.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، قضت «النقض» بتأييد عقوبة السجن بحق نجل شقيقه «محمد سعيد مرسي» و2 آخرين 5 سنوات إثر ادعاء إدانتهم إدانتهم باقتحام وإتلاف مبنى رئاسة جامعة الزقازيق (شمال القاهرة) في 2013.

ومنذ نحو عامين، أيدت محكمة النقض حبس الشقيق الأصغر لـ«أسامة»، وهو «عبدالله محمد مرسي»، مدة عام بتهمة تعاطي المخدرات (أفرج عنه بعد انقضاء المدة)، في حكم شكك حقوقيون في نزاهته، كونه استهدف تحديدا أسرة «مرسي»، التي تشكو المنع من زيارته، وتعريض حياته للخطر.

والشهر الماضي، أمر النائب العام المصري، المستشار «نبيل أحمد صادق»، بحبس 29 متهما لمدة 15 يوما احتياطيا على ذمة التحقيقات في قضية يعلن عنها للمرة الأولى، عرفت إعلاميا بـ«التخابر مع تركيا».

و«التخابر مع تركيا» قضية جديدة لملاحقة معارضي الانقلاب العسكري في البلاد من أنصار جماعة «الإخوان المسلمون»، بعد قضايا عديدة بتهم التخابر، منها «التخابر مع قطر»، و«التخابر مع حماس»، و«التخابر مع النرويج». (طالع المزيد)

مهرجان البراءة

حمل مارس/آذار الماضي، عودة الرئيس المصري المخلوع، «محمد حسني مبارك»، إلى منزله في مصر الجديدة، شرق القاهرة، بعد سنوات قضاها في مستشفى المعادي العسكري، وانقضاء مدة العقوبة المقررة عليه بالسجن 3 سنوات بقضية «القصور الرئاسية»، وحصوله على حكم نهائى بالبراءة في قضية «قتل المتظاهرين»، إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

في مايو/آيار الماضي، انشغل الشارع المصري بقصة هروب وزير الداخلية المصري الأسبق، اللواء «حبيب العادلي»، عقب الحكم عليه بالسجن 7 سنوات في قضية «فساد الداخلية»، لكن بعد 7 أشهر من الجدل، وتداول تقارير غربية تفيد بأن «العادلي»، يقدم المشورة لولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان»، أعلنت وزارة الداخلية المصرية، الشهر الجاري، تمكنها من إلقاء القبض على «العادلي»، لتنفيذ الحكم الصادر بحسبه، دون أن تفصح عن كيفية القبض عليه. (طالع المزيد)

في الشهر ذاته، أخلت محكمة جنايات القاهرة، سبيل رجل الأعمال المصري البارز، «أحمد عز»، أمين تنظيم الحزب الوطني المنحل، بكفالة مالية قدرها 250 ألف جنيه مصري ( 14 ألف دولار)، على ذمة القضية المعروفة بـ«تراخيص الحديد»، وذلك بعد تعهده بالتصالح مع اللجنة القومية لاسترداد الأموال (حكومية) ورد الأموال المستولى عليها والتي قدرت بنحو 660 مليون جنيه (37 مليون دولار).

وقضت أيضا محكمة جنايات القاهرة، ببراءة رجل الأعمال الهارب «حسين سالم» من تهمة بيع الغاز الطبيعي لـ(إسرائيل) بأسعار متدنية والإضرار بالمال العام، وألغت سجنه غيابيا 15عاما، كما ألغت أمر منعه وأفراد أسرته من التصرف في أموالهم، بموجب صفقة تصالح مع الحكومة المصرية دفع بموجبها 5 مليارات و341 مليون جنيه (نحو 295 مليون دولار أمريكي).

ومنتصف يونيو/حزيران، عاد «رشيد محمد رشيد»، وزير التجارة في عهد «مبارك»، للبلاد، بعد التصالح في قضايا فساد، وسداد مبلغ 500 مليون جنيه (نحو 27 مليون دولار أمريكي)، على إثر ذلك، تم رفع اسمه وأفراد أسرته من قوائم الترقب والوصول، وإلغاء التحفظ على أموالهم.

«السيسي» و«دكروري»

كانت المعركة ولا زالت الأكثر صخبا، بين المؤسستين التنفيذية والقضائية، دون أن تضع أوزارها بعد، لا سيما بعد مواصلة المستشار «يحيى دكروري»، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة في مصر، إجراءت التقاضي في الطعن المقدم منه لوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس الجمهورية بتخطيه وتعيين المستشار «أحمد أبو العزم»، رئيسا لمجلس الدولة.

ويستند «دكروري» إلى نص دستوري يرسخ قاعدة الأقدمية كمعيار وحيد في القضاء، ما ينسف شرعية القرار رقم 347 لسنة 2017 الصادر في 19 يوليو/تموز 2017 بتعيين رئيس لمجلس الدولة متجاوزا أحقيته بالمنصب، كما يدفع بعدم دستورية القانون 13 لسنة 2017 بتنظيم تعيين رؤساء الهيئات القضائية، وبإحالته للمحكمة الدستورية العليا للفصل في الشبهات التي تعتريه.

وكان من المفترض أن يتولى «دكروري» رئاسة مجلس الدولة (هيئة قضائية معنية بمراجعة القوانين) في مصر، يونيو/حزيران الماضي، وفقا لقرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة في 13 مايو/أيار الماضي، كأقدم الأعضاء لرئاسة المجلس، لكن الحكم الذي أصدره ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية المعروفة بـ«تيران وصنافير»، كان السبب على ما يبدو في حرمانه من المنصب.

وقانون الهيئات القضائية الجديد الذي أقره مجلس النواب وصدق عليه «السيسي»، يوليو/تموز الماضي، وعرف إعلاميا بـ«قانون دكروري»، مكن الرئيس المصري من اختيار رئيس كل هيئة من بين ثلاثة نواب ترشحهم الجمعية العمومية للهيئة، بعد أن كانت الجمعية تقدم مرشحا واحدا لرئاسة كل هيئة، ويقتصر دور الرئيس على التصديق على هذا الاختيار. (طالع المزيد)

أيام ويرحل العام 2017، والسلطة القضائية مثخنة بالجراح، جراء تجاوز السلطة التنفيذية مبدأ استقلالية القضاء، وانتقادات حقوقية بتورط القضاء المصري في انتهاكات لحقوق الإنسان، واستمرار حبس الآلاف من المعتقلين السياسيين لمدد تجاوزت الحبس الاحتياطي، فضلا عن اتهامات بفساد في تعيينات النيابة العامة، نالت من «الرونق العام» للمؤسسة القضائية في البلاد.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

القضاء المصري قانون الهيئات القضائية مجلس الدولة يحيى دكروري النائب العام المصري عبدالفتاح السيسي