فيلم «حليف».. مخدر الرومانسية يعصف بحذر جنرالات وجواسيس الحروب

الثلاثاء 26 ديسمبر 2017 08:12 ص

فيلم اليوم «Allied أو حليف» إنتاج العام الماضي، وهو أمريكي بريطاني مشترك أخرجه الأمريكي «روبرت زيميكس» مخرج الفيلم الذي تناولناه مؤخرًا «منبوذ» (إنتاج 2000)، وهو أيضًا مخرج الفيلم الرائع «فورست غامب» لـ«توم هانكس» في عام 1994، والمخرج معروف بصناعة أفلام يبدو البطل فيها بصورة ظاهرية سعيدًا؛ فيما الألم والمعاناة مخبئان بقسوة داخل نفسه.

وعلى رغم أن قصة فيلم اليوم من البساطة بمكان إذ تتكون من تيمة سينمائية كلاسيكية معروفة ومعهودة عالميًا من مزيج الرومانسية والحرب والدراما، وهو ما قدمته حتى السينما المصرية في «لا وقت للحب» إخراج «صلاح أبوسيف» عام 1963، و«لا تطفئ الشمس» عام 1961 للمخرج السابق، و«الحب تحت المطر» لـ«حسين كمال» عام 1975، وأفلام كثيرة.

حتى إن السينما الأمريكية قدمت من قبل، في نفس المدينة التي انطلقت منها أحداث الفيلم كازبلانكا في المغرب فيلمًا رومانسيًا حربيًا حمل اسمها هو «Casablanca» لـ«مايكل كورتز» إنتاج 1942، وقد تأثر فيلم «حليف» به في دقائقه الأولى، لكن كاتب سيناريو فيلم اليوم «ستيفن نايت» نجح إلا قليلًا في إيجاد مساحة فاصلة فارقة لا بين الأفلام التي تناولت الحروب والرومانسية في العالم فحسب، بل في الأفلام التي تناولت الحروب بوجه عام.

حقق الفيلم إجمالي دخل بلغ 117 مليون دولار، وهو رقم قليل مقارنة بإنتاجه الذي بلغ 85 مليون دولار، لكن الفيلم نجح في ترك بصمة في عالم أفلام العام الماضي.

دماء ونكهة انفلات

أبرز ما ميز الفيلم في رأينا نجاحه في تصوير أجواء الحروب من انفلات مجتمعي مدهش يجعل الدماء سهل إراقتها، ولا ينجو منها إلا الأقذار من البشر، فمع بداية أحداث الفيلم يقتل بطله «ماكس فاتان» أو الممثل الأمريكي المعروف (براد بيت) ألمانيًا في المغرب لمعرفته بحقيقته، ومع الدخول في أحداث الفيلم يزداد كم الدماء التي يريقها البطل دون حسيب أو مجرد مسائلة، وهذا الملمح في حد ذاته كفيل بتقبيح أجواء الحروب إلى المشاهدين، ولعله أمر مطلوب من طرف خفي أو معلن من جانب شركات الإنتاج العالمية، وقد شاركت بالمناسبة ثالثة صينية في فيلم اليوم إلى جانب 3 شركات أمريكية وبريطانية.

أما الإضافة الحقيقية التي قدمها فيلم «حليف» ونجح في إبرازها على نحو خاص إلى العلب السينمائية الدرامية التي تناولت الحرب العالمية الثانية على كثرتها، فهي تكثيف أجواء الرومانسية، وبالتالي الكشف عن تأثير العلاقات العاطفية الزائدة في زلزلة نفوس المحاربين، كأنه في الحروب يجب أن تكون العاطفة محسومة تقدم بحساب إلى المشاركين فيها، وبنسبة قليلة كما في الفيلم الجزائري الفرنسي الذي تناولناه من قبل «أيام المجد» لـ«رشيد بوشارب»، إنتاج 2006.

تبدأ احداث فيلم اليوم بخدعة بصرية من خدع يغرم المخرج «زيميكس» بها (66 عامًا) إذ تصور هبوط البطل «فاتان»، الضابط في الجيش الكندي، في الصحراء المغربية بهدف أداء مهمة مع جاسوسة فرنسية مقاومة للألمان «ماريان بوسيغور» أو الممثلة الفرنسية (ماريان كتيار)، ولكي ينجحا في أداء مهمة اغتيال السفير الألماني في كازبلانكا يدعيان أنهما زوجان، وتخبره «ماريان» أن عليه أن يجيد الكذب أمام الآخرين، فالناس كلهم لديها كاذبون لكن أفضلهم الذين يفعلونها بطريقة أفضل.

وفي المدينة المغربية التي يتصارع عليها الإنجليز والفرنسيون والألمان يعيش الجاسوس الكندي مع الجاسوسة الألمانية في شقة واحدة، وعلى الأول المغادرة إلى سطح العمارة مساء لتقليد المغربيين في عاداتهم، ولكن الأخيرة تتطلع نفسها إلى ما هو أكثر فيجيئها رد زميلها نهارًا في الشقة: «أولئك الناس الذين تودين أن نقلدهم حياتهم عبارة عن هجر ولقاء ثم وفاة.. »، فتجيب في ثقة: «تلك التي تسميها معاناة تساوي المشاعر».

إن «فاتان» يعبر عن المحارب الجاسوس الذي لا يعرف إلا الجرعة المُكثفة من الحذر في الحروب، فيما شريكته في العملية الانتحارية لا تقل قسوة عنه لكنها تريد لضعفها أن يتنفس، وقبل تنفيذ مهمة اغتيال السفير الألماني يكون الجاسوسان ارتكبا الرذيلة أو وقعا في الحب والرومانسية بالمفهوم الغربي الحديث والمعاصر.

هروب إلى ما لا نهاية

وبعد تنفيذ الاغتيال بنجاح، مع قتل عدد آخر من أهم الضباط الألمان ينتقل البطل إلى لندن، هناك يستطيع استقدام حبيبته بعد تدقيق عسكري، فيتزوجها في جو احتفالي بحضور أخته الشاذة جنسيًا «آنا فاتان» أو (رافي كاسيدي)، وصديقتها «لندي هوبر» أو (هانا فلين)، وهي تفصيلة اهتم الفيلم بتكرارها والزج بها وإدخالها كمقتحم درامي على الأحداث تعبيرًا عن الحرية (!).

بعد الزفاف تنجب «ماريان» ابنتها «آنا»، وبعد ساعة كاملة من عمر الفيلم، تبلغ مدة عرضه قرابة 124 دقيقة تبدأ أحداثه الحقيقية فرؤساء «فاتان» يصرون على أن زوجته عملية للمخابرات الألمانية تنقل أخباره إليهم أولًا بأول، وهو  ما يثير الغيظ في نفسه فيهاجم رئيسه المباشر «فرانك» (الممثل البريطاني غاريد هاريس) معتقدًا أن في الأمر خدعة ما، ثم لما يقتنع على مضض يضيق دائرة البحث على زوجته فلا يجد دليلًا على تورطها، ويدفعه التخلي عن الحذر إلى التسبب في وفاة ضابط صغير بإرساله برسالة إلى مقاوم قديم للاحتلال الألماني لفرنسا، ثم يغامر بالسفر وقتل عدد كبير من الجنود أملًا في أن يجد حلًا للغز الذي يمنعه النوم.. هل وقع في حب جاسوسة؟

دقائق من الحذر والترقب والأداء التمثيلي العالي للفرنسية (كتيار)، وفشل من جانب الأمريكي (بيت) في مواجهة تألقها في الدور بملامح وجه جامدة، ولغة جسد معطلة، وفي النهاية تضطر الزوجة للاعتراف بأنها خانت البلد الذي آوى زوجها، وانها تراسل الألمان سرًا، وهو وما يستوجب قتلها بيديه في طقس عسكري بريطاني عُرفَ بـ«بلو داي» أو «اليوم الأزرق» ربما في إشارة لتنقية صفوف المحاربين من دم غريب عنهم.

ولأن البطل غارق في حب الخائنة، وهي كما أوقعته في غرامها بادعاء ألا أهل لها تضغط على نفس الوتر لديه بادعاء أنها خائنة لكن تحبه، ليضطر «فاتان» إلى قتل المرشدين عنه وعن زوجته: مربية الطفلة «مونرو» أو (ماريون بيلي)، وصاحب محل المجوهرات «لاسكو آتكنز»، قبل أن يحاول الهرب بزوجته عبر طائرة عسكرية، وحينما يفشل ويطارده رئيسه تفضل الزوجة الخائنة الانتحار بمسدس زوجها لتطهره من جريمة الخيانة أو التواطؤ، ورغبة منها في حياة كريمة لابنتها.

جاء أداء الفرنسية «كتيار» بارعًا في الغالب كما أسلفنا بخاصة عند دعوة زوجها لها لتعزف على البيانو، فالشخصية التي تقمصتها كانت بارعة قبل قتلها في العزف، وفي محاولة يائسة تحرك أصابعها كأنها تعزف في انفعال مناسب كررته لمرات بصور شتى في الفيلم، كذلك جاءت الموسيقى التصويرية جيدة في مجملها والملابس والديكورات، ولكن عاب الفيلم التطويل الشديد، وزج أحداث مقحمة عليه (الشذوذ الجنسي بين صديقتين، مشاهد الجنس في حفل، مشاهد السطوح في الدار البيضاء، وعدم تفضيل البطلة قتل صديقتها مع السفير الألماني رغم قتلها زوجها).

حاول مخرج الفيلم تكريس مشاهد تصور الظلم الواقع على الجاسوسة.. وهو ما لم يُمثل إلا تعاطفًا مع خونة يقبضون الثمن ويدمرون مجتمعات آوتهم أيًّا ما كانت، وفي هذا السياق فشل المخرج عبر عدم تكثيف الأحداث بإبراز جوانب من طفولة البطلة أو ما شابه.

فيلم «حليف» عمل درامي ناجح في رصد أجواء الحروب وما تجلبه من مصائب للمجتمعات، لكن عابه الإسهاب والتطويل والسقوط في فخ الدفاع عن البطلة الخائنة والتبرير لها حتى دون سند درامي!

المصدر | الــــــخــليج الجــــديد

  كلمات مفتاحية

فيلم أمريكي بريطاني حليف Allied الحرب العالمية الثانية رومانسية قتل براد بيت ماريان كتيار معاناة خيانة تطهر