سواكن.. جزيرة سودانية بإدارة تركية تكشف صراع النفوذ بالبحر الأحمر

الثلاثاء 26 ديسمبر 2017 09:12 ص

«اعتبرها سعوديون وإماراتيون تهديدا لهم.. ويؤكد الأتراك والسودانيون أنها استثمار».. هكذا كان رد الفعل على إعلان الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، موافقة نظيره السوداني «عمر البشير» على خطة تركية لتطوير جزيرة سواكن، في رصد جديد لصراع النفوذ المتنامي بالبحر الأحمر.

وحاول الرئيس التركي، عبر عدة إشارات تفادي استفزاز السعودية ومصر، بالقول إن «بلاده تهدف إلى ترميم ما دمره الاستعمار البريطاني للجزيرة، التي كانت مركزا للدولة العثمانية في البحر الأحمر»، وتأكيده أن «تخصيص الجزيرة سيكون لوقت معين».

غير أن إشارته اللافتة، كانت تأكيده أن «الجزيرة ستكون بمثابة قاعدة انطلاق الأتراك نحو الديار السعودية في طريقهم لأداء الحج والعمرة، ضمن سياحة مبرمجة».

ويفسر مراقبون تحركات الخرطوم التي تلت تخلصها من العقوبات الأمريكية، وتوجهها إلى روسيا، ثم استقبالها «أردوغان» بأنها محاولة للبحث عن مصالحها خارج مربعات العلاقات التقليدية.

ما هي سواكن؟

تقع جزيرة سواكن، على الساحل الغربي للبحر الأحمر شرقي السودان، عند خطي عرض 19,5 درجة شمال، وطول 37,5 درجة شرق، وترتفع عن البحر 66 متراً، وتبعد عن الخرطوم بحوالي 560 كيلومترا، وزهاء 70 كيلومتر عن مدينة بورتسودان ميناء السودان الرئيسي حاليا.

وهي جزيرة مرجانية، انهارت منازلها وعمرانها، وتحولت إلى أطلال وحجارة تحكي ثراء تاريخ غابر ودارس، أما سواكن المدينة فمنطقة واسعة يدخلها لسان بحري، يجعل منها ميناء طبيعياً.

وسواكن منطقة موغلة في القدم، شهدت عصور البطالسة واليونانيين والمصريين، والعثمانيين، حيث عبروها إلى بلاد بنط أو الصومال الحالية.

جدل يبدأ

الجدل المصاحب للاتفاق، دفع الكاتب «عبدالله العمادي» للقول: «جزيرة سواكن السودانية، ستثير الكثير من الزوابع في دول البحر الأحمر عما قريب».

وأضاف: «لماذا ستكون جزيرة سواكن السودانية مثيرة عما قريب؟. لأن فيها تركيا وقطر وهما دولتان تثيران حساسية بعض الدول (الكبيرة) المطلة على البحر الأحمر».

 

 

وتساءل «شهاب السويلم»: «لماذا يقدم المعتمرون الأتراك إلى سواكن في طريقهم للسعودية؟ ثم وش قصة الاتفاقية للصناعات الدفاعية؟ وحتى ترميم الآثار العثمانية في الجزيرة؟ لا ومطار جديد في الخرطوم! طبعاً هذا كله شأن سيادي بين الدول، ولكن ماذا نقرأ في هذا كله؟».

فيما قال الأكاديمي «محمود رفعت»: «تقع جزيرة سواكن التي أعلن الرئيس السوداني عمر البشير اليوم وضعها تحت إدارة تركيا على بعد 50 كم من بورت سودان مقابل جدة، وتمسك عصب مصر والسعودية، كما يمكن التحكم منها بكثير من المجريات في اليمن وإريتريا والصومال حيث توجد الإمارات».

وأضاف متسائلا: «هل قرر أردوغان تسيد البحر الأحمر؟».

 

 

كما أن الاتفاق، أثار حفيظة ناشطين سعوديين، بين تنامي الدور التركي تارة، وبين القلق على المملكة وتهديدها تارة أخرى.

فقال الكاتب السعودي «محمد العثيم»: «أردوغان يقيم قاعدة تركية في سواكن على ساحل البحر الأحمر، والتمويل بالكامل قطري لتهديد المملكة».

 

 

وأضافت «نانا»، وهي مغردة مصرية: «جزيرة سواكن السودانية أعطاها البشير الذليل لأردوغان الخائن، الله يجعل تدبيركم في تدميركم يا أقذر خلقه، ومش عارفة السودانيين دول جنس ملتهم إيه، شوية بقر زي اللي بيربوه، المهم أن أكيد مصر والسعودية مش هتسكت على هذا الهراء».

كما غرد الناشط «نايف بن سلمان» بالقول: «السودان سمح لتركيا بإدارة جزيرة سواكن على البحر الأحمر لتتولى إعادة تأهيلها وإدارتها.. المخطط كبير وعلينا الحذر».

وأضاف: «عندما نحذر من التواجد التركي في جزيرة سواكن، فهذا لا يعني خوفنا على المملكة، فالمملكة لها رجالها يعلقون المعادي من كراعينه قبل يوصل للحد.. وإنما خوف على السودان من العبث التركي والقطري والإيراني».

وتابعت الإعلامية المصرية «منى سلمان»: «السودان تمنح تركيا موطأ قدم في البحر الأحمر بتخصيصها جزيرة سواكن لها».

فيما غرد الإعلامي بقناة «العربية» «محمود الورواري»، قائلا: «البشير ومن خلفه قطر يحتميان بتركيا في إدارة صراع على البحر الأحمر.. جزيرة سواكن هي الثمن الذي دفعه البشير لأردوغان من أجل المكايدة السياسية مع مصر والسعودية».

 

 

أما الإعلامي السوداني في قناة «العربية» «خالد عويس»، فغرد بالقول: «أيا كان رأيّ في منح سواكن للأتراك لتطويرها وإدارتها، على ما في ذلك من استباحة للسودان، فإن الأمر يبقى شأنا سودانيا صرفا، لسنا في معرض القبول بأي إملاءات أو دروس من الخارج، بيدنا نحن فقط أن نقرر بشأن النظام الحاكم ورأسه وكيفية الحفاظ على كرامتنا وسيادتنا الوطنية».

 

 

في المقابل، اعتبر ناشطون الاتفاق أمرا عاديا، ولا يحمل تهديدا للمملكة في شيء، وإنما هو مصلحة اقتصادية وسياسية جمعت البلدين.

فقال الكاتب السعودي «جمال خاشقجي»: «مبالغات وتهويل حول اتفاق تطوير وإدارة سواكن بين السودان وتركيا.. المشروع تنموي وترميم مدينة تاريخية قريبة منا، وتركيا دولة شقيقة محبة للمملكة، أتوقع أنهما لن يرفضا تعاونا سعوديا في المشروع».

 

 

بينما سخر «أحمد حاجز» من الغضب المصري، حين غرد: «بيقولك مرة رئيس باع جزرتين (تيران وصنافير) على حدوده البحرية.. بيعتبر جزيرة سواكن السودانية أمن قومي لمصر!».

واتفق معه «محمد عادل»، حين قال: «مصر مش هتطلع بيان تشجب سيطرة تركيا (العدو) علي جزيرة سواكن السودانية اللي على بعد 100 كيلو من حدودنا؟.ولا هوه سامح شكري هيكتفي برمي ميكرفون الجزيرة؟».

فيما اعتبرها الأكاديمي القطير «ماجد الأنصاري»، بمثابة «خريطة جديدة للتحالفات في المنطقة، عنوانها الخروج من دائرة الابتزاز السياسي إلى المصالح المشتركة».

 

 

ورغم صغر حجم سواكن (20 كم) ووصفها التاريخي بأنها «أرض الأساطير والقصص الخيالية»، فإن قصتها اعتبارا من تاريخ تخصيصها لتركيا، ستكتب فصولا حقيقية تشير إلى استمرار السعي التركي للتواجد في البحر الأحمر.

وقبل سواكن، تواجدت تركيا في الصومال، حيث أنشأت قاعدة ومطارا عسكريا في مقديشو، وتتمتع بحضور سياسي وعسكري وثقافي بالجمهورية التي تسعى إلى النهوض من أتون الفوضى التي عصفت بها لعقود.

البحر الأحمر

وخلال الأعوام القليلة الماضية، بات السباق محموما على البحر الأحمر الذي يعتبر ممرا لنحو 3.3 ملايين برميل من النفط يوميا، كما أنه يشكل المعبر الرئيس للتجارة بين دول شرق آسيا، ولا سيما الصين والهند واليابان مع أوروبا.

وتعد لجزيرة سواكن أهمية إستراتيجية تكمن في كونها أقرب الموانئ السودانية إلى ميناء جدة الإستراتيجي السعودي على البحر الأحمر، حيث تستغرق رحلة السفن بين المينائين ساعات قليلة.

وبالإضافة للدول الإقليمية المطلة على البحر الأحمر كالأردن، ومصر، والسعودية، والسودان، وإريتريا، والصومال، واليمن، وجيبوتي، و(إسرائيل)، دخلت قوى دولية وإقليمية على خط النفوذ فيه، من بينها الإمارات وإيران.

وكان دخول الإمارات ملفتا بشكل كبير، حيث أنشأت قاعدة عسكرية في بربرة عاصمة ما تعرف بجمهورية أرض الصومال، وتمتلك أيضا قاعدة عسكرية في إريتريا، كما تتهمها قوى يمنية بالسعي للسيطرة على موانئ على البحر الأحمر تحت غطاء حرب التحالف العربي هناك.

كما أن أحد مبررات حرب التحالف العربي باليمن، منذ نحو ثلاثة أعوام، كان الصراع على النفوذ في البحر الأحمر، بعد أن اعتبر التحالف أن سيطرة جماعة «الحوثي» على عدد من موانئ اليمن الغربية، تقع ضمن محاولات إيران للتواجد القوي في البحر الأحمر.

وشهدت قواعد النفوذ في البحر الأحمر تغيرا هذا العام بعد أن تنازلت مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وهو ما حول مضائق تيران إلى ممرات دولية ستفتح -برأي مراقبين- أبوابا لتعاون سعودي إسرائيلي تحت بند تنظيم الملاحة في شمال البحر الأحمر، بحسب «الجزيرة نت».

وبحسب مدير وحدة البحوث في قسم السياسة الإستراتيجية بمركز «هرتسيليا»، الجنرال «شاؤول شاي»، فإن (إسرائيل) تؤيد سيطرة مصر والسعودية على البحر الأحمر.

وقال في مقال نشرته صحيفة «(إسرائيل) اليوم»، مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إن سيطرة مصر شمالا على قناة السويس، والسعودية جنوبا على مضيق باب المندب تساهم في الحد من السعي الإيراني الحثيث للتواجد في البحر الأحمر عبر الحوثيين في اليمن وعبر اتفاقات مع إريتريا والسودان.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أردوغان صراع نفوذ السودان سواكن جزيرة سواكن لبشير السعودية الإمارات إسرائيل مصر