«بلومبيرغ»: فشل التحول الاقتصادي قد يعني انهيار السعودية

الأربعاء 27 ديسمبر 2017 12:12 م

قد نعذر زوار المملكة العربية السعودية حين يفكرون في أن البلاد قد حصلت على ملك جديد شاب وطموح ونشط. ففي كل شاشات التلفزيون السعودي، تجد له صورا يحمل الأطفال أو يشرب القهوة مع الجنود أو في لقاء مع أقوى حكام العالم. وفي اليوم الوطني للمملكة، تم عرض صورة عملاقة له على ناطحة سحاب في الرياض.

وقد برز ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»- البالغ من العمر 32 عاما - كزعيم لا مثيل له في المملكة، وأصبح الآن في وضع أفضل لعبور مرحلة انتقالية لم تتمكن أي دولة في التاريخ من الخروج منها، وتتمثل في تحويل اقتصاد كبير يعتمد على البترودولار إلى اقتصاد يمكن أن يعيش في عصر ما بعد القرن الحادي والعشرين.

وتنطوي النسخة الجديدة من المملكة على الاستثمار في صناعات جديدة وخلق فرص عمل للشباب السعودي. وسوف يدعم ذلك بيع حصة في شركة أرامكو العملاقة للنفط - تواجه عملية البيع الآن تأخيرا محتملا - وإنشاء أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم.

ولكن منذ عامين تقريبا، منذ بدء حملة الإصلاح، يواجه المسؤولون مسائل حاسمة تتعلق بكيفية توفير الأموال وتسريع التغيير الاجتماعي دون شل الاقتصاد والاشتباك مع إحدى أكثر المؤسسات الدينية محافظة في العالم. وقبل أن تعلن الحكومة رفع الحظر السعودي - طويل الأمد - على قيادة النساء مؤخرا، قامت الأجهزة الأمنية باعتقال رجال دين مستقلين وشخصيات مهمة أخرى.

وقال «لويد بلانكفين»- الرئيس التنفيذي لشركة جولدمان ساكس - في منتدى بلومبرغ العالمي للأعمال في نيويورك في سبتمبر/أيلول: «هذا تحد ضخم للبلاد، وله آثار كبيرة على العالم». وبينما هناك حاجة ملحة لهذا التحول، فلابد أيضا من توخي الحذر لضمان ألا يؤدي السعي «للاستقرار على المدى الطويل إلى عدم الاستقرار في المدى القصير».

وقد يتسبب الفشل في العثور على الإجابات الصحيحة في المخاطرة بزوال المملكة. وقد يتعرض السعوديون لمزيد من الاضطراب في الاقتصاد، الذي يعاني بالفعل. وقال وزير المالية «محمد الجدعان» لبلومبرغ - الأسبوع الماضي - إن التخفيضات في دعم الطاقة قد تكون أكثر تدرجا، وقد تستغرق الحكومة وقتا أطول لتحقيق التوازن في ميزانيتها، مما يخفف من تأثيره تلك الإجراءات على المجتمع.

وتظهر المقابلات والمحادثات مع أكثر من عشرين مستثمرا ومحللا ومديرا تنفيذيا ودبلوماسيا ومستشارا حكوميا - في المملكة وخارجها - أن الشركات لا تزال تعاني من تخفيضات الإنفاق الحكومي بعد انهيار أسعار النفط. وتتعلق بعض المشاكل بالحرب في اليمن والمواجهة مع قطر.

تقويض العقد الاجتماعي

وأدت آخر محاولة لإصلاح شامل إلى انخفاض حاد في عائدات النفط عام 2014، وانخفضت الأسعار إلى النصف منذ ذلك الحين. ولتجنب ما اعتبره الأمير ومستشاروه أمورا كارثية، ألغوا المشاريع التي اعتبرت غير ضرورية، وتم تخفيض الدعم المكلف، وأوقفوا المدفوعات للمقاولين.

وفي حين كان التقشف ضروريا لتخفيض العجز في الميزانية، فإن التأثير على الاقتصاد كان لا لبس فيه، فقد حدث ركود للنمو في القطاع غير النفطي، وانخفض الإنفاق الاستهلاكي، وارتفعت البطالة بين 20 مليون سعودي، ثلاثة أرباعهم دون الأربعين من العمر.

وقد تم تقويض العقد الاجتماعي السعودي التقليدي، المتمثل في توفير الحكومة لرفاهية السكان مقابل التضييق السياسي والرقابة الصارمة. وفي الوقت نفسه، أظهرت الأسرة المالكة علامات قليلة على استعدادها للمشاركة في العبء. وكان الملك «سلمان» قد قام خلال زيارته إلى روسيا - هذا الشهر - بجلب 1500 مرافق ومصعد ذهبي وسجادة، وحجز فندقين فاخرين في موسكو.

وقال «حلمي نتو» إن مبيعات شركته قد انخفضت بسرعة وبشكل كبير منذ 3 أعوام. وكان «نتو» - رائد الأعمال السعودي - قد فاز بجوائز لبدء أعماله الناجحة في مجال البصريات، وذلك في سن الـ 26 فقط، وحتى أنه أصبح يقدم برنامجه التلفزيوني الخاص.

وقال «نتو» - الذي يدعم رؤية 2030 - في مقابلة أجريت في مدينة جدة على البحر الأحمر، المركز التجاري للمملكة: «نحن ننزف». وقال إن تباطؤ الاقتصاد قد حوله من «نجم صاعد مشهور» إلى شعور بأنه «فلاح لا يعرف شيئا».

وفي الرياض، يعاني «ثائر العتيبي» - البالغ 36 عاما - وهو صاحب ثلاثة مقاهي ومطعمين، من أجل إنقاذ شركته. وقال إن المبيعات انخفضت بنسبة 35%، على الرغم من تقديم الحلويات المجانية مع كل وجبة. وقال: «نود أن تساعدنا الحكومة. لكن ليس لدي أي فكرة عن كيفية ذلك».

واشتكى عدد من رجال الأعمال - سرا - من أن التحرك لوقف مدفوعات المقاولين قد قوض ثقة رجال الأعمال والمستثمرين في المملكة. وقال آخرون إنه في حين أن رؤية 2030 كانت ضرورية، إلا أنها اتسمت بالتسرع واعتمدت كثيرا على الإصلاحات السريعة بدلا من التغيير التدريجي. وبهدوء، رفض بعض السعوديين الخطة بأكملها كمشروع مهين يعتمد بشكل مفرط على استشاريين أجانب، لا يمتلكون سوى معرفة قليلة بالسياق الاجتماعي والسياسي في المملكة.

وتظهر البيانات الرسمية للناتج الإجمالي المحلي غير النفطي - محرك خلق فرص العمل - أن القطاع بالكاد توسع في الربعين الأولين من هذا العام. وكانت صناعة البناء والتشييد - التي تقلصت بفعل تخفيضات الإنفاق العام - قد أبرمت التعاقدات لمدة ستة أرباع على التوالي منذ بداية عام 2016. وبالنسبة للحديث عن تنويع الإيرادات، فإن تضييق عجز الميزانية لهذا العام كان مدفوعا بدخل أعلى من صادرات النفط.

وإذا نظرنا إلى التاريخ، فإن الاقتصاد السعودي - غير النفطي - قد يقبع في أعوام من الركود. وقد كافح نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لمواكبة النمو السكاني خلال الثمانينات والتسعينات.

وعلى العكس الماضي، يبدو أن إمكانية إنقاذ أسعار النفط ضئيلة هذه المرة، لذلك يحتاج «بن سلمان» إلى توسع الشركات واستيعابها لمزيد من العمال السعوديين بعيدا عن القطاع العام المتضخم.

كما ذكرت السلطات السعودية لصندوق النقد الدولي أنها تخطط لتقديم برنامج دعم لمساعدة صناعات مختارة تتكيف مع ارتفاع أسعار الطاقة والمياه. وهناك صندوق الاستثمار العام - صندوق الثروة السيادية - الذي سيقود حملة للاستثمار في الصناعات من التصنيع إلى الترفيه والتعدين والدفاع.

وقال «بن سلمان» في مقابلة تلفزيونية - في مايو/أيار - إن صندوق الاستثمار العام سينفق ما لا يقل عن نصف الأموال من الاكتتاب العام المبدئي لشركة أرامكو على الاستثمارات المحلية. لكن يبقى السؤال حول كم من المال قد ينتج عن عملية البيع، مع نظر السعوديين في تأخير الجزء الدولي من البيع حتى عام 2019 على الأقل، بحسب ما قاله مطلعون على الوضع الأسبوع الماضي.

وقال الصندوق - في 9 أكتوبر/تشرين الأول - إنه سيخصص 1.1 مليار دولار لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. كما أعلن عن سلسلة من المشاريع الضخمة المحلية، مثل شركة بقيمة 2.7 مليار دولار للاستثمار في الترفيه المحلي، وهي خطة يُنظر إليها كوسيلة لفتح المجتمع والاحتفاظ ببعض الأموال التي تنفق على رحلات السعوديين إلى دبي وأماكن أخرى.

وفي اليوم الوطني، رقص عشرات من الرجال والنساء السعوديين في شوارع الرياض تحت الأضواء النابضة وموسيقى الدي جي الإلكترونية الصاخبة، وهو مشهد لم يكن من الممكن تصوره حتى وقت قريب، في مدينة حيث تفصل المطاعم بين الرجال والنساء، أو لا تسمح للنساء بالدخول على الإطلاق.

تغيير.. ولكن

وعندما زار الملك «سلمان» روسيا، كان جزء من البرنامج عرضا نادرا لثلاثة أفلام سعودية، بما في ذلك الفيلم الفائز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان دبي السينمائي الدولي.

وقال «ياسر الرميان» - العضو المنتدب لصندوق الاستثمار والعضو الرئيسي في دائرة السياسة الداخلية لولي العهد - إن هذا النوع من النشاط يظهر كيف تحصل رؤية 2030 «على المزيد من المؤمنين بها». وتشمل الخطة 543 مبادرة ونحو 376 مؤشرا رئيسيا للأداء.

ويشير آخرون إلى حقيقة أن الحكومة تبدو على استعداد للتعلم من الأخطاء بدلا من التستر عليها. وقال «علي علي رضا» - العضو المنتدب لشركة الحاج حسين علي رضا وشركاه المحدودة التي تبيع سيارات من شاحنات قلابة إلى سيارات أستون مارتن - إن هناك اجتماعات بين رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين «لصياغة خطة سليمة».

وقال إن «ما رآه القطاع الخاص هو أن الحكومة لا تعرف كل شيء، وأن بعض القرارات التي تم اتخاذها كان لا بد من التراجع عنها».

وفي أبريل/نيسان، أعاد الملك «سلمان» صرف المكافآت والبدلات لموظفي الدولة، بعد 7 أشهر من قرار خفض فاتورة أجور القطاع العام. وقد أثر هذا التدبير على الإنفاق الاستهلاكي، وأدى إلى تفاقم الألم في الاقتصاد.

وتحاول الحكومة في الوقت نفسه دفع السعوديين نحو وظائف القطاع الخاص. وهناك المزيد من الصناعات التي تقتصر على المواطنين بشكل متزايد، وقد تم إقرار دفع رسوم على المغتربين ومن يعولونهم في يوليو/تموز، ما يزيد من تكلفة توظيف الأجانب بالشركات.

وقال «محمد» - البالغ من العمر 40 عاما - وهو متعاقد من الباطن، إنه فشل في العثور على سعوديين للقيام بأعمال اللحام وغيرها من الأعمال اليدوية، وقال إنه قد اضطر لتزوير العقود، ويدفع نحو 1500 ريال شهريا مقابل زوج العمال، حتى يتمكن من تلبية حصته.

وقال «نتو» - رجل الأعمال المقيم في جدة - إنه أغلق 4 من متاجره، وتعلم أن يعيش على ميزانية محددة مسبقا. وأصبح تناول الطعام في المطاعم بقدر معقول بدلا من كونه روتين، وكذلك علاجات الشعر المكلفة والمنتجعات الصحية وجلسات التدليك لزوجته. وقد استبدل رحلة لمدة شهر واحد إلى ديزني هذا الصيف، وقضى بدلا منها أسبوع واحد في مصر.

وأضاف «نتو»: «كانت رحلة جيدة. لأول مرة أشعر أن الحكومة ليست أبي أو أمي، فإنه ليس من المفترض أن ترضعك. يجب أن تساعدك وتشجعك، ولكن لا ينبغي أن تعطيك المال».

ويسري هكذا اعتقاد بأن الأمير «محمد» يريد المزيد من المشاركة من قبل السعوديين. ولكن مثل التغييرات الأخرى التي يقودها، فمن شأن هذه أن تأخذ وقتا. وأضاف «نتو»: «إننا نحاول تنفيذ حلول في إطار زمني أكثر تشددا مما هو ممكن. ويسبب هذا جميع أنواع الاضطرابات، وجميع أنواع المشاكل».

  كلمات مفتاحية

السعودية الإصلاح الاقتصادي التحول الاقتصادي محمد بن سلمان