«ميدل إيست آي»: لماذا تتوجه قطر إلي غرب أفريقيا؟

الأربعاء 27 ديسمبر 2017 12:12 م

لقد كانت جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا - منذ فترة طويلة - حكرا على الدبلوماسية الفرنسية. وقد أثبتت العلاقة بين القوة الاستعمارية السابقة والبلدان هناك - التي تعتبر جزءا من «فرنسة» أفريقيا - صمودا بالفعل أمام عوامل الزمن.

وبالاستفادة من الدعم القوي من القادة الأفارقة، تستحوذ باريس على حصة «الأسد» من الأسواق الجديدة التي انفتحت عندما بدأت الدول «الفرنك أفريقية» في إعادة البناء.

القارة مطمع كبير

ومع ذلك، فقد تم تقويض هذه العلاقة الخاصة ما بعد الاستعمار في الأعوام الأخيرة من قبل القوى العالمية الأخرى، التي كشفت عن إمكانات لتغيير اللعبة في أفريقيا. وقد زادت كل من الولايات المتحدة والصين - بشكل كبير - من وجودهما في القارة منذ منتصف التسعينات، وحتى في بعض الحالات، فقد أطاحتا بفرنسا كشريك تجاري وحليف عسكري رئيسي في بعض المناطق.

ومع ذلك، لم ينظر العالم العربي - لفترة طويلة - إلى أفريقيا كقارة ذات قيمة تذكر. ويمكن اعتبار المغرب والسعودية وليبيا «القذافي» فقط من بين الحكومات العربية القليلة التي أقامت شراكات قوية في أفريقيا، ما أتاح لهم الفرصة لتوسيع مجال نفوذهم، سواء دبلوماسيا أو أيديولوجيا.

وإلى حد ما، يجب النظر إلى جولة أمير قطر الشيخ «تميم بن حمد» في مثل هذا السياق. ومنذ أن حكم والده الشيخ «حمد» - الذي جاء إلى السلطة في يونيو/حزيران عام 1995- تبذل الإمارة جهودا كبيرة لتعزيز وجودها في أفريقيا. وكانت مشاركة الدوحة ملحوظة بشكل خاص عندما كانت القارة - التي مزقتها الأزمات - في حاجة إلى وسطاء سلام.

وخلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت قطر لاعبا نشطا في مختلف مفاوضات السلام، سواء بين إريتريا وجيبوتي أو في تلك المناطق التي تقع ضمن نطاق «اتفاق سلام دارفور»، الذي كان يهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية المروعة في السودان.

وإلى جانب هذه الجهود الدبلوماسية، تسعى الدوحة منذ عام 2005 إلى إقامة شركاء اقتصاديين في أفريقيا، لتوفير فرص التنمية والاستحواذ لصندوق ثروتها السيادي الطموح، وهو جهاز قطر للاستثمار.

وبفضل احتياطي يقدر بنحو 300 مليار دولار، استثمر صندوق الثروة بكثافة في القطاع الزراعي، حيث رأت الدوحة أن الأراضي الزراعية الغنية في أفريقيا هي الحل للاكتفاء الذاتي من الغذاء.

وبالمثل، استثمر جهاز قطر للاستثمار في إمكانات السياحة في بعض المناطق. وقد وقع بالفعل عقودا مع بعض البلدان، بما في ذلك كينيا وإثيوبيا، لتطوير المناطق ذات الإمكانات السوقية القوية لمواقع البحر والترفيه الرياضية، كما يتضح من إعلانات الخطوط الجوية القطرية عن وجهات جديدة مع المدن في جميع أنحاء القارة.

زيارة رمزية

لكن الأمير «تميم» يبحث عن أكثر من أن يكون امتدادا لسياسات الشراكة الثنائية التي نفذها والده. فهو يبحث عن حلفاء سياسيين لمواجهة الخلاف - الذي يضر بالإمارة - ضد جيرانها من دول الخليج. وتعد جولة الأمير هذا الأسبوع - التي شملت 6 دول في غرب أفريقيا - هي ثالث غزوة دبلوماسية كبيرة له منذ أواخر الصيف.

وبعد زيارة لتركيا وألمانيا وفرنسا في شهر سبتمبر/أيلول، وعدد من الدول في آسيا في نوفمبر/تشرين الثاني، هدفت الجولة الحالية إلى إظهار أن قطر لم تتعرض للشلل ماليا بسبب المقاطعة المستمرة منذ 6 أشهر.

وهدفت الجولة أيضا إلى إظهار قدرة الدوحة على منع منافسيها من التقليل من تأثيرها في المجتمع الدولي. وتعد الزيارة رمزية بشكل أكبر، حيث تتماشى الدول - الموجودة على أجندة زيارة الأمير - عموما مع مواقف المملكة العربية السعودية.

وقد هددت الرياض الحكومات التي لن تدعم قرارها بفرض مقاطعة اقتصادية على قطر - في أوائل يونيو/حزيران - وهددت بتخفيض مساعداتها لبعض البلدان الأفريقية، بل قد تكون تأشيرات الحج قد استخدمت لابتزاز بعض البلدان لقطع العلاقات مع الدوحة.

وكانت السنغال قد استجابت للسعودية في مطلع يونيو/حزيران، واستدعت سفيرها لدى الدوحة للتشاور، في تحيز واضح لصالح السعوديين. ومع ذلك، ضاعفت قطر جهودها الدبلوماسية - في وقت متأخر - لتجديد العلاقات مع لاعب رئيسي في جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا.

وأخيرا، فإن جولة أمير البلاد التي تشمل 6 دول هي جزء من حملة الدوحة الرامية إلى فتح أسواق في البلدان ذات الإمكانيات الاقتصادية القوية.

فاعل على المستوى الدولي

لم تعد أفريقيا أرضا مثقلة بالركود والتهميش. وعلى الرغم من أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به من حيث التنمية، فإن العديد من المراقبين يقولون إن القارة قد تكون «إل دورادو جديدة» (مدينة أسطورية مليئة بالذهب والأحجار الكريمة). ولنأخذ على سبيل المثال معدلات النمو الديموغرافي والاقتصادي التي تشهدها بعض البلدان، مثل نيجيريا وإثيوبيا، عمالقة المستقبل.

وأخيرا وليس آخرا، تسعى قطر للحصول على دعم استراتيجي في محاولتها لإضفاء المصداقية على صورتها كفاعل دولي ملتزم بقوة بمكافحة تمويل الإرهاب.

وتعتبر المرحلة الثانية من هذه الجولة حاسمة في هذا الصدد، حيث تقول قطر إنها مستعدة لتوقيع اتفاق تعاون أمني مع مالي لتوفير المساعدات العسكرية والمالية اللازمة في مكافحة انتشار المنظمات الإرهابية بالبلاد.

وبالنظر إلى بعض الادعاءات التي نقلتها وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية حول موقف الدوحة المزعوم بشأن عدد من الجماعات الراديكالية، فإن هذه النقطة الأخيرة تدمر هذه الادعاءات.

  كلمات مفتاحية

قطر غانا غينيا السنغال ساحل العاج العلاقات القطرية الأفريقية تميم بن حمد حصار قطر