مصر وتركيا 2017.. علاقات اقتصادية متصاعدة وصراع جيوسياسي محتدم

الأربعاء 27 ديسمبر 2017 07:12 ص

«علاقة متشابكة لا تستطيع أن تحدد ماهيتها، بين نشاط اقتصادي متنامي، وتصعيد إعلامي يصل للإساءة، وتوتر دبلوماسي سياسي، ومناكفات دولية متبادلة، في ظل تضامن مشترك واتفاق على قضايا محورية»، بهذه التناقضات تأتي العلاقة بين مصر وتركيا في 2017.

العلاقة المتوترة بين البلدين، منذ الانقلاب العسكري، الذي قاده وزير الدفاع وقتئذ، الرئيس الحالي «عبدالفتاح السيسي» في يوليو/تموز 2013، وأطاح فيه بالرئيس المنتخب «محمد مرسي»، الذي تطالب تركيا السلطات المصرية بالإفراج عنه، شهدت هذا العام، العديد من التطورات، التي لا يمكن أن تفسر على أنها تقاربا أو تباعدا بين الطرفين.

دعوة للتقارب

جاء ختام العام، إيجابيا على لسان وزير الخارجية المصري «سامح شكري»، حين قال إن بلاده لديها الرغبة في عودة العلاقات مع تركيا وتجاوز أي توتر بين البلدين.

ونفى خلال حواره بصحيفة «أخبار اليوم»، أن تكون زيارة الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» إلى القاهرة، قبل أيام، كانت تستهدف إزالة التوتر بين مصر وتركيا.

وأضاف أن «الأوضاع مع تركيا ما زالت على ما هي عليه، وكنا دائما نؤكد الرغبة على تجاوز أى توتر، ولكن على أساس مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لمصر، وعدم الإساءة بأي شكل من الأشكال لها».

وتابع: «نراقب حاليا أن هذا الوضع ليس بالوتيرة السابقة، ونستمع من حين لآخر لرغبات من بعض المسؤولين الأتراك للتقارب، ولكن على تركيا أن تعتمد هذه المباديء حتى نعود لعلاقة طبيعية، تعود بالنفع والمصلحة على البلدين».

اتهامات بدعم الإرهاب

بيد أن هذه التصريحات، جاءت قبل أيام من اتهام مصدر أمني بذات الصحيفة، لتركيا بإعادة تجميع عناصر «الدولة الإسلامية» الفارين من الرقة السورية والحدود العراقية، لإرسالهم إلي سيناء وليبيا وغزة، بدعم مالي من قطر.

وادعت الصحيفة الحكومية على لسان مصادر أمنية مطلعة، لم تذكرها، أن تركيا تسعي لتأجيج الصراع في المنطقة وتوفر لعناصر «الدولة الإسلامية» التدريب والدعم اللوجستي وأماكن الإقامة والإعاشة.

وبحسب الصحيفة، أشارت المصادر إلي قيام ضباط أتراك بتزوير جوازات سفر وهويات ليبية لعناصر «الدولة الإسلامية» وتهريبهم بحرا إلى السواحل الليبية للتسلل إلى الحدود الغربية لمصر، وعبر الأنفاق بغزة.

وادعت المصادر أن هناك جهات استخباراتية دولية تقف وراء دعم عناصر «الدولة الإسلامية» بالتنسيق مع جماعة «الإخوان المسلمون»، قائلة: «إن تلك الجهات توفر لهم المال والسلاح لزعزعة الاستقرار في سيناء وأنفقت 10 آلاف دولار لكل عنصر لتهريبه إلي مصر عبر الصحراء في أسيوط والفيوم والواحات وبني سويف والمنيا لارتكاب أعمال إرهابية في مختلف المناطق».

جاء ذلك، بعد أيام من تحذير للرئيس التركي، لمصر من أن الإرهابيين الذين غادروا مدينة الرقة السورية (شمال شرق)، برعاية أمريكية، تم إرسالهم إلى مصر، لاستخدامهم في صحراء سيناء.

ووفق معلومات متواترة ومحللين متخصصين في الشأن العسكري والجماعات المسلحة، فإن التمكين الأمريكي لـ«الدولة الإسلامية» من الانسحاب الآمن من معاقله يعتمد 3 مسارات صعبة للتسلل إلى سيناء، وهي: «التدفق البري مرورا بالأردن، والإنزال الجوي، والتسلل عبر سواحل سيناء».

التخابر

وجاء ذلك بعد شهر واحد، من اتهام مصر خلية مكونة من 29 شخصا بـ«التخابر مع تركيا».

وبحسب بيان النيابة العامة، فإن تحريات المخابرات العامة زعمت «اتفاق عناصر تابعة لأجهزة الأمن والاستخبارات التركية مع عناصر من تنظيم الإخوان الدولي، على وضع مخطط يهدف إلى استيلاء جماعة الإخوان على السلطة في مصر عن طريق إرباك الأنظمة القائمة في مؤسسات الدولة المصرية بغية إسقاطها».

واتهمت التحريات المتهمين، بـ«تمرير المكالمات الدولية عبر شبكة المعلومات الدولية باستخدام خوادم بدولة تركيا تمكنهم من مراقبة وتسجيل تلك المكالمات لرصد الأوضاع السلبية والإيجابية داخل البلاد وآراء فئات المجتمع المختلفة فيها، وجمع المعلومات عن مواقفهم من تلك الأوضاع».

كما ضمت الاتهامات، «إنشاء كيانات ومنابر إعلامية تبث من الخارج تعمد إلى توظيف كل ما يصل إليها من معلومات وبيانات، لاصطناع أخبار وشائعات كاذبة لتأليب الرأي العام ضد مؤسسات الدولة».

وتضمنت التحريات، اتهامات مباشرة لجهاز الاستخبارات التركية بـ«تجنيد عناصر داخل البلاد لارتكاب أعمال عدائية بها»، دون تفاصيل عن الأهداف التركية من وراء ذلك.

قبرص واليونان

المناكفات المتبادلة بين الطرفين، استمرت طوال العام، وتجسدت في مصر بعلاقات متزايدة مع اليونان وقبرص، ومناورات عسكرية اعتبرتها تركيا خرقا واضحا للقوانين الدولية.

في الوقت الذي قامت تركيا بالتعاون مع السودان، بالاستحواذ على جزيرة سواكن، للاستثمار فيها، وهو ما اعتبرته مصر تهديدا لأمنها القومي.

مصر في 2017، أعلنت تدشين مرحلة جديدة من التعاون مع دولتي قبرص واليونان، وقالت إنهما «أكثر دولتين دعما لخارطة المستقبل وفهما للظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد»، في خطوة اعتبرها مراقبون مناكفة في تركيا.

وأصدر زعماء الدول الثلاث «إعلان أثينا»، الذي أكدوا فيه أهمية تعزيز أطر التعاون الثلاثي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية.

ورغم أهمية تلك العلاقات من ناحية ترسيم الحدود البحرية، وبالتالي مشروعات التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، فإن مراقبين، لا يستبعدون أن يكون التوتر التركي المصري، هو أحد محركات ذلك التنسيق، خاصة في ظل مشاركة الدول الثلاث مصر مخاوفها من الدور التركي.

كما أعلن «السيسي» دعم بلاده لجهود توحيد شطري الجزيرة القبرصية في إطار نظام فيدرالي، دون أي تدخل خارجي، في إشارة إلى تركيا.

ومع هاتين الدولتين، نفذت مصر، مناورات عسكرية عدة، لتكمل سلسة من المناورات بين البلدان الثلاثة بالإضافة إلى (إسرائيل)، وهو ما وصفه مراقبون بأنه «كيد نساء مع تركيا»، التي اعتبرت هذه المناورات خرقا واضحا للقوانين الدولية.

سواكن

وفي مقابل ذلك، أثارت الاتفاقية التي وقعها الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» مع نظيره السوداني «عمر البشير»، والتي سمحت من خلالها الخرطوم لأنقرة بإدارة وإعادة تأهيل جزيرة «سواكن» بالبحر الأحمر وذلك لمدة غير محددة، حفيظة مصر، واعتبرتها خطوة لتطويقها والتأثير على مصالحها في البحر الأحمر.

وتقع جزيرة سواكن على الساحل الغربي للبحر الأحمر وهي واحدة من أقدم الموانئ في أفريقيا، واستخدمها الحجاج الأفارقة قديما لأجل الحج إلى مكة، كما استفاد العثمانيون بدورهم من موقعها الاستراتيجي.

وعلى الرغم من إعلان «أردوغان» أن الاتفاقية استثمارية وسياحية، إلا أن مصر اعتبرتها تهديدا لأمنها القومي.

«كولن» في الصورة

وليس بعيدا عما يجري بين البلدين من مناكفات، تزامنا مع ذلك، لا تزال مصر تفتح أبوابها أمام قيادات ومؤسسات الحركة المعارضة للنظام التركي.

وفتحت صحيفة «الأهرام»، كبرى الصحف الحكومية المصرية، أبوابها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، للمتهم الأول بمحاولة الانقلاب الفاشل بتركيا «فتح الله كولن»، للهجوم على «أردوغان».

واستطاعت حركة «الخدمة» التابعة لـ«كولن»، الخصم التاريخي لـ«أردوغان»، تأسيس شبكة نفوذ ضخمة شملت مؤسسات اجتماعية وثقافية وتعليمية داخل مصر.

وسعت الحركة، من خلال هذه المؤسسات، لتعزيز نفوذها بنشر رؤية «كولن» بدعم وتمويل مجموعة رجال أعمال أتراك وفدوا إلى مصر منذ أعوام، وتجمعهم صلة فكرية بالحركة، وبمؤسسها التاريخي الذى يعيش في منفاه الاختياري بأمريكا، وسط اتهامات تلاحق أنصاره ومؤسساته داخل تركيا.

وكانت تركيا قد أجهضت محاولة الانقلاب التي نفذتها مجموعة من عناصر الجيش، في 15 يوليو/ تموز 2016، واستعادت الحكومة السيطرة على الأوضاع في البلاد في غضون عدة ساعات، بعد نزول المواطنين إلى الشوارع والميادين استجابة لنداء من الرئيس «أردوغان».

بيد أن مصر عرقلت إصدار بيان بالإجماع لـ«مجلس الأمن» يندد بمحاولة الانقلاب الفاشل في تركيا، في خطوة تظهر ما يضمره الجانب المصري من مساندة لمحاولة الانقلاب التي شهدتها البلاد.

وخلال المناقشات في «مجلس الأمن» اعتبرت مصر أنه لا يعود إلى «مجلس الأمن تحديد ما إذا كانت الحكومة (التركية) منتخبة ديمقراطيا، وطلبت إلغاء هذه العبارة، حسبما أوضح دبلوماسي معتمد في مقر «الأمم المتحدة».

تعاون اقتصادي

ورغم خفض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى مستوى القائم بالأعمال، إلا أن هناك نشاطا تجاريا مستمرا بشكل لافت.

وأواخر الشهر الماضي، زار وفد من شركات وشخصيات مصرية، مدينة قونيا التركية للمشاركة في مؤتمر اقتصادي بعنوان «هيا نصنع معا»، بهدف جذب استثمارات إلى مصر، من خلال عمل شراكات تركية مع رجال أعمال ومصنعين مصريين.

واتفق المشاركون في المؤتمر على بحث إمكانية إنشاء منطقة صناعية عالمية في مصر، كما تم خلال المؤتمر توقيع شراكات بين الجانبين بحوالي 51 مليون دولار كاستثمارات من الجانب التركي ستتوجه إلى مصر، وذلك في مجالات الصناعات الهندسية والغذائية وقطع غير السيارات، كما أعلن عن استهداف زيادة قيمة التبادل التجاري بنحو 30% عام 2018.

يشار إلى أن صادرات مصر للسوق التركي ارتفعت خلال الشهور الخمسة الأولى من العام الجاري، بنسبة 52%، لتصل إلى 837.2 مليون دولار مقارنةً بــ549.4 خلال نفس الفترة من 2016.

كما بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا نحو 4.176 مليار دولار خلال 2016، مقابل 4.341 مليار دولار خلال 2015، وفقا لبيانات التجارة والصناعة المصرية.

تقارب مصالح

فيما رصد تقرير اقتصادي مؤخرا، مساع مصرية نحو التقارب مع تركيا للضغط على دول الخليج وإيران للحفاظ على دعمها، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية التي تمر بها دول الخليج، ما دفع مصر للعب بورقة التقارب مع تركيا لضمان المساعدات الخليجية تحت أي ظرف.

وأكد التقرير أن «تجسير العلاقات السياسية عبر بوابة الاقتصاد لن يكون لأسباب سياسية فقط، فهناك أيضًا مزايا اقتصادية تستفيد منها الدولتان».

فعلى الصعيد المصري، فإن استمرار القاهرة في الاعتماد إقليميًا على دول الخليج، قد يعرضها لمخاطر تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية في الخليج، خلال الفترة المقبلة، بسبب التداعيات الاقتصادية والسياسية، وبالتالي فتركيا تتمتع بقوة اقتصادية ذات قاعدة إنتاجية يمكن الاعتماد عليها بشكل أفضل.

وعلى الجانب التركي، قال التقرير إنه «ليس من السهل أن يتم التفريط في سوق بحجم سكان مصر، والذي وصل إلى 106 ملايين نسمة، ويحظى بنسبة نمو سكاني عالية تبلغ 2.5% سنويًا.

وقال التقرير إن «التحام الاقتصاد والسياسة مسلّمة يخضع لها الجميع، وتفرض نفسها من خلال الواقع، وبلا شك فإن واقع منطقة الشرق الأوسط يموج بالمتغيرات المتسارعة، والتي من الصعب التنبؤ بمستقبلها، في ظل مخططات اللاعبين الدوليين، الذين يستهدفون إضعاف كل القوى الإقليمية لصالح دولة الكيان الصهيوني».

اتفاق دولي

هذا التقارب، تجسد في إعلان تركيا الحداد الوطني، تضامنا مع ضحايا الهجوم الذي استهدف مسجد الروضة في سيناء، شمال شرقي مصر، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وراح ضحيته أكثر من 300 قتيل وإصابة أكثر من 100 آخرين، نوعا من التضامن بين البلدين.

كما شاركت مصر، بوزير خارجيتها «سامح شكري»، مؤخرا في قمة إسطنبول التي كانت تترأسها تركيا، وخصصت لبحث قرار واشنطن الأخير حول القدس، حيت اتفق الطرفان على رفض قرار الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» الاعتراف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)، والتصعيد ضد القرار، فاتخذت مصر سبيلا بمجلس الأمن، بينما خاضت تركيا المواجهة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

بيد أن هذا التقارب لم يمنع من خلاف واضح في الأزمة الخليجية، عندما انحازت مصر إلى السعودية والإمارات والبحرين، في فرض عقوبات على قطر، بدعوى دعمها للإرهاب، وهي التهمة التي نفتها الدوحة جملة وتفصيلا، في الوقت الذي انحازت تركيا بصورة واضحة لقطر، ووقفت بجانبها للتغلب على الحصار.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر تركيا العلاقت المصرية التركية الأزمة الخليجية تعاون ثنائي توتر كولن الحصار