التقليدي والجديد في الاقتصادات الخليجية

الثلاثاء 27 يناير 2015 07:01 ص

بحسب حيثيات التاريخ الاقتصادي المعاصر لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فإن مطلع سبعينات القرن العشرين الماضي الذي شهد استقلالاتها الوطنية (باستثناء المملكة العربية السعودية التي تحتفل باليوم الوطني لتوحيد المملكة في 23 سبتمبر/ أيلول من كل عام، وهو يوم صدور مرسوم المغفور له الملك عبدالعزيز بتوحيد المملكة العربية السعودية، وذلك في 23 سبتمبر 1932 باعتباره يوماً لإعلان قيام المملكة العربية السعودية)، فإن مطلع سبعينات القرن الماضي يشكل الانطلاقة الحقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة في دول مجلس التعاون التي شملت كافة قطاعات وأنشطة الإنتاج والخدمات تقريباً، والتي من سماتها البارزة، تمظهرها على شكل موجات تصاعدية المنحنى في الغالب الأعم، وإن كان قد تخللها بعض السقطات التي أملتها ظروف السوق البترولية العالمية إبان فترات صدماتها الهبوطية القليلة.

أما حصاد هذا الصعود التنموي التموجي (المتداعي على شكل موجات تتابعية)، فيتمثل في نشوء وتبلور وتعزز مواقع فروع الاقتصاد التقليدي التي تتصدرها بلا منازع في هيكل إجمالي الناتج المحلي، قطاع الهيدروكربون (إنتاج النفط والغاز وتصديرهما أساساً)، وقطاع الصناعة الذي نشأ أساساً بالاعتماد على قطاع النفط، ذلك ان الصناعات الأساسية (Basic industries) مثل صناعة الألمنيوم الأوَّلي (Primary aluminum)، وصناعة البتروكيماويات، قامتا على اللقيم الأساسي لهاتين الصناعتين وهو الغاز، ومنهما اشتُقت فيما بعد الصناعات التحويلية التفريعية (Manufacturing Downstream industries)، هذا إلى جانب قطاع التجارة (الخارجية والداخلية)، وقطاع الخدمات وبضمنه الخدمات المصرفية والمالية، وقطاع الإدارة الحكومية.

وفي مرحلة تالية من ذلكم النمو التموجي تعزز الهيكل العام لإجمالي الناتج المحلي لدول التعاون بقطاعين اضافيين كانت مساهمتهما في السابق متواضعة، هما قطاع السياحة وقطاع النقل والمواصلات.

اليوم وبعد مرور ما يقرب من أربعة عقود ونصف على تلك الانطلاقة التنموية الحقيقية، ذات السمة الصعودية التموجية:

كيف تبدو الاقتصادات الخليجية؟ أين أصبح موقع القطاعات التقليدية التي لطالما اعتُبرت مفاتيح هذه الاقتصادات، نمواً وتراجعاً ورخاءً اجتماعياً وتقشفاً؟

ما القطاعات والأنشطة الاقتصادية الجديدة التي استجدت على سلة اجمالي الناتج المحلي؟ وما موقعها في الهيكل الاقتصادي المستجد؟

وكيف هي اليوم مصادر نمو الاقتصادات الخليجية؟ وأين تكمن تنافسيتها؟

وما أبرز التحديات التي تواجهها هذه الاقتصادات؟

لا شك أن الاقتصادات الخليجية قد غدت اليوم أكثر تطوراً ونضوجاً، بمراحل، عما كانت عليه قبل نيف وأربعة عقود. إلا أن حصاد هذه العقود الأربعة ونيف، جاء متبايناً ومختلفاً بصورة واضحة إجمالاً، وذلك بتفاوت ليس فقط حجم وقيمة الأصول المحازة من قبل كل دولة من الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون، وانما أيضاً بتفاوت حجم الطاقات البشرية والفكرية والأعمال والتطبيقات الابتكارية التي وُظّفت والتي بُذلت لتعظيم القيمة المضافة لكل قطاع ونشاط فرعي في اقتصاداتها الوطنية.

وفي الإجمال فإن ما حصل هو تعزيز أكثر منه إعادة تموضع للقطاعات المفتاحية، ما أنتج مستوىً خفيضاً من التنويع الاقتصادي خارج إطار قطاع الهيدروكربون (النفط والغاز تحديداً) الذي استمر في لعب دوره المحوري في قيادة دفة النمو من خلال حصته الكاسحة في تمويل الموازنات العامة ومن خلالها تأمين سخاء الإنفاق الحكومي المحرك الأساس للدورة الاقتصادية الخليجية.

فبفضل الارتفاع الكبير لعوائد صادرات هذا القطاع من النفط والغاز (باستثناء مملكة البحرين وإلى حد ما سلطنة عمان)، فقد قفز إجمالي الناتج المحلي لدول التعاون إلى 65.1 تريليون دولار في العام الماضي، مع توقع ارتفاعه نهاية هذا العام إلى 7.1 تريليون دولار إذا أنهت الاقتصادات الخليجية الربع الأخير من العام بنفس متوسط معدل النمو المتحقق حالياً وهو 2.4%. ومع ذلك فإن مساهمة القطاع الصناعي في هذا الإجمالي مازالت تراوح عند عتبة ال 10%.

وهذا لا يعني ان قطاعات الاقتصاد التقليدي، بما تتمتع به من ركائز قوية، قد أبقت الاقتصادات الخليجية بعيداً عن متناول ما يسمى بالاقتصاد الجديد (New economy).

على الإطلاق، فقد كانت دول التعاون مواكبة منذ البدء للاقتصادات الصاعدة في تبني وانشاء قواعد فروع هذا الاقتصاد، خصوصاً قطاع الاتصالات وقطاع تكنولوجيا المعلومات.

ولكن هل هذا يكفي للحديث بكل ثقة عن تجاوز الاقتصادات الخليجية لتقليديتها وارتياد آفاق فروع الاقتصاد الجديد بفرصه التوسعية الهائلة؟ هذا ما سنناقشه في المقال الذي سنخصصه لهذا الغرض.

المصدر | د. محمد الصياد | الخليج - الشارقة

  كلمات مفتاحية

دول الخليج الاقتصادات الخليجية التقليدي الجديد عائدات تصدير النفط التنويع الاقتصادي التحديات