الديمقراطية.. وصفة اقتصادية !

الثلاثاء 27 يناير 2015 07:01 ص

مع صعود الصين وروسيا في الأعوام الخمسة عشر الماضية، بدأ عدد متزايد من الناس في التساؤل بشأن ما إذا كانت الديمقراطية هي النظام الاقتصادي الأفضل فعلًا. ومن بين هؤلاء الرئيس المجري فيكتور أوربان الذي قال في يوليو الماضي إن الأزمة المالية العالمية عام 2008 أظهرت أن «الدول الليبرالية الديمقراطية لا يمكنها أن تظل تنافسية إلى الأبد». وأشار إلى روسيا وتركيا والصين باعتبارها أمثلة لدول ناجحة «لا ليبرالية فيها، وبعضها ليس ديمقراطياً من الأساس».

وهنالك دول مثل تركيا وتايلاند تشكك هي أيضاً في جدوى الديمقراطية. ويطعن بعض كبار رجال الأعمال فيها كذلك، ومن بين هؤلاء رجل الأعمال «توم بيركينز» الذي اقترح أن يستند عدد الأصوات على مقدار ما يدفعه الناس من ضرائب وليس على أساس صوت لكل فرد. وقد جادل آخرون بأن الديمقراطية هي سبب بطء النمو الاقتصادي في الهند مقارنة بالصين. وفي المقابل يرى أنصار الديمقراطية أن النظام الديمقراطي يساعد الدول على الثراء. فهناك، على كل حال، ارتباط واضح بين الثروة والديمقراطية. فأوروبا واليابان والولايات المتحدة كلها ديمقراطيات غنية.

ولكن هل العلاقة ارتباطية أم سببية؟ وهل تجعل الديمقراطية الدول فعلًا أكثر ثراء، أم أنها مجرد رفاهية تستمتع بها الدول الغنية؟ إن الإجابة صعبة، لأن هناك الكثير من الأسباب التي قد تجعل الدول ثرية أو ديمقراطية أو كلتيهما معاً. ورغم أننا لن نعرف الإجابة يقيناً أبداً، إلا أن فريقاً من الاقتصاديين أجرى دراسة بهذا الصدد.

فقد تألف فريق ضم الاقتصاديين دارون عاصم أوغلو من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا وجيمس روبنسون من جامعة هارفرد والباحثين شوريش نايدو وباسكال ريستريبو، لمعالجة المشكلة. واستخدم الباحثون عدداً كبيراً من أساليب الإحصاء المختلفة لفحص تأثير العمل بالنظام الديمقراطي على الاقتصاد. وقد كانت النتيجة هي أن الديمقراطية تزيد الإنتاج المحلي الإجمالي بنحو 20 في المئة على المدى الطويل.

وهذا ليس رقماً كبيراً ومن شبه المؤكد أنه أقل مما يحب أنصار الديمقراطية، ولكنه ذو دلالة أيضاً. وبحث الفريق أيضاً مدى تعزيز الديمقراطية للنمو. ووجدوا أن البلاد الديمقراطية تكون حكوماتها عادة أكثر فعالية، أي تتبع إصلاحات اقتصادية أكثر وتقدم تعليماً أفضل وخدمات اجتماعية أكثر ما يقلص الاضطرابات الاجتماعية. ووجدوا أن الاستثمار الاقتصادي أعلى في الديمقراطيات على خلاف ما يعتقده الكثيرون بشأن قصة نمو الصين.

ولكن كل هذا ليس إجابة قاطعة نهائية. وربما أبلت الديمقراطيات بلاء حسناً في القرن الماضي ببساطة لأنها تعاملت مع الولايات المتحدة أغنى وأقوى الدول في العالم وحظيت بحمايتها. وربما نشهد انقلاباً للوضع القائم الآن بفضل الحجم الهائل للصين التي تصارع الولايات المتحدة على القمة. وهذا ليس مستبعدا حتى الآن.

ولكن استنتاجات هؤلاء الباحثين تتفق مع نظرية «بروس بونو دوميسكيتا» أستاذ العلوم السياسية في جامعة نيويورك، الذي افترض أنه في النظام الديمقراطي يكون عدد الأصوات أكبر من أن يُشترى بالمحسوبية مما يجبر الزعماء على تقديم خدمات اجتماعية أكثر.

ويبقى أخيراً سؤال: هل ستعيش الديمقراطية؟ بعض منتقديها يرون أن البشرية عاشت فترات طويلة في ظل أنواع من الحكم متعددة بينما الديمقراطية ليست سوى ابتكار حديث. ولكن دراسة اقتصادية أخرى أجريت في الآونة الأخيرة توصلت إلى أنه منذ بدايات القرن التاسع عشر دفعت الثورة ومطالب التغيير البلدان الغربية نحو الديمقراطية. وإذا صح هذا الاستنتاج فهو يعني أن الديمقراطية مثلت تشكيلًا أكثر استقراراً للمجتمع الغربي من الاستبداد في العصر الصناعي الحديث.

ومن الواضح أن الحال لم يكن على هذا النحو قبل الثورة الصناعية، ولذا فقد تعتبر الديمقراطية تكيفاً مع البيئة التكنولوجية الحديثة. فالديمقراطية، عند أنصارها، جاءت لتبقى، ما لم يتعرض العالم لتحول كبير آخر بحجم الثورة الصناعية. وبهذا المعنى، يبدو بالفعل أن فيكتور أوربان وحتى الحزب الشيوعي الصيني العملاق، ربما كانا في الجانب الخطأ من التاريخ.

* نوح سميث، محلل سياسي أميركي

المصدر | نوح سميث | خدمة «واشنطن بوست وبلومبرغ نيوز» ، ترجمة الاتحاد الظبيانية

  كلمات مفتاحية

الديمقراطية وصفة اقتصادية صعود الصين روسيا النظام الاقتصادي الرئيس المجري فيكتور أوربان الأزمة المالية العالمية 2008 الدول الليبرالية الديمقراطية تنافسية