استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

نظام فصل عنصري في (إسرائيل)

الاثنين 1 يناير 2018 06:01 ص

يصور النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني على أنه نزاع على الأرض، وأنه ينتهي مع انتهاء الاحتلال. ولكن النزاع هذا هو أقرب إلى نزاع بين شعبين مما هو نزاع على الأرض.

فطالما بقيت المساواة غائبة بين الشعبين هذين، تعذر إرساء السلام. لذا، الكلام عن إنهاء الأبرتايد (نظام الفصل العنصري) في محله. وسبق أن استخدم مسؤولون سياسيون في إسرائيل نعت الـ«أبرتهايد».

فأول رئيس وزراء إسرائيلي، ديفيد بن غوريون، حذر، في 1949، من تحول إسرائيل إلى نظام أبرتهايد إذا لم تحل مشكلة فلسطين. ورغم استخدام إيهود أولمرت وإيهود باراك- وكلاهما شغل منصب رئيس الوزراء في إسرائيل- الوصف هذا، يندد بالأجنبي الذي يتوسل به، ويقال إن خطابه تحريضي.

والأبرتهايد في تعريفه القانوني هو هيمنة عرق على آخر، من أجل فرض نظام سيطرة من طريق أعمال غير إنسانية. وفي البدء، أرادت الحركة الصهيونية إنشاء ملاذ يهودي، لكن دولة إسرائيل أرسيت على غياب في المساواة بين اليهود والفلسطينيين.

وكان التحدي الصهيوني أكبر من تحديات نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا: فهو أراد إنشاء دولة يهودية وديموقراطية في آن. وهذا يقتضي إرساء توازن سكاني. ومنذ 1947، أي منذ طرد 750 ألف فلسطيني ورفض حق عودة المتحدرين منهم، ترمي السياسة الإسرائيلية إلى الحؤول دون غالبية فلسطينية، وهذه مصدر خطر و«قنبلة سكانية».

مثل هذا الشاغل لم يكن شاغل النظام في جنوب أفريقيا الذي لم يطمح إلى الديموقراطية. لكن إسرائيل تنتهج سياسة تشتيت الفلسطينيين وتقسيمهم من طريق رفض حق العودة، والسيطرة العسكرية على الأراضي المحتلة بعد 1967 وغيرها من تكتيكات تستهدف الأقلية الفلسطينية في إسرائيل.

في مقدور اليهود من أصقاع المعمورة كلها القدوم إلى إسرائيل، في وقت إن الأبواب موصدة في وجه فلسطينيي الخارج. ونظام الأبرتهايد في إسرائيل هو نظام سيطرة: احتلال منذ خمسين عاما، وعنف مفرط، وتكتيكات إدارية وعقوبات جماعية لترسيخ الدولة اليهودية.

وازدرت إسرائيل تقريرا نشرته منظمة «أسكوا» الأممية في آذار (مارس) 2017، حمل عنوان «الأساليب الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الأبرتهايد (الفصل العنصري)». وشجبت أمريكا والأمانة العامة للأمم المتحدة التقرير، وطلب أمين عام الأمم المتحدة سحبه من موقع «أسكوا»، واستقالت، الأمينة التنفيذية في المنظمة، ريما خلف، احتجاجا.

ورأت حكومات كثيرة أن المبالغة شابت المقارنة بين نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا وإسرائيل. لكن إذا نظر المرء إلى المسألة من وجهة نظر الضحية، لا مبالغة في وصف النظام الإسرائيلي بـ«الأبرتهايد».

وقد عشت معاناة الضحايا في زياراتي المخيمات الفلسطينية، طوال ستة أعوام حين شغلت منصب مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الفلسطيني. وخلصت إلى أن صبر هؤلاء الناس استثنائي، فهم يقبلون المساومة.

لكن في إسرائيل، يتعاظم الشعور بأنهم في غنى عن المساومة. ويريد الإسرائيليون أن يتخلى الفلسطينيون عن المطالبة بدولة مقابل حيازتهم حقوقا اقتصادية والسلام.

ما يسعى اليه بنيامين نتانياهو هو الحفاظ على أمر واقع ملتبس: سلام نسبي وتوسيع المستوطنات. لكن على إسرائيل الاختيار إما أن تكون يهودية وإما أن تكون ديموقراطية. والمؤشرات كلها تشير إلى أنها اختارت اليهودية، وليس الديموقراطية. ويتجه نتانياهو نحو إرساء ديموقراطية غير ليبرالية.

لم تدحض حجج فعلية خلاصات تقرير «الأسكوا»، واكتفي بالقول إن المقارنة بين الأبرتهايد في جنوب أفريقيا وبين إسرائيل تسد الطريق أمام النقاش، وتحول دونه.

لكن، ما السبيل إلى عيش هذين الشعبين في سلام؟ يجب إنهاء نظام اللامساواة وردم هوة اللامساواة وتذليل نظام الهيمنة. وتجربة جنوب أفريقية يعتد بها نموذجا.

فالقيادة البيضاء أعادت حساباتها واحتسبت مصالحها، فأطلقت سراح نيلسون منديلا وأقرت دستورا ديموقراطيا وأنهت نظام الأبرتهايد للفصل العنصري. لكن إسرائيل تريد إرساء نظام هيمنة «ناعمة»، عوض السماح بإنشاء دولة فلسطينية، في وقت إن الخروج من نظام الهيمنة الإسرائيلية ترتجى منه فائدة. والجهة المهيمنة مدعوة إلى الإقرار بأن اللامساواة هذه غير مشروعة.

نواة الخطاب الإسرائيلي هي الإيحاء بأن قوة إسرائيل والتطورات الإقليمية تسيران في منحى يجعل الكفاح الفلسطيني قضية خاسرة. وهذا كلام يلقى قبول الحكومات. لكن هذه تغفل أن نفوذ المجتمعات المدنية يتعاظم وأن كفته ترجح على كفة الدول.

واصبحت إسرائيل في مرمى الناشطين المدنيين. وليس الكفاح المسلح ما يقلقها، بل حملة «المقاطعة، وسحب الاستثمارات، والعقوبات» (BDS). لذا، تسعى إلى إسقاط مشروعية هذه الحملة.

واليوم، تدور رحى حرب على المشروعية ومدارها على من يفوز بمعركة الرأي العام ويفلح في استمالته. وفي هذا المنحى، الفلسطينيون يكسبون الرأي العام. فحركات اقتلاع الاستعمار كلها فازت على الجيوش.

وأمريكا، شأن إسرائيل، تخفق في مقاربة الأمور مقاربة غير عسكرية. لكن الضعفاء هم من فازوا بالنزاعات العسكرية كلها في الخمسين سنة الماضية.

وأعتقد أن رغبة حركة «حماس» في وقف إطلاق نار طويل الأمد مع إسرائيل، جدية. وبعد انتخابات 2006، تفاوضت مع واشنطن على اتفاقات سلام. ورغم أنها متمسكة بفلسطين موحدة، إلا أنها تخففت من الخطاب المعادي للسامية. لكن إسرائيل ترى أن بعض وجوه الحركة هذه مصدر خطر وجودي عليها، ولا ترغب في نزعها عن قائمة «الإرهاب».

وتساهم الهجمات الإرهابية في إضعاف يد الفلسطينيين، وتغلب كفة قوة إسرائيل، في وقت إن نقطة ضعفها أخلاقية وقانونية في النزاع. وأخطأ الفلسطينيون حين لم يسلكوا طريق النضال المدني بعد اتفاقات أوسلو لتقويض مشروعية إسرائيل.

الأمم المتحدة بالغة الأهمية في حرب المشروعية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فهي الفيصل في التمييز بين الخير والشر، والمشروع وغير المشروع. لكن الأمم المتحدة بالغة الضعف ونفوذها لا يعتد به في غياب إجماع جيوسياسي.

ودورها في تذليل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني ثانوي، شأن دور أوروبا. والتوازنات الاستراتيجية حملت الفلسطينيين على قبول أداء الأمريكيين دور الوسيط، في وقت إنهم وسيط غير عادل. فهم أقرب حلفاء الإسرائيليين.

والفلسطينيون ساذجون: فهم ارتضوا عملية أوسلو، رغم أنها لم تشمل حقهم في تقرير المصير.

لا يرغب بنيامين نتنياهو في حل ديبلوماسي. ويجب إقناع الإسرائيليين بأن السلام ممكن، ووجوب السعي إلى المساواة والتراجع عن نظم تفاقم هوة التباين الاجتماعي وترسي دولة يهودية. فالحاجة ماسة إلى ترك فكرة الملاذ اليهودي.

* بروفسور ريتشارد فولك - أستاذ القانون والعلاقات الدولية، مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الفلسطيني (2008-2014)

المصدر | تورنتو ستار الكندية

  كلمات مفتاحية

فلسطين إسرائيل نظام الفصل العنصري أبارتهايد الولايات المتحدة نزع شرعية إسرائيل حملة المقاطعة عملية أوسلو حق تقرير المصير