«أويل برايس»: سياسات «بن سلمان» تنذر بثورة غير مسبوقة بالسعودية

الثلاثاء 2 يناير 2018 12:01 م

يوما بعد يوم، يؤكد ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» المضي قدما في موقفه وتغييراته في السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية. ويعد هدفه الرئيسي هو تعزيز المعسكر العربي ضد إيران والإخوان المسلمين. لكن قراراته الرئيسية في السياسة الخارجية السعودية مثل التدخل العسكري في اليمن، وفرض الحصار على قطر، والضغط على الحكومة اللبنانية قد أثبتت نتائج عكسية. ولن يتسبب الاستمرار في هذه السياسة غير المستنيرة إلا في مزيد من زعزعة استقرار الشرق الأوسط، ولن يعزز ذلك الموقف السعودي أو قدرة المملكة على تشكيل تحالفات.

وترجع تعديلات السياسة الخارجية السعودية إلى سببين رئيسيين، وهما التغييرات الحادثة في قيادة البلاد، ومشاكلها الهيكلية. وفي يونيو/حزيران عام 2017، عين الملك «سلمان» - الذي يحكم المملكة منذ عام 2015 - ابنه «محمد» وليا للعهد. ويدير «بن سلمان» الآن السياسات الداخلية والخارجية السعودية. وتأتي القرارات التي اتخذها «بن سلمان» -البالغ من العمر 32 عاما- كنائب لرئيس الوزراء ووزير للدفاع، في إطار سعيه لتعزيز الدعم من النخبة السعودية والجمهور لحكمه النهائي كملك، ومن ناحية أخرى، الحاجة إلى تنفيذ إصلاحات أساسية.

السياسة الخارجية كتابع للشؤون الداخلية

تمر السعودية بمرحلة تحول في تاريخها. وتتطلب سياساتها الاقتصادية والاجتماعية إعادة بناء جذرية للبلاد، حتى تحتفظ على الأقل بمستوى التنمية الحالي. وحدد «بن سلمان» اتجاه الإصلاح عام 2016، في وثيقة استراتيجية تسمى «رؤية 2030». وفي جوهرها، فإنها تدعو إلى تنويع إيرادات الميزانية الحكومية (87% منها تأتي الآن من إنتاج وبيع النفط)، كما تدعو لتعزيز الاستثمار في الصناعات المحلية ، وتحول المملكة إلى مركز بين أوروبا وآسيا وأفريقيا. وفي نهاية المطاف، سيتم توسيع الصناعة العسكرية المحلية لتلبية نصف الطلب في البلاد؛ حيث تنفق المملكة 10% من ميزانيتها على الدفاع، أو 64 مليار دولار، يذهب 2% فقط منها إلى الصناعة المحلية. وتشكل بيئة الأعمال تحديا بسبب عدم وجود نظام قانوني حديث، ويعتمد النظام الحالي على مزيج من تفسيرات القرآن (الشريعة) والمراسيم الملكية. ويسمح عدم الفصل القانوني بين المجالين العام والخاص للعائلة المالكة والأقارب في النخبة الدينية (نحو 15 ألف شخص) باستخدام ثروة الدولة في مصالحهم الشخصية. كما تتطلب النظم الاجتماعية والدينية المحافظة التحول. وتقل أعمار أكثر من نصف السكان - البالغ عددهم 31 مليون نسمة - عن 24 عاما، في حين درس منهم أكثر من 200 ألف في الولايات المتحدة أو غيرها من المدارس الغربية. ويعتبر معدل البطالة «الحقيقي» ضعف معدل البطالة الرسمي، وهو 11%.

وتعاني المملكة من صورة دولية سيئة، وتعتبر واحدة من أكثر البلدان المحافظة وأقلها ديمقراطية في العالم، وتأتي في المرتبة 159 من أصل 167 دولة على مؤشر الإيكونوميست للديموقراطية، وتعتبر - على نطاق واسع - من الدول المرتبطة بالإرهاب. وكثيرا ما يصعب إثبات هذه الصلات، ولكن وفقا للتسريبات الدبلوماسية الأمريكية، مول السعوديون المتطرفين في باكستان. ودين الدولة هو الوهابية - البديل الأكثر تطرفا للإسلام - وتعمل المملكة على تعزيزه في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في أوروبا. وقد ألهم هذا التفسير معظم المنظمات الإرهابية المدرجة على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية. وكثيرا ما تؤدي قرارات مثل إنشاء هيئة لمكافحة الفساد، وقرارات التحرير الاجتماعي مثل السماح للمرأة بالقيادة أو فتح دور السينما، إلى تحسين الصورة الدولية للبلاد.

وتعد الإصلاحات اللازمة عميقة جدا، ولا يمكن التنبؤ بآثارها الاجتماعية، وحتى قبل أن يتم إدخالها والشعور بها بشكل كامل، فإن الحكام السعوديين الجدد يريدون تعزيز الموقف الدولي للبلاد - وعلى نطاق أوسع - تغيير خارطة النفوذ في الشرق الأوسط.

التغيرات في السياسة الخارجية

وتتمثل أولوية التغيرات في السياسة الخارجية السعودية في محاولة إضعاف إيران ونفوذها من خلال القوة، وتعزيز صورة ونفوذ السعودية كقوة عظمى إقليمية، وتوطيد التحالف السعودي مع الدول العربية الأخرى و(إسرائيل). وكان هذا الهدف وراء زيادة النشاط السعودي في الحرب في اليمن، فضلا عن تصرفاتها تجاه قطر ولبنان.

وفي مارس/آذار عام 2015 - بعد شهرين من تولي الملك «سلمان» العرش وتعيين «محمد بن سلمان» وزيرا للدفاع، بدأت السعودية - مع الإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن وغيرها - تدخلا عسكريا في اليمن. وكان الهدف من الحملة إلحاق هزيمة سريعة بالحوثيين وهي جماعة شيعية تتهمها المملكة بتلقي الدعم العسكري من قبل إيران. وبعد عامين، على الرغم من فارق القوة العسكرية، لم يحقق التدخل هدفه. و على العكس من ذلك، عزز «الحوثيون» موقفهم إلى درجة تمكنهم من إطلاق الصواريخ باتجاه الرياض، وتعتبر الأمم المتحدة أن الأزمة الإنسانية في اليمن هي الأكثر شدة من نوعها في العالم اليوم. وقد لقى أكثر من 10 آلاف «مدني» مصرعهم، ويدمر وباء «الكوليرا» البلاد، ويواجه معظم السكان الجوع أو يموتون جوعا.

وكان الهدف السياسي الذي حقق فشلا مماثلا - على الرغم من أنه لم يكن بنفس التكلفة الإنسانية - هو القطع المفاجئ لعلاقات السعودية والإمارات والبحرين ومصر مع قطر، ثم فرض الحصار البري والبحري والجوي على البلاد في يونيو/حزيران عام 2017. وقد كان الهدف من هذا القرار إجبار أمير قطر على تخفيف أو قطع علاقات البلاد مع إيران وتركيا، وإغلاق شبكة الجزيرة الفضائية، وطرد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من قطر. ولا تزال جماعة الإخوان المسلمين - التي تتبنى نموذجا فريدا من الجمهوريات الدينية - في صراع سياسي مع السعودية الوهابية. وقد جاء الحصار بنتائج عكسية؛ حيث عززت قطر التعاون مع إيران وتركيا، وأثبتت أنها قادرة على العمل بشكل طبيعي على الرغم من الصعوبات.

وجاءت الأزمة السياسية الأخيرة التي أحدثتها المملكة عندما ضغطت على رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» للاستقالة، خلال زيارة رسمية إلى الرياض. وكانت الاستقالة القسرية لـ «الحريري» تهدف إلى ممارسة الضغط على إيران وحليفها اللبناني «حزب الله». وقد تعتمد السعودية أيضا على الدخول في صراع عسكري إسرائيلي مع «حزب الله»، وهو ما يستعد له الإسرائيليون لأكثر من عقد من الزمان. وقد أدت الاستقالة المفاجئة لـ «الحريري»، وافتراض أنه قد يكون محتجزا تحت الإقامة الجبرية في الرياض إلى فضيحة دبلوماسية إقليمية. وقد تم تحريره بعد أن دعا الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» علنا «​​الحريري» إلى باريس، مما وفر له - وللسعوديين - مخرجا. وفي النهاية، عاد «الحريري» إلى لبنان، وتراجع عن استقالته، ولم يتأثر موقف «حزب الله».

وتأتي تغييرات السياسة الخارجية السعودية في سياق علاقات أفضل مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى، بما في ذلك روسيا. وفي الرياض - في مايو/أيار عام 2017 - شجع الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» السعوديين على انتهاج سياسة إقليمية أكثر عدوانية، وأكد على المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة والسعودية المناهضة لإيران، وأبرم صفقات أولية بشأن المعدات العسكرية بقيمة تقارب 110 مليار دولار. وفي أكتوبر/تشرين الأول، قام الملك «سلمان» بأول زيارة رسمية له لروسيا، التي تتزايد أهميتها كشريك في السيطرة على أسعار النفط والحد من النفوذ الإيراني.

ثلاث مخاطر

ومن الواضح أن تلك السياسة السعودية لا تخلو من مخاطر. أولا، على الرغم من أن السعودية - رسميا - حليف أوروبي وأميركي في الحرب ضد الإرهاب، فإنها ترى التهديدات في الشرق الأوسط بشكل مختلف. وبالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن الأخطار الرئيسية هي الجهادية والإرهاب والمشاكل الهيكلية في بلدان المنطقة. وبالنسبة للمملكة، فإن التهديد الأول هو إيران. ولا تظهر المملكة حرصا مماثلا على مكافحة التطرف، وهو الفهم الذي تختلف فيه عن أوروبا والولايات المتحدة.

ثانيا، لقد أثبتت القرارات والمبادرات الرئيسية لـ«بن سلمان» فشلها. ولم تتمكن المملكة من توطيد التحالف العربي. وقد تعثرت محاولات مواجهة قطر ولبنان، وإيران في اليمن، مع تزايد العداء أيضا. وبفضل دعم الولايات المتحدة و(إسرائيل)، يشعر السعوديون بوجود ضوء أخضر يسمح لهم بالقيام بحركات دبلوماسية محفوفة بالمخاطر، تستهدف إيران بشكل فريد. فهي تصعد فقط من الصراع السعودي الإيراني بالوكالة، مع وقوع الضحايا في سكان بلدان ثالثة. ولا يكاد التحالف السعودي الإسرائيلي يصل إلى الشراكة، فهو غير موحد وغير منسق. ويعتبر الهدف الوحيد من التعاون هو مواجهة «الشيعة» و«الإخوان المسلمين» في المنطقة. ولا تحاول القيادة السعودية - في حين أنها جريئة في القرارات التي قد تكتسب بها دعما داخليا وخارجيا - تغيير نبرة الخطاب تجاه (إسرائيل)، بسبب المشاعر المعادية لـ(إسرائيل) بقوة داخل المملكة.

ثالثا، تتطلب التحديات السعودية الداخلية قرارات جريئة، لكنها تتناسب مع الأدوات المتاحة لدى القادة. وتتجاوز تطلعات السياسة الخارجية الجديدة في المملكة هذه الأدوات. وإذا ما تداخلت أوجه القصور في سياساتها الداخلية والخارجية، فلا يمكن استبعاد زعزعة الاستقرار في البلاد، أو اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية، أو حتى ثورة «داخل القصر» لن تكون غير معتادة في التاريخ السعودي.

  كلمات مفتاحية

السياسة الخارجية السعودية الملك سلمان بن سلمان حصار قطر اعتقال الأمراء ولي العهد