«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: ماذا وراء التظاهرات الإيرانية؟

الأربعاء 3 يناير 2018 09:01 ص

قبل 7 أشهر فقط، كان «حسن روحاني» يحلق عاليا. بعدما نجح في إعادة انتخابه رئيسا لإيران بنسبة 57% من الأصوات، بفارق 20% تقريبا عن منافسه المحافظ. لكن في 28 ديسمبر/كانون الأول، اندلعت الاحتجاجات في إيران، ولم تتوقف حتى كتابة هذه السطور. ولا تشكل المظاهرات - بعد - تهديدا لاستقرار الحكومة، لكنها تمثل أحد أعراض الاستياء الشعبي من المشاكل الاقتصادية التي ما زالت تعصف بالبلاد منذ أعوام عديدة، رغم جهود إدارة «روحاني» والاتفاق النووي الذي وقعه مع الولايات المتحدة.

وخلال حملة إعادة انتخابه، وعد «روحاني» شعبه بالنجاح الاقتصادي. وعلى الرغم من أن حكومته استطاعت تخفيض معدلات التضخم ورفع معدلات النمو، فإنها لم تنجح حتى الآن إلا في تفادي أزمة كبرى، وليس في تحقيق الرخاء الموعود. وإذا لم تتمكن الحكومة في طهران من تصحيح المشاكل الاقتصادية التي تؤثر على الحياة اليومية للإيرانيين، أو على الأقل تحويل الغضب الشعبي إلى مصدر آخر بجانب الحكومة، فقد تتحول الاحتجاجات إلى شيء أكثر خطورة.

وعود كاذبة

بدأت الاحتجاجات من مدينة «مشهد»، ثاني أكبر مدينة في إيران من حيث عدد السكان، وهي مركز حضري ديني عميق، حيث تتمتع الحكومة بدعم كبير. وفي البداية، كانت الاحتجاجات مدفوعة بالسخط من ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل متسارع، ولم تكن تتطرق للسياسة. ووفقا لتقارير وسائل الإعلام، ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية - مثل البيض والدواجن - بنسبة 40% تقريبا في الأيام الأخيرة. وتدعم أحدث البيانات من البنك المركزي الإيراني تلك الأدلة القولية. ووفقا للأرقام الرسمية، ارتفع التضخم من 8.4% في أكتوبر/تشرين الأول إلى 9.6% في نوفمبر/تشرين الثاني. وتشير التقديرات إلى حدوث زيادات إضافية في الأسعار منذ صدور أرقام نوفمبر/تشرين الثاني، ما يعني استمرار التضخم في الصعود.

وبالنظر إلى أن التضخم في إيران كان أعلى من 20% من 2012 إلى 2014، وبلغ ذروته عند نحو 45% في النصف الأخير من عام 2013، فإن معدل الأرقام الأخيرة لا يبدو مرتفعا جدا. ولكن هذه المعدلات العالية جاءت عندما كانت إيران تقبع تحت وطأة نظام العقوبات الذي تقوده الولايات المتحدة ضدها. وكان بالإمكان الإلقاء باللوم في التضخم - وأي مشاكل أخرى في الاقتصاد الإيراني - على القوى الإمبريالية الأجنبية التي تريد إبقاء إيران في الأسفل، وليس على الحكومة. وحتى مع كبش الفداء الجاهز هذا، كان المواطنون الإيرانيون - في النهاية - متعبين من الوضع، وبدأوا يبحثون عن خيارات سياسية من شأنها أن تمكن الاقتصاد الإيراني من الانضمام مرة أخرى إلى العالم. وربما يكون الفخر الوطني وقود قوي، ولكن الغذاء أفضل.

وقد تسببت موجة الاستياء في صعود «روحاني» إلى منصبه عام 2013، واعدا بتغييرات كبيرة في استراتيجية إيران. وظهر عدو جديد على حدود إيران، وهو تنظيم الدولة الإسلامية، وكانت «إيران روحاني» مستعدة للعمل مع «الشيطان الأكبر» لهزيمته. ولكن أهم ما تقدم به «روحاني» كان تعهده بتحقيق الرخاء الاقتصادي في إيران. وقال إنه يعتزم تحقيق الهدفين من خلال المساومة مع الولايات المتحدة والتفاوض حول برنامج إيران النووي ونفوذها على الأرض في العراق وسوريا، من أجل إزالة العقوبات. وقد تحقق ذلك ظاهريا عام 2015، وبدت العلامات الأولى مبشرة بالخير. وتلقى الاقتصاد الإيراني دفعة كبيرة، وبدا أنه يعوض ما فاته من وقت.

بيد أن الفوائد الاقتصادية للاتفاق مع الولايات المتحدة قد اختفت في الأشهر الأخيرة. فقد أصبحت إيران والولايات المتحدة شركاء في معركة هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، لكن نجاحهما أزال عدوهما المشترك. ومع القضاء على التهديد الأمني، عادت إيران إلى محاولة تعزيز النفوذ للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. وعادت الولايات المتحدة إلى محاولة إبقاء إيران محاصرة. ولجعل الأمور أسوأ، نجحت إدارة معادية لإيران بالوصول إلى البيت الأبيض. وبهذا فقد تمتعت إيران بعام ونصف من النمو الاقتصادي المطرد، ولكن لم يكن يكفي ذلك لإصلاح الأضرار التي لحقت بها خلال فترة العقوبات، ولا يمكن حل أوجه القصور في الاقتصاد الإيراني التي سبقت نظام الجزاءات في تلك الفترة القصيرة.

ومن بين المشاكل الاقتصادية العديدة التي تواجهها إيران، أثبتت ثلاثة منها تراجعا خاصا. الأول هو ارتفاع التضخم. ولا يمكن لإدارة «روحاني» أن تضع اللوم على الولايات المتحدة هذه المرة، وقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة محدودة على إيران، ولكنها ليست شيئا مقارنة بالقيود المفروضة في أوائل 2010. وعلاوة على ذلك، فقد سلطت حكومة «روحاني» الضوء على فكرة أنها ستكون قادرة على السيطرة على التضخم - في جزء منه - حين تكون مستعدة للتوصل إلى حل وسط مع الولايات المتحدة. وفي مايو/أيار، تعهد «روحاني» بإبقاء التضخم برقم من خانة واحدة في الأعوام المقبلة. وهو في خطر الآن بالفعل لأن يكسر هذا الوعد.

وتتعلق المشكلتان الأخريان بالقطاع المصرفي والبطالة. وقد أشارت الإدارة إلى نجاحاتها في القطاع المصرفي، حيث أعلن محافظ البنك المركزي في مايو/أيار الماضي أن القروض المتعثرة قد انخفضت من 15% إلى 10% من إجمالي القروض، خلال الأعوام الـ4 الأولى من إدارة «روحاني». لكن يروي صندوق النقد الدولي قصة مختلفة. وفي 18 ديسمبر/كانون الأول، حذر صندوق النقد الدولي من أن تأخر إيران في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية يعني مواجهة البلاد تحديات كبيرة «قصيرة الأجل»، وأن البلاد تحتاج إلى إعادة هيكلة عاجلة وإعادة رسملة مؤسساتها الائتمانية ومصارفها. وفي الوقت نفسه، لا تزال البطالة في إيران مرتفعة. وقد نجحت إدارة «روحاني» في النزول بالبطالة إلى رقم من خانة واحدة في عام 2015، ولكن هذه المعدلات ارتفعت مرة أخرى، حيث تجاوزت 12% منذ أبريل/نيسان عام 2016، وتقترب الآن من مستويات عام 2012.

مظالم اقتصادية

وعندما بدأت الاحتجاجات، كانت تركز على مظالم اقتصادية محددة مثل هذه القضايا. غير أن المعارضين للحكومة سرعان ما اختاروا السعي لجعل الاحتجاجات لا تتعلق فقط بالقضايا الاقتصادية، بل أيضا لمهاجمة قيادة «روحاني» وآية الله «علي خامنئي» بشكل مباشر.

وقد احتج الآلاف عفويا في مدينة «مشهد» يوم 28 ديسمبر/كانون الأول، واندلعت احتجاجات صغيرة في مدن إيرانية أخرى، من بينها نيسابور وكشمار ويزد وشهرود. وانتشرت الاحتجاجات في أنحاء أخرى من البلاد في اليوم التالي. وفي 29 ديسمبر/كانون الأول، كانت هناك تقارير عن «المئات» الذين خرجوا للاحتجاجات في كرمانشاه وطهران، وأفيد أيضا بأن أعدادا «كبيرة» ظهرت في رشت وأصفهان وهمدان و«قم» وأماكن أخرى. وتم عقد مسيرات مؤيدة للحكومة في 30 ديسمبر/كانون الأول، بيد أن الاحتجاجات المناهضة للحكومة استمرت في التصاعد في طهران وكرمانشاه وآراك وعدد قليل من المدن الصغيرة الأخرى. واستمرت الاحتجاجات فى عدة مدن في 31 ديسمبر/كانون الأول و1 يناير/كانون الثاني، وحتى أنها تحولت إلى احتجاجات عنيفة في بعض الأحيان. وذكر التلفزيون الحكومي الإيراني أن بعض المتظاهرين المسلحين حاولوا الاستيلاء على مراكز الشرطة، ولكن قوات الأمن تصدت لهم. وقد تم الإبلاغ عن وقوع 13 حالة وفاة على الأقل.

ويعد حجم الاحتجاجات ونطاقها مثيرين للإعجاب، على الرغم من أن وسائل الإعلام الغربية قد بالغت بشكل كبير في بعضها. وكانت المظاهرات في طهران - على وجه الخصوص - أكثر مما كانت في أي وقت، فقد كانت الاحتجاجات الطلابية الصغيرة تحدث بشكل متقطع في العاصمة في الأشهر الأخيرة، ولكنها لم تكن تحدث سوى نتائج ضئيلة. وبدلا من وضع تحد خطير للحكومة، فإن صغر حجم هذه الاحتجاجات السياسية مقارنة مع المظاهرات المؤيدة للحكومة في 30 ديسمبر/كانون الأول كان يشير إلى أنه لا يوجد غضب عام يهدد بقاء الدولة الإيرانية، على الأقل ليس بعد.

والأهم من ذلك، كان الاحتجاج العفوي الأول في مشهد، والاحتجاجات اللاحقة التي خرجت على إثره. وتعد هذه التجمعات - التي تركز على القضايا الاقتصادية - في الواقع علامة مؤلمة للحكومة. وسيكون من السخرية إلى حد ما إذا اضطرت إيران - في موقعها الأكثر استراتيجية في الشرق الأوسط منذ عام 2010 - إلى وضع طموحاتها جانبا للتعامل مع الاضطرابات في الداخل. كما أنه سيكون تحديا لتوقعات «جيوبوليتيكال فيوتشرز» لعام 2018، التي توقعت أن تعزز إيران امتيازاتها في المنطقة في العام المقبل. ولا يكفي عدد قليل من الاحتجاجات في إيران للقول بأنها خرجت عن التوقعات، ولكنها بالتأكيد تستحق الرصد عن كثب.

المصدر | جاكوب شابيرو- جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

الاحتجاجات الإيرانية روحاني إيران الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية الاتفاق النووي