«و. بوست»: الاحتجاجات الإيرانية.. دروس الربيع العربي

الخميس 4 يناير 2018 12:01 م

أثارت الاحتجاجات التي اندلعت عبر إيران في الأيام الأخيرة فكرة ملحوظة حول إمكانية التغيير الثوري. وقد فاجأت المظاهرات - الأكبر منذ سحق الحركة الخضراء عام 2009 - جميع المراقبين تقريبا. وقد اندلعت في المناطق غير الرئيسية وليس في طهران، وهيمنت عليها الطبقة العاملة والطبقة الدنيا الإيرانية، بدلا من الطبقة الوسطى الحضرية المتعلمة التي قادت مظاهرات عام 2009. وظهرت الشعارات الثورية في هذه الاحتجاجات بدلا من الإصلاحية.

وقد فوجئ المراقبون المحنكون في إيران بشراسة وسرعة ونطاق هذه الاحتجاجات. ومن المهم أن ندرك أن الكثير لا يزال غير مؤكد بشأنها، بما في ذلك حجمها الحقيقي، وقدرتها على الاستمرار، وقيادتها، وتطلعاتها السياسية. وغالبا ما تخرج التحليلات التي تتوقع انهيار النظام بسرعة عما يمكن توقعه عادة من قدرة الدولة الإيرانية على مواجهة هذا التحدي.

وفي حين أن هذا الحماس قد يكون مفيدا جزئيا، فإنه يتضح أيضا - بشكل واضح - أنه يأتي بسبب تجربة الانتفاضات العربية عام 2011. ولم يتوقع أحد حينها تلك الموجة الشعبية الهائلة، على الرغم من تراكم مظاهر الانحدار الاقتصادي والسياسي الواضح، وقليل منهم توقع الإطاحة بالحكام الراسخين في مصر وتونس. وقد أمضى مجموعة واسعة من العلماء الأعوام الـ 7 الماضية في الكتابة عن الانتفاضات العربية في عام 2011 وما بعدها. فما قيمة هذه المقارنة؟ وما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من التجربة العربية في عام 2011؟

نسرد هنا بعض الدروس الأولية من الانتفاضات العربية:

اللحظات الثورية قد لا تدوم

غالبا ما تكون الانفجارات المفاجئة في الحشد الجماعي غير متوقعة. وفي الحالة العربية - كما هو الحال في إيران - كانت المظالم حاضرة على مدى أعوام عديدة، من تدهور اقتصادي وحكم فاشل ونخب فاسدة واقتتال نخبوي وجيوش متشددة وسياسات خارجية لا تحظى بشعبية. وقد فشلت الجهود المتكررة من قبل الناشطين لتحريك الاحتجاجات الجماهيرية - مرارا وتكرارا - في مواجهة القوة الساحقة للدولة الأمنية. وقد فاجأ النجاح المفاجئ للانتفاضات النشطاء بقدر ما فاجأ غيرهم.

وانتشرت الاحتجاجات سريعا داخل البلدان وفيما بينها، مع استلهام المتظاهرين في اليمن البعيدة وسوريا الاحتجاجات والهتافات من الصور من تونس ومصر عبر قناة الجزيرة وفيسبوك. وكان النطاق الإقليمي للانتفاضات العربية واسعا بقدر دعواتها القوية إلى الحرية والعدالة الاجتماعية. وحتى الآن في إيران، لا يوجد أي دليل على انتشار هذه الاحتجاجات الجديدة خارج البلاد، على الرغم من المراجعة المكثفة واهتمام وسائل الإعلام. وبدلا من ذلك، تأتي الاحتجاجات وسط حروب إقليمية مكثفة ونداءات متزايدة من قبل إدارة «ترامب» بتمزيق الاتفاق النووي الإيراني ومواجهة طهران بقوة أكبر.

وكان الحشد الناجح في تونس ثم مصر قد خلق حقائق سياسية جديدة، حيث رأى الناس فجأة إمكانية التغيير السياسي، التي كانت في السابق غير واقعية تماما.

وخلال اللحظات الثورية، تبدو القواعد المعتادة للسياسة وكأنها قد توقفت. وتخرج أعداد كبيرة من الناس - كانوا في وقت سابق هادئين سياسيا تماما - إلى الشوارع. ويبدأ المتنافسين منذ فترة طويلة في عقد التحالفات والكفاح معا؛ حيث تشعر النخب الراسخة - منذ فترة طويلة - بعدم اليقين بشأن آفاق البقاء والاستمرار. وخلال هذه اللحظات، قد تتحول النوايا والتوقعات والتطلعات بسرعة؛ فما بدأ كاحتجاج اقتصادي قد يصبح مطلبا لتغيير النظام؛ وما بدأ كدعوة للانتخابات المبكرة قد يتحول إلى مطالب بتغيير ثوري.

وفي تونس ومصر، بقيت الحشود الضخمة في الشوارع، مما خلق ضغوطا لا يمكن مقاومتها، مما أجبر الرؤساء - الذين حكموا منذ فترة طويلة - على التنحي في أقل من 3 أسابيع. ولكن من الصعب مواصلة الحشد إلى ما لا نهاية. ويختفي التفاؤل المبدئي، ويكون من الصعب الحفاظ على اللاعنف، وتظهر الاختلافات في الطموحات السياسية، ويؤدي التطلع إلى السلطة إلى وقوع الخسائر.

وبالتالي، يكون لدى كل نظام حافز لانتظار انتهاء الطوفان والبقاء على قيد الحياة بأي وسيلة ضرورية. وقد عانى كل نظام عربي - تقريبا - من الهجمة الأولية للحشد الشعبي عام 2011، وقد بقي معظمهم في السلطة. وقد نجا نظام البحرين من خلال القمع العنيف المدعوم من الخارج وحملة الانتقام الطائفي. وتجاوز ملوك الأردن والمغرب المطالب الشعبية من خلال الإصلاحات الدستورية والقمع الانتقائي. وقد شن النظام السوري حربا وحشية ضد منافسيه بمساعدة إيران. ولن يفوت النظام الإيراني هذه الدروس، حيث أنه - مثل أي نظام آخر في الشرق الأوسط - يعطي الأولوية لبقائه على كل شيء آخر.

على المحتجين جذب دعم أوسع للفوز

ولدت الانتفاضات العربية قوتها الهائلة من خلال جلب أعداد هائلة من غير النشطاء إلى الشوارع. ففي مصر، على سبيل المثال، كان الناشطون الشباب يحتجون بطرق إبداعية لعقد من الزمان قبل عام 2011، لكنهم لم يتمكنوا من تلقاء أنفسهم من تشكيل تهديد خطير للدولة. وتشابه إيران مصر في تاريخها من الاحتجاج والنشاط، فضلا عن وسائل الإعلام القوية، أكثر مما في معظم الدول العربية، التي كانت تسيطر بلا كلل على جميع أشكال السياسة العامة. وكما هو الحال في مصر، لم تكشف احتجاجات إيران بعد سوى القليل من المظالم الشعبية التي لم يفهمها حكام البلاد على نطاق واسع.

وهناك أدلة على وجود صدمة من حجم الاحتجاجات ومجالها، لكن من غير الواضح ما إذا كانت قد أسفرت عن دوائر جديدة قد تنضم إلى التحدي المقبل. وتعد الاحتجاجات الإيرانية مثيرة للإعجاب في انتشارها الجغرافي، ولكن يبدو أنها صغيرة جدا عدديا مقارنة بالانتفاضات العربية الأولى (أو الحركة الخضراء الإيرانية عام 2009).

وفي تونس، بدأت الاحتجاجات في الجنوب المهمل، لكنها انتقلت بسرعة إلى العاصمة، وحصلت على دعم منظمات المجتمع المدني القوية. وحتى الآن، يبدو أن الاحتجاجات الإيرانية بلا قيادة، وتتركز بين الشباب والطبقات الدنيا والطبقة العاملة، التي لا تهتم بالسياسة الرسمية، وتنأى عن المجتمع المدني القائم. وهذا يشكل تحديا للإصلاحيين الإيرانيين والناشطين في المجتمع المدني، الذين هم غير متأكدين من هوية وتطلعات هؤلاء المتظاهرين الجدد.

عادة ما تكون خيارات العسكريين حاسمة

ركزت كمية هائلة من البحوث حول الانتفاضات العربية على ردود الفعل المتباينة من مختلف الجيوش. وفي تونس ومصر، يسر الجيش مغادرة الرئيس، في حين انقسم الجيش في اليمن لتبدأ أشهر من الشلل السياسي، وفي ليبيا اندلعت الحرب الأهلية تقريبا منذ البداية.

وفي معظم حالات الانتفاضات العربية الأخرى، بقيت القوات العسكرية موالية وبعيدة عن المشهد. وبينما يتزايد العنف في إيران - حيث يتصارع المتظاهرون مع قوات الأمن - لا توجد علامات تذكر في هذه المرحلة على وجود أي انشقاق حقيقي بين قوات الأمن الإيرانية. وكما قال الخبير بشؤون إيران «كريم ساجابور»: «إن الجهاز القمعي الهائل للنظام الإيراني لا يزال متماسكا وملتزما وممارسا بشكل جيد لعملية القمع». وإذا اختار النظام تصعيد قوته القمعية، فإنه يتمتع بميزة الأغلبية الساحقة، وقلة القيود الدولية على سلوكه.

وسيحاول النظام الإيراني التوازن في أعمال العنف القمعية لردع الاحتجاجات الجديدة، دون إغضاب الدوائر الانتخابية غير المحظورة. وكما قالت الناشطة والكاتبة «مريم نايب يزدي»، فإن اختيارات النظام في عملية القمع تتشكل حسب نوع ومدى التحدي. ويطرح هذا مشاكل سياسية خاصة أمام الرئيس «حسن روحاني». كما كتب الباحث «علي كاديفار»: «في حملة عام 2017، انتقد روحاني علنا المتشددين بسبب أساليبهم الاستبدادية. وانتقد منافسيه المتشددين لقمعهم المعارضة، وانتقد السلطة القضائية لانتهاكها الدستور، وطالب بوقف تدخل الحرس الثوري في السياسة». وسيتم اختبار هذه الالتزامات في الأيام المقبلة، مع استعداد خصوم «روحاني» السياسيين للاستفادة من الوضع الراهن.

أما بالنسبة للمتظاهرين، فيجب عليهم أيضا اتخاذ قرارات صعبة بشأن العنف، خاصة إذا بدأت المظاهرات تفقد الزخم أو ازداد قمع النظام لها. وتكون الحركات المنظمة والمنضبطة أكثر قدرة على الاستدامة في الحملات السلمية مع مرور الوقت. ويبدو أن الاحتجاجات الإيرانية من المرجح أن تكون مفتوحة للتصعيد على الأرض، بغض النظر عن أي قرارات استراتيجية. وكلما استخدم المتظاهرون العنف، كان من الأسهل على النظام تبرير إطلاق العنان لآلته القمعية.

وسائل التواصل الاجتماعي «سلاح ذو حدين»

ويشابه الانتشار السريع لمقاطع الفيديو للاحتجاجات في إيران واحدة من السمات الأكثر أهمية في الثورات العربية. وقد سهلت الهواتف الذكية تصوير مقاطع الفيديو من كل مكان، وسهل تطبيق «تليغرام» ووسائل التواصل الاجتماعي الانتشار السريع للاحتجاجات، ووصلت أخبارها - بشكل غير متوقع - إلى كل مكان في العالم تقريبا. وتمكن هذه الوسائل من تنسيق ونشر أساليب وشعارات التظاهر داخل البلاد، وتسمح للمتظاهرين بإيصال رسائلهم إلى المجتمع الدولي.

لكن وسائل التواصل الاجتماعي تنشر أمراضا داخل حركات الاحتجاج أيضا. ويؤدي ميل وسائل التواصل الاجتماعي نحو التكتل الأيديولوجي والحزبي إلى خلق «فقاعات» من المعلومات غير الصادقة قد تمكن للاحتجاجات على المدى القصير، ولكنها تدفع للاستقطاب في وقت لاحق. والأهم من ذلك، قد تنقل وسائل التواصل الاجتماعي انطباعات مضللة للغاية عن الأحداث، وخاصة مع وجود عدد قليل من الصحفيين على الأرض لتقديم صورة من الواقع.

السياسة الأمريكية

شكلت الثورات العربية تحديا حرجا للسياسة الخارجية الأمريكية، من خلال فرض الحسابات والتوازن بين الدعم الخطابي للديمقراطية والتحالفات طويلة الأمد مع الدكتاتوريين. قد تتطلب عملية دعم حركة ديمقراطية تستهدف أحد الحلفاء خيارات صعبة حقا. ولا تشكل الاحتجاجات الإيرانية مثل هذا الاختبار. حيث لن يكون شيء أسهل بالنسبة لواشنطن من الدعم الخطابي والسعي لاستغلال الاضطرابات المحلية ضد خصمها المعلن، لكن قد لا يكون لهذا الخطاب أهمية داخل إيران.

ولم يكن الملايين من المصريين في الشوارع - عام 2011 - ينتظرون توجيهات الرئيس «باراك أوباما»، ولا يتخذ المتظاهرون الإيرانيون قرارات اليوم بناء على تغريدة رئاسية من «ترامب». لكن دروس الانتفاضات العربية بالنسبة لإيران يجب أن تتضمن جرعة صحية من الحذر أمام قدرة الولايات المتحدة على السيطرة على الأحداث أو تشكيلها، وفهم الحجم الكامل للنتائج المحتملة، السلبية منها والإيجابية على السواء.

المصدر | مارك لينش - واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

الاحتجاجات الإيرانية الانتفاضات العربية الثورات العربية السياسة الأمريكية