الروائي الإيراني «أمير أحمدي» يكتب لـ«ن.تايمز»: لماذا «يتظاهر» الإيرانيون؟

الخميس 4 يناير 2018 04:01 ص

هذه هي الانتفاضة الواسعة الثالثة التي تشهدها إيران في حياتي. وفي يوليو/تموز عام 1999، اندلع احتجاج سلمي بين الطلاب للمطالبة بحرية التعبير في انتفاضة كبيرة. وفي يونيو/حزيران عام 2009، خرج الناس إلى الشوارع للمطالبة بإعادة فرز الأصوات المتنازع عليها في الانتخابات الرئاسية، تلك الاحتجاجات التي بدأت الحركة الخضراء، التي طالبت بمزيد من المرونة والمساءلة في الحكومة. وقد جرت في طهران إلى حد كبير، وجذبت الطبقة الوسطى وطلاب الجامعة المتعلمين. وكانت كلتاهما سلميتين وحافظتا على نهج اللاعنف.

لكن تبدو الاضطرابات الحالية مختلفة. وحتى الآن، كانت الطبقة الوسطى والمتعلمين تعليما عاليا أكثر المشاركين. لكن لا يبدو مبدأ اللاعنف مقدسا. وقد تكثفت الاحتجاجات في المدن الدينية الصغيرة في جميع أنحاء البلاد، تلك المدن التي كانت الحكومة توليها رعاية خاصة وتهتم بدعمها. وقد تخلفت المناطق الحضرية حتى الآن عن الركب.

وتعد مطالب حرية التعبير وحقوق المرأة والأقليات الدينية - في معظمها - إما غائبة أو متضمنة بشكل غامض. وفي واحد من مقاطع الفيديو النادرة لتحدث المتظاهرين إلى وسائل الإعلام، في حين يذكرون جميعا البطالة والتضخم ونهب الثروة الوطنية، تطلب امرأة من الرئيس «حسن روحاني» أن يحاول العيش فقط على راتبها البالغ 300 دولار في الشهر. وتتحدث امرأة مسنة عن زوجها - البالغ من العمر 75 عاما - الذي يعمل لساعات طويلة لتغطية نفقاتها. وتختلف الهتافات أيضا هذه المرة. وقد اختفت هتافات «أين ذهب صوتي؟» و«الحرية للسجناء السياسيين» التي هيمنت على احتجاجات عام 2009. وتم استبدالها اليو بهتافات مثل «لا للتضخم» و«يسقط الاختلاس» و«لا لحكم الملالي».

ولا تعد الاحتجاجات على المظالم الاقتصادية جديدة في إيران، وكانت أعمال الشغب بسبب التضخم قد اندلعت في «مشهد» في التسعينات، وظهرت الإضرابات المتكررة من قبل اتحاد سائقي الحافلات في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إضافة إلى الاحتجاجات من قبل المدرسين بسبب الأجور المتأخرة. ولم تكد تلك الأصوات يتم سماعها. وبعد أن توسعت وسائل الإعلام والتغطية، تحولت الاحتجاجات من قاع المجتمع إلى أعلاه.

ومنذ الثورة عام 1979، عرفت السياسة الإيرانية الانقسام بين الإصلاحيين والمتشددين المحافظين الذين يقولون انهم مكرسون للحفاظ على مبادئ الثورة. وخلال انتفاضات 1999 و2009، حظي المتظاهرون بدعم من الإصلاحيين الأقوياء. أما هذه المرة، فقد تم تجاوز هذه الثنائية. ولا يريد المتظاهرون دعم أي شخص مرتبط بالوضع الراهن، بما في ذلك «روحاني»، الرئيس الإصلاحي. ولا عجب من أن الشخصيات الإصلاحية البارزة - حتى «إبراهيم نبوي» - الصحفي المعارض الذي يعيش في المنفى - قد قلل من قيمة المتظاهرين بوصفهم بـ «الغوغاء آكلي البطاطا».

وقد حذر الاقتصاديون والمثقفون الإيرانيون - منذ زمن طويل - من أن شيئا من هذا القبيل قد يحدث. وفي أوائل عام 2015، كتب «محسن ريناني» - أستاذ الاقتصاد بجامعة أصفهان - رسالة مفتوحة إلى مجلس صيانة الدستور - أعلى هيئة دينية في إيران وأحد أقوى مؤسسات البلاد - معربا عن قلقه العميق إزاء ارتفاع معدلات التضخم وعدم كفاءة الحكومة. وتوقع «ريناني» أنه إذا لم يتم تناول قضايا مثل البطالة المتنامية في غضون عامين، فإن إيران ستواجه اضطرابات. ونشر «برويز سيداجات» - وهو خبير اقتصادي سياسي بارز آخر - مقالا قبيل اندلاع الاحتجاجات لمناقشة كيفية قيام النظام الاقتصادي الإيراني بتفريق المواطنين إلى درجة أولى ودرجة ثانية، محذرا من أن بعض المؤسسات الحكومية أصبحت تشكل تكتلات اقتصادية أكثر قوة من الدولة. وأظهرت دراسة مفصلة - نشرت الشهر الماضي من قبل خدمة بي بي سي باللغة الفارسية - الانخفاض المقلق لدخل الأسرة على مدى العقد الماضي. ولم تتسبب ميزانية التقشف التي وضعها «روحاني» - التي قدمها إلى البرلمان في 10 ديسمبر/كانون الأول - سوى في سكب الوقود على النار المتصاعدة.

وخلافا للعقود الأولى في إيران ما بعد الثورة، لم يعد الأغنياء الآن يخفون ثرواتهم. وحتى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان هناك ما يشبه الاتفاق الضمني بين المختلسين للاحتفاظ بمظهر متواضع في الداخل، في حين يغسلون أموالهم في دبي وتورنتو. ومن ناحية أخرى، لا يجد نسل الألفية الجديدة الرعاية الكافية. ويتصرف الشباب الإيرانيون الأثرياء كطبقة أرستقراطية جديدة لا تدرك مصادر ثروتها. ويقودون بوقاحة سياراتهم البورش والمازيراتي عبر شوارع طهران أمام عيون الفقراء، وتجد بعدا آخر لثرواتهم على إنستاغرام. ويرى الإيرانيون صورا لأفراد العائلات الثرية في السلطات وهم يشربون وينزلون على الشواطئ في جميع أنحاء العالم، في حين يتم اعتقال بناتهم إذا لم يلبسن وشاح الرأس، ويحتجز أبناؤهم لشراء الكحول. وقد أدت تلك الازدواجية في المعايير إلى غضب عام هائل.

ويشبه قادة إيران اليوم من كانوا يجلسون في قمة هرم السلطة في إيران في ثورة 1979، حين قال «الشاه» إنه «سمع صوت الثورة»، وكانت تلك بداية نهايته. وقد تعزز هذا الانطباع في الربيع العربي، حين حاول «زين العابدين بن علي» في تونس و«حسني مبارك» في مصر استرضاء المتظاهرين. وبالنظر إلى «بشار الأسد» في سوريا، نجد أنه لم يعترف حتى بوجود المعارضة ولا يزال في منصبه.

وقد عاشت إيران عدة توترات. وقد أتقنت الحكومة فن البقاء على قيد الحياة عبر الأزمات. وقد يكونون قادرين على البقاء في هذه الجولة أيضا، ولكن شيئا ما قد تغير جذريا؛ فالدعم الذي لم يكن هناك شك فيه من قبل سكان الريف ضد الاستياء التي تعبر عنه النخبة الحضرية لم يعد قائما. والآن، يبدو الجميع غير راضين.

  كلمات مفتاحية

الاحتجاجات الإيرانية الثورات العربية الحركة الخضراء روحاني احتجاجات إيران خامنئي