على خطى العثمانيين.. حول النفوذ التركي في شمال أفريقيا

السبت 6 يناير 2018 06:01 ص

حاولت الحكومة التركية منذ عدة سنوات تعزيز العلاقات مع الدول التي كانت في السابق جزءا من الإمبراطورية العثمانية، ويعد هذا جزءا مما يعتبر عودة تركيا كقوة إقليمية. ومن بين المناطق التي حاولت فيها تركيا توطيد وجودها شمال أفريقيا، حيث أمضى الرئيس التركي الكثير من الوقت الأسبوع الماضي في زيارات هناك. ولكن من المهم أن نتذكر أن أنقرة لا تزال تواجه عددا من العوائق التي تعترض استعادة مجدها السابق.

إحياء التأثير التركي

وقد زار الرئيس «رجب طيب أردوغان» السودان وتونس وتشاد فى ما يبدو في ظاهره أنه رحلات دبلوماسية روتينية تهدف إلى الحفاظ على العلاقات الثنائية. وأكدت الصحافة التركية والدولية على وجه الخصوص على زيارة السودان، وأبرزت خطة تركيا لاستعادة ميناء سواكن على البحر الأحمر حيث توقف الميناء منذ أكثر من قرن من الزمان، ولكنه كان ميناء رئيسيا خلال الوقت الذي حكم فيه العثمانيون السودان. وسوف يستخدم الآن في الغالب للسياحة وخدمة العبارات إلى مكة المكرمة.

وتعد استعادة هذا الميناء جزءا من استراتيجية عثمانية جديدة أوسع لإحياء النفوذ التركي في المناطق التي كان يسيطر عليها العثمانيون. وعلى الصعيد المحلي، حركت الحكومة مشاعر الأتراك منذ سنوات من خلال عدد من التدابير، بما في ذلك استعادة المواقع التاريخية. لكننا الآن نشهد تحركات لتوسيع السلطة التركية على الجبهة الدولية، حتى تشير الصحافة التركية إلى الماضي العثماني للبلاد خلال زيارات «أردوغان» في الخارج.

لكن تركيا لن تكون قادرة على إحياء إمبراطوريتها القديمة إذا لم تتمكن من ضمان بقاءها. ومفتاح البقاء هو الحفاظ على سيطرتها على البوسفور، وهو الممر المائي الحاسم الذي يفصل بين الأجزاء الأوروبية والآسيوية في تركيا وقد اعتمد العثمانيون أيضا على هذا الممر.

قبل فتح «محمد الفاتح» القسطنطينية (إسطنبول الآن) في عام 1453، تمكنت الإمبراطورية البيزنطية من تهديد العثمانيين ومنعهم من الدفاع عن ممتلكاتهم على جانبي المضيق. ويتطلب تأمين البوسفور بناء مناطق عازلة حوله حيث يمكن لتركيا الحفاظ على قدر من التأثير ومنع القوى الأخرى من الاقتراب بما فيه الكفاية لتهديد السيطرة التركية. ويتطلب بناء هذا العمق الاستراتيجي إنشاء نفوذ على أجزاء من القوقاز وفي الأراضي العربية على الجانب الغربي من جبال زاغروس؛ وحماية أو السيطرة على حدودها مع أوروبا في جنوب البلقان؛ والدفاع عن نفسها في شرق البحر الأبيض المتوسط.

ولكن ترکیا تواجه تحدیات لتأسیس عمق في هذه المناطق. ففي منطقة القوقاز، تواجه منافسة من كل من إيران وروسيا. وفي البلقان، يجب أن تتعامل مع الروس والقوى الأوروبية الرئيسية، وبما أن أوروبا تفتقر حاليا إلى قوة رئيسية لذلك هي أقل تهديدا.

وفي الجنوب، تستمر الحرب الأهلية السورية، وهناك حاجة إلى الكثير من المناورات السياسية، وربما العسكرية، لإقامة موطئ قدم تركي هناك.

منافسة أقل

وبناء على ذلك، فإن المكان الوحيد الذي يمكن أن توسع فيه تركيا وجودها هو في شمال أفريقيا حيث ستلاقي المشاركة التركية مع دول مثل السودان وتونس منافسة أقل نسبيا أو تراجعا من القوى الإقليمية الأخرى. إن القيمة الجيوسياسية الرئيسية في شمال أفريقيا هي وصولها إلى البحر الأبيض المتوسط، وإلى الشرق، قناة السويس، التي تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر. وبالنظر إلى أن أوروبا تحد البحر المتوسط من الشمال، فمن الطبيعي أن يكون لها مصلحة في شؤون شمال أفريقيا. ولكن هذا الاهتمام يقتصر حاليا على وقف الهجرة إلى أوروبا.

وتحتاج الولايات المتحدة إلى ضمان وصول البحرية إلى البحر الأبيض المتوسط، ولكن لديها بالفعل هذا من خلال شراكاتها مع الناتو. وتتركز الموارد التي خصصتها واشنطن لأفريقيا في معظمها على العمليات الأمنية في منطقة الساحل والقرن الأفريقي.

وقد أنشأت روسيا مؤخرا وجودا بحريا طفيفا في البحر الأبيض المتوسط لدعم عملياتها في سوريا، ولكن قاعدة الأسطول الروسي بعيدة، والحفاظ على عمليات نشر طويلة وكبيرة في المنطقة صعب لوجستيا. وتركز روسيا جهودها الرامية إلى توسيع نفوذها العالمي بشكل أفضل في أماكن أخرى في الشرق الأوسط أو في مناطق استراتيجية أخرى حيث يمكن أن تتنافس بشكل أفضل. بالإضافة إلى ذلك، إذا كانت روسيا تريد أن تنافس تركيا مباشرة فوق البوسفور، فإنها يمكن أن تقوم باستخدام أسطول البحر الأسود.

وقد كانت كل من السودان وتونس تحت الحكم العثماني خلال أيام الإمبراطورية. وفي القرنين الخامس عشر والسادس عشر، كان للبحرية العثمانية وجود قوي في البحر الأبيض المتوسط، وحافظت على طرق تجارية إلى شمال أفريقيا في معظم هذه الفترة. ومع الأخذ بعين الاعتبار وجود حلف شمال الأطلسي في البحر المتوسط، فمن المرجح أن تثبت أنقرة نفوذها أيضا من خلال الروابط السياسية والاستثمارات الاقتصادية.

عوائق

وبينما تحاول تركيا إعادة تأسيس سلطتها، فإن هناك عددا من العوامل التي لا تزال قائمة في طريقها، وإيران هي أهمها. يذكر أن طهران، التى لها علاقات قوية مع حكومتى دمشق وبغداد، تعوق طريق تركيا فى سوريا والعراق. وحتى في ذروة قوة السلطة العثمانية، لم تتمكن الإمبراطورية من دفع حدودها إلى الشرق البعيد بسبب عوامل جغرافية، بما في ذلك المسافة الطويلة بين إسطنبول وشرق تركيا.

وعلى الرغم من أن العرب يشعرون بقلق عميق إزاء قوة إيران المتزايدة، فإن العرب قلقون أيضا من الصحوة في تركيا ناهيك عن كون مصر، بالنظر إلى حالة اقتصادها، ليست في وضع يسمح لها بالقيادة ولا تزال المملكة العربية السعودية تتعامل مع إصلاحاتها الاقتصادية وانخفاض أسعار النفط. ولا يمكن لأي من هاتين الدولتين مواجهة القوة الإيرانية، وبالتالي فإن الخيار الوحيد القابل للتطبيق هو تركيا. ولكن من خلال دعم العرب للأتراك، فإنهم معرضون لخطر مساعدة تركيا على إعادة تأسيس نفسها كقوة مهيمنة إقليمية.

تاريخيا، كانت الإمبراطورية العثمانية مخططا للهيمنة في المنطقة، وهي مندفعة بقوتها اليوم مرة أخرى.

المصدر | أليسون فيدريكا - جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

تركيا أردوغان شمال أفريقيا تونس السودان الدولة العثمانية