أمريكا وباكستان.. إلى أين تمضي «حرب تكسير العظام»؟

الخميس 11 يناير 2018 11:01 ص

لم تكن بداية عام 2018 سعيدة على العلاقات الأمريكية الباكستانية، ففي شهره الأول يناير/كانون الثاني، هوت التغريدة الأولى للرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» في العام الجديد التي تبعها تعليق المساعدات العسكرية لباكستان، بالعلاقات المتقلبة بين الحليفين إلى أدنى مستوى.

لكن إسلام آباد لا تنوي أن تكون الخاسر الوحيد في معركة «تكسير العظام» التي اندلعت مع بداية العام الجديد، فقد كشفت وسائل إعلام باكستانية، الأربعاء،  نقلا عن وزير الدفاع «خورام داستجير خان» أن إسلام آباد علقت تعاونها العسكري والاستخباراتي مع الولايات المتحدة، معتبرا أن واشنطن تحاول استخدام باكستان كبش فداء لتبرير فشلها العسكري في أفغانستان. 

ومع تصاعد التوتر المتبادل، بدا كل من الطرفين يملك أوراق ضغط تتفاوت في قوتها في المعركة التي أعلن بدايتها «ترامب»، لكن خبراء سياسيين ودوليين رأوا أن طلاقا بائنا بين واشنطن وإسلام آباد لن يلوح في الأفق في ظل الحاجة المتبادلة لكل طرف منهما للآخر. 

تعليق التعاون العسكري والاستخباراتي من قبل إسلام آباد، جاء بعد أقل من أسبوع على اتخاذ واشنطن إجراءات «عقابية» ضدها، تمثلت في إعلان الخارجية الأمريكية تعليق المساعدات الأمنية للجيش الباكستاني تقدر بأكثر من 900 مليون دولار سنويا، وذلك بعد يومين من حجب واشنطن مساعدات أمنية أخرى بقيمة 255 مليون دولار عن باكستان، على خلفية اتهامات «ترامب». 

المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية «هيذر نويرت»، قالت إن إدارة «ترامب» ستستمر في تعليق المساعدات، إلى أن يقوم جيش باكستان، بـ«تحرك حازم» ضد حركة طالبان وشبكة حقاني الأفغانيتين اللتين تستهدفان جنودًا أمريكيين، في أفغانستان المجاورة. 

القرار الأمريكي الذي أطلقت تغريدة «ترامب» شرارته الأولى، قوبل بغضب باكستاني، حيث رأت إسلام آباد أنها تحتاج إلى الاعتراف بتضحياتها في الحرب ضد الإرهاب.

وزير الخارجية الباكستاني «خواجة آصف» من جانبه قال في مقابلة صحفية إن إسلام آباد لم تعد تعتبر واشنطن حليفا «بعد تلك الإجراءات الأمريكية المنفردة». 

واستهل «ترامب» -الذي عادة ما يستخدم موقع التغريدات القصيرة «تويتر» بشكل كبير في الهجوم على خصومه ووسائل الإعلام- العام الجديد بتغريدة قال فيها: «الولايات المتحدة منحت باكستان أكثر من 33 مليار دولار على هيئة مساعدات على مدار الـ15 عاما الماضية، وفي المقابل لم تقدم باكستان سوى الأكاذيب والخدع، معتقدين أن القادة الأمريكيين أغبياء».

ملاذات «حقاني» الآمنة

ويقول الفريق المتقاعد، «طلعت مسعود»، وهو محلل سياسي وأمني حاليا في إسلام آباد للأناضول: «هذا هو أصعب وقت تواجهه العلاقات بين البلدين، لا ينبغي الاستهانة بالأمر خاصة من جانب باكستان، لأن ذلك ينذر بتقويض جهود السلام الإقليمية لاسيما محاولات المصالحة في أفغانستان»، وفق ما نقلته وكالة «الأناضول». 

وشهدت العلاقات بين الحليفين في الحرب على الإرهاب، مزيدا من التوتر منذ أن تولى «ترامب» الرئاسة في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، خاصة بسبب تضارب المصالح في أفغانستان. 

وتتهم واشنطن إسلام آباد بتوفير ملاذات آمنة لـ«شبكة حقاني» التي تحملها مسؤولية العديد من الهجمات العنيفة على القوات الأجنبية في أفغانستان بما فيها العاصمة كابل في الأعوام القلائل الماضية. 

وتنفي باكستان هذا الاتهام الأمريكي وتقول إنها قامت بتطهير 95% من حزامها القبلي الشمالي الغربي على طول الحدود مع أفغانستان من المسلحين عقب سلسلة من العمليات العسكرية منذ عام 2014. 

مع ذلك، يرى الفريق «مسعود» أن «على باكستان إعادة تقييم سياساتها تجاه الجماعات المسلحة بشكل جدي، وهذا ليس فقط في مصلحة الولايات المتحدة ولكن أيضا لصالح باكستان».

ويضيف: «لكن إذا ما أصرت باكستان على أنها قامت بالفعل بتفكيك معسكرات المتشددين، فإنها يجب أن تكون أكثر شفافية».

حرب الأمراء.. وتجارة الأفيون

يقول «عبد الخالق علي»، وهو محلل سياسي في كراتشي جنوب شرقي باكستان وأكبر مدنها، إن على واشنطن أن تفهم أن الحرب في أفغانستان قضية مركّبة ومعقدة للغاية.

ويوضح في حديث لـ«لأناضول» أن «هناك العديد من القضايا مثل تجارة الأفيون والقتال الداخلي بين أمراء الحرب الأفغان والفساد والمنافسة الشديدة بين الرئيس الأفغاني أشرف غني والرئيس التنفيذي عبدالله عبدالله، يجب معالجتها في آن واحد».

وبصرف النظر عن كل هذه التداخلات، فإن التأثير المتزايد للهند، المنافس اللدود لباكستان في السياسة والأمن بأفغانستان، هو أيضا مصدر قلق حقيقي لباكستان يحتاج إلى معالجة من جانب الولايات المتحدة، بحسب «عبدالخالق علي». 

من يخسر أكثر؟

لكن ثمة سؤال يتبادر إلى الذهن حال استمر التصعيد الجاري بين واشنطن وإسلام آباد، يتعلق بمن يكون الخاسر الأكبر؟ سؤال تحدد إجابته قطعا أوراق الضغط التي يملكها كلا الطرفين. 

يقول «مسعود» إن كلا الجانبين، خاصة باكستان، لديهما الكثير مما يمكن أن يخسرانه بشكل أكثر من المكاسب في ظل السيناريو الحالي. 

ويتابع: «إسلام آباد ستتحول إلى الخاسر الأكبر إذا ما استمر الوضع الحالي أو ذهب لما هو أبعد، لأنها أكثر ضعفا وتعتمد اقتصاديا على المساعدات الخارجية».

وبحسب «مسعود»: «واشنطن قد تعلق جميع أنواع المساعدات لإسلام آباد باستخدام نفوذها على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وحتى الاتحاد الأوروبي»، مضيفا أنه «إذا حدث ذلك فإن أفغانستان والهند ستصبحان أكثر عدائية ضد باكستان».

فيما يعتقد المحلل السياسي «عبدالخالق علي»، أن باكستان لديها أيضا بعض الأوراق التي تستطيع توظيفها.

طريق الشمال

ويشرح قائلا: «الولايات المتحدة تستخدم المسارات الجوية والطرق البرية الباكستانية لتزويد قواتها في أفغانستان بالإمدادات، وإذا منعتها باكستان عن ذلك، فإن واشنطن ستضطر إلى استخدام الطريق الشمالي الذي سيكلفها أكثر من ذلك بكثير».

ويلفت إلى أن الموقع الاستراتيجى لباكستان وما يسمى بالنفوذ على حركة طالبان الأفغانية لن يسمح لواشنطن بقطع علاقاتها مع إسلام آباد تماما. 

يذكر أنه في عام 2013، في أعقاب هجوم شنه الناتو وأسفر عن مقتل 24 جنديا باكستانيا، قطعت باكستان طريق إمدادات الناتو إلى أفغانستان.

وباكستان هي طريق لنحو نصف إمدادات الناتو التي يتم شحنها إلى القوات الأجنبية في أفغانستان.

لكن مسؤولا كبيرا في وزارة الخارجية الباكستانية طالب عدم ذكر اسمه كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، نفى أن يكون لدى إسلام آباد خططا فورية لعرقلة طريق إمدادات الناتو ردا على تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية.

في المقابل، كشف المسؤول الباكستاني أن إسلام آباد تدرس رفع الضرائب على البضائع التي يتم توريدها للقوات الأجنبية عبر الحدود باعتبار ذلك «تعويضا» عن خسارة المساعدات، وهو ما رفض «محمد فيصل»، المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية، التعليق عليه.

ورقة ضغط أخرى تملكها باكستان التي تعتبر حليفا وثيقا لكل من الصين وتركيا، وتقترب كذلك من روسيا، وهي تعزيز علاقاتها مع إيران.

سيناريو بالطبع يقلق واشنطن حال حدوثه، كما يقول المحلل «عبدالخالق علي»، الذي أكد أن الولايات المتحدة «لن تريد أبدا تشكيل تحالف إقليمي ضدها». 

الأبواب الخلفية

وبالرغم من تصاعد التوترات الدبلوماسية، فإن البلدين ما يزالان يشتركان في محادثات حول الحرب ضد الإرهاب من خلال قنوات خلفية مستترة، وفقا لما ذكره مسؤولون في البلدين ووسائل إعلام محلية.

المسؤول بالخارجية الباكستانية أكد ذلك قائلا: «لا يزال ممثلون من أعلى القيادات في الجيشين على اتصال حول كيفية كسب هذه الحرب».

والأسبوع الماضي قال وزير الدفاع الأمريكي «جيمس ماتيس» لوسائل إعلام أمريكية إن وزارته ما تزال على اتصال بالجيش الباكستاني فيما يتعلق بحربها ضد الإرهاب.

المصدر | الخليج الجديد + الأناضول

  كلمات مفتاحية

باكستان أمريكا مساعدات استخبارات تعاون حقاني طالبان أفغانستان الهند