ماذا تعني إدارة أنقرة لجزيرة «سواكن» السودانية؟

الجمعة 12 يناير 2018 01:01 ص

يربط البحر الأحمر - تجاريا - بين أفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط. واليوم، يعتبر هذا الممر المائي ذا قيمة استراتيجية حيوية للتجارة الصينية الأوروبية. وفي الأعوام الأخيرة، أنشأت عدة بلدان موطئ قدم عسكري لها على طول الشاطئ الأفريقي في المياه المالحة.

ويذكر أن الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (الصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة) لديها قواعد أو خطط لإنشاء قواعد في جيبوتي أو السودان. وكذلك القوى الغربية الأخرى مثل إيطاليا وإسبانيا.

كما حصلت الجهات الفاعلة الإقليمية - على رأسها تركيا والإمارات العربية المتحدة - على موطئ قدم جيواستراتيجي في هذه البلدان الأفريقية، فضلا عن الاتفاقات الاقتصادية معها، من أجل تعزيز العلاقات الثنائية. وتعد مصر و(إسرائيل) وإيران والسعودية - أيضا - لاعبين عسكريين في البحر الأحمر والقرن الأفريقي.

ويثير هذا السباق لتأكيد أكبر قدر من القوة العسكرية في هذا الكيان المائي - الذي يفصل بين أفريقيا وشبه الجزيرة العربية - أسئلة مهمة حول توازن القوى في البحر الأحمر، الذي يشار إليه أحيانا باسم «البحيرة العربية».

وارتفعت التوترات بين تركيا والدول العربية المختلفة بعد أن وصل الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» إلى السودان، وأجرى محادثات مع الرئيس السوداني «عمر البشير». وأعلن الجانبان عن صفقات بقيمة 650 مليون دولار بين البلدين، وقررت الخرطوم نقل السيطرة على مدينة «سواكن» الساحلية القديمة على البحر الأحمر إلى الأتراك، لإعادة تأهيلها وإدارتها.

ومن شأن وجود قاعدة عسكرية تركية في جزيرة «سواكن» أن يوفر لأنقرة موطئ قدم فريد في البحر الأحمر، على مقربة من مصر وإريتريا والمملكة العربية السعودية واليمن.

ومن خلال قدوم تركيا على مثل هذا الموقف بالقرب من مصر، أضاف «البشير» طبقة أخرى من التوتر لعلاقة القاهرة مع الخرطوم، التي توترت بالفعل جراء نزاع حدودي قديم، فضلا عن تضارب المصالح بشأن قضايا المياه، والدعم المزعوم من مصر للمتمردين في دارفور، واستضافة السودان لأعضاء من جماعة الإخوان المسلمين كانوا قد فروا من مصر في أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق «محمد مرسي» عام 2013.

وهناك متغير آخر خلق المزيد من التوتر بين مصر والسودان، ألا وهو «أزمة قطر» وآثارها على العلاقة بين شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي، وفق التباين في استجابة الدول الأفريقية لنزاع مجلس التعاون الخليجي.

وبالنسبة لمصر - والدول العربية الأخرى - التي ترفض بحماس سياسة تركيا الخارجية في المنطقة وخاصة دعم أنقرة للفصائل الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين - فقد فهمت دخول تركيا إلى البحر الأحمر عبر السودان في سياق الوجود العسكري التركي الذي نشأ مؤخرا في الصومال، بالقرب من العاصمة «مقديشو»، فضلا عن القاعدة العسكرية التركية في قطر.

ومما لا شك فيه، فقد قوض دور تركيا في أزمة قطر مصالح مصر والإمارات وغيرها من الجهات التي لا تقبل طموحات أنقرة بزيادة النفوذ إقليميا وعالميا.

وقد تسبب التحالف العسكري مع أنقرة في منح الدوحة الثقة الكافية لمقاومة الضغط من قبل «اللجنة الرباعية لمكافحة الإرهاب» - البحرين ومصر والسعودية والإمارات - ورفض الطلبات الـ 13 التي أصدرتها الكتلة بعد أن نفذت الحصار منذ 7 أشهر.

وكان أحد المطالب هو أن تغلق الدوحة القاعدة التركية القطرية المشتركة في قطر، ويبقى السؤال كيف سيؤثر الوجود العسكري التركي على أرض السودان على سياسة الخرطوم الخارجية؟. ومع ذلك، فإن مصر قلقة بالفعل من أن دعم السودان من جانب أنقرة قد يدفعها بقوة لتعزيز تطلعاتها للسيطرة على الأراضي على طول حدود البلدين في البحر الأحمر.

وهناك احتمال لإعادة المواءمة بين تركيا وإيران وقطر، لأجل التغلب على خلافاتهم السابقة حول سوريا، وتشكيل شراكة ثلاثية تقوم على معارضة مشتركة للجداول الإقليمية للسعودية والإمارات. وفي الوقت نفسه، لا تزال الرياض وأبوظبي غير مستقرتين بسبب احتمال حصول إيران أو قطر على موطئ قدم في البحر الأحمر، عبر وجود تركيا في جزيرة سواكن.

وبالنظر إلى الصراع العسكري والكارثة الإنسانية في اليمن، فإن هذا البلد العربي الفقير والممزق بالحرب قد يكون واحدا من المجالات الأولى التي سيؤثر عليها التوازن الجديد للسلطة في البحر الأحمر، إذا ما استطاعت طهران تحقيق مكاسب استراتيجية من موطئ قدم تركيا في السودان.

ووفقا لمزاعم «اللجنة الرباعية»، فقد دعمت قطر المتمردين الحوثيين في اليمن، الأمر الذي من المرجح أن يدفعهم ليكونوا أكثر قلقا بشأن تعزيز أقرب حليف إقليمي لها - تركيا - لقوتها العسكرية، عبر القواعد في شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر.

ويعاني السودان من خيبة أمل تجاه ما عول عليه من قطع علاقاته مع إيران في مقابل علاقات أوثق مع دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث لم تكن النتيجة كما هو متوقع، ويتطلع الآن إلى تنويع شراكاته. وفي الواقع، قبل شهر من وصول «أردوغان» إلى الخرطوم، التقى «البشير» مع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في «سوتشي»، وطلب منه أن يعطي السودان «الحماية» من ما يعتبره الرئيس السوداني (التهديدات التي تفرضها الولايات المتحدة).

وبمرور الوقت، قد تجد تركيا وروسيا نفسيهما كفاعلين عسكريين سائدين في البحر الأحمر، بفضل التوازن الجيوسياسي السوداني، والجهود المبذولة لاسترداد جنوب السودان الغني بالنفط، الذي استقل عام 2011.

كما يساعد السودان تركيا وروسيا على الانخراط في البيئة الأمنية للبحر الأحمر، حيث أصبح الشاطئ الغربي للكيان المائي مشغولا بشكل متزايد بالجيوش التابعة للقوى الأجنبية. لكن يظل هناك احتمال أن تنحى تلك الجهات الفاعلة منافساتها الجيوسياسية، وأن تعزز بدلا من ذلك الاستقرار في المنطقة.

وعلى الأرجح، سوف تصبح «البحيرة العربية» أكثر من نقطة ساخنة حيث يستعرض عدد متزايد من البلدان عضلاتها العسكرية لتأمين قدر أكبر من الأوراق في المساومة الإقليمية والعالمية.

المصدر | لوب لوغ

  كلمات مفتاحية

جزيرة سواكن تركيا السودان عمر البشير أردوغان