«وورلد بوليتيكس»: الإصلاحات في الإمارات تجلب مخاطر داخلية كبيرة

الجمعة 12 يناير 2018 07:01 ص

بعد أكثر من 3 أعوام من الركود، يتجه اقتصاد الإمارات العربية المتحدة نحو الانتعاش. وبفضل انخفاض أسعار النفط منذ ديسمبر/كانون الأول عام 2014، اتخذت دولة الإمارات خطوات كبيرة لتنفيذ إصلاحات هيكلية هامة، طال انتظارها، تهدف إلى تحرير وتنويع اقتصادها.

ومن المتوقع زيادة الإيرادات في عام 2018 عبر ضريبة القيمة المضافة البالغة 5%، التي تم طرحها في 1 يناير/كانون الثاني. وفي حين أن جميع الدول الست في مجلس التعاون الخليجي كانت تعتزم مبدئيا تبني مبادرة ضريبة القيمة المضافة معا، فقد شرعت الإمارات والمملكة العربية السعودية في بدء تحصيل الضريبة مع بداية العام.

وزادت بشكل كبير ميزانية الإمارات - بقيادة دبي - في عام 2018، وميزانية السعودية أيضا. وبعد أعوام من إجراءات التقشف التي كانت تهدف إلى كبح العجز المتزايد في الميزانية، تقوم كل من الحكومة الإماراتية والسعودية بتحويل في الاستراتيجيات على أمل إحياء اقتصاداتها من خلال حزم التحفيز.

ولم يكن من الممكن تبرير هذه التدابير في عدم وجود الضغوط المالية الهائلة التي حدثت على مدى الأعوام الثلاثة الماضية نتيجة انكماش أسعار النفط. وباستغلال هذا الغطاء الاقتصادي، قامت الحكومة في أبوظبي بخفض الدعم المرهق، وأعادت تنظيم العديد من الشركات المملوكة للدولة في قطاعي الطاقة والاستثمار. واليوم، أصبح لدى دولة الإمارات الاقتصاد الأكثر تنوعا في مجلس التعاون الخليجي، وتأمل أن يجعلها ذلك أكثر قدرة على الصمود أمام التقلبات المستقبلية في أسواق الطاقة.

ومع ذلك، لا تزال الإمارات تعاني من المشاكل. ولا يزال اقتصادها متشابكا بشدة في أسواق الطاقة، ويمكن أن ترتفع إيرادات الدولة وتهبط مع أسعار النفط. وبينما اتخذ المسؤولون خطوات لتحرير الاقتصاد وتطوير القطاع الخاص في البلاد، لا يزال المواطنون الإماراتيون يعتمدون اعتمادا كبيرا على وظائف القطاع العام.

كما شرعت الإمارات في سياسة خارجية عدوانية إلى جانب السعودية، الأمر الذي دفع البلدين إلى شن حرب كارثية ومكلفة في اليمن، استمرت لفترة أطول مما كان متوقعا لها. وفي الصيف الماضي، اتخذ الحلفاء الخليجيون خطوة مفاجئة دمرت العلاقات مع قطر، التي كانت شريكها الإقليمي في السابق. وقد أدى الحصار المستمر على قطر إلى تقسيم المنطقة إلى معسكرات متنافسة، وشل أعمال مجلس التعاون الخليجي.

توترات داخلية

ويعزز التحرير الاقتصادي والسياسة الخارجية العدوانية التوترات الجديدة في الإمارات بين مختلف الهياكل الحكومية داخل الدولة، وربما قريبا بين الحكام والمواطنين.

وفي إطار النظام الاتحادي لدولة الإمارات، تسيطر أبو ظبي ودبي - وهما أغنى الإمارات السبع - على سياسات الدولة. ومع ذلك، في حين ترتبط اقتصاداتها ارتباطا وثيقا، إلا أن السياسة الخارجية - التي تقودها أساسا أبو ظبي - قد أثرت على نظيراتها الأقل رخاء.

وتملك أبوظبي نحو 94% من احتياطي النفط والغاز في دولة الإمارات. أما دبي، فلم يكن لديها تقريبا أي إيرادات من الهيدروكربونات، وكان عليها أن تطور اقتصاد مختلف للغاية، يقوم على التجارة والبنوك والتمويل والنقل والسياحة، مع خلق مناخ أعمال حر لجذب رأس المال والعمل من جميع أنحاء العالم.

وقال «بيتر ساليسبري»، أحد كبار الباحثين الاستشاريين الذين يركزون على الخليج في برنامج «شاثام هاوس» للشرق الأوسط وشمال أفريقيا: «نظرا لأن أبوظبي تأخذ زمام المبادرة وتدفع البلاد إلى موقف أكثر عدوانية، فإنها تضر ببيئة الأعمال في دبي».

وبالنظر إلى إيران التي تشترك في الحدود البحرية في الخليج مع الإمارات، فقد استخدم الإيرانيون - لأعوام عديدة - دبي كوسيط مالي لتخفيف العقوبات الاقتصادية، وقد استفادت دبي من ذلك. وعلى العكس من أبوظبي التي دفعت - إلى جانب السعودية - باتجاه خط صارم ضد طهران في المنطقة، «لا تهتم دبي بتصعيد التوتر مع إيران»، كما يقول «ساليسبري».

وقال المراقبون إن أي توترات داخلية بين الإمارات السبع لا تزال تحت السطح في الوقت الحاضر، إلا في المحادثات الخاصة. ولا تزال أبوظبي تحتل اليد العليا فوق دبي، حيث ساعدتها عام 2009 عندما كانت دبي مدينة بمليارات الدولارات.

ويقول «ساليسبري»: «ليس انقساما». وأضاف: «هناك توترات. فقيادة دبي والتجار يشعرون بأن مسار السياسة الخارجية الأكثر عدوانية الذي رسمه محمد بن زايد - الحاكم الفعلي لدولة الإمارات - يضر بمصالحها وتكوينها الاقتصادي».

وقد كان لسياسة الإمارات تجاه قطر أثر مماثل. وتعد موانئ دبي محطة عبور هامة لدول الخليج الأخرى، بما فيها قطر. ولكن بسبب الحصار، لم يعد بوسع سفن الشحن أن تذهب من دبي إلى الدوحة، مما يضر بالتدفق الحر للأعمال والتجارة. وقد انتقلت بعض الأعمال التجارية في قطاع الشحن والتجارة إلى عمان، التي لا تزال بعيدة عن أزمة قطر، وهي أكثر حيادا سياسيا تجاه إيران.

لكن التوترات السياسية الناجمة عن الأزمة المالية والسياسة الخارجية الأكثر حزما لا تقتصر فقط على العلاقات بين الإمارات الأكبر في دولة الإمارات.

وفي حين أن الإصلاحات الاقتصادية تجعل الإمارات أكثر مرونة، فإنها تغير تدريجيا طبيعة الدولة الريعية، حيث تستخرج الحكومة الثروة المعدنية وتوزع الأرباح كما تراه مناسبا - مع ذهاب معظم الأموال إلى القيادة - ولكن بما يكفي للحفاظ على احتواء الشعب. وفي الماضي، كان الكثير من جهود زيادة الإيرادات - التي نفذتها الحكومة - تتجه نحو العمالة الوافدة، من أجل تجنب التكلفة السياسية لرفع الأسعار أو فرض رسوم على المواطنين الإماراتيين. ومع ضريبة القيمة المضافة، تنتهي تلك الأيام؛ حيث يدفع الجميع الضرائب على السلع والخدمات التي يشترونها ويستخدمونها. كما تسعى الإمارات وباقي دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى إلى القضاء على الدعم المكلف للبنزين والمياه والكهرباء، حيث ينظر العديد من المواطنين إليها كاستحقاقات في بلدانهم الغنية بالنفط والغاز.

ومع تغير النموذج الاقتصادي، قد تتغير كذلك العلاقة بين الحكام والمواطنين الإماراتيين، ويمكن ظهور مطالب جديدة لدى المواطنين. وربما يتوقع من الحكومة أن تتخذ خطوات بالفعل لتكون أكثر شفافية حول كيفية إنفاقها للمال. وقد قام قادة مثل الشيخ «محمد بن راشد آل مكتوم» - حاكم دبي - بالإعلان للجمهور عن مساءلة المسؤولين الحكوميين عن عدم الحضور في العمل في الوقت المحدد، أو لأشكال أخرى من المخالفات.

وحتى الآن، ظلت سياسات الدولة ومساءلة القيادة خارج معظم المناقشات العامة، ناهيك عن النقد. وبعد أعوام من تطوير جهاز متطور للمراقبة والقمع، فإنه من المرجح أن تبقى على هذا النحو في المستقبل المنظور. ولكن كل التغييرات لها عواقب.

وكتبت «يونغ» في الخريف الماضي: «يميل التحرر الاقتصادي إلى أن يجلب معه انفتاح اجتماعي، إن لم يكن سياسي في الغالب. ومن خلال الاعتراف - علنا - بالحاجة إلى الإصلاح الاقتصادي، تتخذ دول الخليج خطوة نحو المجهول».

المصدر | وورلد بوليتكس

  كلمات مفتاحية

الإمارات العربية المتحدة أبوظبي دبي الإصلاح الاقتصادي التحرير الاجتماعي محمد بن راشد محمد بن زايد