مجتمع الألغاز والغموض: في السعودية .. لا يمكنك ببساطة أن تعرف

الخميس 29 يناير 2015 05:01 ص

كانت أحد محاضراتي الأخيرة لُطُلابي في مدرسة الدراسات العليا تحت عنوان «كيف عرفت؟»، وكان الهدف هو دلّ الطلاب على آلية الضوابط المختلفة لتقييم الأدلة المُتعلقة بالعلوم الاجتماعية والإنسانيات والعلوم الصعبة. لقد كانت دورة رائعة أحبها الطلاب كما أحبها المدربون. وآمل أن جامعة بنسلفانيا لا تزال تقدم مثل ذلك؛ لأن الكثير من الناس الذين يكتبون عن المملكة العربية السعودية بعد وفاة الملك «عبد الله» منذ صباح يوم الجمعة - بتوقيت السعودية - بحاجة إلى مثل ذلك. وأعود لأقول إنها رغم ذلك ربما لا تساعد. في الكثير من الحالات لا يتعامل المُعلّقون - سواءً أكانوا خبراء أو نقاد - مع أي دليل على الإطلاق. إنهم يقومون فقط بتكرار الشائعات أو إصدار التصريحات العميقة - الشبيهة بتصريحات «لورانس العرب» في 1962م - والتي في المجمل لن تُقدم شيئًا لعائلة آل سعود، ولكن لمنافسيهم الحجازيين والهاشميين.

أما نصيحتي؛ فأطلب من الجميع أن يرجعوا خطوة الى ما وراء خيمتهم الصحراوية المجازية، وليأخذوا نفسًا عميقًا، ورشفة من قهوة الحبهان بينما هم يمضعون التمر، ويفهموا - بأقصى ما لديهم - ما حدث وما لم يحدث في المملكة العربية السعودية.

بعد فترة وجيزة من دخول الملك «عبد الله» إلى مستشفى الرياض يوم 31 ديسمبر/كانون الأول 2014م، كانت هناك طوفان عارم من تحليلات تشير إلى أن المملكة العربية السعودية كانت متجهة لـ«أزمة» خلافة مع عواقب وخيمة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. كل شيء يكون دائمًا أزمة عندما تكون مضطرًا لهزيمة منافس بالضربة القاضية، ولكن واقع تغيير القيادة في المملكة العربية السعودية كان مُختلفًا تمامًا بالطبع.

 آليات نقل الخلافة للملك الحالي «سلمان» جاءت على نحو سلس. وقد ارتقى الأمير «مقرن بن عبد العزيز آل سعود» إلى منصب ولي العهد، و«محمد بن نايف» - حفيد مؤسس المملكة العربية السعودية - تمّ تعيينه كنائب لولي العهد، ما تسبب في عملية تغيير للأجيال في القيادة السعودية. ربما يكون هناك سياسات تسببت في هذا كله، ولكن لا أحد خارج العائلة المالكة يمكنه أن يرى ذلك، فبمجرد وفاة الملك «عبد الله» اجتمع الملوك على طريقة تسيير الأمور، ببساطة، لقد وحدوا الصفوف.

 لم يحدث أن كان هناك انقطاع في العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على الرغم من أن العلاقات كانت تحت ضغوط تفاوتت درجة شدتها علوًا وانخفاضًا في الآونة الأخيرة. ولتعزيز أهمية العلاقة؛ سافر الرئيس «باراك أوباما» إلى الرياض لتقديم العزاء في وفاة الملك «عبدالله». وبطبيعة الحال؛ يأتي موت «عبد الله» في لحظة صعبة للمملكة العربية السعودية؛ فتهديدات تنظيم «الدولة الإسلامي» على أعتابها، واليمن قد سقط في يد رجال القبائل الحوثيين الذين تعتبرهم السعودية وكلاء لإيران، والحرب الأهلية في سوريا مستمرة، والعراق بات مفككًا، وعدم الاستقرار سيد الموقف في مصر، وأسعار النفط منخفضة.

«لا تذكر الموتى بسوء»؛ هي موعظة صحيحة ومناسبة ينبغي أن يطبقها أصحاب النوايا الحسنة. وفي الوقت نفسه؛ لا ينبغي لنا أن نُمجّد شخصًا متوفيًا عندما لا يكون أهلاً للتمجيد. وأنا على استعداد تام لقبول أن الناس في المملكة العربية السعودية دعموا وأيدوا الملك «عبد الله،» كما أن التقارير الصحفية تشير إلى أنه كان «يحظى بشعبية». لكن، كيف يمكن لأحد أن يعرف ذلك فعلاً؟ أنا لست على علم بأي مقياس موثوق للرأي العام في المملكة العربية السعودية التي من شأنه أن يقود أي شخص لرسم هذا الاستنتاج. وبالإضافة إلى ذلك، علينا أن نكون على يقين بأن إنجازات العاهل الراحل خلال عشرين عامًا في السلطة من البداية باعتباره الحاكم الفعلي في الوقت الذي كان فيه سلفه الملك فهد عاجزًا ثم ملكًا جالسًا على العرش في بلده كانت محدودة نوعا ما.

لقد كان التغيير في المملكة العربية السعودية بطيئًا ومُحبطًا. أعلم أن بناء توافق في الآراء بين العائلة المالكة والمؤسسة الدينية كان بمثابة عملية مُضنية، ولكن حتى مع ذلك فإن عشرين عامًا لتحقيق ذلك هو زمن طويل. كانت هناك قصص مستمرة تزعم أن «عبد الله» كان مُصلحا، ولكن لا يمكن لأحد أن يبلور لي ما الذي كان يدفع إليه بالفعل وما الذي أراده. يبدو لي أنه أراد ما يريده كل فرد في الأسرة المالكة السعودية الاستقرار والعمل على النحو المعتاد.

ربما التغيير الاجتماعي والسياسي من أعلى إلى أسفل في المملكة العربية السعودية هو أمر من الصعوبة بمكان، لكن الملك الراحل «عبد الله» فشل في مناطق أخرى كذلك. أتذكر حضور منتدى جدة الاقتصادي في مطلع عام 2006 حيث حضرت عرضًا عن خطة «عبد الله» لبناء خمس مدن ذكية جديدة فائقة التكنولوجيا محورها سيكون «مدينة الملك عبدالله الاقتصادية». حوالي ستين ميلاً الى الشمال من مدينة جدة على ساحل البحر الأحمر، من المفترض أن تكون مركزًا اقتصاديًا ومكانًا لتخفيف القيود الاجتماعية سيئة السمعة في المملكة العربية السعودية.

عندما أتيحت لي فرصة زيارة «مدينة الملك عبدالله الاقتصادية» بعد أربع سنوات كان من الواضح أنهم كانوا يسيرون في طريق تخفيف نطاق خططهم الكبيرة من خلال التركيز على النشاط حول ميناء الملك عبد الله الذي لم يكتمل بعد. كانت الأمور سيئة للغاية؛ بحيث اضطرت «إعمار» الى قبول اتفاقات إعادة التأجير لعدد قليل من الناس الذين اشتروا في وقت مبكر ليعشوا حلم «مدينة الملك عبدالله الاقتصادية». كان هناك تقدم في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية حين زرتها لكنه انخفض دون مستوى ما وعد به «عبد الله». أحد المدن الأربعة الأخرى توقف العمل تمامًا فيها، وهناك بعض التطوير في البنية التحتية في موقع مدينة جازان الاقتصادية، أما المدينيتن الأخريتين – مدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد الاقتصادية ومدينة المعرفة الاقتصادية في المدينة المنورة – فلا تزال مجرد أفكار عظيمة منصوص عليها في المواد التسويقية.

وعند النظر في تركة الراحل «عبد الله»؛ دعنا نضع في اعتبارنا أيضًا أنه ترأس مجتمعًا أنتج معظم خاطفي طائرات الــ 11 من سبتمبر/كانون الأول. وكما كتبت من قبل في أماكن أخرى، فإن تنظيم القاعدة - في مراحله الأولى - كان عبارة عن منظمة مصرية استفادت إلى حد كبير من ثروة «أسامة بن لادن» الشخصية. ومع ذلك؛ فإنه لا ينكر أحد أن السعوديين كانت يعانون من مشكلة التطرف في ظل حكم «عبد الله»؛ والتي على ما يبدو أنهم كانوا ينكرونها تمامًا حتى بدأ الإرهابيون استهدافهم في عام 2003.

وفي الآونة الأخيرة؛ أشرف «عبد الله» على قطع رؤوس سبعة وثمانين فردًا في عام 2014؛ معظمهم من العمال المغتربين الفقراء الذين لا يهتم بهم أحد.

وحتى الآن في هذا العام الذي لم يمر منه سوى 26 يومًا قام الجلادون السعوديون بفصل عشرة رؤوس جديدة عن أجسادها. ولعل الملك «سلمان»، الذي وصفه الصحفي البريطاني «روبرت ليسي» - مؤلف كتاب المملكة الذي انتشر بشدة وحظي بنقد واسع – بأنه «ابن الصحراء طويل القامة المنتصب»، يضع حدا لهذه الممارسات البشعة، ولكنه ليس من المرجح على أي حال

إن المملكة العربية السعودية عبارة عن مجتمع سياساته غامضة بشكل ملحوظ، وبالتالي يستعصي على الفهم. القصص الصحفية والأعمدة والافتتاحيات والتحليلات الفورية بمختلف أنواعها قد لا تكون مجدية.

المصدر | ستيفن كوك، كاونسل أون فورين ريلايشن

  كلمات مفتاحية

السعودية المملكة الملك عبدالله خلافة عبدالله الملك سلمان

مركز «بيجن»: ماذا تعني عودة ”السديريين“ في السعودية؟

عودة ”السديريين“: «بن نايف» وليا لولي العهد .. و«بن سلمان» وزيرا للدفاع ورئيسا للديوان الملكي

محطات في حكم الملك «عبدالله» .. إصلاحات داخلية حذرة وسياسة إقليمية مثيرة للجدل

الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» في ذمة الله ... ومبايعة الأمير «سلمان» ملكا للسعودية

أين المجتمعات المدنية في النظام العربي ؟