المسلمون خائفون من المطالبات بحظر الحجاب في المدارس البريطانية

الأحد 14 يناير 2018 08:01 ص

انتشرت في الآونة الأخيرة، موجات الفوبيا من مظاهر السمت الإسلامي في الدول الأوروبية، وتم تطبيق قوانين تحظر ارتداء الحجاب بداية في المدارس الفرنسية وبعض الدول الغربية، لكن تلك الموجة طالت بريطانيا التي لطالما تباهت بتوفيرها مساحات لـ«حرية التعبير والمعتقد».

وفي تقرير لصحيفة «القدس العربي»، تقول «وجدا الربيعي» إن ما يقلق المهاجرين المسلمين أن القضية تأتي ضمن ما يعرف بـ«مسلسل مكافحة الإرهاب الذي أخذ أشكالا عديدة أعاقت ممارسة المسلمين لطقوسهم الدينية».

وكان من أبرز تلك المعوقات «الإسلاموفوبيا» التي تسببت في ازدياد مشاعر وسلوك الكراهية ضد المسلمين وكل الرموز الدينية الإسلامية.

وتشير الكاتبة إلى أن الضحية الأكبر لتلك الموجات دائما ما تكون المرأة المسلمة المحجبة تحديدا التي تعرضت في الآونة الاخيرة إلى الكثير من التمييز بسبب لباسها وحجابها سواء في العمل أو المدرسة أو الشارع، كما أصبحت ضحية لاعتداءات مثل الضرب والبصق ورش مادة «الأسيد»، ما اضطر السلطات إلى إجراء تدابير أمنية لحمايتها في حال تعرضت للخطر.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تطور وفق الصحيفة، إلى مشروع قرار أعلنت عنه «أوفستيد» وهي هيئة تفتيشية للمدارس تابعة لوزارة التعليم البريطانية، عن إجراء استجوابات للطالبات المسلمات وتحديدا في المرحلة الابتدائية وذلك لمعرفة إن كان ارتداء الحجاب في هذه السن المبكرة ناجما عن ممارسة ضغوط عليهن من قبل العائلة.

وتوضح «القدس العربي»: «مشروع القرار لم ينفذ بعد حيث اعتبره البعض يمس بحرية المعتقد وقد تم توقيع عريضة رفضا للإعلان من قبل أكثر من ألف أكاديمي بريطاني من الجامعات البريطانية معتبرين الإعلان خرقا للحريات الدينية، بينما يرى البعض الآخر أنه يجب منع أي شكل من أشكال الرموز الدينية تشمل مختلف الديانات ليشعر الأطفال أنهم ينتمون لمجتمع واحد ولا فرق بين أحد».

وتتمثل التخوفات في مدى تعارض حظر الحجاب لو تم مع حرية المعتقد والعلاقة بين الحجاب واضطهاد المرأة كما يرى بعض الغربيين.

وطرحت «القدس العربي» أسئلة على أكاديميات وناشطات مسلمات يقمن في بريطانيا، كان من بينها «هل منع الحجاب في المدارس البريطانية يعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان؟ وما مدى خطورة الربط بين الحجاب والإرهاب في المجتمعات الغربية؟ وهل هناك تقصير في التعامل مع هذا الموضوع من قبل أئمة المساجد والمراكز الإسلامية في بريطانيا؟

أجندة ممنهجة

تقول «لانة الصميدعي»، عضو رابطة دار السلام العراقية ورئيسة جمعية المرأة المسلمة سابقا، لـ«القدس العربي»: «منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول حتى الآن ونحن نعاني من مسلسل اسمه مكافحة الإرهاب».

وتشير: «هناك أجندة ممنهجة تستهدف تدمير الإسلام والمسلمين والضغط عليهم، والحجة هي مكافحة الإرهاب التي تخترق الحرية الدينية وبالذات للمسلمة كونها تتميز بحجابها، ونفاجأ قبل فترة قريبة بإعلان مؤسسة أوفستيد أنها ستبدأ في استجواب الطالبات المحجبات في المدارس البريطانية».

وأكدت: «نعم نحن الآن نواجه تحديا كبيرا، وعلمنا أن مشروع قرار الاستجواب سوف يكون بطرح الأسئلة على التلميذة المحجبة كالتالي: من ألبسك الحجاب؟ هل تلبسين الحجاب بناء على رغبتك؟ هل أنت مجبرة على ارتداء الحجاب؟».

وتضيف: «لك أن تتصوري حجم المصيبة المقبلين عليها، نحن نعتبر الحجاب جزءا من ديننا وإيماننا، لكن عندما تؤخذ الطالبة للاستجواب فسوف تكون لها تبعات كبيرة، وكيف ستكون أصلا نفسية الطفلة؟ هناك مظاهر دينية أخرى في المدارس البريطانية لا تخص المسلمين فحسب بل السيخ واليهود والمسيحيين والسؤال: لماذا هذا التمييز الواضح ضد المسلمين عن سواهم؟»، واستنكرت: «نتعامل في عالم متناقض وفقط يسلط الضوء على المسلم ولا ندري لماذا، في بلد يزعم أنه يرعى الحريات».

حقوق الإنسان

من ناحيتها، تتحدث الأكاديمية والباحثة في المجال التربوي والاجتماعي الدكتورة «فلة لحمر»، عن المخاوف المتأتية من وراء هذا القرار إذا تم تفعيله على أرض الواقع بالقول: «عدد المسلمين في الغرب بين 9 إلى 15 مليونا، وهم موزعون بين الدول الأوروبية المختلفة، هذه الجاليات تناقش قضاياها من زاوية كيف يتم دمجها في المجتمع الأوروبي والمرأة تأتي كمفتاح لسياسة الدمج في المجتمع الأوروبي».

وأوضحت: «المشكلة ليست في ان المرأة يجب أن تقوم بدورها في المجتمع الأوروبي، ولكن المشكلة تكمن في عدم قبول المجتمع الغربي لهويتها وحجابها وهذا ينافي إعلان حقوق الإنسان في حرية المعتقد والملبس».

وتلفت: «لا نستغرب عندما تحدث ديفيد كاميرون عن المسلمات على أنهن مستسلمات وإنهن يحتجن للتعليم، وإنه يجب عليه أن يضع ميزانية من أجل دمجهن في المجتمع البريطاني وتعليمهم اللغة الإنجليزية». وتضيف: «للأسف نجد اليوم المشرفة على أوفستيد وهي الهيئة التفتيشية الخاصة بالمدارس وأن المفتشية العليا لهذه الهيئة بعد اجتماعها مع مجموعات ضغط ضد الحجاب، تعلن أن من حق المفتشين أن يسألوا الطالبات المسلمات المحجبات في المرحلة الابتدائية عن سبب ارتدائهن للحجاب، وهذا يعرّض الصغيرة للخوف وهي لا تملك القدرة على الرد على من يستجوبها من الكبار فستكون في موقف ضعف وتتعرض هويتها للتهديد».

وترى «فلة لحمر» أن هذه الممارسات لو نفذت ضد المحجبات فستخلق نوعا من التوتر في المجتمع البريطاني من زاوية أن الإجراء يعتبر تمييزا ضد المسلمين.

وشاركت «فلة لحمر» في التوقيع على عريضة ترفض إعلان «أوفستيد» من خلال لائحة اعتراض ورسالة وقعها أكاديميون وأساتذة جامعيون ورجال دين بريطانيون، حيث وصل عدد التوقيعات إلى أكثر من 1136 شخصا، واعتبر الموقعون أن هذه الخطوة هي بمثابة تمييز خطير ضد المرأة المسلمة وضد حرية المعتقد.

وهي تعتبر أن هناك أصواتا تريد تشويه مفهوم الحجاب كخطوة أولى من أجل التقليل من قيمة المرأة المسلمة والتعامل معها بشكل استثنائي سلبا.

وتوضح الصحيفة أن الخطوة التالية لاستجواب المحجبات أن ينتقل ليصبح مؤسساتيا وبالتالي سيفتح باب النقاش حوله واسعا، وستوضع المرأة المسلمة في فئة المستثناة من بقية أولياء الأمور الذين لهم الحق في تنشئة أبنائهم باللباس الذي يريدون، ومحاولة الإيحاء بأنها مختلفة ودون المستوى وغير أهل للتعليم، ولذلك يسمحون لأنفسهم أن يسألوها عن طريقة تربيتها لأولادها والتحقق من أنهم يتلقون الرعاية الصحيحة.

واعتبرت أن «البنت المسلمة هنا تتعرض لتمييز عنصري من مؤسسة تعليمية وهذه نقلة خطيرة ولها تبعات لا تحمد عقباها إذا لم يتم التحرك لوقفها».

معتقدات الناس

وترى «أسماء حنيف»، بريطانية مسلمة من أصل باكستاني، أن الوضع سيكون صعبا على الأسرة المسلمة التي تريد أن تنشأ بناتها على تعاليم الإسلام الصحيح وأن تدخّل «أوفستيد» من خلال استجواب المسلمات في المدارس سوف يؤثر على علاقة البنات بأهلهن وسيعيق تربية الأهل لهن على الطريقة التي يرونها مناسبة لتنشئتهن.

ورأت أنه «يريدون تغيير معتقدات الناس على طريقتهم للأسف وهذا ينافي احترام الحريات الدينية التي تتباهى بها المملكة المتحدة».

لكن «أسماء حنيف» من جانب آخر ترى أنه بالرغم من ضرورة احترام معتقدات الآخرين فإن لبس الحجاب لا يجب أن يكون في سن مبكرة جدا، من الأربع أو الخمس سنوات، خاصة أن تعاليم الدين الإسلامي تشير إلى أن ارتداء الحجاب يفضّل عند البلوغ، معتبرة أن هذا القرار لو نفذ سوف يزيد من شدة الاحتقان في المجتمع البريطاني الذي بدأ يتأثر بكل رموز الإسلام والانطباع السائد أنها رموز مرتبطة بالإرهاب.

وتشير إلى أنه من الضروري التحرك كمؤسسات إسلامية في بريطانية على دعم الفتيات المسلمات في حرية الاختيار دون الخوف من أي إجراءات تعسفية أو الانتقال إلى مدارس إسلامية لضمان الالتزام بالمعتقد.

سياسة الزي المدرسي المسموح به

وفي دراسة أجرتها صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية حول إدراج الحجاب كجزء من الزي المدرسي في بعض المدارس البريطانية، تم التوصل إلى أن الآلاف من المدارس الابتدائية الحكومية في بريطانيا تسمح للفتيات في عمر خمس سنوات أن يرتدين الحجاب، وهو ما أثار قلق البعض من أكاديميين وأساقفة وناشطين.

وتنقل الصحيفة عن مكتب «أوفستيد» المسؤول عن شؤون الأطفال في وزارة التربية، قوله إن ثمة «قلقا متزايدا» بشأن هذا التوجه، مؤكدا أن المفتشين يحققون في ما إذا كان الأساتذة يتعرضون لضغوط من الأهالي أو رجال الدين لتغيير أنظمة الزي المدرسي.

وأشارت دراسة للصحيفة إلى أن حوالي 20% من الـ800 مدرسة ابتدائية (18%) بما فيها مدارس الكنيسة، التي تمت دراستها في 11 منطقة في إنجلترا، تدرج الحجاب ضمن سياسة الزي المدرسي المسموح به.

وبالأرقام أيضا، فإن 46% من أصل 72 مدرسة ابتدائية في برمنغهام تم رصد مواقعها الإلكترونية تذكر الحجاب بوصفه زيا مسموحا به، وتبلغ النسبة 34% لـ68 مدرسة في تاور هامليتس، و36% في لوتن.

ولكن الصحيفة تلفت إلى أن تلك النسب قليلة جدا في المناطق ذات الجالية الكبيرة من المسلمين، حيث تحدثت عن 6% من أصل 77 مدرسة في ليستر، و8 بنسبة 6% مدارس من أصل 133 في مانشستر.

وقد ظهرت بعض ردود الأفعال المؤيدة والرافضة من بينها موقف النائبة السابقة عن حزب العمال في البرلمان «أمينة لون»، وهي مسلمة، تقول إن الحجاب في النص الإسلامي يُفهم على أنه للمسلمات حين يصبحن في سن البلوغ، مضيفة أن عددا قليلا من المسلمين يدعون إلى أن ترتدي القاصرات زي الحجاب.

أما رئيس أسقفية «كانتربري» السابق اللورد «كاري» فيقول إن إضفاء الصفة الرسمية على الحجاب في المدارس الابتدائية «يجب مواجهته بقوة».

لكن وزارة التربية تقول إن «البت في سياسات الزي المدرسي يعود إلى المدارس»، مضيفة أنه «إذا ما قررت مدرسة السماح للطالبات بارتداء البرقع أو الحجاب فهذا شأنها».

ودعت «شايستا جوهر»، رئيسة جمعية شبكة النساء المسلمات في بريطانيا، إلى فتح باب النقاش والجدل الداخلي بشأن الحجاب بين مسلمي بريطانيا، مشيرة إلى أن هناك حاجة إلى البحث في موضوع الحجاب عموما على نحو يبتعد تماما عن النزعة العنصرية، لكنها أعربت عن قلقها من احتمال أن يستخدم السياسيون هذه القضية كأداة في حملات الانتخابات العامة المقبلة.

وتشير «شايستا جوهر» إلى أن المسلمين صاروا تدريجيا تحت الضوء، وأن حزب الاستقلال والحزب القومي يلعبان على حبل الكراهية للمسلمين، وأن هناك قلقا حقيقيا في أن تستخدم قضية الحجاب كأداة في الانتخابات، لكن هذا لا يعني استنساخ ما يفعله الفرنسيون.

وكان «جاك سترو»، وزير الخارجية البريطاني السابق، قد أغضب جماعات إسلامية في عام 2006 عندما قال أن «ارتداء النقاب أو البرقع أو الحجاب بيان واضح للتفرقة والاختلاف» ويرى أن هذا من شأنه تعقيد العلاقات الاجتماعية في البلاد.

وقد اعتبر الزعيم السابق لحزب الاستقلال البريطاني «نايجل فاراج»، أن «الحجاب بأنواعه رمز من رموز الانقسام الاجتماعي في البلاد، وأنه قمع للمرأة، ويمكن أن يكون تهديدا أمنيا»، داعيا إلى منعه بالكامل.

أما الحزب القومي البريطاني فقد دعا بالفعل إلى منع الحجاب بكل أنواعه في المدارس البريطانية.

وقالت صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية حول ذلك، نقلا عن «القدس العربي»، إن مفتشين حكوميين سيستجوبون التلميذات اللاتي يرتدين الحجاب في المدارس الإبتدائية، وسط قلق من أن تكون الفتيات البالغات من العمر أربعة أعوام مجبرات على ارتدائه.

وأضافت الصحيفة، في تقرير نشرته مؤخرا، أن «أماندا سبيلمان»، كبيرة المفتشين في المدارس البريطانية، أعلنت هذه الخطوة التي وصفتها الصحيفة بـ«المثيرة للجدل» وستكون هذه المرة الأولى التي يتم فيها تحدي التنامي المتزايد لارتداء الحجاب رسميا في الفصول الدراسية في المدارس الحكومية في البلاد.

وقالت «أماندا»، في بيان صادر عنها مؤخرا، إن «الحجاب في المدارس الإبتدائية يمكن النظر إليه على أنه يضفي طابعا جنسيا على الأطفال، لأن الحجاب يتم ارتداؤه تقليديا كعلامة على التواضع أمام الرجال، عندما تصل الفتيات المسلمات إلى سن البلوغ».

المصدر | القدس العربي + الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حظر الحجاب بريطانيا مدارس طالبات إسلاموفوبيا محاربة الإهاب إسلام