كيف قتلت حبيبة «أشواك» الجانب العاطفي لدى «سيد قطب»؟! (2ـ 3)

الاثنين 15 يناير 2018 12:01 م

تتوالى أحكام الإعدام على فضاء الحراك الثوري المصري بالعشرات بل المئات الأمر الذي يحزن الكثيرين، ورغم الظلم الشديد الواقع على أبرياء؛ لمجرد إيمانهم بقضايا وطنهم ووجوب تحرره، إلا أن هذا لا يمنعنا من التذكير مرة ثانية بعد الجزء الأول من هذا التقرير بأن الشهداء بشر كانت لهم آمال وآلام، وعلى رأسهم الشهيد «سيد قطب» والذي أعدمه الرئيس المصري الراحل «جمال عبدالناصر» في 29 من أغسطس/أب 1966.

لعل كثير من الشباب يظنون أن الراحل «سيد قطب» شغلته هموم الكتابة والإبداع عن الارتباط العاطفي وهو الأمر الذي تنفيه روايته «أشواك»، وفي الرواية يبدو واضحا أن الراحل يتحدث عن نفسه عبر الإهداء البالغ الوضوح القائل:

«إلى التي سارت معي في الاشواك، فدميت ودميت، وشقيت وشقيت، ثم سارت في طريق وسرت في طريق: جريحين بعد المعركة.. لا نفسها إلى قرار ولا نفسي إلى استقرار».

«أشواك» بداية المعركة

المطالع للرواية ذات القطع الصغير.. الواقعة في 72 صفحة والمنشورة في مطبعة «سعد» عام 1942 فيما يبدو أنه على نفقة المؤلف (أعادت الهيئة المصرية العامة ـ الحكومية ـ للكتاب طباعة الرواية فيما بعد)، تأخذه أجواء المعركة كما أسماها المؤلف في المقدمة بين الخاطبين منذ صفحات العمل الأدبي الأولى، ففي أجواء حفل الخطبة والموسيقى والمحتفلين تخلو الخطيبة بخطيبها أو «سميرة» بـ«سامي» لتقول له:

ـ «أعلم أنك تحبني فوق مقدور البشر، وهذا يعذب ضميري». صـ4 من الرواية.

إننا منذ صفحات الرواية الأولى أمام دراما كلاسيكية تقليدية، أو «أرسطية» فيها الأبطال محكوم عليهم بتجرع وشرب مرارات الحياة، وملاقاة الصعاب التي لا قدرة لهم عليها، فرغم أجواء الخطبة وقرب اجتماع شمل المحبين في بيت واحد أو دار تظللها أجواء الحب، إلا أن البطلة في مشهد روائي رومانسي معتاد في الفترة الزمنية التي أبدع فيها «قطب» روايته.. إلا أن «سميرة» تؤثر أن تبوح بما يعكر صفو الليلة وفرح الأهل والخاطب:

ـ «لو نظرت في قلبي لوجدت مثل ذلك الشعور فيه، ولكن هناك في ضميري أشواكا سأضع عليها يدك، وأترك لك التصرف فيها كما تريد» صـ4.

إنها تبادله ظاهريا نفس مشاعر الرضا عنه ومحبة القرب منه، لكن لديها في نفسها «أشواك» تريد أن تضع يده عليها، ورغم شعورها الجارف نحوه فإنها ستترك له حرية التصرف.

دراما تبدو منذ الصفحات الأولى إغريقية سوداء بامتياز، فرغم أجواء السرور المحيطة بالجميع إلا أن الأحزان لها مكان مفروض بقسوة وبقوة «القدر» على الجميع، كما في هذا اللون والنوع من الروايات، كتب «قطب» الرواية قبل أن يعرف الطريق إلى الجانب الإسلامي من حياته وكتاباته (قرابة عام 1949).

رومانسية مثقلة بالتحديات

البطلة أو «سميرة»، رغم معرفتها ببطل الرواية «سامي» لمدة عامين إلا أن لها ماض مخبأ لا يعرف عنه شيئا، إذ سبق لها أن أحبت «ضياء أفندي» الشاب الذي يعمل ضابطا في الجيش، ونلاحظ أن لقبه الذي آثره المؤلف كان «أفندي»، إذ لم يكن للضباط قبل انقلاب 1952 المكانة المعروفة والمعهودة الآن في مصر، فيما «سامي» يعمل موظفا مدنيا في ديوان وزارة لا التزام فيه بمواعيد وهو مؤلف وشاعر كاتب قصصي أيضا (!).

تعاني «سميرة» أن نفسها معلقة ماتزال بـ«ضياء» تستشعر محبته في قرارتها، وحينما تصطدم بميوعته واستهتاره، أو «تخلي الجيل الجديد من الشباب عن المسؤولية»، بحسب المؤلف، حينها تستشعر انسحاب وتخلي الحبيب الأول فتهرع مسرعة إلى «سامي» طالبة الحماية وحقوقها من خاطبها الذي تراه أبا أكثر منه حبيبا، هكذا يصف «سامي» فتاته التي يضحي بالحياة من أجلها، ومن أجلها: «وجد نفسه يبكي ثم أدركته رحمة الله فنام» صـ6.

«وكان صباح»

الفصل الثاني معنون بـ«وكان صباح»، بواو العطف على ما سبق من أحداث، أو ربما تكون الواو نفسها «واو الاستئناف» على تقدير أنه بالإضافة إلى ما سبق من هموم جاءت مشكلات جديدة، في إشارة واضحة الدلالة الأسلوبية والدلالية على قسوة الأحداث على الكاتب.

حوى «الفصل الثاني» تصاعدا مريرا في الصراع بين الرجلين «سامي» و«ضياء» على قلب «سميرة،» إذ تلقي الأخيرة بقنبلتها التي تدمر ما كان ويمكن أن يكون بينها وبين خاطبها إذ تقول في صـ12:

ـ«إنك لإنسان طيب القلب، خالص النية، أما أنا فبنت شريرة».

ورغم قسوة الكلمات الماضية، وظلالها المريبة حول علاقة «سميرة» بـ«ضياء» إلا أن «سامي» يبحث لها في نفسه عن مخرج:

ـ «كانوا ـ أسرة سميرة ـ قوما طيبين لا تنطوي نفوسهم على شيء من التركيب أو التعقيد». صـ11.

«الصراع»

في «الفصل الثالث» يهرول «سامي» للقاء «ضياء» بحثا عن حل يضمن له استقرار حياته مع «سميرة» عازما الانسحاب من حياتهما، عملا بتضحية الحبيب الدرامية الأدبية المعروفة في ذلك الزمان من خلال قصص الأدب والفن المأخوذ عنها بخاصة الأفلام، فالحبيب والحبيبة «الخاطئان» يخفيان الحقيقة عن الأهل، والآخرون لا يعرفون التفاصيل فيرفضان زواجيهما، ليجيء حبيب جديد ليكون بمنزلة حمامة سلام بين الفريقين، وليتخلص من شكوك نفسه حول ما كان بين الحبيبين، بخاصة أن «سميرة» ذهبت إليه منفردة في معسكره في الهرم، وكان وقتها مكانا قصيا بعيدا عن المدنية الخاصة بالعاصمة القاهرة، ليقضيا «وقتا معا» باعترافيهما كل على حدة، ثم إن «سميرة» تذكر «سامي» كل حين:

ـ «لا تنس إنني أحببته في يوم من الأيام إلى درجة العبادة!».

وكلما لاذ بطل الرواية وفر هاربا إلى أهل «سميرة» طالبا تفسيرا لما تقوله له ابنتهم عللوا الأمور بطيش الشباب ورغبتها في أن تتدلل عليه، بخاصة مع إصابة الأم بـ«داء الكبد»، ووقتها ـ منتصف الثلاثينيات على الأرجح كوقت لكتابة الروايةـ مع عدم التقدم الطبي، كان ينسب إلى «داء الكبد جميع الأمراض الخاصة به وكان المرض مميتا يدفع أصحابه إلى الخروج عن طباعهم والثورة لأقل الأسباب.

ومع رفض «ضياء» العودة إلى «سميرة» وتعليل الأمر برفض الأهل من الطرفين يلقنه «سامي» درسا في الشجاعة والحرص على عدم خذلان الأحباب.

ولكن «سميرة» لا تتوانى في جلد ذاتها أمامه لتتدافع الاحداث من جديد على النحو الكارثي الأول:

ـ سأقول لك الحقيقة.. إنني مجرمة.

ومع مرور الوقت يدرك «سامي» (الشخصية الموازية المعبرة عن شخصية سيد قطب) ألا حل للأمر سوى التحلل كليا منه وفسخ الخطبة رغم أن:

ـ «كل شيء ظاهريا كان يندفع إلى الأمام .. ولكن تيارا مضادا كان يسير في الخفاء».

 وبتعبير آخر: «كأنما هو في (بحران)» (كذا في الرواية والصواب بحرين) صـ48.

الأمور تسير نحو النهاية.. لتفقد «سميرة» خطيبها الجديد وهي على وشك الزفاف إليه مع فقدها الحبيب القديم المتجدد التأثير «ضياء».. أما ما ستفسر الاحداث عنه وتأثيراتها على نفس «سيد قطب» فهو ما سنتطرق إليه في التقرير التالي والأخير حول علاقة «أشواك» بحياة «قطب»، رحمه الله.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سيد قطب رواية أشواك رومانسية آمال تطلعات حبكة قصصية كلاسيكية داء الكبد حي الهرم ضابط