«فورين بوليسي»: لا هيمنة إيرانية بالمنطقة إلا لدى «ترامب»

الأربعاء 17 يناير 2018 08:01 ص

اعتبرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية أن استراتيجية إدارة الرئيس «دونالد ترامب» في الشرق الأوسط تقوم على فكرة واضحة وهي احتواء التأثير الإيراني بالمنطقة، فقد شجب وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» ووزير الدفاع «جيمس ماتيس»، وسفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة «نيكي هيلي» نشاطات إيران.

وفي فبراير/شباط غرد «ترامب» بعد فحص للصواريخ الباليستية أن إيران «تلعب بالنار»، وفي أكتوبر/تشرين الأول أعلن البيت الأبيض عن تحركه نحو السياسة الرسمية وهي «تحييد التأثير الإيراني الذي يزعزع استقرار المنطقة وضبط عدوانها».

وتبنى «ترامب» ومساعدوه فكرة أن إيران هي قوة هيمنة تريد السيطرة على الشرق الأوسط، خاصة دول الخليج الغنية. وهذا المنطق يساعد على فهم الدعم الثابت للسعودية بما في ذلك المصادقة (التكتيكية والواضحة) لما قام بها ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان»، من إجراءات في الداخل ومحاولاته التدخل في الشؤون الداخلية للبنان. وتفسر رفض «ترامب المصادقة على الاتفاقية النووية في أكتوبر/تشرين الأول. والهجوم الواسع على إيران لا معنى له لأنها لا تقترب من التحول لقوة هيمنة إقليمية.

استعداد السياسيين والخبراء لتبني هذه «الفنتازيا الخطيرة» يشير أكثر إلى المظهر الفروسي للخطاب الاستراتيجي الأمريكي أكثر من التحدي الحقيقي الذي تمثله إيران. وتفتقد هذه الفكرة القوة الحقيقية لكي تسيطر على دول الشرق الأوسط التي تعاني من انقسامات عميقة.

مقارنات

وبحسب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية فعدد سكان إيران 85 مليون ودخلها القومي السنوي هو 400 مليار دولار، أما الميزانية الدفاعية السنوية فلا تزيد عن 16 مليار دولار.

أما عدد قواتها العسكرية بما فيهم الحرس الثوري فهو 520 ألف جندي وبعضهم مجندون لم يحصلوا إلا على تدريب فقير. وتعود دباباتها ومعظم ترسانتها العسكرية إلى عهد الشاه وهي في حالة فقيرة.

 وكما قال المحلل العسكري المخضرم «أنتوني كوردسمان» في عام 2010: «فقدرات إيران العسكرية التقليدية محدودة جدا وتعتمد على أسلحة قديمة ذات نوعية متدنية.. وقواتها ليست منظمة كي تظهر قوة عسكرية جدية في منطقة الخليج».

 وبالمقارنة فعدد سكان السعودية ومصر و(إسرائيل) والأردن والإمارات العربية المتحدة أكثر من 100 مليون نسمة وبدخل سنوي يصل إلى تريليون دولار.

أما النفقات العسكرية مجموعة فهي خمسة أضعاف النفقات العسكرية لإيران ولدى هذه الدول المال لكي تشتري دبابات «أبرامز» ومقاتلات «أف-15» وتعتبر (إسرائيل) من الدول النووية.

 وقللت فورين بوليسي من حديث البعض مثل «هنري كيسنجر» و«ماكس بوت» عن التحركات الإيرانية باعتبارها صورة عن «إمبراطورية فارسية».

وأكثر من هذا فقد عانى حلفاء إيران الرئيسيون في السنوات الأخيرة من نكسات أجبرتهم على رصد جهود إضافية لدعمهم. صحيح أن التدخل الإيراني عزز من وضع «الأسد» لكن سوريا الآن هي دولة مدمرة وليست حليفا حيويا. وبدلا من توسيع إمبراطوريتها الإيرانية فإن المغامرات التي قامت بها أفرغت خزينتها ودفعت (إسرائيل) ودول الخليج نحو تحالف تكتيكي ضدها بشكل أضعف من موقفها.

وفي حالة تعرضت هذه الدول لهجوم إيراني فستجد دعما من الولايات المتحدة للدفاع عن نفسها. وأمام هذه الحقائق يرى أعداء الجمهورية الإسلامية أنها تعتمد على الجماعات المحلية الوكيلة لنشر تأثيرها والسيطرة على المنطقة.

ويعترف الكاتب أن إيران وبدون شك دعمت قوات محلية في السنوات السابقة بما في حزب الله و«بشار الأسد» والميليشيات العراقية والحوثيين في اليمن.

وعززت هذه التحركات من تأثير إيران إلا أن السبب الرئيسي وراء هيمنتها هي أنها استفادت الأخطاء الفادحة للرئيس الأمريكي «جورج دبليو بوش» الذي أطاح بالرئيس العراقي «صدام حسين»، إلا أن هذه الإنجازات لا تعني هيمنة كاملة على المنطقة. وواحد من الأسباب هي أن إيران لا تسيطر على هذه الجماعات مثلما لا تسيطر الولايات المتحدة حلفاءها في المنطقة. فكل لاعب لديه مصالحه، ولن يتبع حلفاء إيران الحاليين ما تطلبه منهم طهران بدون مناقشة لو اكتشفوا أن اتباعها سيضر بموقعهم.

فرس وشيعة

كما أن الموقف المحذر من إيران ينسى المشاكل التي ستواجهها لو أرادت السيطرة على المنطقة. فسكانها هم من الغالبية الشيعية ولكن السنة هم الغالبية ويسيطرون على دول عدة بالمنطقة، فأي محاولة لافتعال حرب معها ستعمق من النزاع بين الطائفتين بشكل يعقد من مهمة إيران بناء تأثير لدى جيرانها.

ولأن إيران هي دولة فارسية فلن تجد دعما من العرب أو أي دولة عربية للسيطرة على المنطقة. ويعرف صقور إيران بمن فيهم جنرالات «ترامب» الدور الذي لعبته إيران في دعم التمرد وقتل العديد من الجنود الأمريكيين في العراق. فغضب هؤلاء مفهوم وكذا تصرفات إيران التي واجهت على مدى العقدين الماضيين عقوبات اقتصادية وحروب إلكترونية وتمويل خارجي للجماعات المعادية لها.

وعندما أطاحت إدارة «بوش» بـ«صدام حسين» عام 2003 أكد المحافظون الجدد أن الملالي في طهران هم الهدف التالي. وبناء على هذه الظروف فقد عملت إيران كل ما يمكنها لإحباط هذا الهدف، وهل كنا نتوقع سكوت إيران وأقوى دولة في العالم تحضر للإطاحة بنظامها؟ ولحسن الحظ فلم تكن هناك دولة أو نظام يملك القوة للسيطرة على الشرق الأوسط. ولم تكن الولايات المتحدة مضطرة للعمل على تعزيز ميزان القوة.

وبدلا من منح السعودية و(إسرائيل) صكا مفتوحا لمواجهة «هيمنة إيرانية خيالية» فعلى واشنطن البحث عن علاقة متوازنة مع دول المنطقة بما فيها إيران.

 ورأت المجلة الأمريكية أن مدخلا متوازنا سيؤدي للتعاون في موضوعات حول قضايا تهم الأمريكيين والإيرانيين مثل أفغانستان. وأن منظور علاقات جيدة مع الولايات المتحدة سيقدم لطهران حوافز لكي تغير من مواقفها. فالمحاولات الأمريكية السابقة لعزل نظام الملالي دفعهم للعب دور المخرب بنوع من النجاح. ومدخل كهذا سيدفع حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة التفكير مليا وعدم الاعتماد على الدعم الأمريكي وكأنه أمر واقع بل وسيشجعهم على بذل الجهود لإرضائها.

حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة وجماعات الضغط الأمريكية التي تدافع عنهم سيغضبون لو توقفت واشنطن عن دعمهم حتى النهاية أو تقاربت مع طهران «وفي النهاية فهذه مشلكتهم وليس مشكلة أمريكا، فالدعم الأمريكي المبالغ فيه يشجع الحلفاء للتصرف بطريقة متهورة كما فعلت (إسرائيل) من خلال توسيع المستوطنات غير الشرعية وما تفعله السعودية في حملتها باليمن ومناوشتها مع قطر والمحاولة الفاشلة لتشكيل الوضع السياسي في لبنان. ولو فهم حلفاء الولايات المتحدة أنها تتحدث مع الجميع وسيكون لديهم السبب للاستماع إلى نصيحة أمريكا وإلا خففت من دعمها وبحثت عن حلفاء جدد».

وفي النهاية فإن توازن القوة السياسية في الشرق الأوسط لا يعني تخلي أمريكا عن حلفائها ولا يحتاج منها لأن تميل أكثر نحو إيران. بل استخدام القوة الأمريكية للحفاظ على التوازن ومنع الجهود لتغيير الوضع القائم والوقوف أمام أي دولة ترغب بالهيمنة على المنطقة. ولا يعدم أن تخفيف حرارة التوتر ستدعم حركة النفط بحرية وتؤدي لوقف دوامة الدمار وستعطي هذه الدول أسبابا لعدم دعم المتطرفين. وفي الحد الأدنى فالحملة الشاملة لمواجهة الهيمنة الإيرانية ليست ضرورية. وللأسف فلا يوجد سبب يدعونا للاعتقاد أن إدارة «ترامب» ستتبنى مدخلا كهذا. ولو لم تفعل فستكون استراتيجية «ترامب» مثل غيرها في عهد «بيل كلينتون» و«جورج دبليو بوش» و«باراك أوباما» فاشلة وبثمن فادح.

المصدر | القدس العربي + الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أمريكا ترامب فورين بوليسي المنطقة تصاعد تحدي عقل ترامب كسينجر أوباما بوش