«بنس» في مهمة استطلاعية بالشرق الأوسط

الخميس 18 يناير 2018 02:01 ص

متسلحا بـ«وعود» و«ضغوط» خلال جولة له بالشرق الأوسط، تبدأ بعد غد السبت، يستطلع «مايك بنس»، نائب الرئيس الأمريكي، تضاريس المواقف الرسمية في كل من مصر والأردن و(إسرائيل)، قبل أن يلقي رئيسه «دونالد ترامب» بثقله خلف ما باتت تُعرف إعلاميا بـ«صفقة القرن»، لإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفق خبراء عرب.

وبينما رأى خبير عربي أن «مصر لن تدخل في صفقات» وأن «صفقة القرن مستبعدة تماما»، شدد آخر على أن واشنطن بدأت بالفعل في تنفيذ هذه «الصفقة» منذ اعتبارها، في 6 ديسمبر/كانون الأول الماضي، القدس عاصمة لـ(إسرائيل)، ومحاولة المساس بملف اللاجئين عبر التهديد بتجميد المساعدات.

ويبدو أن «بنس»، بحسب هؤلاء الخبراء، سيحاول الحصول سريعا على قبول عربي لـ«صفقة القرن»، مقابل طمأنة بخصوص المساعدات الأمريكية، لاسيما للقاهرة وعمان، والضغط بقراري القدس وملف اللاجئين الفلسطينيين لتقديم تنازلات ضمن هذه الخطة.

ويطلق مصطلح «صفقة القرن» على خطة تبلورها إدارة «ترامب»، لتسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، الذي توقفت مفاوضاته منذ أبريل/نيسان 2014؛ جراء رفض تل أبيب وقف الاستيطان، والإفراج عن معتقلين قدامى، وتنصلها من حل الدولتين، على أساس دولة فلسطينية على حدود ما قبل حرب 1967، وعاصمتها القدس الشرقية (تحتلها (إسرائيل) منذ 1967).

وكان مسؤولون فلسطينيون، طلبوا عدم نشر أسمائهم، قالوا لـ«الأناضول»، نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، إن واشنطن كانت قد وعدت الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، قبل قرار «ترامب» بشأن القدس، بطرح خطة للسلام، مطلع عام 2018.

ولم تمتلك تلك المصادر آنذاك إجابة واضحة بشأن كيفية تعامل الفلسطينيين والعرب والمسلمين مع الخطة الأمريكية، إذا تم طرحها فعلا، دون التراجع عن قرار القدس.

وينطلق نائب «ترامب»، غدا الجمعة (بتوقيت واشنطن)، في جولة لمدة أيام في الشرق الأوسط، يبدأها بمصر، السبت المقبل، ثم الأردن، على أن يختتمها في (إسرائيل)، وفق البيت الأبيض.

ولن تشمل جولة «بنس» الأراضي الفلسطينية، بينما كانت ضمن جولته قبل تأجيلها تحت وطأة الغضب من قرار القدس، فيما يرى خبير عربي، تحدثت إليه الأناضول، أن «الأردن» سيحل محل فلسطين في الاستماع لوجهة نظر «ترامب» بشأن السلام.

الخطة «باء»

يصل «بنس» إلى مصر، السبت المقبل، بعد يوم من اختتام مؤتمر دولي ترعاه مؤسسة الأزهر لدعم القدس، بحضور الرئيس الفلسطيني، «محمود عباس»، ومنظمات عربية ودولية، وهو ما يعدها خبير عربي، في حديث للأناضول، «رسالة ضمنية مسبقة في مواجهة أي مطالب أمريكية مفادها أن ثمة رفضا عربيا وإسلاميا متصاعدا».

ومنذ قرار «ترامب» بشأن القدس كانت خطة أمريكية أولى تسير في اتجاه تجاوز الرفض الكبير عربيا ودوليا، والتمسك بخيار واشنطن، ثم التلويح بقطع المساعدات الأمريكية عن دول عربية واللاجئين الفلسطينيين.

على الجانب الآخر ثمة موقف عربي، بدعم تركي، مناهض لقرار «ترامب»، فضلا عن اجتماع استثنائي لوزراء الخارجية العرب، مطلع فبراير/شباط، سيبحث إمكانية عقد قمة عربية طارئة بشأن القدس، والتحرك مجددا في الأمم المتحدة ضد واشنطن.

وقبل أيام، لجأ «بنس»، في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، إلى طرح أكثر طمأنة، قبيل جولته، حيث قال إن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس يتطلب سنوات، مؤكدا أن جولته بالمنطقة للتأكيد على أن الإدارة الأمريكية ملتزمة بعملية السلام.

وبالتزامن، جمدت واشنطن، الثلاثاء، منحا بقيمة 65 مليون دولار من المساعدات المقررة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، ما يمثل أكثر من نصف الدعم الأمريكي للوكالة.

وتسير «الخطة باء» الأمريكية نحو تحقيق ثلاثة أهداف على مسارين، عبر صفقة في شكل تجاري أكثر منه دبلوماسي- سياسي، وسط ضغوط بمفهوم المجموعة القريبة من «ترامب»، رجل الأعمال البارز قبل توليه الرئاسة، وفق أحاديث منفصلة للخبراء.

3 أهداف

يرى مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن (غير حكومي)، «جواد الحمد»، أن «جولة بنس، بحثا عن حل سريع للسلام، وراءها ثلاثة أهداف، وهي: طمأنة وضغط وإثبات موقف».

الهدف الأول، وفق «الحمد»، هو «أن ينس سيطمئن كلا من الأردن ومصر باستمرار المساعدات الأمريكية لهما، مقابل ممارستهما دورا لقبول تفسير أمريكي بخصوص القدس».

ويضيف أن «بنس سيضغط على فلسطين (عبر أطراف أخرى) لخفض مستوى مواقفها منذ قرار ترامب بشأن القدس، إذ اتخذت فلسطين مواقف بلغت حد رفض المفاوضات».

ويستدرك موضحا: «واشنطن عمليا لا تطرح مفاوضات، ولكن قبول بصفقة أمريكية (في إشارة إلى صفقة القرن) تضع الفلسطينيين في وضع صعب جدا».

أما الهدف الثالث للجولة، وفق «الحمد»، «فيتمثل في محاولة إثبات موقف للرد على الدول التي قالت إن واشنطن تعاني من أزمة في المنطقة، فبنس يريد القول إن علاقات واشنطن مع دول المنطقة قائمة، ويتم استقباله بشكل جيد في دولتين مهمتين، وهما الأردن ومصر، رغم قرار ترامب».

ويتوقع «الحمد» أن «تروج المؤتمرات الصحفية، خلال جولة بنس، لهذه المسائل الثلاث؛ التطمين والضغط وإثبات الموقف».

ويحذر من أن «الجولة في مجملها سلبية، وتمس القضية الفلسطينية، وتصب في مصلحة (إسرائيل)».

ويتوقع أن «واشنطن لن تطرح الآن حلا للسلام كاملا ومتكاملا، ولكن ستبحث مبدئيا عن تلك المسائل الثلاث، لتنجح في ترسيخ ما تريد فيما بعد».

مساران

وفق الأكاديمي المصري، «طارق فهمي»، أستاذ العلاقات الدولية، في حديث للأناضول، فإن «جولة بنس ستمضي في أحد المسارين، أولهما هو أن تكون جولة استطلاعية تُكشّف المواقف في هذا التوقيت، وليست جولة لطرح حلول نهائية».

ويضيف أن «الأمريكيين سيرتبون لما سيطرحونه لاحقا، وسيحل الجانب الأردني محل الفلسطيني المقاطع لواشنطن».

أما المسار الثاني، بحسب «فهمي»، فيتمثل في أن «إدارة ترامب لا تريد أن تمنح فرنسا ولا روسيا ولا الأمم المتحدة فرصة للتواجد في القضية الفلسطينية، لذا تبدأ بخطة إشغال سياسي».

ويوضح أن هذه الخطة يمكن أن تتم عبر «إعاقة أو فرض مسارات معوقة للجانب العربي، خاصة أن فلسطين مقبلة على خطوات جديدة في مجلس الأمن والأمم المتحدة، فضلا عن اجتماع (وزاري) عربي قادم، يمكن أن يطرح قمة عربية طارئة بخصوص القدس».

«في هذا المسار سيتجنب العرب الاصطدام بواشنطن بعقد قمة خاصة بالقدس، بينما الإدارة الإمريكية تحاول لملمة الموقف العربي والإسلامي وتوجهه لحسابات معينة متعلقة بحل السلام»، وفق «فهمي»، رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية في المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط (مصري غير حكومي).

ويرجح الخبير المصري أن «تحاول واشنطن الضغط على الطرفين الأردني والمصري لاعتبارات كثيرة، بهدف تهيئة الأجواء لاستئناف المفاوضات، مقابل تأكيد على الشراكة الثنائية مع البلدين، وتجاوز التلويح بقطع المساعدات المالية».

صفقة تجارية بضغوط

يتوقع رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية (غير حكومي مقره جدة)، «أنور عشقي»، في حديث للأناضول، «أن لا تخرج جولة بنس عن تقديم تفسيرات لحل ترامب للأزمة، وموقفه للسلام، مع ممارسة ضغوط على فلسطين».

ويرى أن «ترامب وفريقه يقدمون صفقة القرن، غبر واضحة الملامح، بطريقة تجارية، تشمل تكتيكات مرحلية كبائع يطرح سعرًا تفاوضيًا».

ويضيف: «ربما أراد ترامب بهذا الطرح ذي السقف العالي جر (إسرائيل) إلى مربع السلام، على أن يحاول إبرام الصفقة في عهده، وإقامة عاصمتين فيما بعد بضغوط على فلسطين».

ويتابع: «أيا كانت هذه الصفقة، فالعرب متمسكون بالمبادرة العربية (للسلام)، ولا بديل عربي حاليا، وقبل وصول نائب ترامب عقد الأزهر مؤتمرا كبيرا لدعم القدس والتمسك بها، بحضور الرئيس عباس، وهي رسالة ضمنية بإمكانية التصعيد العربي».

واعتمدت جامعة الدول العربية، في قمتها بيروت عام 2002، مبادرة للسلام مع تل أبيب، تنص على أن تطبع الدول العربية علاقاتها مع (إسرائيل)، مقابل انسحاب الأخيرة من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين.

ودأبت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على رفض هذه المبادرة.

في المقابل يذهب «فهمي» إلى أن «مصر لن تدخل في صفقات، وصفقة القرن مستبعدة تماما، وقد نفتها السعودية وفلسطين».

بينما يرى «الحمد» أن «واشنطن لم تعد مهتمة بمسألة اقتناع العرب بصفقة القرن ولا ترهق نفسها بذلك، لقد نفذتها بالفعل بإعلانها الخاص بالقدس، ومحاولة المساس بملف اللاجئين عبر تجميد مساعدات مالية لفلسطين».

ويشدد على أن «واشنطن تريد، عبر هذه الضغوط المتواصلة، أن يقبل العرب بما تريده هي فقط، وليس ما يريدون، وفي أسرع وقت».

  كلمات مفتاحية

فلسطين مصر الأردن إسرائيل صفقة القرن

«صفقة القرن» الأمريكية