«فير أوبزيرفر»: هل يعود العراق إلى «معسكر» السعودية في 2018؟

الجمعة 19 يناير 2018 08:01 ص

منذ صعد الملك «سلمان بن عبدالعزيز» إلى العرش قبل 3 أعوام، أصبحت السياسة الخارجية السعودية أكثر قوة، وقد تأكد ذلك من الأزمات المستمرة في اليمن وقطر. ولقد كان تصاعد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط العامل الأساسي وراء هذا النهج السعودي في معالجة القضايا الإقليمية. ومن بين جميع الجبهات السياسية التي تحاول الرياض فيها مواجهة طهران، تمكن السعوديون من تحقيق قدر كبير من النجاح في العراق.

وبعد غزو ​​العراق واحتلالها -عام 2003- من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تغير نفوذ القوى السياسية الشيعية في البلاد. وبعد سقوط «صدام حسين» بفترة وجيزة، برزت الفصائل الشيعية كعنصر القوة المهيمن في السياسة العراقية. وتمكنت إيران من الاستفادة من هذا التحول، عبر التأثير على الكتل الشيعية المختلفة، من أجل تشكيل الحكومة. وخلال الحكومات المتتالية لرئيس الوزراء «نوري المالكي»، أصبحت إيران اللاعب الأول في السياسة العراقية.

وفي الوقت نفسه، لم تنافس المملكة العربية السعودية إيران بشكل حازم في دورها في العراق. وعلى الرغم من أن السنة يشكلون ثاني أكبر مجموعة سياسية في العراق، إلا أن تأثيرهم في السياسة العراقية آخذ في الانخفاض منذ عام 2003. ويرجع ذلك جزئيا إلى تردد القوى السنية الإقليمية -وتحديدا السعودية- في الانخراط في العراق ودعم المصالح السياسية لأهل السنة في البلاد. وكانت المملكة تحتفظ تقليديا بعلاقات مع النخب القبلية السنية في محافظة الأنبار. ومع ذلك، لم تكن هذه المشاركة استراتيجية في طبيعتها، ولم تعزز النفوذ السياسي للعراقيين السنة. وكانت الرياض قد تخلت عمليا عن العراق، واعتبرت حكومتها -حتى وقت قريب- وكيلا إيرانيا.

وقام الملك «سلمان» وولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» بتغيير استراتيجيات الرياض بشكل فعال، وبدءا جهدا حاسما للتواصل مع الحكومة العراقية الحالية. ويرجع هذا التحول - جزئيا - إلى صعود «حيدر العبادي» إلى منصب رئيس الوزراء. وقد اتخذ «العبادي» موقفا قوميا -إلى حد ما- بشأن القضايا السياسية المتعلقة ببغداد، وقد شارك بشكل إيجابي مع جميع جيران العراق. وأدى هذا الاستعداد المتبادل لتحسين العلاقة إلى تعيين السعودية لسفيرها الأول في العراق منذ غزو «صدام» للكويت.

بيد أن العلاقات دخلت المياه المضطربة مرة أخرى عندما طلبت الحكومة العراقية أن تغير السعودية سفيرها عقب تصريحاته المثيرة للجدل حول تورط إيران في العراق. وقد تصرف السعوديون بشكل عملي، واستدعوا سفيرهم، ولكنهم لم يوقفوا تمثيلهم الدبلوماسي في العراق، وخفتت تدريجيا حدة العلاقات الثنائية الناجمة عن الأمر. كما كان للزيارات التي قام بها وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير»، ووزير الداخلية العراقي «قاسم الأعرجي» وكذلك «العبادي» دورا أساسيا في تحقيق هذه الغاية. وعلاوة على ذلك، أدرك السعوديون أن القوة الهائلة للمجموعات الشيعية المسلحة في العراق لا يمكن التصدي لها علنا، لكنها تتطلب -بدلا من ذلك- سياسة عملية لمشاركة أعمق تضم عناصر قومية.

وقد تسببت هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في الموصل وغيرها من المدن على يد قوات الأمن العراقية في دفع بغداد والرياض إلى التحرك نحو التقارب. ولدى المملكة فرصة فريدة للمساهمة في إعادة إعمار المناطق السنية الرئيسية في العراق، وبالتالي الحصول على حصص في العلاقات المستقبلية بين النظام الشيعي في البلاد والأقلية السنية. وقد تتسبب هذه الديناميكية إلى جانب حقيقة أن العديد من المسؤولين العراقيين يسعون إلى تأكيد استقلال بغداد عن السياسة الخارجية لطهران و تبني خطابا سياسيا قوميا متزايدا في عصر ما بعد «الدولة الإسلامية» في العراق في تمكين الرياض في نهاية المطاف من تحقيق قدر من النجاح من حيث الحد من دور إيران في العراق.

وللمرة الأولى منذ 11 عاما، زار رجل الدين الشيعي البارز «مقتدى الصدر» الرياض في يوليو/تموز عام 2017، حيث اتفق مع القيادة السعودية على هدف التعايش السلمي والتعاون من أجل تحقيق المصالح المشتركة. وتحظى السعودية بعلاقات ودية مع السياسيين العراقيين البارزين، ومن بينهم نائب الرئيس إياد علاوي، الذي اتهم إيران بالتدخل في العراق. ويركز السعوديون ليس فقط على إقامة علاقات سياسية مع العراق، ولكن أيضا على تعزيز الروابط التجارية والاقتصادية الثنائية. ويدرك المسؤولون في الرياض أن إقامة علاقة طويلة الأمد مع العراق لا يمكن أن تكون قابلة للاستمرار إلا إذا كانت متجذرة في شراكة اقتصادية. وأكد القائم بالأعمال السعودية في بغداد أن أولويته هي تعزيز المشاركة الاقتصادية بين الدولتين، مع بدء التفاعل بين النخب التجارية من الجانبين. وفي هذا السياق، قررت المملكة -أخيرا- تعيين سفير «بدوام كامل» في العراق.

وتدرك الرياض أن احتمالات الحد من النفوذ الإيراني في العراق ستكون أكثر واقعية بمجرد أن تلعب السعودية بطاقاتها السياسية والاقتصادية في المكان الصحيح وفي الوقت المناسب. ويبدو أن هذه اللحظة المناسبة هي الانتخابات العراقية لعام 2018. وكان هناك تقارب بين المصالح من جانب الكيانات السياسية العراقية والمملكة، وعلى رأسها «بن سلمان». وتريد الرياض -في نهاية المطاف- الوصول إلى عراق يحكمها «عبادي» و«علاوي» و«الصدر»، لا اللاعبين المتحالفين مع إيران.

وعلاوة على ذلك، تمثل الميليشيات الشيعية المدججة بالسلاح في العراق مصدر تهديد كبير للمملكة، وبعضها يعمل بالقرب من حدود المملكة مع العراق، وتعتبر في الرياض تهديدا خطيرا للأمن القومي السعودي. وقد يكون هذا التهديد أكثر مؤسسية إذا كانت هذه الجهات الفاعلة قادرة على الحصول على ميزة سياسية من انتصاراتها ضد «الدولة الإسلامية» في الانتخابات المقبلة. وقد يتسبب نجاح الكيانات السياسية التي تحاول تأكيد استقلالها عن إيران في خلق مشهد سياسي جديد في العراق، أكثر ملاءمة لمصالح الرياض على المدى الطويل.

المصدر | عمر كريم - فير أوبزيرفر

  كلمات مفتاحية

العراق المملكة العربية السعودية إعادة إعمار العراق الشيعة