مصر تترقب جني استثمارات مقابل ديون متراكمة وزيادة معاناة الشعب

الأحد 21 يناير 2018 09:01 ص

«2014 و2015 ومعظم 2016، كانت سنوات الفرص الضائعة على الاقتصاد المصري، حيث كان يمكن خلالها اتخاذ إصلاحات عظيمة بتكلفة أقل بكثير من الوقت الحالي».

هكذا قال تقرير لوكالة «رويترز»، الذي نقل عن محلل الاقتصاد المصري الكلي في بنك الاستثمار «سي آي كابيتال»، «نعمان خالد»، قوله إننا «شهدنا مزيجاً غير مفهوم من السياسة المالية الانكماشية خلال الفترة الماضية، التي تمثلت في خفض الدعم عن جميع السلع والخدمات التي كانت تدعمها الحكومة، وسياسات مالية توسعية من خلال مشروعات عملاقة مثل قناة السويس، والعاصمة الإدارية».

ويتوقع الاقتصاديون أن يقطف المواطن المصري والمستثمرون ورجال الأعمال ثمار تلك المشروعات خلال السنوات القليلة المقبلة، في مقابل مزيد من التضييق على الشعب بفرض ضرائب ورسوم، وفي ظل أزمة ستتكبدها الأجيال المقبلة بعدما توسعت مصر في الاقتراض الداخلي والخارجي.

استثمارات مشروطة

واشترطت رئيسة قسم البحوث في بنك الاستثمار «فاروس»، «رضوى السويفي»، إصلاحات على المستويين الصناعي والزراعي «لتتحول مصر من دولة مستوردة إلى دولة مصدرة، وتوفر احتياجاتها من الصناعة المحلية»

وأضافت: «مصر وضعت قدميها على الطريق الصحيحة اقتصادياً خلال السنوات الأربع الماضية، وبخاصة منذ وقت الإعلان عن الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد في النصف الثاني من 2016».

ووافق صندوق النقد الدولي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 على قرض لمصر قيمته 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، وتبنى برنامج الإصلاح الاقتصادي لحكومة الرئيس «عبدالفتاح السيسي»، الذي أعلن يوم الجمعة ترشيح نفسه لفترة رئاسة ثانية مدتها أربع سنوات. وستجري الانتخابات خلال شهر مارس/آذار المقبل.

وتنفذ الحكومة المصرية منذ 2016 برنامج الإصلاح الذي شمل فرض ضريبة القيمة المضافة، وتحرير سعر الصرف، وخفض الدعم الموجه للكهرباء والمواد البترولية؛ سعياً لإنعاش الاقتصاد ودفعه على مسار النمو، وخفض واردات السلع غير الأساسية.

لكن البلد يعاني من بيروقراطية شديدة، ولم تفلح قوانين تيسير الاستثمار في التعامل معها أو القضاء عليها؛ إذ لا يستطيع المستثمر الحصول على تراخيص مصنعه أو شركته بسهولة حتى الآن، ولا بد له من التوجه إلى إدارات المحليات للانتهاء من أوراقه.

كما أن الإجراءات التي اتخذتها مصر لم تكن بالقرار السهل في بلد شديد الاعتماد على الاستيراد لتلبية احتياجات ما يقرب من 100 مليون نسمة، اعتادوا الدعم الحكومي للكثير من السلع والخدمات الأساسية.

وتركزت أغلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 في قطاع الطاقة، وبخاصة النفط والغاز.

وبلغت الاستثمارات الأجنبية في مصر 7.9 مليار دولار في السنة المالية 2016-2017 التي انتهت في 30 يونيو/حزيران الماضي، مقابل 6.8 مليار دولار في 2015-2016.

وعلى الرغم من هذا الارتفاع، إلا أن لشركات النفط الأجنبية العاملة في مصر نحو 2.4 مليار دولار مستحقة لها على الحكومة المصرية في نهاية يونيو/حزيران 2017.

ووعد وزير البترول «طارق الملا» بسداد 750 مليون دولار من مديونية الشركات الأجنبية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن.

ولا تفصح مصر عن حجم المديونية حالياً أو التوقيت المستهدف للانتهاء من السداد.

ديون كبيرة

وقفز الدين الخارجي لمصر إلى 79 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران 2017 من 46.067 مليار دولار في الشهر نفسه من عام 2014.

لكن وزير المالية المصري «عمرو الجارحي»، أشار في تصريحات الأسبوع الماضي، إلى أن الديون ارتفعت عن هذه المستويات لتصل إلى 81 مليار دولار حالياً.

بينما قفز الدين المحلي إلى 3.16 تريليون جنيه (179 مليار دولار) من 1.8 تريليون جنيه (102 مليار دولار) في يونيو/حزيران 2014، وفقاً لبيانات البنك المركزي.

وبجانب الاستدانة، تكثف الحكومة طرح أدوات دين محلية، ليتجاوز إجمالي الدين العام للدولة 4 ترليونات جنيه (256 مليار دولار)، وفق البيانات الرسمية.

والعام الماضي شهد سداد 30 مليار دولار التزامات مالية، لكن محللين ماليين شككوا في هذه البيانات، لاسيما في ظل المفاوضات المكثفة التي أجرتها الحكومة لمد آجال الكثير من الديون والودائع وكذلك التوسع في عمليات الاقتراض الداخلي والخارجي.

وكانت وكالة أنباء الشرق الأوسط «أ ش أ»، قد نقلت في وقت سابق من الشهر الجاري عن مصدر مسؤول في البنك المركزي قوله، إن «مصر ملتزمة بسداد أكثر من 12 مليار دولار خلال 2018».

وأضاف المسؤول: «مصر لم تتأخر عن سداد أي أقساط حتى في أوقات الأزمات بين 2011 و2016، وسددت كل التزاماتها، كما أنها ستسدد المبالغ المستحقة عليها خلال العام الجاري».

تلاعب بالأرقام

ذات المصدر، قال إن مصر سددت 30 مليار دولار ديوناً والتزامات لجهات خارجية خلال العام 2017.

بيد أن الخبير الاقتصادي «مصطفى عبدالسلام» قال إن هذا التصريح أراد أن يحدث ضجة إعلامية فقط بأن مصر سددت كل هذه المليارات والالتزامات المستحقة رغم الظروف الاقتصادية والمالية التي مرت بها، وأنها لن تتأخر في سداد المديونيات والمستحقات عليها في العام الماضي.

وحدد تفسيرين لهذا التصريح، الأول هو أن «ما تم سداده ليس فقط يخص الديون الخارجية المستحقة على مصر، وإنما يتضمن الرقم أيضاً الديون المستحقة»، والثاني هو أن «البنك المركزي اعتبر تأجيل سداد ديون خارجية وإعادة جدولتها وتجديد القروض المستحقة نوعاً من السداد».

وأضاف: «لو حدث ذلك أو ذاك، فنحن أمام حالة تلاعب صارخة بالأرقام».

أزمة الجنيه

الأمر لم يقف عند ذلك، بل إن غالبية دراسات وتقييمات بنوك الاستثمار تشير إلى تقديرات قيمة الجنيه المصري ليصل إلى مستويات بين 16 و18 جنيه للدولار، وذلك على خلاف التقييم الحكومي للجنيه قبل التعويم الذي حدث في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

وكانت مصر تقدر قيمة الجنيه قبل التعويم عند 13 جنيها للدولار، ولكن الواقع خالف هذا التقييم، كما أن أكثر مؤشرات الاقتصاد تفاؤلا تضع القيمة العادلة للجنيه عند 15 جنيها للدولار.

كان سعر صرف الجنيه المصري نحو 7.15 جنيه للدولار في البنوك عندما تولى «السيسي» في يونيو/حزيران 2014، مقاليد السلطة في حين كان السعر في السوق السوداء نحو 9 جنيهات.

وعند تحرير سعر الصرف، كان السعر الرسمي للدولار في البنوك 8.88 جنيه، وفي السوق الموازية ما يقارب 18 جنيهاً.

ويبلغ سعر الدولار نحو 17.75 جنيه حالياً، بينما اختفت السوق الموازية تماماً بعد تحرير سعر الصرف.

رفع الدعم

والشهر الجاري، أثار إعلان جديد لوزارة التموين المصرية بإلغاء منظومة الدعم العيني عن الخبز، واستبداله بالدعم النقدي موجة من الغضب في الأوساط الشعبية والاقتصادية، واصفين إياه بالمخيف للغاية، وأن الحكومة تجري في فلك بعيد عن المواطنين.

يذكر أن قضية الدعم في مصر، ذات حساسية شديدة بسبب تداعياتها السياسية والاجتماعية، كونها ترتبط بالقطاعات الأوسع والأكبر حجما من السكان، الفقراء والمحتاجين.

ويأخذ الدعم في مصر عدة أشكال تتضمن الدعم الموجه لحماية المستهلك والدعم الموجه لتشجيع المنتج.

وخلال الفترة بين مارس/ آذار 2015، ومايو/آيار 2016، استفادت 1.7 مليون أسرة تضم نحو 8 ملايين فرد في مصر من برنامج تكافل وكرامة، بقيمة 7.5 مليار جنيه (422.5 مليون دولار).

وفي ظل تلك الفترة، رفعت الحكوم الدعم عن والطاقة من كهرباء وغاز ووقود، وفرضت ضرائب ورسوم جديدة على المواطنين.

وكانت لهذه الإجراءات تأثيرات سلبية بشكل كبير على المواطنين، ورفعت من نسبة الفقر بشكل ملحوظ، وأدت إلى ارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية، وسط حالة من السخط في الشارع المصري، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة طاحنة في الحصول على احتياجاتها الدولارية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر اقتصاد ديون استثمارات جني ثمار الدعم صندوق النقد