«ميدل إيست آي»: من الدوحة إلى أربيل.. لماذا يفشل الحصار؟

الأحد 21 يناير 2018 11:01 ص

في 11 يناير/كانون الثاني، انتقد مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الحصار المستمر الذي تفرضه ما تسمى ببلدان «اللجنة الرباعية» - المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر - على قطر، بسبب طبيعته التعسفية وأثره السلبي على السكان القطريين.

ويأتي ذلك في أعقاب إدانة منظمة العفو الدولية - في يونيو/حزيران 2017 - الأمر، معتبرة أن تلك البلدان فرضت حصارا على أرواح الآلاف من الناس.

التأثير غير المقصود

ومنذ اندلاع أزمة الخليج في يونيو/حزيران الماضي، لم يكن هناك ما يشير إلى أن المواجهة ستُحل في وقت قريب، وقد أثبتت قطر مرونة في الحصار، ويرجع ذلك - في جزء كبير منه - إلى ثروتها الاقتصادية، واندماجها في النظام السياسي والاقتصادي الإقليمي والدولي.

كما تشكل قطر عنصرا حاسما في البنية الأمنية الغربية في المنطقة؛ حيث تستضيف على سبيل المثال قاعدة عسكرية أمريكية رئيسية، ولها علاقات وثيقة مع القوى الإقليمية الرئيسية مثل تركيا، التي زادت وجودها العسكري في البلاد وعززت العلاقات الدبلوماسية على الفور بعد اندلاع الأزمة.

وقد عززت الأزمة الخليجية - والتحدي من الدولة القطرية التي كان موقفها مدعوما من المجتمع الدولي ككل - من السيادة القطرية، وهنا تكمن الآثار غير المقصودة التي تأتي مع الحصار؛ حيث يلتف المجتمع المحلي حول الدولة والعلم الذي يعزز الوحدة الوطنية داخل الدولة المستهدفة.

وتجمع سكان قطر ونخب رجال الأعمال والمجتمع المدني حول الأسرة الحاكمة، وكانت النخب الحاكمة في البلاد تتوق إلى ما يتطلع إليه حكومات كثيرة، ولكنها كانت تكافح من أجل تحقيقها، وهي الهوية القومية التي تنشئ وعيا وطنيا موحدا يعزز العلاقات بين الدولة والمجتمع.

ومثل الحواجز الأخرى في التاريخ - وفي جميع أنحاء العالم - فإن تعزيز العلاقة بين المدنيين ونخبهم الحاكمة التي تواجه عادة الحصار، لا يقوي شرعية النخب فحسب، بل يسمح أيضا للبلاد بأن تتحمل عقوبات أكبر.

وبالبطع ستتضرر قطر، خاصة إذا أصبح الوضع الراهن هو الوضع الطبيعي الجديد. لكن إيذاء قطر لن يكون بمثابة تحقيق الأهداف السياسية المنشودة التي يقوم عليها الحصار.

وتعد قطر بلدا غنيا بسبب احتياطياته من النفط والغاز، وما يبينه التاريخ هو أن الحصار يخلق دائما ضرورة ملحة لتقليل الاعتماد على الجهات الفاعلة الخارجية.

وبالعودة إلى الحروب النابليونية، التي فشلت في محاولات تجويع المملكة المتحدة بسبب قدرتها المتزايدة على تعويض النقص في الأغذية، فشل الحصار في تحقيق الأهداف المرجوة.

وفي حالة قطر - على الصعيد الجيوسياسي - بسبب الدعم الثابت الذي تقدمه تركيا، ظهرت كتلة إضافية في المنطقة سمحت للدوحة بامتلاك سيادة معززة، لم تعد محصورة بالضرورة في مدار العالم العربي.

وفي الواقع، يبين دعم أنقرة منذ الأزمة - إلى جانب رغبة إيران في تصدير منتجاتها لسد الفجوة التي خلفها الحصار الذي فرضته «اللجنة الرباعية» - كيف أن العقوبات الاقتصادية تنتج بحد ذاتها فراغا يمكن أن يخلق فرصا جيوسياسية واقتصادية للدول الأخرى لملئها.

العوامل الكامنة

غير أن الثروة والعلاقات الدولية ليست العامل الأساسي الكامن وراء قدرة البلد على مقاومة الحصار الاقتصادي، وببساطة، فإن الحصار الاقتصادي غير فعال.

وتظهر دراسة صادرة عن «روبرت بيب» من أكاديمية شيكاغو أن نحو 5% فقط من العقوبات المفروضة منذ الحرب العالمية الأولى كانت فعالة.

ومع ظهور العولمة وتزايد الاعتماد المتبادل داخل المجتمع العالمي، من غير المرجح أن ترتفع الجزاءات الاقتصادية على الإطلاق إلى مستوى التوقعات لكي تصبح وسيلة ناجعة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية.

ولدى الدول الحديثة قدرة ملحوظة على التكيف مع المحاولات الخارجية للقمع، وخاصة عندما تكون لديها القدرة الإدارية الحديثة على تحمل هذه الضغوط، كما هو الحال في قطر.

ولا يقتصر هذا فقط على الدول الغنية والمزدهرة التي تستطيع عزل نفسها، كما يظهر المثال الأخير لحالة الأمر الواقع في كردستان العراق.

وتعد كردستان العراق غير ساحلية، ومحاطة بجيران معادين سعوا تاريخيا إلى إنهاء حكومة إقليم كردستان المستقلة، ولكن دون جدوى.

وفي التسعينيات، عانت كردستان من حصار داخل العراق ومن حصار على الصعيد الدولي (بسبب نظام العقوبات الذي استهدف حكومة البعث).

وكما يتسق مع ما قيل، فإن الفراغ قد ملئ على الفور من قبل تركيا وإيران، وقد تُرجمت العلاقات الاقتصادية - التي ترجع إلى ما يقرب من عقدين من الزمن - إلى علاقات جيوسياسية مهمة، كانت حاسمة في ازدهار أربيل واستقرارها النسبي بعد عام 2003.

وعلى الرغم من التأثير السلبي لاستفتاء الاستقلال الكردستاني - مؤخرا - على العلاقات بين كردستان العراق وجيرانها الأقوياء - تركيا وإيران - لا تزال الحدود مفتوحة، وتتواصل التجارة الثنائية.

دول صغيرة

في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفي خطوة تذكرنا بعهد البعث، انتقلت بغداد إلى فرض حصار جوي على الرحلات الجوية المباشرة إلى مدينتي أربيل والسليمانية، لكن الأكراد ما زالوا قادرين على الصمود أمام الضغط، إما بالمرور عبر تركيا، أو الصعود إلى الرحلات الجوية الدولية هناك، أو عبر المرور عبر بغداد.

وبينما تمتلك قطر ثروات وحلفاء دوليين أقوياء - فضلا عن الفوائد التي تمنح للدول ذات السيادة - لحماية نفسها، فإن الأكراد العراقيين - بوصفهم طامحين للدولة - تحولوا أيضا إلى أدوات قوة ناعمة من خلال إنشاء محاور قائمة على قيم مثل دعم الديمقراطية، وكذلك من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية والصادرات النفطية، ووضع نفسها كجهة حاسمة ومتناسقة مع الغرب في الحرب العالمية على الإرهاب.

وبعبارة أخرى، تكون الدول قادرة على الصمود أمام الضغوط الخارجية، وخاصة عندما تكون دول صغيرة.

وكما كتب الكاتب التشيكي «ميلان كونديرا»، لا يمكن للدول الصغيرة أن تعتبر وجودها مسلم به؛ «فبالنسبة للدول الصغيرة، لا يكون الوجود يقينا بديهيا، ولكنه يكون دائما مسألة رهان وخطر؛ حيث يكونون في حالة دفاع ضد التاريخ».

وعلى هذا النحو، تسعى الدول، من قطر إلى النرويج وسريلانكا، وكذلك أصحاب الحكم الذاتي والطامحين إلى الدولة، مثل كتالونيا وكردستان العراق، إلى الحصول على مأوى في المؤسسات والشبكات الدولية.

وعلاوة على ذلك، في العالم الحالي متعدد الأقطاب، والعالم غير المنضبط بشكل متزايد - حيث دور المؤسسات الدولية آخذ في الانخفاض - يمكن للدول الصغيرة أيضا اختيار الاحتذاء بنموذج «فنلندا» كبديل للفوضى والحرب، من خلال البقاء على الحياد في الحروب الأوسع نطاقا.

المصدر | ميدل إيست آي

  كلمات مفتاحية

أربيل الدوحة الحصار القطري كردستان العراق اللجنة الرباعية