«نيويورك تايمز»: كيف أدى الفساد والمحسوبية في المصارف لاحتجاجات إيران؟

الثلاثاء 23 يناير 2018 01:01 ص

كانت نسبة الفائدة التي تدفع لحساب التوفير في مؤسسة «بحر قزوين» المالية والائتمانية في طهران 25%، وكان ذلك عائدا أفضل مما يمكن أن يكسبه «مهرداد أسغاري» من الاستثمار في أعماله الخاصة باستئجار معدات البناء، لذا، في ديسمبر/كانون الأول 2016، استغل الفرصة، وقام بإيداع 42 ألف دولار في حساب التوفير.

وقبل وقت طويل، توقفت «بحر قزوين» عن السماح بسحب الأموال، وبعد 3 أشهر، توقفت عن دفع الفائدة، وأخيرا، في مايو/آيار، أغلقت أبوابها، لتصبح واحدة من أكبر الإخفاقات في سلسلة طويلة من فشل المؤسسات المالية الإيرانية في الأعوام الأخيرة.

وقد دمرت عمليات الإغلاق مدخرات الآلاف من الناس، وأدت إلى تعريض النظام المصرفي للخطر، وساعدت على إشعال الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي اندلعت في أنحاء البلاد أواخر العام الماضي.

وكانت المظاهرات، التي استمرت أسبوعا في جميع أنحاء إيران، متمركزة في البلدات والمدن الدينية المحافظة والطبقة العاملة بدلا من طهران، في أوسع مظهر للاستياء منذ احتجاجات «الحركة الخضراء» عام 2009، عقب انتخابات رئاسية متنازع عليها.

ولم يكن توجيه الغضب موجها إلى الرئيس «حسن روحاني» الذي فاز بإعادة انتخابه بعد وعود بتنشيط الاقتصاد، بل أيضا المرشد الأعلى للبلاد «علي خامنئي».

وتم إلقاء القبض على الآلاف من الأشخاص وقتل 25 شخصا، قُتل بعضهم - بحسب ادعاءات أسر الضحايا - على أيدي سجانيهم.

وقال «أسغاري» إنه كان «غاضبا» مما حدث مع «بحر قزوين»، مضيفا أنه انضم إلى المودعين الآخرين المتضررين في المظاهرات التي علم عنها من وسائل التواصل الاجتماعي.

ويقول خبراء الاقتصاد إن سلسلة التعثرات ليست مجرد نتيجة لممارسات مصرفية محفوفة بالمخاطر، بل هي أيضا نتيجة لحالة من الفساد الرسمي، وهو سبب رئيسي لغضب الإيرانيين.

وقد أثار المسؤولون الإيرانيون سلسلة من التصريحات التي ألقت باللوم على الضحايا لعدم توخي الحذر في أموالهم.

وقد تم السماح للعديد من المؤسسات، بما فيها تلك التي اندمجت عام 2016 لتشكيل «بحر قزوين»، بالمقامرة من خلال برامج (مخططات) بونزي، دون عقاب لأعوام، ويرجع ذلك جزئيا إلى امتلاكها من قبل نخب ذات صلات قوية؛ مثل المؤسسات الدينية، أو فيلق الحرس الثوري الإسلامي، أو صناديق استثمار شبه رسمية أخرى في الدولة الإيرانية.

وكان المتظاهرون قد هتفوا في الاحتجاجات ضد الفشل المالي، وقالوا إن الفساد سبب المشاكل.

ويقدر «بيجان خاجبور»، وهو خبير اقتصادي إيراني يعيش في فيينا، أن ما يصل إلى مئات الآلاف من الأشخاص قد خسروا أموالهم بسبب انهيار المؤسسات المالية، ولدى الإيرانيين مصطلح لفئة متزايدة من الضحايا، وهو «الخاسرون العقاريون».

وقد أغرقت العديد من المؤسسات الفاشلة المال في استثمارات المضاربة عبر فقاعة العقارات، حيث أقرضت الأصدقاء المقربين بشكل جيد، أو فرضت أسعار فائدة ضارة للمقترضين اليائسين.

والآن، وجه المنظمون بهدوء العديد من الشركات إلى عمليات اندماج مع بنوك أكبر لمحاولة استيعاب الخسائر، ولكن ذلك أدى إلى تفاقم مشكلة القروض السيئة والأصول المبالغ في قيمتها في جميع أنحاء النظام المصرفي.

ويقول الاقتصاديون إن ما يصل إلى 40% من القروض المودعة في دفاتر البنوك الإيرانية قد تكون متأخرة.

وقال «بورغان نراجاباد»، وهو خبير اقتصادي يعيش في واشنطن: «إن النظام المالي في إيران في حالة هشة للغاية».

وقد حذر صندوق النقد الدولي، الشهر الماضي، من أن البنوك والمقرضين الإيرانيين «بحاجة إلى إعادة هيكلة وإعادة رسملة عاجلة»، ودعا إلى تخفيض قيمة الأصول المبالغ فيها، والقضاء على القروض سيئة السمعة.

وأشار الصندوق إلى أن هذه المشكلة نمت إلى حد كبير، مؤكدا أن «الأموال المطلوبة لدعم البنوك ستؤدي إلى زيادة الديون الحكومية وخدمة الفوائد بشكل كبير».

وقد اعترف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية «خامنئي» بالمسؤولية عن تزايد عدد ضحايا «المؤسسات المالية التي تعاني من مشاكل».

وقال إنه «يجب التعامل مع هذه المناشدات وسماعها، وأنا شخصيا مسؤول، ويجب علينا جميعا اتباع هذا النهج».

وكان الفساد الكامن وراء إخفاقات البنوك، منذ فترة طويلة، سرا غير مكشوف، وفي ديسمبر/كانون الأول، أصدر أحد المشرعين، وهو «محمود صادقي»، وثيقة تتضمن قائمة بأهم 20 من كبار المدينين الذين لم يتمكنوا من الوفاء بالمواعيد النهائية لتسديد مدفوعات مصرف «سرماية» الذي يملكه صندوق المعاشات التقاعدية للمعلمين.

وبلغ مجموع القروض 1.9 مليار دولار، ويبدو أن جميعهم تقريبا كانوا على صلة بعاملين معروفين في المصرف.

وكان من بينهم «حسين هدايتي»، وهو رجل أعمال وعضو سابق في الحرس الثوري، كان ارتفاعه السريع واضحا جدا للمواقع التي تكهنت حول مصادر ثروته المفاجئة.

وأظهرت الوثيقة التي أصدرها المشرع أن «هدايتي» كان مستحقا عليه دفع 285 مليون دولار، وفي برنامج تليفزيوني يناقش القرض، اتهم عضو آخر في البرلمان، هو «محمد حسن نجاد»، «هدايتي» باستخدام سلسلة من شركات الواجهة لتأجيل القروض وإخفاء دوره.

وقد اتصل «هدايتي» بالبرنامج، ونعته غاضبا بالأخرق، ونفى الاقتراض من «سرماية»، وهدد بـ«مقاضاة الجميع»، ولكنه لم ينفذ التهديد بعد.

وبعد الثورة الإيرانية عام 1979، قامت الجمهورية الإسلامية الجديدة بتأميم جميع البنوك في البداية، من بين صناعات أخرى.

كما أنشأت مجموعة متنوعة من الشركات القابضة شبه الرسمية، التي سيطر عليها المرشد الأعلى أو كبار رجال الدين أو كبار القادة العسكريين.

وعلى مر السنين، تطورت العديد من الشركات إلى تكتلات مترامية الأطراف، مع أدوار رئيسية في الاقتصاد الخاص ظاهريا.

وكان رجال الدين يسيطرون على المؤسسات الدينية، التي تسمى «بونيادس»، التي حصلت على الأعمال التجارية.

وقال «هوشنك أمير أحمدي» الخبير الاقتصادي في جامعة روتجرز ، إن أكبر هذه الأموال، تحت سيطرة المرشد الأعلى، تشكل حاليا ما بين 15 إلى 20% من الاقتصاد الإيراني، وتسيطر نخبة فيلق الحرس الثوري على إمبراطورية تجارية منفصلة.

وتتمتع جميع الشركات القابضة «شبه الرسمية» بمزايا كبيرة على الشركات الخاصة، في الحصول على رأس المال والإعفاءات الضريبية والروابط السياسية، وقد عانى معظمها أو جميعها من اتهامات بعدم الكفاءة وسوء الإدارة، بالإضافة إلى التعامل من الداخل وغيره من أشكال الفساد.

واتخذ الإصلاحيون الحكوميون خطوات لفتح الأعمال المصرفية في أواخر التسعينات وأوائل القرن الحادي والعشرين، أولا عن طريق السماح للمؤسسات الدينية بإنشاء مدخرات وقروض خاضعة للوائح فضفاضة، ظاهريا لخدمة الفقراء، وسرعان ما تبع ذلك فتح المصارف الخاصة أو بيع الأسهم في مصارف الدولة.

ولكن تحت قيادة الرئيس المحافظ «محمود أحمدي نجاد» الذي جاء إلى السلطة عام 2005 سيطر الحرس الثوري أو حلفاؤه على القطاع المالي الخاص الجديد.

وأظهرت دراسة داخلية أنتجت في عام 2013 أن هيئات الدولة «شبه الرسمية» تملك 7 من أصل 17 مصرفا خاصا، ومن بين هؤلاء، كان الحرس الثوري يسيطر على اثنين على الأقل، في حين سيطر الجيش والشرطة وبلدية طهران ومؤسسة دينية عملاقة قريبة من الحرس على الآخرين.

ومن بين المؤسسات المالية التي لا تسيطر عليها بشكل مباشر هذه الهيئات «شبه الرسمية»، كان الجزء الأكبر يديره عادة أفراد قريبون من نفس النخبة الحاكمة، كما يقول الاقتصاديون والدبلوماسيون، ويقولون إن ذلك جعل من المستحيل تقريبا رقابة البنوك.

وقال السير «سيمون غاس» الذي كان السفير البريطاني لدى طهران في الفترة من 2009 إلى 2011: «إن مشاركة مؤسسات حكومية مبهمة مثل الحرس الثوري تتعارض مع الشفافية، ويعد انعدام الشفافية وصفة للممارسات المصرفية السيئة، ويحاول البنك المركزي الإيراني فرض الانضباط في النظام، ولكن بنجاح محدود».

وأثرت العائدات الضخمة التي وعدت بها المصارف والمؤسسات المالية على رأس المال الذي كان من الأفضل استخدامه في استخدامات أكثر إنتاجية، الأمر الذي أسهم في حدوث انكماش اقتصادي ناجم جزئيا عن العقوبات الدولية المفروضة بسبب البرنامج النووي الإيراني.

ويقول الاقتصاديون إن ذلك يساعد على تفسير لماذا لم تجن معظم قطاعات الاقتصاد الإيراني خارج صناعة النفط  فوائد إلغاء العقوبات بعد الاتفاق النووي مع الغرب.

وعندما بدأ المقرضون الفشل على مدى الأعوام القليلة الماضية حاول بعض كبار المسؤولين الإيرانيين إلقاء اللوم على المقترضين، مشيرين إلى أن العديد من المؤسسات لم يكن مرخصا بشكل رسمي أو مضمونا من قبل البنك المركزي.

وقال المتحدث باسم الحكومة «محمد باقر نوبخت» في مقابلة مع وكالة الأنباء الرسمية «إيلنا»: «كم مرة تريد أن يلدغك ثعبان من نفس الحفرة؟ لقد حذر المسؤولون من ذلك عدة مرات، لكن الناس استمروا في الاستثمار».

وقال «محمد باقر أولفات» وهو رجل دين ونائب رئيس السلطة القضائية، إن المودعين المتضررين يتقاسمون اللوم مع الجهات المنظمة والجهات التنظيمية.

وقال في تصريح لوكالة الأنباء نفسها: «نعم، أموالهم قد انتهت، ولكن لا ينبغي أن يتوقعوا من الدولة أن تدفع ثمن خسارتهم».

ولم يكن رد المسؤولين في ظل غياب الرقابة والشفافية هو الذي أثار غضب الضحايا، وفي عام 2016، غضب الإيرانيون جراء تسريبات حول المرتبات المرتفعة للمديرين التنفيذيين في الشركات التي تديرها الدولة، بما في ذلك 50 ألف دولار مكافآت مدفوعة لثمانية مديرين لشركة تأمين مملوكة للدولة (بينما يكسب العامل الإيراني 200 دولار شهريا).

وفي هذا السياق، فإن الإفراج عن مشروع الموازنة الذي اقترح زيادة الإنفاق على مشاريع رجال الدين وأسرهم، في الوقت الذي ألغى فيه الدعم النقدي الذي كان من المفترض تقديمه بقيمة 12 دولارا أمريكيا للمواطن شهريا إلى 30 مليون إيراني، ورفع أسعار الوقود بنسبة 50%، كان بمثابة الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات.

وكانوا مستائين من مبلغ 2 مليون دولار أي زيادة بنسبة 9% ذهبت إلى ابن الراحل «شهاب الدين محمد حسين ماراشي النجفي» للحفاظ على مكتبة والده، و15 مليون دولار قدمت لحفيد «الخميني»، مؤسس الجمهورية الإسلامية، لنشر أعمال الزعيم الراحل.

ولكن بعض الإيرانيين كان لديهم بالفعل ما يكفي، وعندما قيل لـ«أسغاري»  في مايو/آيار أن «بحر قزوين» كانت تغلق أبوابها دون أن تسدد له مبلغ 42 ألف دولار، خرج وفحص تطبيقات وسيلة التواصل الاجتماعي المشفرة «تلغرام»، حيث وجد العديد من مجموعات «الخاسرين العقاريين» الذين تعرضوا للخسارة بسبب «بحر قزوين» وغيرها.

وقال: «لقد نظمنا مظاهرات أمام مكتبهم الرئيسي»، وفي ظل الضغط، قامت الحكومة في نهاية المطاف برد معظم ودائعه الأصلية، ولكنها قامت بخصم مدفوعات الفوائد الـ3 التي تلقاها. (حاولت الحكومة منذ ذلك الحين منع استخدام تليغرام في إيران).

وكان «أراش تاجالو» المهندس المدني في طهران البالغ 42 عاما قد أودع ما مجموعه 414 ألف دولار مع «بحر قزوين» في ربيع عام 2016، عندما كانت المؤسسة واعدة وتدفع مدفوعات فائدة تصل إلى 30% سنويا، وبدأت «بحر قزوين» بتقييد سحوباته بعد 6 أشهر، متذرعة بمشاكل فنية مؤقتة.

وقال في مقابلة على «تليغرام»: «ظلوا يشترون الوقت، أسبوعا بعد أسبوع».

وقال إن الدعوى التي رفعها تم دمجها في دعوى جماعية «نظرا للعدد الكبير من القضايا»، وقال إنه انضم إلى الاحتجاجات أمام البرلمان والقصر الرئاسي ومقر المرشد الأعلى، وشارك في اعتصام لمدة 33 يوما خارج المحكمة.

وقد وعدت «بحر قزوين» بسداد نحو 8 من ودائعه الأصلية، لكنه لم يحصل على أي منها.

وقال: «ما زلنا لم نتلق ودائعنا أو الفائدة عليها لمدة 13 شهرا».

المصدر | نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

الفساد في إيران المصارف الإيرانية بحر قزوين المرشد الأعلى الإيراني