استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

في فساد حكم الفرد

الثلاثاء 23 يناير 2018 02:01 ص

ليس بحكم الفرد المستمر في أرجاء بلادنا غير التنصل المطلق من الدرس الذي استخلصته البشرية المعاصرة خلال القرن العشرين من الديكتاتورية النازية التي جاء بها فرد ومن الديكتاتورية الستالينية التي سيطر بها فرد وحزب على مجتمع ودولة.

في بلادنا، مستبدون سطوا على الشعوب ومازالوا يستبيحون الدماء نظير البقاء في الحكم.

في بلادنا، مستبدون وفاسدون آخرون يسومون شعوبهم سوء العذاب بإلغاء الحق في الاختيار الحر وفرض طاعة الحاكم كواجب مقدس يواجه من يبتعد عنه صنوف القمع والعقاب والتنكيل.

فحكم الفرد مآله أن يفضي إلى دمار المجتمع وخراب الدولة، والشعوب التي يتسلط عليها أفراد قد تتعاقب عليها جرائم وانتهاكات حقوق الإنسان دون توقف، والمواطن يشوه وعيه وقد يفقد تدريجيا الرغبة في المطالبة بالحق والعدل والحرية.

ليس بحكم الفرد سوى دليل إدانة للسياسة وفقرها ولإفساد السلطة ولتهافت المتكالبين عليها، دليل إدانة لهم جميعا خاصة حين يقارنون بالنخب الجادة التي تقود القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية وتصنع التقدم الحقيقي.

معاهد البحث العلمي، الشركات العاملة في مجالات التطور التكنولوجي، مؤسسات الرعاية الصحية، الشركات متوسطة وصغيرة الحجم التي تبحث باستمرار عن التميز والتفوق إما بغرض التوسع والانفتاح على أسواق جديدة أو من أجل البقاء وتجاوز الأزمات الاقتصادية والمالية الحادة دون انهيارات مؤثرة، المنظمات الحقوقية والجمعيات الأهلية وشبكات الدفاع عن الحريات.

هؤلاء الفاعلون وغيرهم آخرون في مجالات مجتمعية عديدة يصنعون التقدم الحقيقي من خلال العمل الجماعي وتوظيف العلم والإبداع وحرية الفكر والخيال.

لا قبول لحكم فرد في أوساطهم، ولا رغبة لدى نخبهم الجادة في الالتحاق بشؤون السياسة، ولا نزوع للتورط في أمور السلطة التي لا يرون بها سوى كل ما يتناقض مع قيم وغايات القرن الحادي والعشرين.

حكم الفرد ظاهرة متهالكة تجاوزها واقع المجتمعات المعاصرة بتنوع وتعقد قضاياها، هو عنوان تناقض صارخ بين قواعد العمل الجماعي والتشاركي التي تدار وفقا لها الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المعاصرة حين يضطلع بها القطاع الخاص أو تشرف عليها المنظمات غير الحكومية وبين النهج الرديء في السياسة وأمور السلطة حين تخضع لفرد أو مؤسسة يديرها فرد أو نخبة يسيطر عليها فرد وحين يخير الناس بين الطاعة والامتثال أو القمع والعقاب والتنكيل.

ليس بحكم الفرد غير تدمير للمواطن والمجتمع والدولة.

فالأول يفقد القدرة على الاختيار الحر ويراوح بين مواقع الخوف من القمع التي تدفعه حينا إلى إظهار التأييد للحاكم وفي أحيان أخرى إلى العزوف والصمت، وبين خانات الانسحاب من الشأن العام والبحث عن الحلول الشخصية.

ويصاب الثاني في هويته ككيان للتعاون الطوعي بين أفراد يحتويهم رباط المواطنة بفعل بارانويا التنصت والتعقب والشك والتخوين التي تجعل من كل فرد متآمرا محتملا وتضفي شرعية زائفة على ممارسة السلطة للقمع وإنزال العقاب، والحصيلة هي مجتمع خائف وضعيف يتصارع به الجميع ضد الجميع.

أما الدولة فيدمرها فقدان الثقة الشعبية في مؤسساتها وأجهزتها التي يورطها حكم الفرد في تجاوزات ومظالم وانتهاكات يومية مثلما يفسدها تغول الحاكم وسوء استغلاله لسلطات المنصب العام ووضعه «لأهل ثقته» في مراكز صنع القرار الرسمي على نحو يتناقض كثيرا مع اعتبارات الكفاءة والرشادة والرؤية.

لم تعرف بلاد العرب منذ خمسينيات القرن العشرين غير حكم الفرد، وأعيد دوما التأسيس له وتثبيت دعائمه حال حدوث هبات أو انتفاضات أو ثورات شعبية ديمقراطية.

وتحالفت مع الحاكم الفرد وأهل ثقته النخب الاقتصادية والمالية والفكرية والإعلامية التي صارت تعتمد على رضاء الحاكم لحماية عوائدها وقبلت التبرير الممنهج لسياساته وقراراته بغض النظر عن مضامينها وتداعياتها وتناقضاتها.

لم تعرف بلاد العرب منذ خمسينيات القرن العشرين سوى التعامل التأجيلي مع بناء الديمقراطية وإنهاء القمع والعقاب والتنكيل وإقرار حقوق الإنسان والحريات، تارة بأن يفرض الحاكم الفرد على مواطنيه المقايضة السلطوية الزائفة «الخبز والأمن نظير الحرية».

وتارة بادعاء متهافت مفاده أن «الشعوب العربية غير مؤهلة للديمقراطية وتحتاج لعقود لبلوغ الجهوزية لفهم وممارسة القيم والآليات الديمقراطية».

وتارة ثالثة بمقولات التخويف «إما أنا أو الفوضى» وتنويعاتها الممتدة باتجاه إقران الفوضى بالإرهاب والعنف والطرح الزائف للأمر وكأن مواجهة جرائم الإرهاب والعنف ليس لها غير أن تتناقض مع ضمانات حقوق الإنسان وسيادة القانون.

وها هي ذات المقايضات والادعاءات والمقولات المتهافتة يوظفها في 2018 المروجون لحكم الفرد إن لإجبار الناس على تجاهل ملفات الديمقراطية والحقوق والحريات بحجة تعارض العمل على تحقيق الخبز والأمن والاستقرار وتماسك المجتمع والدولة وبين بناء الديمقراطية، أو لفك الارتباط الإيجابي الذي دللت عليه الانتفاضات والثورات الشعبية في 2010 و2011 بين الديمقراطية وإقرار حقوق الإنسان وبين تحقيق التنمية والاستقرار والعدالة الاجتماعية.

لم تعرف بلاد العرب منذ خمسينيات القرن العشرين إلا اقتناع الحاكم الفرد بقدرته على «الإنجاز» دون عمل جماعي ودون مؤسسات منتخبة، والنتيجة هي طغيان ظواهر سلبية كثيرة مثل سطوة الفردية على أداء مؤسسات وأجهزة الدولة والمحدودية البالغة لأدوات الرقابة عليها وضعف مساءلة ومحاسبة شاغلي المنصب العام.

والنتيجة هي ترويج النخب المتحالفة مع الحاكم الفرد للقدرات الخارقة وللطبيعة الإنقاذية لدور الحاكم وتغييبها لحقيقة أن ضعف الرقابة والمساءلة والمحاسبة هو السبب الحقيقي لإخفاقاتنا المتتالية ولتدمير المجتمعات والدول التي لن ينقذها إلا إقرار الحق والحرية والعدل.

لم تعرف بلادنا إلا سعي حكم الفرد وأهل ثقته والنخب المتحالفة معه إلى تهجير المواطن من الفضاء العام واستدعائه فقط لتأييد الحاكم ومساندة سياساته وقراراته.

وها هي جموع المواطنين التي هبت وانتفضت وثارت مطالبة بالحرية في 2010 و2011 تبتعد مجددا عازفة في إحباط مما آلت إليه الأمور أو خائفة من ظلام القمع والعقاب والتنكيل.

٭ د. عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية وباحث بجامعة ستانفورد، عضو مجلس الشعب المصري السابق.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

حكم الفرد الاستبداد التهديد بالفوضى أهل الثقة النخب المتحالفة القمع والتكيل الخبز مقابل الحرية الديمقراطية حقوق الإنسان