«ساينس مونيتور» تروي قصص صمود النساء في دوما السورية

السبت 27 يناير 2018 08:01 ص

نشرت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية، تقريرا سلط الضوء على حياة مجموعة من السوريات اللاتي يحاولن العيش حياة طبيعية قدر الممكن، بالرغم من الحصار والحرب والمعاناة.

ويشير التقرير الذي أجرته «لميس الزعبي» و«دومونيك سوغويل»، إلى أن «تلك النساء تواجهن صعوبات جمة في توفير الطعام لأطفالهن، وبالرغم من هذا فإنهن يجتمعن كل مرة في بيت إحداهن، ويحاولن التعاون والفرح معا».

وتنقل الصحيفة الأمريكية عن «صباح»، وهو اسم مستعار خوفا من الوضع الأمني لها ولأقربائها: «نحن محظوظون، أتألم على الأطفال الذين ولدوا تحت الحصار ولم يعرفوا سوى الحرب، نحن لدينا ذكريات جميلة تمنحنا القوة».

ولفتت إلى أنها تركت حياتها الميسورة مع زوجها في دبي؛ لتنضم إلى شعبها في الثورة ضد «بشار الأسد».

وبحسب الصحيفة فإن دوما مدينة محافظة، سكانها من طبقة العمال والطبقة المتوسطة، ولم تكن يوما مؤيدة لـ«بشار الأسد»، ولا لوالده من قبله.

وفي ثورة 2011، كان سكان تلك المدينة من أوائل المجتمعات المحلية التي تظاهرت ضد نظام «الأسد»، وضربت القوات الموالية للنظام حصارا عليها منذ عام 2013، وحدّت من حركة الناس والطعام والوقود والمساعدات والإمدادات الطبية. 

ويفيد التقرير بأن مجموعتين إسلاميتين مسلحتين تقومان اليوم بالتنافس على السيطرة على المنطقة، وتبقيان جبهة مفتوحة مع النظام، مشيرا إلى أن روسيا وإيران وتركيا توسطت للتوصل إلى اتفاق تهدئة في الغوطة الشرقية، حيث تقع دوما، ولا يزال 400 ألف نسمة بها عالقين، لكن السكان يقولون إن الأيام التي تخلو من القصف والغارات الجوية هي الاستثناء.

وتذكر الكاتبتان أنه بعد أن تم تدمير بيت «صباح»، فإنها حولت شقة والديها في دوما إلى ملاذ آمن للنساء، ليصبح مكانا «يجتمعن به ويتسلين معا حتى ولو لفترة قصيرة، بالإضافة إلى أنها تعمل مع مؤسسة خيرية لدعم الأرامل والمطلقات والأمهات الوحيدات، حيث يجتمعن ويتحدثن في السياسة، وتطور الأوضاع والأسعار، ويتبادلن الوصفات التي تأخذ بعين الاعتبار قلة السلع المتوفرة في مدينة محاصرة، ويتحدثن عن كيفية إطعام أطفالهن»، وذلك في منطقة تصل فيها نسبة سوء التغذية الحادة بين الأطفال تحت سن الخامسة إلى حوالي 12%، بحسب الأمم المتحدة.

وتورد الصحيفة أن سورية اختارت لنفسها اسم «شمس»، للدواعِ الأمنية نفسها، التقت «صباح» في 2011، عندما أتت لتأخذ منها موادا طبية، وكانت نساء الغوطة في ذلك العام يلتقين معا لتنظيم المظاهرات، ولنقل الأدوية للمستشفيات الميدانية عادة في حقائبهن، ويوزعن المواد الغذائية على العائلات المحتاجة.

وينقل التقرير عن «شمس»، قولها إنه قبل ذلك «كانت الحياة بسيطة وتفتقر إلى الحركة»، حيث كانت تعيش مع والديها، وكانت توزع أيامها بين العمل الاجتماعي وبين حياكة أغطية الطاولات، ولم تهتم بالسياسة حتى شهدت مداهمات الأمن العشوائية في حارتها.

وتضيف للصحيفة أنه لحسن الحظ أن ضابط أمن غض الطرف عن ابني عمها، اللذين يعيشان في البناية ذاتها، وعمرهما يعني أنه يمكن أخذهما للخدمة العسكرية، في الوقت الذي تم فيه ضرب شباب آخرين وتحميلهم في السيارات، وتقول: «علمت حينها أنهم (النظام) لا يعاملوننا بصفتنا بشرا.. ونحن رأيناهم على حقيقتهم».

وتستدرك الصحيفة بأنه مع أن النساء يتشاركن لحظات فرح ومرح، إلا أنهن أيضا يتشاركن أسوأ مخاوفهن، مثل أن تخرج إحداهن لقضاء حاجة ولا تعود، أو أن تعود لبيت قد هدم على أهلها.

ويشير التقرير إلى أن «سارة»، البالغة من العمر 27 عاما، تعمل في مدرسة ابتدائية، التي تبدأ مبكرا كباقي المدينة؛ تحاول القيام بأكبر قدر من العمل قبل أن تبدأ الطائرات تحوم في أجواء المدينة، حيث تبدأ بإعطاء الدروس في السادسة صباحا، وهي معلمة للصف الأول الابتدائي، ولديها 30 طالبا، كثير منهم يعانون من صعوبة في التعلم؛ بسبب الصدمات التي أصيب بها جراء الحرب.

ولفتت إلى أن المدرسة طورت نظام إنذار، بحيث يقوم الأطفال والمدرسون بالاختباء في ملجأ تحت الأرض، إن كان هناك قصف أو غارات.

وتقول «سارة» للصحيفة: «أذهب للعمل ولا أدري إن كنت سأعود أم لا، وأسوأ من ذلك، إن كنت سأجد بيتي سليما وأخوتي أحياء إن استطعت الرجوع.. عندما يقع القصف في المدرسة فإن قلقنا يكون مضاعفا، إنه أمر مخيف لأننا نخشى على سلامة الأطفال ونقلق كيف سيصلون إلى بيوتهم».

وتقول الكاتبتان إن «الظروف تسببت بصدمات لا تحصى لسكان الغوطة، بحيث يمكن لتلك النساء أن يتحدثن لأيام عن تلك الصدمات: أول مرة تمت مداهمة بيوتهن، أول مرة قطعن حاجزا، أول مرة رأين شخصا قتله قناص، أو كيف استخدمن الأنفاق للخروج من دوما وشراء بعض الحاجيات، أو زيارة الأقارب قبل أن يقوم النظام بتدمير تلك الأنفاق».

وتلفت الصحيفة إلى أن «تلك النسوة تعلمن كيف يتعاملن مع الحياة تحت الحصار، حيث تقول صباح بشيء من المزاح، إن قوة النساء في دوما تأتي من التعامل مع رجال عنيدين محليا، كما تأتي من كون المرأة تؤدي دورا مهما في الاقتصاد المحلي».

وتضيف «صباح» للصحيفة «في الماضي عندما كانت دوما في غالبها أراضي زراعية كانت المرأة تشارك في حرث الأرض وزرعها مع الرجال، وكانت تقوم بالنسج عندما لا يكون موسم الحصاد، واليوم وبالرغم من الحصار فإن المرأة نشيطة».

وبحسب التقرير، فإن «صباح» تشعر بأنها محظوظة؛ لأن لديها مولدات كهرباء تكفي للإنارة وشحن الأجهزة، وإن كانت لا تكفي لتشغيل ثلاجة، مستدركا بأنه مع أن أسعار الوقود مرتفعة، إلا أن «صباح» لا تتردد في استخدام القليل الذي لديها لتشغيل السماعات والهاتف لسماع بعض الأغاني، فـ«الذكريات الجميلة وحدها لا تكفي للاستمرار في الحياة بل هناك حاجة لذكريات جميلة جديدة».

وتقول «سارة» بدورها إنها مستعدة للذهاب إلى بيت «صباح» في أي وقت للتسلية، حتى لو كان هناك قصف، مشيرة إلى أن أجمل ذكرياتها تحت الحصار كان عرس «لمى» ابنة «صباح»، الذي تم العام الماضي في يوم كان حافلا بالقصف.

وتنقل الكاتبتان عن «سارة»، قولها إنه «خلال تسريح شعر العروسة أطفأ رجال الإطفاء حريقا في البناية المجاورة، وكانت الطائرة تحوم في الجو، في الوقت الذي كانت فيه لمى في السيارة متجهة إلى قاعة الأعراس، مستدركة بأن ما حصل أن أحد عجلات السيارة خرق وكان يجب تغييره، وخشيت لمى أنها لن تصل إلى القاعة في الوقت المحدد، ولكنها وصلت لتجد القاعة مليئة بالمحتفلين».

وتختم «كريستيان ساينس مونيتور» تقريرها بالإشارة إلى أن لجنة الحسبة التابعة لفصائل الثوار الإسلامية لم تسمح للعريس بدخول القاعة، وسمح له بأن يبقى على الباب هو وأصدقاؤه، ومع هذا استمر العرس وغنى النساء والرجال، وفرحوا بالعروسين.

المصدر | الخليج الجديد + عربي 21

  كلمات مفتاحية

سوريا دوما حرب قصف خطر نساء المرأة السورية صمود