«ميدل إيست آي»: هل يكون «غل» هو المنقذ غير المتوقع للمعارضة التركية؟

الثلاثاء 30 يناير 2018 12:01 م

في الأيام الأخيرة من عام 2017، تم الإعلان عن حالة جديدة من حالات الطوارئ في تركيا، فضلا عن توفير الحصانة للمدنيين الذين شاركوا في قمع محاولة الانقلاب في يوليو/تموز عام 2016 ضد الحكومة التركية، الأمر الذي أثار حربا غير متوقعة من الكلمات بين الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» وسلفه «عبدالله غل».

إعلان حرب؟

وفي تغريدة يوم 25 ديسمبر/كانون الأول، قال «غل» إنه يحبذ إعادة النظر في صياغة المرسوم من أجل تجنب المشاكل المحتملة الناجمة عن غموض محتوى القانون.

وفي حين أن التغريدة كان قد تم صياغتها بعناية ودبلوماسية بشكل خاص، لكنها كانت كافية لإشعال غضب «أردوغان» لتقديم توبيخ قوي لـ«غل».

وقال «أردوغان»، ليلة رأس السنة، إن «الذين لم يتكلموا أو يتفاعلوا أو يتصرفوا عندما تُحرق تركيا والعالم الإسلامي، وعندما تتجرع البشرية المرارة، يظهرون فجأة ويتحدثون عن كل القضايا».

وأضاف: «ما معنى ذلك؟ ما سبب رد الفعل المفاجئ هذا، هل إثارة البلبلة؟»

وبالنسبة لأولئك الذين يتابعون السياسة التركية عن كثب، كانت التوترات بين «أردوغان» و«غل» واضحة لفترة طويلة، ولكن هذا الإعلان المفتوح للحرب بين الاثنين لا يزال مفاجأة.

وشارك «غل» في تأسيس حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى جانب «أردوغان» و«بولنت أرينك» و«عبد اللطيف سنر»، وشغل منصب رئيس تركيا بين عامي 2007 و2014، بينما كان حليفه السابق رئيسا للوزراء.

وكان من المعروف أن لديهم خلافات في الرأي حول العديد من القضايا الرئيسية طوال حياتهم السياسية (على سبيل المثال كانت هناك تقارير عن خلاف بين «غل» و«أردوغان» حول التعامل مع الاحتجاجات في عام 2013، حيث لم يرغب «غل» في تصعيد الوضع)، ولكن الشقوق في شراكتهما لم تظهر للجمهور حتى عام 2014.

وفي ذلك العام، عندما أكمل «غل» فترته الرئاسية، لم يمهد «أردوغان» له الطريق للعودة إلى دور رئيس الوزراء، ودفعه عمليا بعيدا عن المسرح السياسي، ورد «غل» بعدم تجديد عضويته في حزب العدالة والتنمية، ورفض حضور المناسبات الاجتماعية إلى جانب «أردوغان».

ومنذ ذلك الحين، أصدر «غل» بعض التصريحات الهامة والحذرة ضد ممارسات «أردوغان»، ولكن لم يذهب أبدا بما فيه الكفاية لتحريض رد فعل قوي من الرئيس، حتى الآن.

وكانت المواجهة العامة غير المتوقعة - مؤخرا - بين الاثنين صاخبة بشكل خاص، رغم ما عرف عن «غل» بأنه لاعب سياسي حذر، وشخص لا يسبب الجدل من أجل الجدل، ولا يتخذ مخاطر غير محسوبة.

ولذلك، فإن موقفه الأخير ضد «أردوغان» أثار آمالا بين المعارضة التركية بأن الرئيس السابق قد ينضم إليهم، بل قد يعارض صديقه القديم في انتخابات الرئاسة العام المقبل.

وأثار هذا الاحتمال معارضو «أردوغان» في تركيا لعدة أسباب، أولا وقبل كل شيء، هناك مجموعة واسعة من الناس في تركيا الذين قد يرغبون في ظل الظروف الصحيحة التصويت لصالح «غل»، من الناخبين يمين الوسط غير الراضين عن الاتجاه الذي اتخذه الحزب تحت قيادة «أردوغان»، للديمقراطيين الاجتماعيين والليبراليين والأكراد.

الأفضل في «المجموعة السيئة»

ولا يعتبر ھؤلاء الناس مؤیدون بقوة لـ«غل»، حیث ما زال الکثیرون في المعارضة التركیة شدیدة التأثیر - خاصة أولئك الذین لم یصوتوا لصالح حزب العدالة والتنمية أو «أردوغان» في العقد الأخير على الأقل - يتذكرون بوضوح عمله كذراع «أردوغان» اليمنى.

ومع ذلك، في غياب مرشح المعارضة الذي قد تكون لديه القدرة على جمع فصائل مختلفة من المجتمع التركي ضد «أردوغان»، قد يعتقدون أن «غل» هو «الأفضل في المجموعة السيئة».

وبالنسبة لهم، يعتبر «غل» عدوا محترما، شخصا يلعب لعبة السياسة وفقا للقواعد، وبالنسبة لهم، فهو كـ«جورج دبليو بوش» إلى «ترامب» بالنسبة للمقارنة مع «أردوغان» (ارتفعت معدلات الموافقة على «بوش» بعد أول عام لـ«دونالد ترامب» في المنصب، وذلك بفضل الديمقراطيين والمستقلين).

وقد لا يتفقون مع مواقف «غل»، ولكن في غياب بديل أكثر قابلية للبقاء يمكن أن يصوتون له دون ندم.

ويبدو أن أنصار «أردوغان» على دراية بالتهديد الذي قد يشكله الرئيس السابق «غل» للرئيس الحالي، حيث بدأوا بالفعل في التعبير عن استيائهم من شعور «غل» الجديد بالواجب في معارضة ممارسات الحكومة المثيرة للجدل.

بيدق للمعارضة؟

وفي حين ركز بعض المحللين المؤيدين لـ«أردوغان» على «خيانة» «غل» المحتملة للرجل الذي «جعل مهنته السياسية في حد ذاتها ممكنة»، جادل آخرون بأنه ليس سوى بيدق بأيدي للمعارضة.

وفي عمود صحفي، في 5 يناير/كانون الثاني، عنوانه «غل ليس لديه فرصة»، ادعى «إنجين أرديتش»، الكاتب بصحيفة «الصباح» الموالية للحكومة، أن المعارضة التركية تحاول بشكل يائس،  وإن لم تنجح، تحويل «غل» إلى «إيمانويل ماكرون» التركي.

وأضاف أن ترشيح «غل» لن يحقق شيئا سوى تأجيل انتصار «أردوغان» الحتمي إلى الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، ما يسمح للمعارضة بادعاء انتصار لا معنى له في الجولة الأولى.

وكان كاتب العمود «لطيف أردوغان»، الذي كان من أبرز حلفاء «فتح الله كولن» منذ عقود قبل محاولة الانقلاب، واقترب منذ ذلك الحين من الحكومة التركية، قد وصف محاولة «غل» المزعومة للرئاسة بأنها «انتحار سياسي».

وفي 30 ديسمبر/كانون الأول، قال: «لقد فقد غل الكثير من المصداقية، نتيجة لما قاله خلال حادث حديقة غيزي، والآن، مع بيانه الأخير، لقد ضحى بمستقبله السياسي تماما».

كما يبدو أن كوادر حزب الشعب الجمهوري، المعارضة الرئيسية في تركيا غير سعداء بعودة «غل» إلى الساحة السياسية، وقال زعيم الحزب «كمال كيليتشدار أوغلو» إنه قد ينظر في الترشح ضد «أردوغان» في عام 2019، وحزب العدالة والتنمية، وعلى نحو مفهوم، فهو لا يريد لـ«غل» أن يظهر كمنافس جديد قوي في السباق.

وردا على سؤال حول الشائعات حول ترشيح «غل»، قال المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري «بولنت تزكان» إنهم يعتقدون أن الرئيس السابق قد تحدث ضد مرسوم «أردوغان» المثير للجدل ببساطة بدافع «الشعور بالمسؤولية».

وقال إن «حزب العدالة والتنمية يحاول التشكيك في انتقادات غل بشأن المرسوم، بقوله إنه يتصرف كذلك لأنه يريد الترشح للرئاسة». وأضاف: «لن نكون جزءا من هذه الحجة».

مرشح مقبول

ومن جانبه، لم يؤكد «عبدالله غل» بعد نيته الترشح للرئاسة، لكنه امتنع أيضا عن رفض الشائعات، ومن المعروف أن «غل» يحسب بعناية كل خطوة له، وأنه من غير المرجح أن يتحدي «أردوغان» في سباق مهم مثل هذا قبل التأكد من أن لديه فرصة جيدة للفوز.

وفي الوقت الراهن، يبدو أنه ينتظر ويقيم ببساطة ما إذا كان «أردوغان» قد خسر ما يكفي من رأس المال السياسي على مر السنين، وأصبح ضعيفا بما فيه الكفاية لخسارة الانتخابات.

وبطبيعة الحال، إذا قرر «غل» أن يدخل السباق ضد صديقه السابق، فإنه يظل يواجه احتمال هزيمة محرجة، شبيهة بتلك التي عاشها «إكمال الدين إحسان أوغلو»، السكرتير السابق لمنظمة التعاون الإسلامي، المرشح تحت مظلة المعارضة في الانتخابات الرئاسية لعام 2014.

وفي ذلك الوقت، كانت غالبية المعارضة التركية، بما فيها حزب الشعب الجمهوري، تعلق آمالها على هذا المرشح المحترم والمتحفظ والحزبي، لكنه فشل في مواجهة ولاء الجماهير التركية لـ«أردوغان»، وانتهى به المطاف وقد نجح «أردوغان» في الحصول على لقب «أول رئيس منتخب في تركيا» كان رئيسا للوزراء آنذاك، على طبق من ذهب.

وتماما مثل «إحسان أوغلو»، فـ«غل» ليس «أردوغان»، ويبدو أن هذا هو السبب الوحيد وراء اعتباره مرشحا مقبولا للرئاسة من قبل بعض قوى المعارضة، ولكن ذلك قد يكون أيضا أكبر عقبة أمام طموحاته الرئاسية (الشائعات).

وفقط وحده الوقت سوف يقول ما إذا كان سوف يجرؤ على الترشح ضد صديقه السابق الذي لم يخسر أي انتخابات في أكثر من عقد من الزمان، وما إذا كان سيحاول أن يصبح المنقذ غير المتوقع للمعارضة التركية.

  كلمات مفتاحية

عبد الله غل المعارضة التركية سباق الانتخابات