«الطيب والشرير والقبيح».. فيلم يكتشف الأخلاق على الطريقة الأمريكية!

الأربعاء 31 يناير 2018 08:01 ص

أزمة بعض الأفلام الكبرى أنها تمثل حالة في حد ذاتها من التعبير عن الانفلات والضياع الأخلاقي في مجتمع يُفترض أنه يقود العالم، فضلا عن أن هذه النوعية من الأفلام حينما يتعرض إليها نقاد غربيون وشرقيون ينظرون إليها على أنها تمثل حالة اعتيادية من حالات التجمع البشري.

وهكذا تُقلب الحقائق، وتبدأ المأساة في التفاقم حينما يتم النظر إلى الأوضاع الاستثنائية على أنها عادية لا تستحق التعجب الشديد أو الاستغراب، وباختصار فيلم اليوم هو أحد هذه الأفلام.

فيلم «The Good ,The Bad and The Ugly أو الطيب والشرير والقبيح»، فيلم أمريكي إيطالي ألماني أسباني مشترك، وهو للحقيقة لا يعبر عن مجرد فيلم سينمائي، أو عمل درامي عُرضَ على الشاشة الكبيرة في عام 1966، بل إنه يمثل نقطة التقاء أو مركزًا دراميًا لعدد من الأفلام التي سادت في عصره، وبعد أكثر من 60 عامًا، سواء من حيث الشكل أو المضمون.

ومثل الفيلم ظاهرة «سبايتي وينسترن» أو خير مثال سينمائي على الأفلام التي أخرجها إيطاليون، ودارت أحداثها في الغرب الأمريكي في فترة الحرب الأهلية من القرن التاسع عشر.

والفيلم نفسه هو قمة المثلث المباشر أو الهرم لثلاثية أُطلقَ عليها «ثلاثية الدولارات» للمخرج الإيطالي «سيرغيو ليون»، وهي أفلام تم تنفيذها غالبًا بنسختين إحداهما ناطقة بالإيطالية، والأفلام الثلاثة تكلفت قرابة 3 ملايين دولار، وجمعت أرباحًا قُدرتْ بـ58 مليون دولار، وهو ربح بالف الوفرة بلغة نهاية الستينيات من القرن الماضي.

والأفلام الثلاثة لا تعد في سياق درامي واحد، أو نوعية أفلام الأجزاء المسلسلة المترابطة الأحداث، لكنها أفلام يربطها حب المال (الدولارات) مع الاختلاف في زمن العرض والمضمون وحتى دور كل ممثل واستبعاد هذا وإضافة ذاك أحيانًا.

ثم إن هذه النوعية من الأفلام أثمرت وأفرخت عددًا كبيرًا من الأفلام، التي تناولت نفس الفترة من التاريخ الأمريكي وصولًا إلى فيلم «جانغو الحر» الذي تم إنتاجه عام 2012، وتناولناه هنا منذ أسابيع.

وصارت هذه الأفلام ماركة مسجلة إن جاز اللفظ حتى إن موسيقى فيلم اليوم التصويرية الرائعة تشابهت مع أفلام أخرى، وقام بوضع عدد منها الموسيقار الإيطالي «إينو موريكون»، فضلًا عن أن الفيلم حاز المركز التاسع في قائمة أفضل 250 فيلمًا في التاريخ.

صائدو الرؤوس والجوائز   

هناك قصة توراتية قديمة تحكي عن ثلاثة من اللصوص يبحثون عن كنز، وعند وصولهم إليه يُعميهم المال فيقتلون بعضهم بعضًا تاركين الذهب وراءهم مع الدابة دليلًا على العمي البشري لما يُصيب الضمائر والعقول.

القصة لما انتقلت لفيلم اليوم اختلفت؛ فالمال لابد له ممنْ ينفقه، والطمع لابد له من مكان أيضًا، بخاصة إذا ما كانت الحضارة الأمريكية قائمة عليه من الأساس، ومن هنا جاءت خلطة الفيلم.

بطل الفيلم المطلق أشقر مميز بسيجاره المدبب من أسفل، والمعطف الذي لم يغيره أو حتى ينظفه عبر أجزاء الفيلم الثلاثة، إنه مثال للأمريكي المجهول الأصل، فلا أهل ولا عائلة أو حتى أصدقاء، وإنما هو إنسان ممسوخ النسب والوجدان يجيد القتل والتصويب واللعب بالمسدسات، حتى أنه وهو الطيب بحسب اسم الفيلم قتل 11 رجلًا، غالبًا لم يكن يعرفهم وإنما هو قتل للتشفي أو اشتهاء العنف، ورغم كل هذا اعترض (كلينت إيستوود) صاحب الدور على مساحته التي رأها قليلة على الشاشة.

والأمريكي الذي بلا اسم (الطيب حسب الفيلم) يُصاحب اثنين من القتلة الأقل إجرامًا منه.

الأول هو «الشرير»، الذي قتل 3 أشخاص فحسب، وهو فرنسي الأصول اسمه «إنغل آيز» أو الممثل (لي فان كليف)، وهو قاتل محترف يقتل نظير المال، ولو أنهى حياة خصمين طالما دفع كلاهما له؛ فالمهم لديه أنه متى أخذ المال قتل أيًا ما كان القتيل أو دافع القتل (!).

والثاني هو «الوقح» وقد أدى دوره الممثل الإيطالي (إيلي والاش) في دور «توكو» المحدود الذكاء البالغ الطمع، والذي قتل 6 أشخاص، واغتصب عددًا من النساء، وكان يوقف القطارات ليسرقها اللصوص.

وأخذ «توكو» مساحة أكبر من بطلي الفيلم الآخرين، وعشرات الأشخاص المشاركين فيه؛ فهو مطلوب في 9 ولايات، ومقابل رأسه تضع الحكومة الفيدرالية مبالغ ترتفع مع الوقت، فيذهب مع الأمريكي الأشقر إلى كل ولاية ليقتسما مبلغ المكآفاة الخاصة بصائدي الجوائز أو الرؤوس ثم يهربان.

يتفق المجرمون الثلاثة ضمنيًا على تتبع جندي فيدرالي نجح في خضم الحرب الأهلية في سرقة 200 ألف دولار، وتخبئتهم في الغرب الأمريكي، منتهزًا فرصة الحرب الطاحنة، لكن الجندي يُقتل بعد أن يفصح عن مكان الأموال للأشقر الأمريكي والإيطالي «توكو»؛ بحيث يجب أن يجتمعا ليصلا للكنز معًا.

وطوال الطريق إلى المقابر المدفون المال فيها، والمجرمان يتبادلان محاولة قتل بعضيهما، ويقعان في أسر القوات الفيدرالية مرتين في إطالة متعمدة لزمن الفيلم (بلغ قرابة 3 ساعات).

في المرة الأولى يتعرف عليهما القاتل الأجير الفرنسي «آيز»، ويحاول تفريقهما.

وفي الثانية يكتشفان عبثية الحرب الأمريكية الأهلية، وفوضى الفريقين المقتتلين؛ فيتفقان مع القائد الفيدرالي على نسف الجسر الذي تدور المعارك مع الانفصاليين بأعلاه كرغبة مؤقتة في إنهاء القتال وإشارة لعبثية المجتمع والحضارة الأمريكية.

وعند الكنز يجتمع الثلاثة؛ جميعهم مسلح، وبارع في الصيد بالرصاص، ليتوقف الفيلم لدقائق بلا تقدم درامي سوى وقوف الثلاثة أبطال في مواجهة بعضهم بعضًا مع الرعب والعرق الذي يغمر وجوههم.

وتأتي نهاية الفيلم مفتعلة فاترة، رغم سخونة أحداثه؛ باقتسام الأشقر والإيطالي للمال، ومقتل الفرنسي أو (الشرير)، حسب الفيلم، في إعادة تأصيل للمضامين الحياتية الأخلاقية؛ فالطيب هو الأكثر سفكًا للدماء وحرصًا على نفسه، وهو طيب لمجرد كونه أمريكيًا، ولو كان قاتلًا مصاصًا للدماء.

أما الإيطالي الوقح فيفوز بنصف المال لمجرد كونه غبي يمكن التعايش مع إجرامه، بينما الفرنسي القتيل (الشرير) الأقل قتلًا من البطلين الآخرين؛ فجرمه ليس إلا كونه غير خفيف الظل في مجتمع وحضارة تقبل المجرمين ولا تستسيغ المُختلفين معها، وإن كانوا أقل إجرامًا من غيرهم (!).

  كلمات مفتاحية

سينما الطيب والشرير والقبيح The Good The Bad and The Ugly

فيلم Gloria Bell يواجه أزمات المرأة عند بلوغها الخمسين